مع مصطفى في سيرة المصطفى
معمر حبار
مقدمة الزميل القارئ: أهداني الأستاذ العراقي، مصطفى العمري، 6 محاضرات ألقاها بشأن القيود الفكرية في الفكر الإسلامي، تتضمن كيفية التعامل مع العقل والنص. السنة النبوية أحاديث الرسول أم تلفيق سياسي باسم الرسول. الحديث النبوي و تمزيق الأمة. الصراع بين العقل و الحديث. وأضاف لها لاحقا، المحاضرات السمعية المرئية، لتتضح الصورة، لمن يريد أن يتتبع المحاضرات جيدا.
وكتب يقول : "أخي الأستاذ معمر حبار بعثت لك جميع الفرزات التي نشرتها لحد الآن واعلم يا أخي ان الاختلاف في الرأي حالة طبيعية جدا خاصة ونحن نكتب و نقرأ لكي نرتفع في الوعي لا أن نبقى هاجعين سامتين ، أتمنى أن أرى تعليقك على هذا البحث . مصطفى العمري".
وراسلته في الحين ومازلت، بشأن الملاحظات التي أبديتها حول محاضراته القيمة، وأبدى في نفس الوقت ملاحظاته الرقيقة أحيانا، والقاسية أحيانا أخرى بشأن ملاحظاتي. ووعدته أن أنقل هذا الحوار عبر مقال يعم ويفيد، وأني سأذكره بالاسم، ففهمت من صمته الرضا والقبول.
ومما يجب الإشارة إليه، أن النقاش الذي تمّ فيما بيننا حول محتوى المحاضرات، وخلال أيام متباعدة، ضمّ 3597 كلمة، دون عدّ المقالة التي بين يديك. وإذا أتيحت الفرصة، ستكون مقالات أخرى تتطرق لنقاط أخرى.
صاحب الأسطر، يتقدّم بالشكر للأستاذ مصطفى العمري، لأنه أثار نقاطا مثيرة للجدل، لذلك لايعتبر هذه الأسطر ردا على الأستاذ، إنما يعتبرها مشاركة متواضعة لقراءته ، التي قد توافق أو تعارض ماذهب إليه الأستاذ، كما يتقدم بالشكر البالغ للثقة التي منحها الأستاذ مصطفى لقارئه، فقد كان سببا في تدفق الحبر، وانضباط السطر، واستخراج مافي الصدر.
بشر ورسول: سيّدنا رسول الله صلى الله عليه بشر كغيره من البشر، يصيبه مايصيبهم، ويتعرّض لما يتعرّضون له. فقد شقّت رباعيته في غزوة أحد، وخنقه أحد المشركين خنقا شديدا. رموا عليه بقايا النعاج وهو ساجد، وتعرّض للسبّ والشتم، ودُسّ له السّم في الطعام، وأصيب بالحمى والمرض، وتعرّض للسحر.
لكن مايتعرّض له رسول الله صلى الله عليه وسلم لايمسّ بأيّ حال من الأحوال ماكلّف به من تبليغ. فيبقى سليم الحفظ عن ربه، صادقا في نقله. فلا يمسّ ماحفظه من وحي، لأنه الصادق الأمين، ومن الصدق والأمانة، أن يبقى صادقا وأمينا، ولو تعرّض لما يتعرض له كافة البشر.
فمن تمام النبوة والرسالة، أن يبقى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، سليم الذاكرة، معافى في حفظه، أمينا في نقله، صادقا في تبليغه، ولو تعرّض للسم، أو المرض، أو الحمى، أو السهام، أو ماعظم أو صغر، مما يتعرّض له يوميا البشر.
الاستشارة بين البشر والرسول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستشير أصحابه، ويأخذ برأيهم، ويفضّل رأي أحدهم على رأيهم، حين يتعلّق الأمر ببشريته. ففي غزوة بدر نزل عند رأي الصحابي، حين أعلمه أنه الرأي والحرب والمكيدة. وفي غزوة الخندق نزل عند رأي سيّدنا سلمان الفارسي، حين أشار بالخندق، وهو مالم تعرفه العرب من قبل. وفي النخل حين أشار على أصحابه رضوان الله عليهم، اشتكوا إليه فشل التجربة، فرد قائلا: أنتم أعلم بشؤون دنياكم. واستشار أصحابه في الخروج من المدينة أو البقاء فيها والدفاع عنها، واستشار أصحابه في التعامل مع الأسرى.
هذه الأمثلة تدل على أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشر في استشارة الأصحاب، وفي التراجع عن رأيه، وفي الأخذ بأحسن الآراء.
والسؤال ماهو الحد الفاصل بين بشريته ونبوته صلى الله عليه وسلم؟. متى يتعامل رسول الله كبشر؟. ومتى يتعامل كرسول يوحى إليه؟. ومتى يتعامل الصحابة مع رسول الله كبشر؟. ومتى يتعاملون معه كنبي مرسل يوحى إليه؟.
إن الصحابة لم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماسأله الأعرابي "إعدل !"، لأنهم يعلمون جيدا أن الرسل تعدل في كل الأمور، لذلك لم يسألوه هذا السؤال. بينما الأعرابي الذي لم يعرف حقيقة رسول الله، سأله سؤالا يطرح على البشر عادة، "إعدل !"، لذلك غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلا له: ويحك، من يعدل إذا لم أعدل، لأن العدل من تمام النبوة وكمالها.
لااستشارة بعد الوحي: في إحدى الغزوات، طلب منهم الخروج للعدو فتثاقل الصحابة، ولم ينههم ولم يأمرهم ولم يعاتبهم، وتعامل معهم معاملة القائد لجنده. وبعد لحظات دخل بيته ولبس درعه، وتقدّم يتأهب للمعركة، ولم يستشر أحدا في ذلك، ولم يستأذن من أحد، ولم يطلب المعونة من أحد، قائلا لهم، لايحق لنبي أن يرجع عن قرار الحرب وقد لبس درعه.
يتّضح من المثال، أن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تعامل مع الصحابة في الحالة الأولى ببشريته، التي ترقب الجند وتتبعه وتلاحظه، بينما في الحالة الثانية، وذلك بعد لبس الدرع، فقد تعامل معهم معاملة النبي المرسل، الذي يوحى إليه، ويتلقى تعليماته من رب العالمين، لذلك كان صارما مقبلا غير مدبر، دون أن يستشير أقرب جنده وصحبه.
وكذلك الصحابة لم يناقشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدما لبس درعه، وهم الذين تثاقلوا من قبل لدخول المعركة، لأنهم يدركون جيدا أنهم يناقشون رسول الله في البداية حين يتعلّق الأمر ببشريته صلى الله عليه وسلم، ولا يناقشونه أبدا حين يتعلّق بوحي يوحى.
بينما في مثال النخل، كان يمكنهم أن يظلوا يسألون رسول الله، لأنه لم يعطهم إجابة قاطعة من وحي رب العالمين، فقد قدّم لهم مايعرفه وتعرفه العرب من التعامل مع النخيل، فهي إجابة بشر ولا دخل للوحي فيها.
رسول الله تعامل مع قضية زيد في البداية كبشر، لأن العرب لاتتزوج زوجة الابن، فاحترم التقاليد. لكن في الأخير تزوّج سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيّدتنا زينب، دون أن يستشير أحد، أو يطلب الإذن من أحد، لأنه في هذه الحالة تعامل مع القضية من خلال النبوة والرسالة والوحي الذي يوحى إليه، والذي جاء ليحرّم التبني، وليبيّن للناس أن زيد ليس ابنه، وبالتالي ليست زوجة الابن، فيحق له الزواج منها. وهذه ليس في مقدور البشر الذي يراعي العادات والتقاليد الراسخة في المجتمع، إنما في وسع نبي مرسل، يتجاوز بالوحي العادات والتقاليد، مهما كانت عريقة راسخة ثابتة.