الدروس الخصوصية أو دروس الدعم والتقوية وانعدام الضمير

مع انطلاق كل موسم دراسي جديد  بل قبيل انطلاقه   يقض مضاجع الآباء والأولياء موضوع الدروس الخصوصية لأبنائهم لأن القناعة السائدة لديهم أن هذه الدروس هي العصا السحرية التي  تنقذ أبناءهم من كابوس التعثر الدراسي، وتنقلهم من خانة الفاشلين  المتعثرين إلى خانة الفائزين المتفوقين. ومع حلول كل موسم دراسي تبدأ عملية البحث الجاد عن الأساتذة السحرة أصحاب العصي السحرية خصوصا في بعض المواد الدراسية التي تؤرق المتعلمين وأولياء أمورهم . وما يكاد الآباء والأولياء يسمعون بأستاذ ذي سمعة و خبرة  في تلك المواد حتى يحجون إليه راغبين في دفع أبنائهم إليه عسى أن يأتي الله عز وجل بفتح على يديه، وينتهي الموسم الدراسي بنتيجة تسر وتثلج الصدر .

وعلى الدروس الخصوصية أو دروس  التقوية والدعم ينطبق قول الشاعر الذي صار مثلا سائرا : ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) ذلك أن مصائب أولياء أمور المتعلمين هي هاجس البحث عن الجهة الأمينة والجادة التي تعطي تلك الدروس فضلا عن كلفتها التي ترهق الجيوب ، أما الفوائد المادية فمن نصيب الذين يعطون تلك الدروس،  وأما المعنوية منها فمن نصيب المتعلمين وأولياء أمورهم إذا ما انتهى الموسم الدراسي بخير ونتائج سارة .  وليس كل من يعطي الدروس الخصوصية أمينا وصاحب ضمير بل يوجد فيهم الأمناء ومنعدمو الضمائر ، ذلك أن الذين يقصرون في واجبهم في الفصول الدراسية بمؤسسات التعليم العمومي وهم يتقاضون على ذلك أجرا من الوزارة الوصية ، ويبذلون كل الجهد في إعطاء الدروس الخصوصية بالمقابل يخونون الأمانة ولا ضمائر لهم . ويزداد جرم هؤلاء حين  يقصرون في أداء واجبهم في الفصول الدراسية ويكرهون تلاميذهم على حضور دروسهم الخصوصية ، وأفظع من ذلك  تمييزهم بين المتعلمين الذين  لا يقبلون على دروسهم الخصوصية والذين يفعلون ، فيسربون إلى هؤلاء فروض المراقبة المستمرة بطريقة أو بأخرى للبرهنة على أن دروسهم الخصوصية بالفعل عصا سحرية تحدث العجب . ولا يمكن أن يشكك أحد في هذا  وقد ضبطت حالات من هذا القبيل وافتضح أمر أصحابها . وكل من قصر في واجبه في الفصول الدراسية، وبذل جهدا في إعطاء الدروس الخصوصية فهو آكل سحت ومصيب مال حرام . وأذكر أنني أثرت ذات يوم موضوع الدروس الخصوصية مع أستاذ معروف بجديته وله سمعة طيبة نظرا لما يبذله في الفصل من جهود ينوه بها المراقبون الذين يتعاقبون على زيارته ، وتشهد بها النتائج التي يحققها تلاميذه سنويا ، فسألته لماذا لا تعطي دروسا خصوصية يستفيد منها عدد أكبر من المتعلمين من غير تلاميذك ؟ فأجابني إذا احتاج تلاميذي إلى دروس خصوصية أو دروس دعم وتقوية، فذلك دليل واضح على فشلي في مهمتي ، وإذا بقي لي وقت لإعطاء دروس خصوصية لغير تلاميذي، فذلك دليل آخر واضح على أنني لا أقوم بواجبي على الوجه الأكمل . ومعلوم أن عينة من الأساتذة الذين يعطون الدروس الخصوصية  يشتغلون لفترات زمنية يوميا لا يكاد العقل يصدقها ،الشيء الذي يثير الشكوك حول جديتهم، ذلك أن وتيرة عملهم اليومية ليل نهار تتطلب جهدا مضنيا و متميزا ليس من السهل أن يتوفر باعتبار ظروف العمل ، لهذا من المرجح أن يكون اشتغالهم بالدروس الخصوصية على حساب القيام بالواجب في الفصول الدراسية . ويشكو بعض الآباء والأولياء من كون بعض هؤلاء يدربون المتعلمين على نوع من المقامرة ، ولا يعطوهم دروسا بالمعنى الصحيح . ويعرف أسلوب المقامرة بين المتعلمين بالسلاسل  أو " السيريات " وهي عبارة عن نماذج أسئلة محتملة الوقوع في فروض المراقبة المستمرة أو الامتحانات . ومعظم الذين يعطون الدروس الخصوصية من السلاسليون  أو السيرياتيون وهو أسلوب تعليم يغرر بالمتعلمين ولا يعطيهم تعليما حقيقيا ،ولا يرقى بهم إلى المستويات المنشودة . وتسود المضاربة سوق الدروس الخصوصية ذلك أن بعض الذين يعطون الدروس الخصوصية لا يمارسون ذلك إلا عن طريق ما يسمى المجموعات المغلقة، وهي مجموعات تضم عددا  محددا من المتعلمين تعطى لهم تلك الدروس ، وغالبا ما تكون هذه المجموعات من أبناء الأثرياء أو الأعيان لأن ثمن الدروس الخصوصية في المجموعات المغلقة مرتفع لا يقوى عليه غير هؤلاء . ويفضل الأثرياء والأعيان أن يكون أبناؤهم ضمن المجموعات المغلقة حرصا على تميزهم الدراسي  ورغبة في فوزهم بالمقاعد في المدارس والمعاهد التي تضمن مستقبلهم . وقد يستقبل الذين يعطون الدروس الخصوصية المجموعات المغلقة في بيوتهم حرصا على سريتها التامة ، وقد تعطى تلك الدروس في بيوت بعض الأعيان أو الأثرياء الذين يدللون أبناءهم ، ويوفرون لهم من يؤنسهم من المتعلمين دون انتقالهم إلى أماكن أخرى . وقد يستقبل الآباء والأولياء الذين يعطون الدروس الخصوصية في بيوتهم ليعطوا دروسهم لتلميذ واحد أو تلميذة واحدة ، ويستفيد هؤلاء من الإطعام ، وقد يستفيدون أيضا من النقل إذا كان ولي التلميذ أو التلميذة من الذين يستعملون سيارات الدولة أو كان من كبار الأثرياء .

وتفضي المنافسة بين الذين يعطون الدروس الخصوصية إلى خلافات وصراعات وعداوات ووشايات فيما بينهم ، ويحاول كل طرف الطعن في دروس الآخر والاستنقاص من جدواها ، وسرعان ما تنتشر التهم المتداولة فيما بينهم بين المتعلمين والأولياء ، وهي بمثابة إشهار ودعاية .

وقد لا يقتصر إعطاء الدروس الخصوصية على الأساتذة الممارسين في الفصول الدراسية بل قد يعطيها مراقبون تربويون  أو مفتشون يستغلون مهمتهم لتلميع صورتهم لدى الآباء والأولياء الذين يعتقدون أن  خبرة المفتش تفوق خبرة المدرس ما دام يراقبه. وقد يقصر المفتشون الذين يشتغلون بالدروس الخصوصية  في واجبهم ويصرفون معظم وقتهم في إعطاء الدروس الخصوصية . ومن هؤلاء من يتقاضى من مؤسسات التعليم الخصوصي أجرا مقابل تأطير المدرسين بها ، علما بأن التوجيهات الرسمية تفرض على المفتش تأطير المدرسين  في مؤسسات التعليم الخصوصي الواقعة في مقاطعته ،ولا تسمح له بالتأطير خارج إطار مقاطعته . وتدور أحاديث  مخجلة عن بعض المفتشين في بعض الجهات انصرفوا كليا إلى إعطاء الدروس الخصوصية مستغلين وظيفتهم لاستقطاب المتعلمين دون وخز من ضمير ، وما يأكل هؤلاء إلا سحتا، وما يطعمون أبناءهم إلا حراما ، وما يأكلون في بطونهم إلا نارا .

ومن المدرسين والمفتشين من يستعجل بلوغ سن التقاعد النسبي مبررا ذلك بإفلاس المنظومة التربوية  مرددا عبارة : " ما بقى ما يعجب " والحقيقة أنه ينتقل إلى ما  يعجبه وهو إعطاء الدروس الخصوصية التي تدر عليه دخلا إضافيا يعوضه ما نقص من معاشه . ومنهم من يقضي مدة عمله شاكيا متبرما  يترقب موعد بلوغه سن التقاعد ، ويتنفس الصعداء عند بلوغه ، ويحمد الله على ذلك لكنه يشمر على ساعده لإعطاء الدروس الخصوصية وهو الذي كان يشكو  صباح مساء من العمل المرهق مع الوزارة .

وأخيرا نأسف شديد الأسف لانعدام الضمير عند بعض الذين يعطون الدروس الخصوصية  أساتذة ومفتشون وهم مربون يا حسرتاه على حساب القيام بالواجب ، أو يبتزون الآباء  والأولياء  ويستغلونهم في بيوتهم  أكلا وشربا ومركبا ، أو يكرهون المتعلمين على حضور دروسهم ، أو يسربون أسئلة الفروض لمن يحضرون دروسهم دون غيرهم أو يمارسون الضغط على المتعلمين وآبائهم عن طريق أسلوب المجموعات المغلقة . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ؟