بعض الأجانب يقاطعون إسرائيل وأكثر العرب يحالفونها
من غرائب التحولات الكبيرة التي تُبتلى بها القضية الفلسطينية الآن أن التفهم لها والتعاطف مع عدالتها وإنسانيتها ؛ يأتي من قوى أجنبية بعيدة عنها في نواحٍ كثيرة ، وأن التجاهل لحقائقها والتخلي عنها يأتي من أولى الناس بها فلسطينيين وعربا حتى بات في قدرتنا القول إن أكثر العرب يتخلون عن فلسطين ويحالفون إسرائيل ، وإن بعض الأجانب الشرفاء أهل الضمائر الإنسانية النبيلة يقاطعون إسرائيل لظلمها للشعب الفلسطيني ظلما واسعا نادرا يستهدف إبادته في الجغرافيا والتاريخ . ففي الحين الذي تحدث فيه نتنياهو الأسبوع الماضي عن وصول علاقة إسرائيل ولو سريا مع ما يسمى دول الاعتدال العربي السنية إلى أحسن حالاتها منذ وجود إسرائيل ؛ اتخذ اليونيفور أكبر اتحاد عمالي كندي للقطاع الخاص ، ويضم 310 آلاف عضو ، في مؤتمره السنوي الذي عقده في مقاطعة مانيتوبا تحت شعار " التضامن من أجل عالم أفضل " ؛ قرارا بمقاطعة إسرائيل منسجما فيه مع حركة مقاطعة إسرائيل العالمية ( بي . دي . إس ) ، واشترط وقف مقاطعته لها بتوقفها عن " توسعها الاستعماري الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة " وإلى أن " توقف بناء المستوطنات في المناطق المحتلة ، وتدخل المفاوضات بأجواء طيبة مع الفلسطينيين بهدف التوصل لإقامة دولة فلسطينية مع تواصل إقليمي ، وسيادة حقيقية " ، وتأملوا الإشارة إلى " تواصل إقليمي ، وسيادة حقيقية " ، وهما الشرطان اللذان لا يُعنى بهما الطرف الفلسطيني إلا لسانا هاذيا ، ولا وجود لهما في بال الطرف العربي إلا في صورة غمغمات باهتة ملتبسة مغمورة بالنفاق . يأتي هذا الموقف النبيل الشجاع من اتحاد عمالي بعيد عن فلسطين في كل شيء ، وفي بلاد قليلة الاهتمام بمشكلات المنطقة ، وإذا أبدت شيئا من الاهتمام بها فلا تخرج فيه عن خط السياسة البريطانية والأميركية وإن لم تصطبغ بما في تلك السياسة من فظاظة وجحود للحق الفلسطيني ، وأقر الحزب الليبرالي فيها ، وحزب المحافظين أخيرا مشروع قرار يدين كل كندي يؤيد حركة مقاطعة إسرائيل . موقف اتحاد العمال الكندي ينبع من معايير عالمية عند النظر للأمور نراها عند الإنسان العادي الذي لم تلوثه المنافع السياسية الظالمة في أكثر الأحيان ، ومن هذه المعايير حق الإنسان فردا أو جماعة قلت أو كثرت في حياة حرة تحفظ إنسانيته ، وسيادة وطنية في أرضه ، وهما الحقان اللذان أهلكتهما إسرائيل فلسطينيا ، والمفجع الموجع أن هذا الإهلاك يستوفي أدواته بتواطؤ فلسطيني متمثل في السلطة الفلسطينية وبتواطؤ عربي متمثل في الدول العربية التي لفحتها حمى التحالف مع إسرائيل بحسبانه منقذا لأنظمتها من حتمية التحولات التي تنتجها حركة التاريخ ، وقوامها أنه لا ديمومة لأنظمة الاستبداد المنفصلة لبابا وغايات عن جمهور شعبها . ويقوي التواطؤ الفلسطيني والعربي موقف إسرائيل في صدامها مع حركة المقاطعة العالمية بمنطق " وأنتم ما دخلكم ؟! " . فكيف ستكون سعة التأييد عالميا للقضية الفلسطينية لو كانت هناك قيادة فلسطينية لا تتواطأ مع إسرائيل ، ولا تمارس فروسيتها وسيادتها الوهمية إلا على شعبها ؟! وماذا لو كانت هذه القيادة بسفاراتها وممثلياتها ومكاتبها الفتحاوية التي تتفوق في عددها على سفارات وممثليات ومكاتب إسرائيل ودول كبيرة كثيرة غيرها ؛ تبذل أضعف الإيمان في جلب التأييد والإنصاف للقضية التي تقول إنها المخول الوحيد بتمثيل أهلها والمنافحة عنها ؟! وماذا لو كان هذا البذل القليل معززا بمثله قلة من الدول العربية ؟! وماذا لو لم تقف السلطة الفلسطينية ، والمسماة دول الاعتدال العربي في الخندق الإسرائيلي حقيقة وواقعا ؟ لكن الحقيقة والواقع أن أهل القضية فلسطينيين من خلال السلطة ، وعربا من خلال منظومة دول الاعتدال يتخلون عن هذه القضية ، ويحالفون إسرائيل تحالفا مصيريا مخلصا ، وفي مواجهة هذا التحالف الشاذ الخطير يناصر بعض الأجانب الشرفاء النزهاء هذه القضية إلى مستوى مقاطعة إسرائيل ، ولو استطاعوا لفعلوا ما يزيد على المقاطعة . كيف تنتصر قضية كهذه ؟! ومتى يفقه هؤلاء الفلسطينيون والعرب الخاذلون لأمتهم الناصرون لعدوها أنهم ليسوا سوى أدوات مرحلية لتحقيق المشروع الصهيوني الغربي في الأرض العربية ؟! السؤالان ليسا موجهين لهذه النوعية من الفلسطينيين والعرب أحباب إسرائيل ، وإنما لشرفاء الفلسطينيين والعرب ومن يناصرهم من شرفاء العالم مثل اتحاد العمال الكندي وغيره من القوى العالمية الشريفة .
وسوم: العدد 737