التطرّف

[ باختصار، من كتاب واقعنا المعاصر، صفحة (520-522) – محمد قطب]

بطبيعتي لا أحب التطرف! لا في أمر بعينه، ولكن في جميع الأمور!

ولكن هناك أكثر من كلمة ينبغي أن تقال في هذا الشأن!

الكلمة الأولى أنه قد يقع بالفعل تطرف من بعض الشباب، أو بعض الجماعات القائمة بالعمل في الساحة الإسلامية. ولكنّ حجمه أقلُّ بكثير جداً مما يهّول المهوّلون الذين يرمون الساحة كلها بالتطرف لأمرٍ يراد!

إن الذين يهولون في تصوير التطرف، للتنفير أو التحريض أو الإثارة، يَصِمُون بالتطرف كل شاب أطلق لحيته، أو كل فتاة تحجبت، أو كل مَن طالبَ بتحكيم شريعة الله.

وقد يكون من بين كل ألف واحدٍ من هؤلاء، واحدٌ متطرف. ولكنّ وصْم الألف كلهم بالتطرف أمر مقصود لإيجاد حائل من النفور بين الحركات الإسلامية كلها وبين "الجماهير"، لعل ذلك يوقف المد الإسلامي المتدفق، وكذلك لضرب الحركات الإسلامية كلها بتهمة التطرف، إذا عجز الطغاة عن تدبير تهمة أخرى تسوّغ في نظر الناس ضرب المسلمين الداعين إلى تحكيم شريعة الله.

فلينظر كل كاتب إسلامي يكتب ضد التطرف إلى أين تنتهي كلماته، وكيف تُستغل لمحاربة الحركة الإسلامية كلها، حتى أشد "المتساهلين" فيها!

يقول الله في كتابه الحكيم:

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ). {سورة الأنعام: 108}.

فنهى سبحانه عن سب الآلهة التي تُعبد من دون الله، مع أنها باطل لا ذرة فيها من الحق، إذا كان سبُّها يؤدي إلى استعداء أعداء الله على مقدسات الإسلام. فكيف نعين بأقلامنا أهل الباطل – لمجرد أننا نكره التطرف، أو لننفي عن أنفسنا تهمة التطرف – فنعطيهم سلاحاً يستخدمونه ضدنا كلنا في النهاية؟

والكلمة الثانية أن الذين يحاربون ما يسمونه تطرفاً بحجة أنه تطرف! وأنه ينبغي الرجوع إلى القصد والاعتدال! لا يحاربونه في الحقيقة لهذا السبب! ولا يقصدون رَدّه إلى الاعتدال الحقيقي بميزان الله الحق! إنما يحاربونه لأنه يشجع الشباب على الإصرار في المطالبة بتحكيم شريعة الله، وعدم قبول أي حل إلا تحكيم شريعة الله! وهذا هو الذي لا يريدونه ولا يقبلونه! فالمحارَب في الحقيقة هو الإسلام ذاته وليس هو التطرف!

ومهما تخفّى الذين يحاربون الإسلام وراء ستار محاربة التطرف، فستظل الحقيقة واضحة من وراء كل ستار: أن الذي يحارَب حقيقةً هو الإسلام، وأن الذين يراد إبادتهم أو نفيهم من الأرض هم المسلمون.

(وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ). {سورة الأعراف: 82}.

والكلمة الأخيرة أن الذي أوجد التطرف في الحقيقة، والذي ما زال يغذّيه، هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله، ثم يقومون بتذبيح المسلمين وتقتيلهم حين يطالبون بتحكيم شريعة الله.

وإلا.. فمن أين كان ينشأ التطرف؟

ولو أنهم، على أقل تقدير، عاملوا المطالبين بتحكيم شريعة الله، كما يعاملون "المجرمين" العاديين، فيتيحون لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم، ولا يستخدمون الوسائل الإجرامية في إكراههم على "الاعتراف" بما فعلوا وما لم يفعلوا، فمن أين كان ينشأ التطرف؟!

وسوم: العدد 729