في التعامل مع وثيقة حماس
أعلن الأستاذ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بتاريخ 1/5/2017 "وثيقة المبادئ والسياسات العامة" لحركة حماس. وذلك باعتبارها استجابة لما حدث من متغيّرات منذ ميثاقها الأول. فهي بمثابة البرنامج السياسي الجديد لحركة حماس أو بمثابة ميثاق حركة حماس.
ومن ثم تصبح هذه الوثيقة هي الأساس الذي يتجمع أعضاء الحركة حوله، كما تصبح الموافقة عليه أساس العضوية الجديدة. فهو جامع للأهداف والمرجعية والاستراتيجية والمنهجية السياسية والفكرية. ولهذا يجب أن يُعامَل باعتباره البرنامج الخاص بحماس، والملزِم لأعضائها. وهو واحد من معايير التقويم لحماس بالنسبة إلى من هم خارجها.
إن كل من يطّلع على التقرير يجب أن يقرر ماذا يريد منه. فإذا كان يسعى للانضمام إلى حماس أو أن يصبح من أنصارها بالموافقة على التقرير كاملاً، فعندئذ عليه أن يقرر الموافقة على كل بنود التقرير. أما إذا كان من فصيل آخر، أو كان مستقلاً ويريد أن يحدد موقفاً من حماس، فالحكم على التقرير غير كافٍ إذا كان عنده اعتراض على البند المتعلق بالدولة أو غيره. وإنما يحدد موقفه العام أولاً من حماس المقاومة والأنفاق في قطاع غزة أين يقف منه. ولكنه لا يستطيع إذا لم يوافق على تقريرها، أن يدير ظهره لما تمثله حماس (والجهاد طبعاً) في قطاع غزة. وإذا كان يعطي الأولوية والأهمية الأكبر لما تمثله حماس من قوّة مقاومة في قطاع غزة فإن أية تحفظات على هذا البند أو ذاك في التقرير يجب ألا يغيّر في موقف الذي يجعل واقع المقاومة معياره الأول.
ثم إذا كان المعيار الثاني في الموقف من حماس أو الجهاد أو الفصائل يدعو إلى الوحدة من أجل دعم إضراب الأسرى والانتفاضة والمقاومة والتصدي لمخططات تصفية القضية الفلسطينية، فإن التركيز على أهم التحديات ومواجهتها يجب ألا تغير أية تحفظات على هذا البند أو ذاك في التقرير، من اعتبار حماس جزءاً أساسياً في تحقيق الوحدة العريضة لمواجهات التحديات الراهنة.
طبعا بعد تثبيت اتجاه البوصلة على هذين الشرطين، فإن قراءة الوثيقة وتقويمها أو إبداء أية مخاوف يجب أن يأخذ طابعاً ودّياً وإيجابياً وليس سلبياً وعدائياً، لأن التهويل هنا أو إعطاء أولوية لنقد ما يراه المعني من مَثْلبة في التقرير، ومن ثم الانتقال إلى الصراع والهجوم يشكل خطاً سياسياً خاطئاً. علماً أن ما من فصيل أو ناشط فلسطيني إلا وله تحفظات ما على برامج الفصائل الأخرى. فالمسوّغ للتعدد الفصائلي هو ما يقوم في ما بين برامجها وممارساتها من خلافات. وقد أصبحت بعد اتفاق أوسلو تصل إلى حدود قصوى لا تحتمل المساومة حولها. بما يتعدى أي خلاف حول برنامج يضع إقامة دولة فلسطينية ضمن خطوط حزيران/ يونيو 1967. ذلك لأن اتفاق أوسلو يضرب نظرياً وممارسة في العمود الفقري للثوابت الفلسطينية، ومع ذلك راحت الدعوة للوحدة الوطنية تشمل من تبنوه وصنعوه.
والعجيب من بعض فصائل م.ت.ف هجومها الحاد على حماس بسبب البند العشرين في الوثيقة في ما يتعلق بـ"إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران/يونيو1967". وكانت قد وافقت (تلك الفصائل) ولم تزل، على قرار المجلس الوطني عام 1988 في الجزائر الذي أعلن إقامة الدولة الفلسطينية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242. وهذا بلا شك أسوأ من حيث التنازل عن "برنامج النقاط العشر" الذي شُبِّهَت وثيقة حماس به من قبل منتقدي التقرير.
أما الأعجب فموقف بعض المعلقين من سلطة رام الله وقيادة فتح (المؤتمر السابع) من التقرير. وقد كانوا يتهمون حماس بـ "التطرف" و"اللاواقعية".
وبالمناسبة، لم يلحظ هذان البعض أن من الأسباب التي سوّغت فيها حماس تقريرها الجديد هو محاولة التقارب معهما في موضوع "إقامة دولة ضمن خطوط الرابع من حزيران". مما يعني أن نقدهما يُراد منه رفض هذا التقارب.
بالتأكيد لا أحد يمنع أي فصيل أو قائد سياسي أو حتى مفكر أو صحفي أن يحدد موقفاً من هذه الوثيقة أو من حماس كما هو الحال بالنسبة إلى برامج الفصائل الأخرى أو مواثيقها. ولكن من الخطأ تحوّل وثيقة حماس إلى مركز لصراع فكري وسياسي معها، وفتح معارك جانبية قد تؤذي ما يجب أن يقوّم من علاقات تحالفية ووحدة وطنية، ولا سيما في الظروف الراهنة التي تفترض من الجميع أن يتحدوا في دعم إضراب الأسرى وفي دعم انتفاضة القدس والضفة الغربية المندلعة منذ ثمانية عشر شهراً. وقد جاء الإضراب ليزيد من أهمية تحويلها إلى انتفاضة شعبية شاملة لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وإطلاق كل الأسرى وفك الحصار عن قطاع غزة.
لقد كان مثيراً للشبهات، في هذه الظروف، ما أعلنه الرئيس محمود عباس من خلال رئيس حكومة السلطة من معركة ضد قطاع غزة و"فرض إنهاء الانقسام" والتجويع وبأساليب أخرى "غير معهودة". فهذه المعركة التي فتحها محمود عباس يُراد منها إجهاض إضراب الأسرى وضرب الانتفاضة والانتقال إلى حرب داخلية – داخلية. ولهذا لا يمكن أن تفهم إلا ضمن التوجهات الأميركية في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية.
من هنا لا يصح تحويل وثيقة حماس كما فعل البعض إلى نقطة صراع داخلي على المستوى الفلسطيني أو العربي والإسلامي. ومن ثم ضرورة معاملتها باعتبارها برنامج حماس فقط. وليست مطروحة لتكون مشروع الشعب الفلسطيني، أو تتحول إلى نقطة خلاف جديدة في وقت يخوض فيه الشعب الفلسطيني معركة دعم إضراب الأسرى وتأجيج انتفاضة القدس وإجهاض مؤامرة تجويع قطاع غزة ومواجهة التحديات الزاحفة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال ما يعدّه دونالد ترامب من مشروع فلسطيني – عربي – صهيوني لتصفية القضية الفلسطينية.
تبقى نقطة تقف وراء نقد الكثيرين للوثيقة تستند إلى التشابه بين وثيقة حماس وبرنامج النقاط العشر الذي تبناه المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 وكانت فتح وراءه.
هؤلاء يطبقون المثل القائل: "الملدوغ من الحيّة يخاف من جرة الحبل". ولهذا لم تنفع مع هذا النقد للرد المسبق عليه ما حملته وثيقة حماس من تأكيد متكرر بتمسكها بالثوابت لأن برنامج النقاط العشر كان بمجموع نقاطه يؤكد على الثوابت في ما يتعلق بتحرير كل فلسطين وتبني استراتيجية الكفاح المسلح ورفض التسوية ولم يحمل سوى عبارة واحدة اعتبرتها قيادة فتح جديداً في الميثاق الوطني أو منطلقاتها هي "إقامة سلطة وطنية مقاتلة على أي جزء يتحرر من فلسطين". لأن هذه العبارة كانت تمهيداً لمشروع "إقامة الدولة الفلسطينية" (قرار المجلس الوطني عام 1988) ومنه إلى أوسلو ثم إلى "حلّ الدولتين" الذي يتضمن الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني.
من هنا فإن المخاوف من أن تكون الوثيقة مقدمة لتكرار مسار فتح، تشكل الحجة الأكثر شيوعاً عند منتقدي الوثيقة. وذلك من أجل الهجوم على حماس والتشكيك في النيات والمسار والمستقبل.
أولاً حماس ليست فتح بالتأكيد، والمسار الذي مرّت فيه فتح لا يتكرر بالضرورة لا من ناحية موازين القوى العالمية والإقليمية والعربية والفلسطينية، ولا من ناحية المناخات والمعادلات السياسية والنظرية التي سادت في مرحلة فتح.
ثانياً إن هذا التمايز بين فتح وحماس أو بين المسارين: الماضي والمستقبلي المحتمل، لا يعد تسويغاً أو تأييداً لهذه الوثيقة، وإنما هو نقد لنقد يقوم على قياس خاطئ أو على المخاوف التي لا تشكل بحد ذاتها برهاناً نظرياً كما يقول فردريك أنجلز. وذلك بالنسبة إلى الحجة التي تقوم على المخاوف.
نحن نعيش في عالم غير عالم السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وفي موازين قوى ومناخات مختلفة أساسياً عن موازين قوى ذلك العالم ومناخاته. ولذلك يجب أن تقوم حجج كل من يؤيد الوثيقة أو ينقدها وفقاً لما يسود الآن من موازين قوى ومناخات وما يتوقع من اتجاهات لتطورات موازين القوى والمناخات الراهنة مستقبلاً، وليس لما حدث مع فتح وم.ت.ف. علماً أن احتمالات المسارات الجديدة متعددة إيجاباً وسلبا.
هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، وخلاصة، ليس التأييد أو النقد ما يجب أن تذهب إليه الساحة الفلسطينية وإنما اتحاد كل القوى خلف إضراب الأسرى لكسب هذه المعركة وإن أمكن لتطويرها باتجاه تطوير الانتفاضة ووقف هجوم محمود عباس وحملته ضد المقاومة المسلحة في قطاع غزة، كما الاتحاد في مواجهة مشروع دونالد ترامب للقضية الفلسطينية. وما يُعد له من حروب ومواجهات.
وسوم: العدد 719