دور وسائل التواصل الاجتماعي الخطير في زعزعة ثقة المسلمين بقيمهم الإسلامية
نحن نعيش زمنا سهل فيه التواصل بين الناس بشكل غير مسبوق، وذلك نتيجة تتطور تكنولوجيا التواصل الكبير . ولقد أصبح التواصل بين الناس في حكم الضروري إذ لا يخلو بيت من وسائل التواصل الاجتماعي التي تصل أهله بسكان الأرض في كل مكان وفي كل وقت وحين . ولقد صار الناس في تواصل متواصل ليل نهار فيما بينهم ، حتى حين يجلسون إلى موائدهم أو يدخلون حماماتهم أو يضطجعون على أسرتهم أو يركبون وسائل نقلهم ، وما بقي إلا أن يتواصلوا وهم نائمون ، فتحل وسائل التواصل الاجتماعي محل أحلامهم . ولا يفيق الناس من نومهم إلا وأناملهم على بلورات هواتفهم الخلوية أو لوحاتهم الالكترونية يتفقدون ما فاتهم من أخبار خلال سباتهم، وما وقع أو جد في حياة الناس . ولم يعد الناس بحاجة إلى الجلوس أمام الشاشات بل صارت تلك الشاشات تصاحبهم في حلهم وترحالهم وقد استضمرتها هواتفهم المحمولة .
ومع ما في تطور التواصل الاجتماعي من فوائد ، فإنه لا يخلو من مصائب تبلغ أحيانا حدا خطيرا للغاية . ومن خطورة وسائل التواصل الاجتماعي على الأمة الإسلامية أنها تقدم للمسلمين مواد إعلامية في غاية الخطورة على ثقتهم بقيمهم الإسلامية، ذلك أن وسائل التواصل هذه على اختلاف مسمياتها تنقل لهم يوميا فيديوهات ومعلومات في شكل مقارنات بين قيم غير المسلمين وقيمهم بحيث تعرض مواقف وأحوال لغير المسلمين توحي بالاستقامة، بينما تعرض أخرى للمسلمين توحي بالانحراف ، وتصحب العروض المقارنة تعليقات تمدح قيم غير المسلمين، وتذم قيم المحسوبين على الإسلام حتى لا نقول القيم الإسلامية المنزهة عن كل طعن.
ومن تلك العروض على سبيل المثال لا الحصر لأنها كثيرة لا تكاد تحصى أن تعرض على المسلمين مشاهد رجال يدخلون المسجد ويتظاهرون بالصلاة فإذا أقامت جماعة المصلين صلاتها عمدوا إلى أحذيتهم أو حقائبهم أو ملابسهم يسرقونها وينصرفون، وقد وثقت كامرات الرصد سرقاتهم . وهذه المشاهد من شأنها أن يزعزع ثقة المسلمين بقيمهم الدينية خصوصا الذين يندفعون في الحكم عليها دون استعمال عقل أو روية ودون أن يخطر ببالهم أن اللص الذي يدخل المسجد بغرض السرقة لا يمثل الإسلام والمسلمين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ". وعوض إدانة هذا الفعل الشنيع في بيت الله عز وجل ينصرف الأمر إلى الدفع في اتجاه تنفير المسلمين من بيوت الله التي تقع فيها السرقة ، ذلك أن ضعاف النفوس والمتكاسلون في أداء الصلوات يجدون ذريعة واهية لتبرير كسلهم فيما يحدث في بيوت الله من سرقات . ومقابل هذه المشاهد المؤسفة تقدم مثلا مشاهد في بلدان أوروبية يعرض فيه بعض الفلاحين منتوجاتهم الفلاحية على جانب الطريق، وقد وضعت عليها أثمنتها ووضعت صناديق للأداء دون من يحرسها ، ودون كاميرات رصد أو تجسس ، فلا تقع سرقة مثل التي تقع في المساجد، وسرعان ما تقع المقارنة بين المشهدين فيقع الإعجاب بمشهد ويدان الآخر ، وتكون النتيجة زعزعة الثقة في نفوس المسلمين بدينهم .
ومن المشاهد التي تعرض علينا أيضا مشهد الكلاب عند أمم غير مسلمة تنتظر ـ وقد دربت على ذلك ـ حلول وقت حصولها على وجباتها بانتظام في حين يعرض مشهد للمسلمين يتهافتون على موائد الطعام، وتحصل المقارنة بين المشهدين لتفضيل الكلاب في أكلهم على المسلمين ، ولا يخطر أبدا على بال المنبهرين بأكل الكلاب أن المحسوبين على الإسلام والذين يتهافتون على موائدهم لا علاقة لهم بأدب الطعام كما يقدمه الإسلام للعالمين .
ومن المشاهد التي تعرض أيضا مشهد هذا المسؤول الأوروبي الكبير أو ذاك وهو يمتطي قطارات الأنفاق أو المترو أو وسائل النقل العمومي مع الناس أو يركب دراجته الهوائية أو يقف في طابور ينتظر دوره أمام إدارة أو سوق ، أو يتجول في الشوارع دون حراسة ، وفي المقابل يقدم مشهد كبار المسؤولين عندنا وهم يركبون السيارات الخاصة الفارهة ، وحولهم حراسة مشددة بحرس عتيد ، أو يفسح لهم المجال ويمنع الناس من ارتياد الأماكن التي يوجدون بها ، أو توصل أبناءهم إلى المدارس سيارات الدولة ... إلى غير ذلك من مشاهد الأبهة ، وتجري المقارنة بين المشهدين ، فيكتب تحتهما تعليق يقول: انظروا إلى حال المسؤولين عندهم و حالهم عندنا بل قد يطرح السؤال التالي : أيهم مسلم حقا ؟ فتكون النتيجة استحسان سلوك هؤلاء، واستهجان سلوك الآخرين ، وهنا يقع تمرير التشكيك في قيمنا الإسلامية مقابل التنويه بقيم غيرنا دون أن ينتبه إلى أن أبهة كبار المسؤولين عندنا ليست مما أمر به الإسلام أو سمح به أو أقره ، ولا يتحمل مسؤولية ذلك .
ومن المشاهد التي تعرض أيضا مشهد برلمانيين وبرلمانيات عندنا بعضهم يغط في نوم عميق ، والبعض الآخر يعبث بهواتفهم الخلوية ، وجلسات النقاش قائمة أو جارية . ومقابل هذا المشهد يقدم مشهد لأمثال هؤلاء في البلاد الأجنبية يتابعون ما يجري في مقارهم باهتمام كبير ، وقد تكون جلساتهم مما يدخل ضمن الكيد بالمسلمين كما هو الشأن بالنسبة للكنيست الإسرائيلي ، وتجري المقارنة بين المشهدين على حساب التشكيك في قيمنا الإسلامية دون الانتباه إلى أن الإسلام براء من ذلك ، وأن العابثين في مقار البرلمانات لا يمثلون هذا الدين ، وإنما يمثلون أنفسهم إلا أن ضعاف التدين أو المتنكرين للدين يجدون في ذلك فرصة سانحة للنيل من الإسلام.
ومن المشاهد التي تعرض بكثرة وباستمرار مشاهد النظافة والنظام عند غيرنا ، ومشاهد الأوساخ والفوضى عندنا ، وتنتهي المقارنة بالإشادة بالغير ، وإدانة الذات وبث الشك في القيم الإسلامية وكأن الإسلام يدعو إلى الأوساخ والفوضى. والمحزن أن تعرض صور الأوساخ والفوضى في الأماكن المقدسة بمكة المكرمة ، وتقارن بقداسات المسحيين في كنائسهم أو بكائيات اليهود في بيعهم أو طقوس البوذيين في معابدهم ليقال انظروا إلى حال المسلمين فيذمون و إلى حال غيرهم فيشاد بهم .
ومن المشاهد التي تعرض أيضا مشاهد يهود احتضنهم المغرب لقرون وعاشوا بأمن وسلام فيه آمنين مطمئنين، فلما احتلت أرض فلسطين رحلوا إليه لا مطرودين من المغرب بل متعمدين احتلال أرض ومساكن الفلسطينيين ، وقد جندوا في صفوف العصابات الصهيونية، فقتلوا الفلسطينيين وأخرجوهم من ديارهم، ومع ذلك تعرض مشاهدهم وهم يتشوقون إلى حياتهم بالمغرب ،ويظهرون التشبث بعاداته وتقاليده ، ويكون ذلك بمثابة شهادة براءة لهم تعرضها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تشيد بهم وقد تنكروا لجميل المغرب برحيلهم إلى أرض ليست ملكهم ،واغتصبوها ،واحتلوا مساكن أهلها ومتاعهم وخيراتهم ، ولو كانوا صادقين حقا في اشتياقهم إلى المغرب لما رحلوا عنه ،و قد كانوا تحت الحماية وفي كنف العناية بشهادتهم قبل شهادتنا . والمؤسف أن تحدث تلك المشاهد فينا تعاطفا معهم في حين لا نتعاطف مع إخواننا الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق . وكل ذلك مما تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي التي تحول تدليسا المعدن الخسيس إلى ذهب إبريز.
وتوجد مشاهد كثيرة غير هذه تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي كل ساعة وهي عبارة عن مقارنات بين أحوال المسلمين وأحوال غيرهم للتشكيك في قيمنا الإسلامية مع أن ما يبث لا علاقة له بتلك القيم بل هي عبارة عن تصرفات تلزم من يقوم بها ، ولا يمكن أن تحسب على الإسلام لمجرد أن من تصدر عنهم يدعون الانتساب إليه . ولا يتفطن كثير منا إلى حجم خطورة ما تعرضه وسائل التواصل الاجتماعي علينا وعلى ناشئتنا على وجه الخصوص من مشاهد تبعدنا أو تبعدهم عن الهوية الإسلامية الحقيقية ، وتفقدنا الثقة فيها .
وبقي أن نقول للمستلبين والمنبهرين بقيم غير المسلمين لو كنتم تعاشرون كتاب ربكم وسنة نبيكم لما وقع لكم انبهار بقيم الغير التي لا تتعلق بغبار قيم دينكم . ولو كنتم مسلمين حقا لما استهوتكم قيم قوم لا يؤمنون بالله ،ولئن استقام سلوكهم، فإن في عقيدتهم اعوجاج وانحراف لا تقيمه استقامة السلوك لأن الله اشترط مع الاستقامة الإيمان ، وسيان نفس لم تؤمن وأخرى لم تكسب في إيمانها خيرا. وقد يفيق المسلمون المنحرفون من انحراف سلوكهم بالعودة إلى تعاليم دينهم ، ولا يرجى أن يهتدي إليها أبدا غيرهم ممن تنبهرون بهم . وقد يكون الغير مستقيما في سلوكه ، ولكنه لا يدرك حقيقة الاستقامة إلا حين يشرح الله عز وجل صدره للإسلام ، وهو ما يقع بين الحين والآخر وتنقله وسائل التواصل الاجتماعي. وغالبا ما تكون تعاليم الإسلام وقيمه هي السبب وراء اعتناق غير المسلمين الإسلام، وهو ما تعرضه أيضا وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنه مع الأسف لا يكون عبرة لنا، ولا يبث الثقة في الإسلام التي تفقد لدينا بسبب المشاهد التي تستهدفه بسبب أخطاء المحسوبين عليه وهو منها براء ولا تلزم إلا أصحابها .
وسوم: العدد 743