هل هناك وجه شبه بين مقاطعة قطر ومقاطعة شِعبِ مكة؟!
بداية وأنا رجل قانون أعجز عن وضع يدي على أي فقرة من فقرات القوانين الدولية المتعارف عليها، والتي يعمل بها المجتمع الدولي منذ قيام منظمة الأمم المتحدة عام 1945 ويخضع لها، سواء كانت دولا أو منظمات أو هيئات، تجيز بمثل ما ذهبت إليه الدول التي أعلنت مقاطعتها لقطر، وتخولها لتقديم مثل هذه الطلبات التي هي سابقة خطيرة لم تحصل إلا أيام الاستعمار البغيض، الذي رزحت معظم شعوب العالم لجبروته وظلمه وقسوته، أما ونحن نعيش عصر الحرية والكرامة والتقدم والتطور فهذا الفعل مستهجن ومرفوض، بكل المقاييس والمعايير الأخلاقية والقانونية، ولا أجد تسمية تليق بهذه القائمة أفضل من تسميتها ب"قائمة العار".
فقد كشفت وكالات الأنباء يوم أمس الجمعة 23/6/2017 أن الكويت سلمت قطر الخميس قائمة بمطالب المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر، للتراجع عن قرارها بمقاطعتها. وقالت الوثيقة إن أمام قطر عشرة أيام لتلبية كل هذه المطالب.
ويذكرني هذا الحصار الجائر والظالم من هذه الدول على الشقيقة قطر بحصار أهل قريش لبني عبد مناف في شعب مكة، ولا تختلف قائمتي الشروط والمطالب من حيث القسوة والغلظة عن بعضهما في كلا القائمتين:
فقد اجتمع مشركي قريش على صياغة القانون الجديد، القانون الذي يخالف كل أعراف وتقاليد وقيم مكة السابقة، ولا يهم أن يتغير الدستور؛ طالما أن ذلك لمصلحتهم الخاصة، وطالما أنه من عند أنفسهم، وفي الوقت ذاته هو في أيديهم، لكننا في شهر ذي الحجة وهو من الأشهر الحرم، أيضًا لا ضير. كحال قائمة الأشقاء في مواجهة الشقيق كانت في شهر رمضان شهر القرآن والطاعة والعبادة ووصل الأرحام.
لكننا -أيضًا- في مكة البلد الحرام كما نحن اليوم، لا ضير أيضًا، المصالح تتقدم على الأعراف والقوانين، فليس هناك مبدأ يُحترم، ولا قانون يُعظّم، ولا عهد يبجل، فماذا صاغوا في هذا القانون؟!
أبرموا فيه أنه على أهل مكة بكاملها في علاقتهم مع بني عبد مناف ما يلي:
أن لا يناكحوهم -لا يزوّجونهم- ولا يتزوجون منهم، وأن لا يبايعوهم، لا يبيعون لهم ولا يشترون منهم، وأن لا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وأن لا يقبلوا من بني هاشم وبني المطلب صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يُسْلموا رسول الله لهم ليقتلوه.
وقد صاغوا قانون العقوبات هذا في صحيفة، ثم علقوها في جوف الكعبة، وقد تقاسموا بآلهتهم على الوفاء بها، وبالفعل بدأ تنفيذ هذا الحصار الرهيب في أول ليلة من ليالي المحرم في السنة السابعة من البعثة، وقد دخل بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلى شعب أبي طالب وتجمعوا فيه، ومعهم رسول الله؛ وذلك ليكونوا جميعًا حوله كي يحموه من أهل مكة، فهل تجمع العرب والمسلمون اليوم سياجاً ليحموا الشقيقة قطر من غائلة الحصار الجائر والمقاطعة الظالمة كما فعل بنو عبد مناف كافرهم ومؤمنهم؟!
ومن المضحك المبكي أن تكون في مقدمة المطالب إغلاق قناة الجزيرة تلك القناة الحرفية والحيادية التي كان لها الدور الأكبر في توعية وتنوير الجماهير العربية وفضح الخونة والعملاء والتصدي لأعداء الأمة بما تضمنته من برامج رائعة قل نظيرها حتى عند الإعلام ووسائله في كل القنوات الإعلامية العالمية، حتى غدت في مقدمتها وبلا منازع تُستقى منها الأخبار الصحيحة من مصادرها الموثوقة.
على قطر أن تغلق قناة الجزيرة ليتم تسويق القنوات الأفاكة والكاذبة والهابطة وما تتضمنه من افتراءات وكذب ودجل وفتن وأفلام ومسلسلات وبرامج تسيء إلى ديننا الحنيف وقيمنا وأخلاقنا، وتعمل على إفساد أولادنا وأسرنا ومجتمعاتنا.
وتتضمن القائمة الطلب من قطر قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد أي عنصر من الحرس الثوري الإيراني موجود على أراضيها، والامتناع عن ممارسة أي نشاط تجاري يتعارض مع العقوبات الأميركية على طهران.
مطلب يدعو إلى السخرية لطالما كانت هذه الدول تقيم أفضل العلاقات مع إيران وميزان تبادلها التجاري هو الأعلى ليصل إلى عشرات المليارات معها سنوياً. رغم أن إيران تحتل الجزر الإماراتية الثلاث منذ أكثر من ثلاثين سنة، ويشكل الإيرانيون في دولة الإمارات أكثر من 50% من سكانها.
والمطلب الثالث هو إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر وإيقاف أي تعاون عسكري مع أنقرة.
كنت أتوقع أن تطلب هذه الدول إغلاق القاعدة الأمريكية، وإذ بها تطالب بإغلاق القاعدة التركية المسلمة والتي أقيمت لتنافح عن كل دول الخليج إذا ما تعرضت لأي عدوان خارجي، وحماية للأماكن المقدسة في مكة والمدينة التي تهدد إيران، وعلى لسان قادتها وسياسييها، صباح مساء باحتلالها.
ويتضمن البند الرابع قطع العلاقات مع الإخوان المسلمين، وكأن الإخوان المسلمين لهم دولة على قطر مقاطعتها، وإذا ما ظُلمت هذه الجماعة ووصمت زوراً وبهتاناً بالإرهاب في هذه الدول تملقاً للانقلابين في مصر، ودعماً للجنرال السيسي الذي يجلس على كف عفريت، وقد باتت نهايته مسألة وقت، فمن المعيب أن تطلب هذه الدول مثل هذا المطلب الغير أخلاقي.
وفي البند الخامس يطلب من قطر الامتناع عن تجنيس مواطنين من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وطرد من سبق أن جنستهم، وهذا المطلب ينم عن جهل بالقوانين الإنسانية التي تنص على أنه من حق أي إنسان تبديل جنسيته والانتماء إلى أي جنسية يختارها وقد كفلت قوانين حقوق الإنسان هذا الحق وقد وقعت هذه الدول على هذه القوانين.
وفي البند السابع على قطر تسليم كل الأشخاص المطلوبين للدول الأربع بتهم إرهابية. والمقصود بذلك العلماء المتواجدون في الدوحة وعلى رأسهم حبر الأمة في هذا العصر الشيخ يوسف القرضاوي وقيادات حماس التي تقف في مواجهة العدو الصهيوني.
وتختم القائمة بنودها بتوجهات مذلة تشير إلى أنه، بحال قبول قطر "الامتثال"، سيتم التدقيق في التزامها بهذه القائمة مرة شهريا خلال السنة الأولى، ثم مرة كل فصل خلال السنة الثانية، ثم مرة سنويا خلال السنوات العشر التالية، وبهذه التوجهات تكون هذه الدول فرضت وصايتها على دولة مستقلة ذات سيادة ومعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات التابعة لها، وقد ولى عهد الوصاية منذ أكثر من نصف قرن ولا يمكن أن ترجع عقارب الساعة إلى الوراء.
وقد جاء الرد سريعا من وزير الخارجية القطري الذي طالب الخميس، بـبحث الأسباب الحقيقية التي تقف وراء اتخاذ تلك الإجراءات العقابية ضد دولة قطر، قبل بحث الطلبات مضيفاً: "نحن لا نرى أن أيا من الاتهامات التي يتحدثون عنها واقعية".
كنا نتمنى أن تثوب هذه الدول إلى رشدها وتتراجع عما أقدمت عليه من قرارات مستعجلة وبلا روية، وهذا لا يعيبها بل يزيدها قرباً من الشعوب العربية التي شجبت واستنكرت هذا الفعل المستهجن منها.