تعقيب على مقال ورد للصديق الدكتور محمد الزعبي
تعقيب على مقال ورد للصديق
الدكتور محمد الزعبي
عقاب يحيى
يتناول الدكتور الصديق محمد الزعبي : الأمين العام المساعد للحزب ـ وزير الإعلام في مرحلة حرب حزيران 1967، والذي ترك الحزب بعدها لقناعة احتجاجية لديه على مجريات الحرب وسبل معالجة نتائجها ..
يتناول بعض الوقائع التي تخصّ " قصة" استقالة كل من رئيس الأركان، ووزير الدفاع عقب الهزيمة، وذلك الاجتماع المشترك الشهير الذي ثبّتهما في موقعهما، وقصة الصوت الراجح الذي كان السبب.. وما نسج حوله، واسم صاحبه من حكايا حملته مسؤولية العواقب التالية.. ثم بروز ظاهرة الأسد وتكتله، والمؤتمر الذي كان بمثابة تدشين الانقلاب ...
***********
ورغم أني لم أك في موقع مسؤول، ولم يكن عمري يسمح أصلا بذلك،إلا أنني عشت تلك الأحداث عن قرب، وكنا معنيين في تلك الفترة طوال مرحلة طويلة أرخت بثقلها على وعينا، وفي فترات طويلة لاحقة كنا في موقع المسؤولية للعمل السري، وبقناعة ملحة بوجوب القيام بعملية نقد جريئة تتجاوز الترقيع إلى مواجهة صلب عديد المسائل الإشكالية.. وما عرفناه من تباينات وخلافات حين وضعنا تلك المرحلة على طاولة التشريح والتقويم في المراحل التالية لتكون نقاط ارتكاز في عملية التغيير الكبرى التي كنا نطمح في تحقيقها، وتصادمنا في تفسير الأحداث وخلفياتها، وفي شعور البعض بأنهم في موقع المتهم طالما فتحنا صفحات تلك الأيام، وتاريخ الصراع الداخلي وموقعه من النتائج، والظاهرة الطائفية ومسؤوليتنا عن تغولها وانتشارها وإن بشكل هسيس، وعبر أوكار لها.. كان وكر الأسد من أهمها.. واشرنا إلى السلبيات، وطالما حاولنا اعتماد المنهج النقدي فيها..
ـ حرب حزيران على الجبهة السورية.. طرحت أسئلة ثقيلة جداً يصل بعضها حد الاتهام بالخيانة، وما شاع عن " تسليم"، أو بيع القنيطرة، والزج بكثير الأسماء في هذه العملية، ممن كانوا قيادات ومسؤولين عسكريين، وحتى سياسيين..في حين حاول الأسد التملص من المسؤولية...
ـ لقد كتبنا على مرّ العقود الكثير من الدراسات النقدية والتوضيحية، وبرأيي أن مجموعة من الأسئلة ظلت تتزاحم لتشكل لوحة الموضوع :
· ـ حقيقة قدرات الجيش السوري على خوض حرب ضروس مع العدو الصهيوني.. يبدأها العدو ؟؟....وهنا يكون السؤال عن مدى قدرة القيادة العسكرية على معرفة ذلك والتصرف العقلاني وفقه بعيدا عن صخب الشعارات التعبوية، والتجارة فيها .
· ـ مدى المعرفة الواقعية لقدرات العدو الفعلية، وما يتيحه ذلك من شنّ الحرب على أكثر من جبهة، وإحراز النصر فيها، وموقع الدعم الأمريكي في الإنجاد اللازم ؟....
· ـ مستوى التنسيق الجدي بين القوات العربية.. خاصة الجبهة الشمالية والجنوبية، وواقعية ما كان يعرف بالقيادة المشتركة ؟؟..
· ـ تقدير أثر حالة الانهيار النفسي بعد معرفة سقوط الجبهة المصرية خلال ساعات على قيادة العمليات العسكرية والسياسية في الجبهة السورية ؟...
· ـ الجدّية في الثبات على القرارات المتخذة بالحرب المتواصلة، وفي وعي الشعارات الكبيرة المرفوعة عن النضال الطويل، والكفاح المسلح، وموقع الإيمان في كل ذلك ؟؟؟؟؟
· ورغم أن الخلخلات التي عرفها الجيش السوري منذ الثامن من آذار نتيجة التصفيات المتلاحقة التي طالت إطارات كبيرة مجرّبة فيه، وافتقار البدائل إلى التجربة، والخبرة، والقدرة.. يصعب الاعتراف فيها أمام حالة الاندفاع الشائعة، والمشبعة بالشعارات الرائجة عن الثورية التي لا يهمها العلم العسكري التقليدي، وعن حدود الانغماس في السياسة واليوميات، وانشغال كثير الضباط بها بدلاً من تحسين علمهم العسكري..
****
لنقل أن قلة من أعضاء القيادة كانت تعي أهمية تغيير القيادة العسكرية ـ كتقليد متبع في كل جيوش الدنيا في حالتي النصر والهزيمة ـ وأن ذلك ضرورياً مع حجم وثقل وفعل الهزيمة فيها، وفيهم، وعلى الحزب والبلد والمستقبل، بغض النظر عن حجم المسؤولية الخاصة والمباشرة للقيادة العسكرية في النتائج، وبدلاً من ذلك كانت حالة الحرج ونمو الحالة العاطفية التضامنية هي المناخ الشائع، وهو ما يمكن تفسيره في عدم التحضير المسبق لإنضاج قرار تغيير القيادة العسكرية. في حين لم يقنع هذا المبرر الشكلاني العديد ممن كان يعرف أن جميع القرارات في المسائل المهمة، والأقل أهمية أحياناً يجري التحضير لها عبر التشاور بين ما يعرف ب"قيادة القيادة" أو تحضير أذهان الآخرين باتجاه قرار معين ..
وطالما جرت الأمور بتلك الطريقة العفوية، والدرامية، فإن تشكيكاً كبيرا وجد أمكنته الكبيرة في العقول والنفوس حول مسؤولية ما يعرف ب"قيادة القيادة" في عدم تهيئة شروط نجاح اقتراح تغيير القيادة العسكرية.. والإيلاج اللاحق في ضباب الحالة الطائفية، خاصة وأن اللواء أحمد سويداني ـ رئيس الأركان ـ تقذم ، بعد وقت قصير من ذلك الاجتماع، بمذكرة كبيرة ضمّنها رؤيته لمسار الحرب ووقائعها، وحمل وزير الدفاع المسؤولية الأولى في الهزيمة، ووضع القيادة أمام خيار إما إقالة وزير الدفاع، أو استقالته هو.. وقد قبلت استقالته.. وتحول إلى رئيس لمكتب الشبيبة والطلبة ـ لبعض الوقت ..ثم إلى مطلوب وهارب.....و .. سجين على مدار العقود ....
· ـ أخالف ما جاء في رأي الصديق الدكتور محمد الزعبي.. في أنهم ـ بعيد الهزيمة ـ لم يكونوا قادرين، حتى لو قرروا ـ على إزاحة الأسد من موقعه كوزير للدفاع وقائد للطيران . وأظن أنه حتى تاريخه لم يكن القوة الضاربة في الجيش، وكان اللواء صلاح جديد ـ الأمين العام المساعد للحزب أثناء تلك الفترة، ومعه القيادة الحزبية، يبدوان بقدرة تنفيذ أية قرارات يتخذها"الاجتماع المشترك" ...
في حين تقول الأحداث الملتبسة : أن حافظ الأسد ومنذ الشعور بالنيّة لدى البعض بإزاحته، وإقالته، وتحميله المسؤولية المباشرة عن الهزيمة، او تقديمه ككبش فداء لها، لم يعد ذلك" الوديع" الملتزم، وأخذ ينحو، مذ ذاك باتجاه آخر ..وهذا بدوره يخالف الوقائع.. ويناقض ما كان يقوم به حافظ الأسد من تجميع للعسكريين والطائفيين حوله، وتقوية نفسه بشكل شخصي منذ سنوات.. وفي وصية عبد الكريم الجندي الكثير من الإشارات البليغة التي تطاله، كما تتناول غيره ..
· لقد أتيحت لي فرصة نادرة باللقاء مع المرحوم أحمد سويداني حين خروجه من السجن لبضعة أيام عام 1975 لمناسبة وفاة والدته، وكان ممتلئا بالحماس لبثّ بعض قناعاته في مجريات الأحداث، خاصة حرب حزيران .. ولأني لا أملك الحق ـ الأخلاقي ـ في ذكر العديد من القناعات التي قالها لي في تلك الجلسة التي انفردنا بها لبعض الوقت، وكان شديد الثقة بي، ويعلم أننا في قيادة العمل السري.. إلا أنه كان شديد الوضوح في تحميل حافظ الأسد المسؤولية الأولى في الهزيمة وباتهامات من العيار الثقيل ..
· الدكتور الصديق محمد الزعبي وهو يروي بعض فصول ذلك الاجتماع .. ورفضه الكلام أكثر، فإنه يشير بشكل مغمغم إلى ما يعتبره متغيرات حصلت في الجيش باتجاه طفحان الوضع الطائفي حد السيطرة.. وأن البدائل المقترحة من نفس الطراز ...ونعرف أنه بعد الهزيمة كان على قيادة الحزب أن تقوم بمراجعات شاملة ليس للخط السياسي، والعقل الأحادي، ومقولات الحزب الواحد القائد وحسب، بل واساساً لبنية الجيش وما عرفته من خلل لا يمكن السكوت عنه، وهو خلل ناجم عن ذلك الثقل الطائفي في الجيش لجهة المحسوبين على الطائفة العلوية . وهو الأمر الذي يحدث. على العكس ازداد التمسك بالمقولات السياسية مع تحميتها بمزيد من التسخين وإضافة الجديد إليه، ورفض الاعتراف بطبيعة المرحلة، وموجبات الهزيمة، والتخلي عن الأحادية، وإنهاض الجبهة السياسية مع القوى المعنية بالمرحلة .. والتردد في معالجة واقع الجيش .. بينما كان الأسد يقوى كل يوم، ويشتري الولاءات بوسائل مختلفة، وتتغول قوات أخيه/ رفعت الأسد/ لتصبح قوة ضاربة تقوم بكل الممارسات التجاوزية، ويقوم بتنصيب مناصريه في المواقع الحساسة، وإبعاد المحسوبين على القيادة، أو اللواء صلاح جديد ووضعهم في مواقع هامشية خلافاً للسائد من القرارات ..التي ترجع أمر نقل العسكريين الكبار إلى القيادة ..
******
الصديق الدكتور محمد الزعبي لعله أخطأ المكان، والتحديد وهو يتحدث عن"مؤتمر قطري" بينما المقصود هو المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي، والذي لم يكن للعقيد عزت جديد علاقة به، ولذا لم يعقد برعاية لوائه.. وكان وقتها مبعداً، ومهمّشاً، وهو للمناسبة، وخلافاً لما قرأت في بعض الكتابات، ليس أخاً للواء صلاح جديد، ولا يمتّ له بأية صلة من القرابة ..
· قصة المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي وقراراته بتنحية وزير الدفاع ورئيس الأركان.. قصة طويلة طرحت كثير الأسئلة التي لم تجد إجابات شافية .. بدءاً من فكرة عقد مؤتمر ـ أعلى هيئة في الحزب ـ لحسم صراع داخلي مع جهة هي الأقوى، وهي الماسكة بخناق الدولة والسلطة، وبالتالي عديد الأسئلة انهالت تباعاً حول الهدف والغاية من المؤتمر.. والذي ما كاد ينتهي إلا وكان الانقلاب قد بدأ، وزج عديد أعضاء القيادة في السجن...بينما حكايا المحاولات العسكرية.. تتلاطم في الهباء ..
· وكيف يمكن لقيادة أن تعقد مؤتمرا يكون ممراً للانقلاب الشامل الذي تعرفه مسبقاً.. وسقوط عديد التفسيرات والتبريرات التي تبدو شديدة السذاجة عن طلب للعسكريين بعقد المؤتكر كنقطة استناد لحركتهم.. وأقوال كثيرة سبحت في خيال الأوهام ..
· لذلك فإن يأس البعض من لوحة الوضع، كموقف الرفيق مصلح سالم ـ عضو القيادة القومية ـ وهو المدرك جيداً أن الأسد لن ينصاع للقرار .. يشكل جزءاً من تلك اللوحة المضطربة التي خيّمت، ثم سيطرت على الحالة... و"المراهنات" الخلبية التي تتالت عبر السنوات ...