سأحدثكم عمّا أعلم ، وليعذرني من عندهم علمٌ من الكتاب
لا يساورني أدنى شك في وجود معطيات كثيره لا أعلمها أسهمت بشكل أو بآخر في توتير العلاقات المفاجيء بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر . لكنني في الوقت نفسه أعلم أن الخلافات مهما بلغت تتضاءل بشكل كبير أمام ما يجمع البلدين الشقيقين من أواصر الدين والعروبة والجوار ، بل والتداخل الأسري على جميع المستويات.
الذين أذهلتهم حدة التوتر على المستوى الإعلامي ، سواء من القريبين أم البعيدين ، يجب أن يتذكروا قول أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله :
على قدر الهوى يأتي العتاب
ومن عاتبتُ يفديهِ الصّحابُ
فلولا المحبة لما احتد العتاب ، والخلافات تقع بين الإخوة الأشقاء ، بل بين الآباء والأبناء ، والعبرة في منهج التعامل معها وما تنتهي إليه ، وليس مجرد وجودها أو حدّتها.
ما أعلمه يمكن تلخيصه فيما يلي:
أولاً: إن القيادتين السعودية والقطرية لم يصدر من أي منهما حتى الآن أي موقف ، والقاعدة في علم الأصول تنص على بقاء ما كان على ما كان.
ثانياً: إن ما يجمع الشعبين السعودي والقطري على المستوى الإيماني العقائدي ، والتداخل الاجتماعي، والعادات والتقاليد والأعراف ، لا يدانيه أي تشابه أو تقارب مع أي شعب آخر ، وهذا كفيل بتحويل كل خلاف إلى سحابة صيف عابرة بإذن الله.
ثالثاً: إن المصالح المشتركة بين المملكة وقطر في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة صمام أمان للحيلولة دون خروج أي خلاف عن حدود السيطرة الكاملة بإذن الله.
رابعاً: إن ما يواجهه العالم العربي بوجه عام ، وما تواجهه منطقتنا بوجه خاص ، من تحديات وأطماع سواء من الشرق أم الغرب ، وما يبيّته النظام الطائفي في إيران وأذنابه للمنطقة وللأمة الإسلامية كلها من مخططات هيمنةٍ ومكائد ، يوجب على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي جميعها التلاقي لا التنافر ، والتوحد لا التشتت ، والتفرغ لمواجهة التحديات وصد الطامعين .
خامساً: إن أعداءنا لن يألو جهداً في إشعال فتائل الخلافات والفتن بيننا ، وإن من أوجب واجباتنا التصدي بوعي وحزم لجميع محاولاتهم واجتثاثها من جذورها على جميع المستويات الرسمية والشعبية.
سادساً: إن المأمول والمتوقع من قيادات مجلس التعاون -حفظهم الله جميعاً- ومن أمانته العامة، التصدي للخلافات ، والمبادرة إلى نزع فتائل كل فتنة ، واحتواء كل خلاف بين أعضاء المجلس ، والسعي الحثيث لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح حال ظهور بوادر الخلاف.
سابعاً: إن من أوجب واجبات المخطيء أيّاً كان أن يعتذر عن خطئه ، وإن من أعظم التعاون على البر والتقوى إلزام المخطيء بتصحيح خطئه والاعتذار عن وقوعه فيه ، كما إن من أعظم التعاون على البر والتقوى ترسيخَ فضيلة قبول الاعتذار.
ثامناً: إن حرية الإعلام من ضرورات الحياة في المجتمعات الحديثة ، وإن من حق الإعلاميين والكتاب توجيه الانتقادات الموضوعية في الشؤون العامة إلى جميع الجهات ، لكن ما انزلقت إليه بعض المنابر الإعلامية ، وما وقع فيه بعض الكتاب من سقوط أخلاقي في التعبير مس بعضه وللأسف الشديد قيادات البلدين ورموزهما ، يسيء إلينا جميعاً وترفضه مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا ، ولا يعبر إلا عن من صدر عنهم ، وواجبنا جميعاً أن نطهّر مجتمعاتنا من كل هذه الظواهر المقيتة سواء أكان ذلك على مستوى الهيئات والمؤسسات أم الأفراد.
تاسعاً: إن من أعظم مسؤوليات القيادات الفكرية والثقافية والاجتماعية في البلدين الشقيقين بوجه خاص ، وفي دول مجلس التعاون بوجه عام ، بذل الوسع للحيلولة دون تصعيد الخلاف بين أي بلدين من بلداننا الشقيقة ، والتذكير الدائم بالجوامع المشتركة وأخطار الفرقة والتناحر ، والإسهام الإيجابي في لم الشمل وتوحيد الكلمة.
عاشراً: إن المملكة العربية السعودية -ولله الحمد- منذ تأسيسها ، من أكثر الدول العربية والإسلامية حرصاً على الوفاق وبعداً عن القطيعة بين الأشقاء ، وستبقى بإذن الله على هذا النهج الذي أملته المباديء والقيم التي أسست عليها ، وسنه لها مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله.
أخيراً وهو الأهم والأكبر ، إنني ، ثِقةً بالله عز وجل أولاً، ثم بحكمة خادم الحرمين الشريفين -أيّده الله- ، بصفته الأخ الأكبر لقادة الخليج بل للقادة العرب والمسلمين جميعا، لَعَلى يقين من أنه لن يألو جهداً لرأب الصدع ومعالجة بواعث الخلاف مهما كانت بما يحفظ للمملكة وقطر كرامتهما ، ويحقق مصالح الشعبين الشقيقين ، ويقطع الطريق على المتربصين بهما وبالأمة من الأعداء والحاقدين والحاسدين ، وبما يحفظ وحدة مجلس التعاون ويجمع شمله ، ويحقق آمال وتطلعات شعوب الخليج ، بل والشرفاء من أبناء الأمة في كل مكان .
وما أعظم قول الله عزّ وجلّ: ﴿لا خَيرَ في كَثيرٍ مِن نَجواهُم إِلّا مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعروفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النّاسِ وَمَن يَفعَل ذلِكَ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللَّهِ فَسَوفَ نُؤتيهِ أَجرًا عَظيمًا﴾ ، أسأل الله الواحد الأحد في هذا اليوم المبارك أن يؤلف بين القلوب وأن يجمع الكلمة على الحق والخير ، وأن يرد كيد الأعداء والحاقدين إلى نحورهم ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب ، والحمد لله من قبل ومن بعد.
د.أحمد بن عثمان التويجري
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 723