دور داعش في دعم بشار
عندما بدأت انتفاضة تلاميذ محافظة درعا ، التي تحولت لاحقاً ( 18 أذار 2011 )إلى ثورة شعبية عارمة مكتملة الأركان ، عمت معظم مدن وقرى سوريا ضد نظام عائلة الأسد الديكتاتوري العسكري والطائفي والمسؤول عن هزيمة 1967 وضياع هضبة الجولان .
لايجهلن أحد ، أن هذه الثورة ، كانت في بداياتها الأولى ثورة شعبية سلمية ، تلخصت مطالبها بمطلب شرعي واحد هو " الديموقراطية " التي تعتبر شعارات ( الحرية والكرامة ) التي أطلقها الثوارفي مسيراتهم ومظاهراتهم طيلة عام 2011 ، من مفرزات هذا المطلب الشرعي ( باعتراف بشار نفسه ) . كما لايجهلن أحد أن بشار الأسد ( الرئيس الوريث ) قد اطلق في خطابه الأول ( 30 آذار 2011) على ذلك الحراك الشعبي السلمي اسم " العصابات المسلحة " بل وحدد عدد المشاركين في هذه ( العصابات المسلحة !!) ب 64000 شخص، وهذا قبل أن يتم استبدال بمفهوم العصابات المسلحة مفهوم الإرهاب ..
لم يكن خافياً على أحد في سوريا ، أن بشار كان يقصد بتعبير " العصابات المسلحة " السنة من الشعب السوري تحديداً ، وهم الذين استهدفتهم بداية آلته وآلة أخيه ماهر الحربية ، ولاحقاً آلات ولي الفقيه وحسن نصر الله وبوتن العسكرية ، وكان من الطبيعي ، أن يتحول في هذه الحال الحراك السوري الشعبي من حراك سلمي ، إلى حراك مسلح ، وان يتضاعف حجم الإنشقاق من الجيش النظامي ، والإنضمام إلى " الجيش الحر " ، وأن يتحول مطلب الإصلاح والتغيير الديموقراطي السلمي ، إلى مطلب " الشعب يريد إسقاط النظام " .
في المواجهة المسلحة ، بين الثورة والنظام ، كان النصر غالباً حليف الثورة ، الأمر الذي دفع بشركاء النظام أن يسارعوا إلى تلافي إنقاذ حليفهم بشار ، ومنع سقوط نظامه الطائفي على يد الثورة السورية الشعبية ، التي أصبحت جزءاً عضوياً أصيلاً من ثورات " الربيع العربي " ، تلك الثورات التي سبق أن أسقطت بن علي في تونس ، وحسني مبارك في مصر ، وعلي عبدالله صالح في اليمن ، وغيرت قواعد اللعبة السياسية بين الشعب والملك في المغرب ، والتي أخافت الغرب على عميلهم ( بشار) ، وعلى صنيعتهم (إسرائيل) ، ودفعت بهم للوقوف إلى جانب نظام عائلة الأسد وخاصة بعد كتابة تلاميذ إحدى مدارس درعا على جدران مدرستهم " جاك الدور يادكتور " ، ودفع بهم إلى البحث عن مخرج . لقد تطلبت عملية الإنقاذ هذه ثلاثة إجراءات فورية هي :
أولاً : السكوت الأوروأمريكي على تدخل كل من إيران ( قاسم سليماني ) وحزب الله اللبناني في سوريا ، رغم أن هذا التدخل العسكري الميداني ، يعتبر مخالفاً لقواعد القانون الدولي ، ورغم أن حزب الله اللبناني بالذات موجود على قوائم الولايات المتحدة الأمريكية كحزب إرهابي .
ثانياً : تخليق دولة العراق والشام الإسلامية ( داعش ) ، وتسليحها وتمويلها وتأهيلها للوقوف مع الثورة المضادة لثورات الربيع العربي ، ( معهم ) لحماية نظام بشار الأسد ومنع انهياره ..
إن بشار الأسد بقبوله بهذا الدور الداعشي المريب قد ضرب عصفورين بحجر واحد ، فمن جهة سيسوق ( بتشديد الواو ) نظامه الطائفي للغرب ولأمريكا ، على أنه " المصد " العلماني الأقوى في المنطقة العربية للوقوف في وجه المد الإسلامي القديم ( جماعة الإخوان المسلمين ) والجديد ( داعش )، ومنع وصول آثاره إلى الغرب ، ومن جهة أخرى ، سيسوق ( بتشديد الواو) ىنظامه داخلياً(سورياً ) باعتباره ، الحامي الوحيد لسورية من خطروصول هذا الفايروس الإسلامي الرجعي إلى الحكم في سوريا ، ولا سيما أن هؤلاء الإسلاميين يقفون ( حسب بشار ونظامه العلماني ) من الحضارة والحداثة الغربية موقفا سلبياً ، مخالفين به موقف كافة الأحزاب السياسية السورية الأخرى .التي تعتبر أن الحداثة الأوروأمريكية ، إنما تمثل الهدف النهائي لمساعيهم السياسية والاقتصادية في التنمية والتطور .
إن انتصارات داعش السريعة والمتتالية علي جيش الأسد في شمال سوريا وشرقها ، لايجد تفسيره ـ برأينا ـ إلاّ بالانتصارات السريعة والمتتالية المعكوسة للنظام على داعش التي نشهدها هذه الأيام . بما يسمح بوصف العلاقة بين النظام وداعش ب " حك لي بحك لك " .
كما أن التحاق آلاف الشباب الأوروبيين للقتال والمشاركة المتلفزة في قطع الرقاب ، ورجم النساء ، مع داعش ، وعودتهم اليوم ( بعد انفراط عقد داعش )إلى بلدانهم سالمين غانمين ، إنما يدخل برأينا فيما أشرنا إليه قبلاً ، من قبول الغرب لداعش كشريك في الثورة المضادة لثورات الربيع العربي ، وفي حماية نظام بشار الأسد ومنع انهياره وسقوطه .
ثالثاً : دخول الجيش الروسي على الخط ، واحتلاله عملياً لسوريا ، بحجة أن ذلك كان بطلب من بشار الأسد ،الوريث الشرعي (!!) لسوريا . ولسنا بحاجة إلى الإشارة هنا إالى أن السكوت الأمريكي والغربي على هذا التدخل الروسي في سورية إنما يتكافؤواقعياً مع القبول الفعلي بهذا التدخل ، حيث يقول المثل الشعبي ( السكوت قرار ) . هذا مع العلم أن التعاون الروسي الأمريكي حول سوريا ، قد فضحته الزيارات المتكررة لجون كيري إلى موسكو ، وظهورعلائم السعادة على وجهه وهو يصافح وزير خارجية بوتن (لافروف) . وقد فضحه أيضاً تلاشي عشرات الألوف ( على ذمة وسائل الإعلام الغربية ) من عناصر داعش الذين كانوا يحتلون مدن الفلوجة والموصل والرقة وتدمر ودير الزور والبوكمال، ذوبانهم وتلاشيهم في مجاهل بادية الشام ، أمام أعين الأقمار الصناعية الغربية التي لاتنام (!!) .
نعم لقد تمت عملية إنقاذ النظام إذن بنجاح (!!) ، على يد داعش وقاسم سليماني وحسن نصر الله وبوتن والسكوت الأوروأمريكي ، وهاهو بشار يعلن انتصاره على الثورة السورية (!!) . ويبشر بانطلاق المرحلة الجديدة ، مرحلة " إعادة الإعمار" أي عمليا إعادة إعمار ما دمرته أياديه وأيادي شبيحته الداخليين والخارجيين وميليشياتهم وآلاتهم العسكرية . هذا مع العلم أن الشركات الأمريكية والأوروبية والروسية العملاقة هي من سيتولى إعادة الإعمار، وذلك مقابل مئات وربما آلاف مليارات الدولارات التي قد لا ينتهي سدادها إلا مع آخر قطرة من النفط المخزن في باطن الأرض السورية (!!) ، وربما أيضاً ، مع آخر وريث لحكم سوريا من سلالة سليمان الأسد .
ان قيام داعش بعمليات محدودة ومدروسة جيداً ، هنا وهناك في بعض الدول الأوروبية ، إنما هو لإعطاء الأوروبيين الحجة والعذر في مساعدة نظام الأسد ماديا ومعنويا ، والإقتناع الأوروبي بأن بشار وشبيحته هم المكافحون الحقيقيون ضد الإرهاب في سوريا ، ولذلك ينبغي دعمهم بالمال والسلاح والإعلام ، بما يعني ضرورة بقا ء بشارفي السلطة مادام في سوريا داعشي واحد ينبغي ملاحقته والقضاء عليه ، وذلك من أجل تسليم سوريا لبوتن وشركاه نظيفة وخالية من الإرهابيين الذين كانوا يعكرون صفو أوروبا وأمريكا بل والعالم أجمع (!!) .
لقد سمحت مقولة تحرير سورية من داعش (!!) ، وحماية النظام من إمكانية سقوطه على يد الجيش الحر، سمحت للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية ، بمساندة بشار الأسد ، ليس فقط عبر سكوت هذا الغرب على الاحتلال الروسي لسوريا ، تحت ذريعة استدعائهم من قبل سلطة شرعية (!!) ، وإنما أيضاً عبر منع وصول أية أسلحة متطورة إلى أيدي الجيش الحر . إن الاحتلال المضحك ـ المبكي في هذه اللعبة الأمريكية ـ الروسية هو أن صمت الولايات المتحدة الأمريكية على الروسي لسوريا ، كان يتزامن مع إعلان الرئيس الأمريكي ( أوباما ) يومياً أن بشار الأسد رئيس غير شرعي ، وهو يقوم بقتل " شعبه " ، ولذالك فإن عليه ان " يرحل " .
لقد كان سكوت الغرب عن الاحتلال الروسي لسوريا وإخفاء مواقفه الحقيقية المعادية للثورة والمناصرة للنظام تحت مظلة كاذبة اسمها " أصدقاء الشعب السوري " يمثل طعنة نجلاء في صدر هذه الثورة التي كانت وظلت لبضعة شهور حراكا سلمياً لا تتعدى مطالبه (الحرية والكرامة) وبالتالي " الديموقراطية "، والتي هي ـ بحدود علمنا ـ جزء أساسي من حقوق الانسان التي طالما تغنى بها الغرب أنظمة وشعوباً ، واعتبرها جزءاً أساسياً وعضوياً من أيديولوجيته المعلنة .
ان موافقة الغرب وعلى راسه آمريكا ترامب على تحويل لقاءات جنيف الحوارية بين نظام بشار الأسد والمعارضة إلى أستانا بوتن ، انما هو عملياً قبول واعتراف بشرعية النظام من جهة ، وبشرعية تواجد القواعد العسكرية البرية والبحرية الروسية في سوريا ، بل وشرعية تواجد القوات الطائفية الإيرانية واللبنانية والعراقية على الأرض السورية، والقبول بالدور المشبوه الذي تقوم به داعش في سوريا والعراق ، من جهة آخرى .
إن مثل هذا التوافق والتواطؤ الروسي ـ الأمريكي ضد الثورة السورية ، إنما يفسر تجاهل مجلس الأمن لتجاهل النظام السوري تطبيق قراراته ، وبما فيها القرارات التي اتخذت( بضم التاء ) تحت الفصل السابع(!!) . نعم لقد كانت قرارات مجلس الأمن حول سوريا مثل القرارات ( 2042 ، و2118، و 2254 ( على سبيل المثال لاالحصر) ، لاتزيد عن كونها ذراً للرماد في العيون ، وإشعاراً كاذباً للشعب السوري بأن الغرب معهم ضد النظام الديكتاتوري الطائفي ، ولكن بشرط ضمني غير معلن هو أنه عليهم أن يتخلصوا أولاً من الإسلاميين ، الذين يصفونهم عادة ب " الإرهابيين" ويماهون بين المعتدل والمتطرف منهم ، و بين الدورالإرهابي لداعش ، والدور السياسي لجماعة الإخوان (!!).
لقد شاهدت قبل قليل على شاشة إحدى الفضائيات العربية مجموعة من الشباب الأوروبيين العائدين الى دولهم بعد أن انفرط عقد داعش في سوريا والعراق . ولقد سمحت لي رؤيتي لتعابير وجوههم وهم يعودون إلى آوطانهم وأسرهم فرحين ، أن أتساءل : هل حقاً أنهم كانوا داعشيين ؟! وأنهم قد تركوا آوربا ، وتركوا أسرهم ، لكي يلتحقوا بداعش من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين ؟! أترك الإجابة على هذا التساؤل للقارئ الكريم ..
وسوم: العدد 745