الأسد يحاول تعزيز شرعيته بـ البلطجة والوحشية
الأسد يحاول تعزيز شرعيته بالبلطجة والوحشية
إبراهيم درويش
لندن ـ ‘القدس العربي’: وصفت صحيفة “التايمز″ البريطانية خطة الحكومة السورية عقد انتخابات في الثالث من حزيران/يونيو المقبل بأنها عملية اقتراع المزور. وقالت إن الإنتخابات ما هي إلا محاولة لتعزيز “موقع حاكم وحش وغير شرعي”.
وأشارت الصحيفة لرد الحكومات الغربية والولايات المتحدة على الإعلان بأنه سخرية من الديمقراطية. فالتصويت ليس إلا صورة عن ممارسات الحكام الشموليين الذين يبحثون عن مظهر من مظاهر الشرعية عبر التزوير والبلطجة.
وتعتبر إهانة للشعب السوري الذي قضى بشار الأسد السنوات الثلاث الماضية وهو يقوم بذبحه وإجباره على الخنوع.
وتضيف أنه منذ بداية التظاهرات السلمية قتل أكثر من 150.000 وتشرد الملايين في بلادهم والمنافي، “وأيا كان سبب ما حدث فالأسد يتحمل المسؤولية لأنه لجأ إلى القمع والقتل الجماعي وفضلهما على التفاوض، ومن هنا فالإنتخابات ليست إلا وسيلة لتعزيز النظام غير الشرعي عبر الإستفزاز والتهديد”.
وتضيف “كما كان متوقعا فقد انهارت المحادثات في جنيف التي عقدت في شباط /فبراير، وكانت الأطراف المشاركة مختلفة فيما بينها، ومنها حول مسألة استمرار الأسد في السلطة، ومرة أخرى فاللوم يقع وبشكل كامل على الأسد الذي وقف بعناد ضد أية ترتيبات لتشكيل حكومة انتقالية”.
مهزلة
وتشير أيضا إلى قرار الحكومة السورية الشهر الماضي عندما مررت قانونا اشترط على أي مرشح أن يكون ممن الذين يقيمون في سوريا منذ 10 أعوام. وعليه يستبعد هذا القانون المعارضة السورية في الخارج والمرشحين الذين هربوا من بلادهم نتيجة للقمع “ببساطة فلا يمكن عقد انتخابات حرة ونزيهة في وقت يقوم فيه النظام بطرد وقتل الناخبين، وعليه يمكن أن نصفها بالمهزلة التي تبدو كوميديا سوداء، وكما تبدو فهي شفافة ولكنها مقرفة”.
وصل بالتزوير
وتذكر الصحيفة بالطريقة التي وصل بها الأسد للسلطة من خلال حكم عائلته، بعد وفاة والده عام 2000 حيث قامت النخبة الحاكمة بتأمين وصوله. وأمن انتخابه مرة أخرى عام 2007 بنسبة 98′ .
ومع أن الأسد لم يعلن عن نيته الترشح لولاية ثالثة في التمثيلية الإنتخابية ولكن لا يوجد ما يشكك في عدم ترشحه.
و”حتى لو كانت هناك إمكانية لعقد انتخابات في مناطق تعرضت للقصف والتدمير، فسيكون من العبث أن تتم عملية انتخابية شرد فيها أكثر من 6 ملايين قد تحقق انتخابات حرة وتؤدي لنتيجة نزيهة، ولن يكون هناك أي مرشح جاد يواجه الأسد غير المرشحين الوهميين.
وتختم بالقول إن النزاع السوري عادة ما يشار إليه بالحرب الأهلية ولكنه في الحقيقة “يشبه الحرب في البوسنة في تسعينيات القرن الماضي حيث تم الهجوم على الناس من خلال نظام آبق، ولكن المخاطر لا تزال كبيرة، من ناحية الدور البارز الذي يلعبه المتشددون الإسلاميون في النزاع والثمن الإنساني الباهظ من خلال استخدام الأسلحة الكيميائية وغاز الأعصاب وواحد من هذه الهجمات يعتقد أنه غاز الكلورين والذي تم هذا الشهر على قرية بيد المتمردين قرب حماة، وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أيضا عن وجود أدلة ولكن لا يوجد دليل قاطع عن استخدام الأسلحة” مضيفة أن “الأسد قد فشل في الإلتزام بالمواعيد للتخلي عن ترسانته الكيميائية وهو قادر على استخدامها مرة أخرى، ويعرف انه لن يعاقب خاصة أن من يواجهه غرب ضعيف ويلقى دعما من روسيا” ومن هنا “فالإنتخابات هي جزء من حملة عدوان”.
سياسة فاشلة
وفي نفس السياق تقول صحيفة “واشنطن بوست” إن الأسد يشعر بنوع من الثقة ولهذا قام بتحديد موعد الإنتخابات التي ستجري بعد 6 أسابيع من الآن والتي ستمدد ولايته في الحكم لمدة 7 أعوام، ولماذا لا؟ تقول الصحيفة “فبعد ثلاثة أعوام من الحرب الأهلية، تواصل القوات التابعة للحكومة تحقيق مكتسبات نوعية ضد جماعات المقاتلين على الأرض، وفي هذا الإسبوع تحدثت تقارير عن اقتراب القوات الحكومية من السيطرة على مدينة حمص، التي كانت تعتبر معقل الثورة، وعاد النظام لاستخدام الأسلحة الكيميائية بدون خشية من المحاسبة” في إشارة للهجوم على كفر زيتا وضربها بغاز الكلورين.
ومع أن الاسد يقوم بعرقلة وصول المواد الإنسانية لـ 4 ملايين مدني في تحد واضح لقرار مجلس الأمن الدولي لكن لا يوجد أي رد فعلي عليه. وترى الصحيفة أن الحكومة الأمريكية، القوة الوحيدة التي تملك الوسائل لإنهاء جرائم الأسد ضد الإنسانية التي تعبد الطريق أمام إعادة انتخاب الأسد للرئاسة لم يعد لديها استراتيجية واضحة، ففي 26 آذار/مارس الماضي ردت مساعدة وزير الخارجية آن باترسون على سؤال من لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ حول سياسة الإدارة واعدة بتقديم شهادة سرية أمامهم، كما ووعد وزير الخارجية جون كيري بالأمر نفسه عندما طالبه النواب من الحزبين تقديم إجابات حول سوريا وذلك في 8 نيسان/إبريل.
ندرس الوضع
فيما اعترفت المتحدثة باسم الخارجية جينفر بساكي أن إعادة ترشيح الأسد نفسه يعتبر مخالفة للمحادثات المدعومة دوليا بين المعارضة والحكومة، وعندما سئلت عن هذه المحادثات إن كانت لا تزال حية أم لا؟ أجابت ” لا نزال نعمل من أجل تحديد الخطوات القادمة”.
وتحدثت عن “إشارات” استخدام النظام لغاز الكلورين، ولكنها ردت عندما سئلت عن الكيفية التي سترد فيها الولايات المتحدة قال “لا نزال نعمل على تحديد أحسن الآليات من أجل الوصول إلى الحقائق”.
وتضيف الصحيفة “من الصعوبة بمكان فهم بطء الإدارة في التحقيق في تقارير حول استخدام الأسلحة الكيميائية، فالحادث يقوض الإنجاز الوحيد للرئيس أوباما الذي يدعيه فيما يتعلق بسوريا أي تسليم وتدميرالعوامل الكيميائية التي يملكها النظام، وقد تم تدمير نسبة 80′ من الأسلحة، ويتوقع الخبراء أن يتجاوز النظام موعد 27 نيسان/إبريل ونقل ما تبقى من الأسلحة لخارج البلاد، ويضاف لهذا فغاز الكلورين ليس مشمولا بالإتفاق مع أن ميثاق حظر الأسلحة الكيميائية يمنع استخدامه في الحرب”.
ومع ذلك لم تكن الإدارة وبشكل كامل جامدة، ففي الأشهر القليلة الماضية وبضغط من السعودية وحلفائها في المنطقة قامت بزيادة وإن متواضعة للدعم العسكري السري الذي تقدمه للمقاتلين. وكانت مراسلة الصحيفة كارين يانغ قد أشارت لوصول صواريخ مضادة للدبابات واستخدمها المقاتلون، لكن الرئيس أوباما لا يزال يعارض إرسال صواريخ مضادة للطائرات كي يستخدمها المقاتلون لمنع الطائرات السورية من رمي البراميل المتفجرة على المناطق السكنية.
وفي المحصلة فزيادة الدعم العسكري لن يكون كاف لحرف ميزان الحرب لصالح المقاتلين، ولا لتحقيق هدف أوباما بإزاحة الأسد عن السلطة. وعندما سئلت بساكي إن كانت “أيام الأسد باتت معدودة”، أجابت بالتأكيد”نعتقد ذلك”، و”ربما تعول الإدارة على أن يقوم الأسد بالتنحي عن السلطة بعد إكماله فترته الرئاسية الثالثة- السبع سنوات القادمة”.
من حمص البداية
واللافت للإنتباه أو من المفارقات أن يبدأ الأسد “حملته الإنتخابية” في مدينة حمص التي جوعها كما تقول “التايمز″، حيث انتشرت فيها الملصقات التي علقت على البنايات المدمرة وتحمل صورته وعبارات “يدا بيد نبني سوريا الغد، مع القائد بشار الأسد”.
وتقدم الحكومة الإنتخابات باعتبارها الحل الوحيد للحرب الأهلية، وتقول إنها أي الإنتخابات قد تعزز شرعيته أو قد تعبد الطريق أمام رحيله إن خسر.
ونظرا لعدم وجود تاريخ للإنتخابات الديمقراطية في سوريا، يقول مراقبون إن الأسد قد يستخدم الإنتخابات لتعزيز شرعيته وأنه عاد للسيطرة على الحكم في البلاد التي خرج معظمها عن سيطرته. كما وتعطي الحملات الإنتخابية دفعة للحكومة كي تتقدم وتعيد السيطرة على ما تبقى من حمص وحلب. ويتوقع ناشطون داخل مدينة حمص أن تسقط البلدة القديمة بيد القوات الحكومية في غضون أيام، إن أخذنا حجم الهجوم وضراوة القصف على المئات من المقاتلين الذين ظلوا داخلها ومنذ أكثر من 18 شهرا.
وتعتقد مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز″ أن مدينة حمص تبرز وكأنها نقطة تحول في تشكيل مستقبل سوريا. وتقدم الكاتبة مظهرا عن المدينة التي يواجه فيها المقاتلون المعارضون للنظام معركتهم الأخيرة “فقد استعادت الحكومة حي باب السباع من المقاتلين قبل عام تقريبا، لكن قلة من سكانه وهم مزيج من المسيحيين والمسلمين السنة عادوا إليه، ويقول مؤيدو الحكومة همسا إن المقاتلين قد يعودون ثانية، أما المعارضين للنظام فيفضلون البقاء في المناطق المضطربة رغم القصف بدلا من العيش بين نقاط التفتيش حيث ينعم الجنود النظر من خلف شرفات حولت إلى نقاط عسكرية”.
وتشير الصحيفة إن المعركة الجديدة على البلدة القديمة ليست الأولى حيث أخرجت القوات السورية المقاتلين من بابا عمرو عام 2012 تجعل من حمص نقطة تحول مهم لسوريا “ففي حالة حققت الحكومة انتصارا هنا فستسيطر على فضاء واسع مدمر، ومدينة مقسمة فعليا واجتماعيا حيث تم تدمير العلاقات المجتمعية وليس البيوت”.
تحديات
وتضيف أن انتصار الحكومة في حمص سيكشف عن التحدي الشائك الذي يواجه كل السوريين بعد ثلاثة أعوام من الحرب الأهلية وهو “كيف سيتم ربط البلد وتخييطها معا”. وتشير الصحيفة إلى أهمية حمص نظرا لموقعها في وسط البلاد وتقع على مفترق طرق كان يعيش فيها قبل الحرب تنوع سكاني وصل عددهم مليون نسمة.
وهي بهذه المثابة مهمة لمستقبل سوريا. وتأمل الحكومة السورية بأن تكون حمص مثالا للكيفية التي يمكن فيها بناء المصالحة الوطنية، فيما تقول المعارضة في المنفى والتي شجبت الهجوم واستمرار الحصار على البلدة القديمة إن حمص هي “مفتاح للحل الديمقراطي لسوريا الموحدة”.
ويظل تحقيق هذا تحد للجميع خاصة في ظل وجود أعداد كبيرة من المهجرين واللاجئين في داخل وخارج سوريا، ويقوم المحظوظون منهم ممن يستخدمون الإنترنت بنشر قصص نوستالجية عن دعابة وعناد البلدة. أما من بقوا فيها فهم منتشرون على جزر معزولة، منفصلة عن بعضها البعض في بعض الأحيان وأخرى لا يمكن التنقل بينها إلا في الليل. وتنبع أهمية حمص لمستقبل سوريا أن ما جرى فيها منذ بداية الثورة والقسوة التي مورست على المتظاهرين وبعد ذلك المقاتلين في بابا عمرو قدم مثالا عما ينتظر بقية البلاد من وحشية. وبعد القتل والتدمير جرب فيها النظام استراتيجية الحصار والتجويع خاصة على البلدة القديمة.
وتقول الصحيفة إن “التحدي ليس تجاوز البنية المحطمة بل والإستياء الذي نتج عن قصف المدنيين وتجويعهم وإجبار السكان على الهروب من المدينة”، مشيرة إلى أن العفو أدى لغضب الكثير من مؤيدي الحكومة لانه سمح للمقاتلين الذين سلموا أسلحتهم بالعودة والتحرك بحرية منذ شباط /فبراير.
ويقول محافظ حمص طلال البرزي “هذا أمر طبيعي”، مضيفا ” في البداية قلنا يجب الإنتقام من الجماعات المسلحة، ولكن إذا كان هناك لديك رؤية حول منافع البلد في المستقبل فالمصالحة أهم من مشاعر فرد واحد ومصالحه”. وفي السياق نفسه فلا تزال السجون في حمص مزدحمة بالمعتقلين ومنذ عامين لاتهامهم بتقديم أدوية وطعام للمتظاهرين. وتشير الصحيفة إلى أن العفو العام أدى لغرس بذور الإنقسام في المجتمع، فمع سقوط القنابل على البلدة القديمة اتهمت امرأة من غادروها ضمن اتفاق شباط/فبراير بأنهم فعلوا ذلك “من أجل ساندويتش شاورما وعلبة لبن”، وتقول المرأة “ظللنا ولعامين يدا واحدة” ولكنهم غادروا “من أجل نارجيلة وعلبة سجائر، يا أسفي عليكم، دم رجال حمص سيلاحقكم حتى يوم القيامة”.
ومن المشاكل التي تواجه المدينة هي الثقة فلا العلوي يثق بالسني والعكس، وتشير الصحيفة إلى سنية متزوجة من علوي، حيث لا تستطيع احضار أقاربها من الذين يعانون من الجوع والحصار لانه لن يتم الترحيب بهم بسبب زيادة الإنقسام الطائفي.
وفي داخل المدينة يلقي كل طرف اللوم على الطرف الآخر من ناحية اشعال نار الطائفية. رغم أنه لم يبق في البلدة القديمة الكثير من سكانها المسيحيين أو المسلمين، وحل محلهم رجال مسلحون على الجانبين كل له مصلحة في استمرار النزاع.