من الخسة والدناءة استغلال الإسلام والارتزاق به مقابل عرض الدنيا الزائل من طرف طبقات من المحسوبين عليه
مما يؤسف له شديد الأسف ، ويتحسر له شديد الحسرة أن يتسلط على دين الإسلام قوم خسة ودناءة يخادعون المسلمين بالتظاهر بالطهر والقداسة بل بتكلفهما ، و تكلف الورع والتقوى المغشوشين ، وادعاء سمت العلماء والصالحين والزهاد وهم خلف هذه الأقنعة المزيفة مجرد لئام انحدرت أخلاقهم إلى أسفل سافلين من الخسة والدناءة والقذارة ،وذلك بمخادعة عموم المسلمين الذين يحسنون بهم الظن لحسن ظنهم بالدين ، ولصدق مشاعرهم الدينية ، ولتوقيرهم للدين ولكل من له صلة به . وعموم المسلمين ممن حسن دينهم وحسنت طواياهم ونواياهم قد يظن الجاهل بهم الغباء والسذاجة حين يسارعون إلى تصديق كل من يظهر سمت المتدين وينتسب إلى أهل العلم به ، ويحترمونه بل يجلونه ، ولا يبخلون عليه بشيء مما في أيديهم رغبة في رضى الله عز وجل وابتغاء الدار الآخرة .
والسفلة من الذين يستغلون الدين كثر، وهم طبقات أولها طبقة المحسوبين على العلم وهي أعلى طبقة ، والذين يقصدهم عمون الناس للفتوى ولمعرفة أمور دينهم ودنياهم أيضا . وسفلة هذه الطبقة يغلب عليها الكبرياء حيث يزدرون عامة الناس ، ولا يلقونهم إلا بوجوه عابسة ومكشرة ، وكأن كل من يقصدهم إنما يفعل ذلك استجداء ،وقد يزجرون أو يسخرون منه أو يردون ردا غير جميل وهو يلتمس لديهم علما أوفتوى أو مشورة أو رأيا ، ويعرضونه لسخرية بطانتهم السيئة الخلق والتي تشجعهم على احتقار الناس ، ويتخذونههم هزؤا ،فينصرف من يقصدهم مكسوفا محزونا لا يكاد يصدق أنه وقف بين يدي المحسوبين على العلم . ومن صفات هذه الطبقة الخسيسة الغرور والاعتداد بالنفس والاستعلاء على الخلق ، وادعاء احتكار العلم والمعرفة ، وكل الناس بالنسبة إليهم جهالا لا يفهمون ، وأن الفهم مقصور عليهم وقد احتكروه لأنفسهم ، والويل لمن أبدى في حضرتهم شيئا من العلم أو الفهم ، أما محاورتهم أو مراجعتهم فمن الكبائر التي لا تغتفر . ومن خسة هؤلاء أن يتهافتوا على أهل السلطان والجاه والثراء، فيهرولون إلى مجالسهم وأنديتهم، ويقبلون على ولائمهم وموائدهم ، فإذا دعاهم من لا سلطان ولا جاه ولا ثراء له استهجنوا دعوته ، واحتقروا جسارته على دعوتهم إلى ولائمه ، ورفضوها بذرائع كثرة مشاغلهم . وقد يقصد من يدعوهم من بسطاء الناس الظفر ببركة يعتقدونها فيهم ، ولو كشفت لهم حجب الغيب عن حقيقة خستهم لما يمموا صوبهم ولما رضوا أن يدنس حضورهؤلاء السفلة طهر بيتهم ونواديهم . ومن علامة كبرياء واستعلاء المرتزقين بالدين من المنتسبين إلى أهل العلم تهافتهم على امتطاء فاخر السيارات ، وركبوهم الدرجة الأولى على متن أفخم الطائرات ، ونزولهم في أبهى الفنادق التي لا يقل تصنيفها عن خمس نجوم ، وتناول وجباتهم في أشهى المطاعم . ومن علامة جشعهم امتلاك العقارات و الضياع والبساتين ، ومشاركة أهل الثراء في مشاريعهم وصفقاتهم المربحة المدرة للأموال والمفضية إلى الغنى الفاحش الذي يزيدهم طغيانا وجبروتا. ومقابل ما عليه هؤلاء من بذخ يحدثون عوام الناس بفقر النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحابته ، ويرغبونهم في حياة الكفاف التي لا يعيشونها هم . وإذا اتفق أن تحدثوا عن أغنياء الصحابة، اسهبوا في مدح اليد العليا وفضلها على اليد السفلى من أجل التمويه على مظاهر الثراء البادية عليهم ،وتجنبا لانتقادهم بسببها.
وأما الطبقة التي تلي الطبقة الأولى فهي طبقة الخطباء ووعاظ السوء الذين هم على شاكلة علماء السوء خلقا ، والذين يرتزقون أيضا بالدين ، ويلعبون بعواطف عموم المسلمين الدينية . وتتتلمذ هذه الطبقة على يد الطبقة الأولى وتتلقى دروس المكر والخداع والابتزاز ،ومنها تتعلم كيفية الارتزاق بالدين ، فتبدأ مشوارها بالتقرب من الناس بالخطب والمواعظ الشيقة والمؤثرة حتى يذيع صيتها، وتستحوذ على العواطف الناس وتؤثر في مشاعرهم ، وتحظى بالاحترام والتقدير الذي قد يتحول إلى تقديس . ومن خسة هؤلاء الطمع الطاعون كما يقال الذي يحولهم إلى تماسيح فاغرة الأفواه لتلقف كل ما يعن لها . وعلى غرار أساتذتهم في تملق أهل السلطان والجاه والثراء تمرغ هذه الطبقة أنوفها في الثرى تذللا أمام هؤلاء من شدة طمعها وجشعها . وتبدأ هذه الطبقة مشوارها في الارتزاق بالدين فقيرة تعيش على الكفاف، ولكنها سرعان ما تصير ذات عقار ومساكن فخمة ، وحقول وضيعات ، ومركبات من آخر طراز . وتبدأ في محاكاة علماء السوء في كبريائهم واستعلائهم على الناس ، وتتطاول على العلم والمعرفة والفتوى ، وتتهافت على حضور ولائم الأفراح والأتراح ، وتخادع أصحاب النوايا الحسنة الذين يتوسمون فيها البركة ، ويدعونها إلى ولائمهم تبركا بهم . ولا تخلو هذه الولائم التي يحضرونها من مواعظ وخطب استدرارا للإعجاب وإمعانا في الرياء. ويقع أهل المال واليسار في حبال هذه الطبقة الخسيسة ، فتستقرض منهم المال لتسديد ما في ذمتها من ديون أو لاقتناء ما تشتهيه من مساكن ومراكب وأسفار . وقد تستغل عواطف بعض الموسرين الدينية فترغهم في الحج والعمرة لمصاحبتهم إليها بذريعة تلقينهم الطريقة الصحيحة للحج والعمرة . ومن هذه الطبقة الخسيسة من يغتنم حلول شهر الغفران، فيطير إلى الخارج حيث الجاليات المسلمة ليخطب ويعظ مستغلا العواطف الدينية لتلك الجاليات ليتسلل إلى جيوبها ، فتكتتب له ليعود إلى أرض الوطن بغلول وسحت باسم الدين . وقد تحشر هذه الطبقة الخسيسة المسترزقة بالدين أنفها في المشاريع الخيرية ،فتغري المحسنين بالبذل والعطاء في سبيل الله ، وتجعل لنفسها الأخماس كما تفعل بعض الفرق الضالة من أجل مشاريعها .ومع مرور الأيام يصير جمع الصدقات والتبرعات عندها حرفة موازية لزائف الوعظ والخطابة . ومن خسة هذه الطبقة أن توظف الدين لولوج حقل السياسة إما اشتغالا بها أو قياما بالسمسرة لأصحابها الذين يلجونها باعتماد ثرواتهم التي تشترى بها الذمم . وتحصل طبقة وعاظ وخطاب السوء من سماسرة السياسة على أجر الدعاية لهم سحتا مبينا . وسرعان ما تسقط أقنعة وعاظ وخطباء السوء كسقوط أقنعة علماء السوء ، فيكتشف الناس خداعهم ومكرهم باسم الدين ، ويفضح الله عز وجل ما كانوا يخفونه من سوء الطوية وخسة الخلق .
وأما الطبقة الثالثة من خسيس المرتزقين بالدين فطبقة حفاظ كتاب الله عز وجل الذين يجلهم الناس ويقدرونهم إجلالا وتقديرا وتعظيما لكلام الله عز وجل الذي يحملونه في صدورهم . فهؤلاء أشد مكرا وخبثا من طبقة الوعاظ والخطباء ،وفيهم من يجمع بين حفظ كتاب الله عز وجل وبين الخطابة والوعظ . ويتجلى مكرهم في استغلال ولوجهم بيوت الناس في كل سراء أو ضراء لتلاوة القرآن الكريم الذي يتبرك به في الأفراح والأتراح . وفي هذه المناسبات تقايض هذه الطبقة الخسيسة آيات الذكر الحكيم بالثمن القليل، فتمد يدها للحصول على أجر ما تلته منه مع أنه لا ثمن له ولا أجر إلا عند رب العزة جل جلاله ، و على أجرما ترنمت به من ألحان محسوبة على الأمداح . وقد تتحول هذه الطبقة إلى فرق ومجموعات إنشاد وطرب كالفرق الموسيقية وفرق الغناء تستعمل هي الأخرى مكبرات الصوت وأنظمته ، وتتنافس على استقطاب الزبائن ، وتفضل أهل اليسار على من دونهم ،ذلك أنه قد توجه إليها دعوات من عدة جهات، فتهرول حيث تكون الحصة مغرية ، ولا تبالي بما أخلفت من وعود . وتقبل هذه الطبقة الخسيسة على موائد الطعام بنهم وشراهة حين يلذ طعامها وشرابها ، أما طعام البسطاء، فلا تمتد إليه أيديها لأنه ادرجت على إصابة ما لذ وطاب في بيوت أهل اليسار المفضلة لديها . ومع أن هذه الطبقة تنحدر في الغالب من أسر معوزة، فإنها مع مرور الأيام وامتهان الارتزاق بالدين، تكتسب المال والعقار والضياع والمراكب، وتصير لها تجارة وبيوع وكلها غلول . ومن هذه الطبقة من يمتهنون السمسرة ،فيجمعون بينها وبين إمامة المصلين ووعظهم وإرشادهم. وعلى غرار الطبقة الثانية تحج هذه الطبقة وتعتمر على حساب الموسرين الذين يقدرون ويجلون القرآن الكريم ، ويثقون في طهر وقداسة من يحملونه حمل الحمر ، ويعتقدون بأن حجهم واعتمارهم لا يصح إلا بمعية هذه الطبقة من المرائين المرتزقين بالدين.وتتخذ هذه الطبقة بيوت الله وسيلة لجمع الأموال في شهر الصيام على غرار ما تفعل طبقة الوعاظ والخطباء الذين يطيرون خارج الوطن في هذه المناسبة لتحصيل الريع .
ومن خبث ومكر وخسة هذه الطبقات الثلاث يعاني الدين ذلك أنه حين يكتشف الناس خستها واستغلالها للدين يسقطون أوصافها حتى على الصادقين من أهل العلم والورع وصدق التدين وصدق الوعظ والنصح لله ولرسوله ولكتابه ، فيصير كل منتسب للحقل الديني موضع شك واتهام حتى تثبت براءته ، وقد لا يحظى ببراءة أبدا ما دام على صلة بالطبقات الخسيسة المرتزقة بالدين بشكل أو بآخر . وقد يموت هؤلاء على هذه الحال بلا توبة نصوح فيلقون غيا والعياذ بالله أجارنا الله من شاكلة هذه الطبقات الماكرة ، وحفظ دينه من مكرها ومكرها لا محالة يبور .
وسوم: العدد 735