تغيرات الوضع العسكري والسياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
نشر معهد الشرق الأوسط الروسي دراسةً سلّط من خلالها الضوء على آخر التغييرات على الصعيد السياسي والعسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الفترة الممتدة بين 26 حزيران/يونيو و3 تموز/يوليو.
حيث شهدت بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال الفترة الأخيرة، حالةً من التوتر وعدم الاستقرار. ففي الواقع لا يزال النزاع المسلح في سوريا والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان وجنوب السودان والصومال مستمراً، فضلاً عن الصراع الدائر بين حكومة قطر والدول الخليجية؛ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بالإضافة إلى مصر.
وفي أواخر شهر حزيران/يونيو، أعلن وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” أن قوات النظام السوري قد انتشرت على مساحةٍ تمتد إلى أكثر من 12 ألف مترٍ مربع في 69 موقعاً، بدعمٍ من القوات الروسية. وقد أوردت وزارة الدفاع السورية أنه قد تمّ استعادة محافظة حلب بالكامل من قبضة مسلحي “تنظيم الدولة” في الأيام الأخيرة من شهر حزيران/يونيو. فضلاً عن ذلك استعاد الجيش السوري والمليشيات الموالية له الطريق السريعة بين الرصافة-الرقة في اتجاه جنوب نهر الفرات.
من جانبٍ آخر تمكنت قوات الجيش الحكومي السوري من تطهير محافظة حماة بشكلٍ تام من المعارضين، في حين أخذت تتحرك نحو عمق الصحراء السورية، وتحديداً باتجاه شمال تدمر بالقرب من واحة حميمة على الحدود الإدارية بين محافظتي حمص ودير الزور.
وبحلول 30 حزيران/يونيو، تمكنت قوات النظام من السيطرة على الوضع بالكامل في محافظة القنيطرة. وبالتزامن مع ذلك، أدان مجلس الأمن الدولي بشدّة العمليات العسكرية في المنطقة الفاصلة بين سوريا وإسرائيل. وتجدر الإشارة إلى أن الوضع قد ازداد تعقيداً بسبب التدخل الإسرائيلي، حيث قام الكيان الصهيوني بتوجيه العديد من الضربات لسوريا في أواخر شهر حزيران/يونيو وأوائل شهر تموز/يوليو.
وفي سياقٍ متصل يشكل الأكراد أغلبية المقاتلين في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، مع العلم أن الجماعات الكردية تحظى بدعمٍ عسكري واسع من قبل التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في المعركة ضدّ “تنظيم الدولة” في الرقة. وقد تمكنت هذه القوات من محاصرة مدينة الرقة بشكلٍ تام في الأيام الأخيرة من شهر حزيران/يونيو.
وفي الأثناء واجه مسلحو قوات سوريا الديمقراطية مقاومةً شرسة من قبل عناصر “تنظيم الدولة”؛ ما أدى إلى وقوع خسائر جسيمة في صفوف المدنيين في الرقة؛ وذلك نتيجةً لضربات قوات التحالف الغربي فضلاً عن المواجهات المحتدمة مع التنظيم. وقد قتل في مدينة الرقة خلال شهر حزيران/يونيو 173 شخصاً.
وفي أواخر الشهر الماضي، أعلن وزير الدفاع الأمريكي “جيمس ماتيس” أن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل إمداد الأكراد بالأسلحة بعد استعادة الرقة. ومن ثم ستستمر العلاقة التي تربط بين واشنطن والأكراد، الأمر الذي يتنافى مع مطالب تركيا.
ووفقاً لوزير الدفاع الروسي، يقتصر عمل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في سوريا على مساحاتٍ محددة وقع الاتفاق عليها. وتتمثل هذه المواقع في محيط مخيم التنف في الجنوب وشرق نهر الفرات، إلا أنه تم تسجيل انتهاكاتٍ من الجانب الأمريكي. وفي هذا الصدد، أكّد “سيرغي شويغو” أن هذه الممارسات الاستفزازية من جانب قوات التحالف من شأنها أن تساهم في توسيع نطاق الأنشطة الإرهابية في سوريا.
من جهته أفاد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في 26 من حزيران/يونيو، أن بلاده على استعدادٍ للقيام بعمليةٍ عسكرية جديدة في شمال سوريا، على خلفية دعم الولايات المتحدة للأكراد السوريين. ومن المتوقع أن تقوم القوات التركية بشنّ عملية عسكرية في منطقة عفرين شمال غرب حلب.
في 27 من حزيران/يونيو، التقى “بشار الأسد” برئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية “فاليري غيراسيموف” في قاعدة حميميم العسكرية؛ لمناقشة الجهود المشتركة في إطار محاربة التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن العديد من المسائل العسكرية الأخرى.
أما فيما يتعلق بمناطق وقف التصعيد، التي أنشئت وفقاً لاتفاقٍ بين روسيا وإيران وتركيا، فتشهد استقراراً، وفقاً لما أكده وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية “ستيفن أوبراين” في 29 من حزيران/يونيو في اجتماعٍ لمجلس الأمن. في المقابل أعرب أوبراين عن قلقه إزاء الوضع في محافظة درعا، مشيراً إلى تدهور الحالة الإنسانية في شمال شرق سوريا نتيجة للعمليات العسكرية ضدّ “تنظيم الدولة”.
في 26 من حزيران/يونيو، أقر السكرتير الصحفي في البيت الأبيض “شون سبايسر”، أنّ الحكومة الأمريكية وجدت أدلةً تثبت عزم دمشق على استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. وفي مكالمةٍ هاتفية جمعت الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” بنظيره الأمريكي “دونالد ترامب” في 27 من الشهر نفسه، اتفق الزعيمان على القيام بردٍّ مشترك في حال أقدمت دمشق على تنفيذ هجومٍ آخر باستخدام المواد الكيميائية.
وفي الوقت نفسه لم يكشف الأمريكيون عن أي تفاصيل تؤيد تصريحاتهم بشأن استعداد دمشق لاستخدام أسلحةٍ كيميائية. خلافاً لذلك أعربت موسكو عن قلقها إزاء التصريحات الأخيرة التي صدرت من قبل البيت الأبيض، خاصةً أن روسيا تنفي تورط دمشق في استخدام الأسلحة الكيميائية. وفي هذا الإطار أكدت موسكو أنها ستقوم بالرد في الوقت المناسب في مواجهة أي استفزازات محتملة من قبل الولايات المتحدة ضدّ الجيش السوري، وفقاً لما أكده وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف”.
وأضاف الوزير الروسي أن الولايات المتحدة لن تخلق المزيد من الأعذار لتوجيه ضرباتٍ جديدة لسوريا. أما دمشق فقد نفت الشكوك الأمريكية، وأكدت أنها لم تكن تستعد لتنفيذ أي هجمات باستخدام الأسلحة الكيميائية. وفي 28 من حزيران/يونيو، أكد “جيمس ماتيس” أنّ السلطات السورية تأخذ تحذيرات البيت الأبيض على محمل الجد. وأردف ماتيس أن البيان الصادر عن واشنطن في هذا الشأن يعكس رغبة ترامب في منع وقوع مثل هذا الهجوم.
في شأنٍ ذي صلة، أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنه قد تم استخدام غاز السارين في الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون السورية، في أوائل شهر نيسان/أبريل سنة 2017. في المقابل شككت وزارة الخارجية الروسية في صحة التقرير الصادر عن بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات السورية قد اتٌّهمت باستخدام غاز الكلور ضدّ مجموعةٍ من المعارضين في قرية عين ترما بالقرب من مدينة دمشق. وبحسب تصريحات وزارة الخارجية الروسية في الثاني من تموز/يوليو، تعدّ هذه الاتهامات جزءاً من حملةٍ شرسة جديدة واسعة النطاق ضدّ دمشق.
وفي سياقٍ آخر، تشهد منطقة الخليج العربي أزمةً خانقة على مستوى العلاقات بين قطر “والرباعي” العربي؛ المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر والبحرين. والجدير بالذكر أن 2 من تموز/ يوليو يمثل نهاية الموعد المحدد لقطر حتى تقدم جوابها النهائي فيما يتعلق بقائمة المطالب 13، التي ينبغي أن تلتزم بها الدوحة لاستعادة العلاقات مع جيرانها.
وقبل يومٍ واحد من انتهاء المهلة، أكد وزير الخارجية القطري “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” أنّ بلاده ترفض الاستجابة لهذه القائمة، إلا أن الإمارة، في المقابل، مستعدةٌ للحوار في ظلّ ظروفٍ ملائمة.
ووفقاً لوزير الخارجية القطري، تعتبر الاتهامات الموجهة لقطر غير صائبة، كما أنه لا دليل على صحتها. علاوةً على ذلك، يعكس الحصار المفروض على قطر عدم رغبة هذه الدول للتوصل إلى تسوية من خلال التفاوض. وفي هذا الإطار أكد الوزير القطري أن الدوحة تصر على حل هذه الأزمة بناءً على مبادئ القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وفي الأثناء أكد وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” أن بلاده ليست على استعدادٍ للتفاوض مع قطر، كما أن قائمة المطالب غير قابلة للمناقشة. وشدد الجبير على ضرورة تخلي قطر عن دعم الإرهاب والتطرف، مشيراً إلى أن الدوحة لم تف بالتزاماتها التي تقضي بتوقفها عن تمويل الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
من جانبه أورد وزير الخارجية المصري “سامح شكري” أن على قطر الاختيار بين ولائها للأشقاء والجيران العرب، أو الاستمرار في انتهاج السياسة ذاتها التي ترمي بالأساس إلى تقويض الاستقرار في المنطقة لمصلحة قوىً أجنبية. وفي السياق ذاته أقرّ شكري بأن قطر فتحت المجال لدولٍ أجنبية للتدخل في شؤون الدول العربية.
وفي 26 من حزيران/يونيو، التقى الأمير القطري “تميم بن حمد خليفة آل ثاني” بالداعية الإسلامي “يوسف القرضاوي”، في إطار الاحتفال بعيد الفطر. وتجدر الإشارة إلى أن القرضاوي مصنّفٌ في السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضمن قائمة الإرهابيين.
من ناحيةٍ أخرى، جمعت مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والأمير القطري، لمناقشة الأزمة القطرية مع الدول العربية، كما عرض بوتين أن يتدخل سياسياً ودبلوماسياً لحلّ الخلافات القائمة بين الأشقاء. وخلال تبادل للآراء بين بوتين وملك البحرين “حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة”، تبين أن للبحرين تأثيراً سلبياً على الوضع في الشرق الأوسط.
وفي سياقٍ مغاير تم تنظيم حوارٍ ثلاثيّ على مستوى وزارات الخارجية بين أفغانستان وباكستان والصين. وفي هذا السياق اتفقت باكستان وأفغانستان على بذل مزيد من الجهود المشتركة للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، وتدعيم التعاون في مجال الأمن والاقتصاد. وفي الوقت نفسه أعلنت الصين عن استعدادها لتقديم الدعم اللازم لكل من إسلام آباد وكابول في هذا الغرض.
وفي أثناء ذلك سيتم وضع آلية لإدارة الأزمات، فضلاً عن أنه سيتم تبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا الهامة في المنطقة. علاوةً على ذلك ستعمد هذه الدول إلى بناء علاقاتٍ متينة من خلال الحوار والتشاور، وتجنّب خلق أي توتراتٍ قد تؤثر سلباً على العلاقات الثنائية.
في تونس، وعلى خلفية نسبة البطالة المرتفعة في جهة الجنوب التونسي (تطاوين) في ظلّ الثروات التي تمتلكها المنطقة، نشبت موجةٌ من الاحتجاجات في صفوف الشباب في الجهة، الذين طالبوا بضرورة قيام الحكومة التونسية بالعديد من الإصلاحات وخلق فرص للعمل لهم.
وفي سياق هذه الاحتجاجات يذكر أن المتظاهرين دخلوا إلى منشآت النفط والغاز الطبيعي، ما ساهم في إعاقة الإنتاج. وقد اضطرت السلطات التونسية إلى إرسال الجيش بغية حماية هذه المنشآت. وتجدر الإشارة إلى أن تونس تواجه واقعاً جديداً يتطلب منها القيام بإصلاحاتٍ عميقة، وتنفيذ جملةٍ من السياسات التنموية المحلية بالتعاون مع القطاعات الخاصة حتى تضمن التوزيع العادل للموارد.
المصدر: معهد الشرق الأوسط
وسوم: العدد 729