هل أخذَت الأرضُ تهتزُّ تحت هيئة تحرير الشام؟
يبدو أنّ الأمور قد أخذت تسير نحو الانفلاش، في مناطق هيمنة هيئة تحرير الشام، و أنّ الرياح لم تعُد تتطاوع أمنيات قيادة الهيئة، أو لنقل بشكل مباشر " قيادة النصرة "، و تحديدًا " الجولاني ".
فالأرض أخذت تهتزّ تحت أرجلهم بشكل متصاعد، و غير مسبوق، محليًا، و إقليميًا؛ فالأمور الأمنية خرجت عن السيطرة إلى حدّ كبير، فعمليات الاغتيال، و العبوات الناسفة، و عمليات السرقة، و السطو المسلحة، باتت ظاهرة لافتة للنظر، و تحصل في رابعة النهار.
ما يجعل كثيرًا من علامات الاستفهام حول الجهات التي تقف وراءها، أو المستفيدة منها، لدرجة أنّ هناك قسمًا منها بات ينظر إليه على أنه تصفية حسابات في الهيئة نفسها.
و أخطر من ذلك كلّه أن تطال أشخاصًا من الطائفة الدرزية، بقصد إثارة فتنة طائفية بين مكونات النسيج الإدلبي، على غرار ما كان في منطقة الحضر في جبل حرمون، في القنيطرة.
ثم أضيف إلى ذلك عودة الاقتتال الفصائلي، بعدما ذهبت الظنون إلى أنّ أسبابه قد انتفت، بعد خوض الهيئة في الذي اتهمت فيه الفصائل، التي وقع بحقها الصيال ، ولاسيما أنّه قد طال هذه المرة حركة الزنكي، التي كانت تُعدّ من حلفائها أيام صيالها على فصائل الحر، أو على أحرار الشام؛ ما حمل على الاعتقاد أنّ الأمر أبعد من ذريعة التعامل مع الأتراك، أو الفساد، أو التخاذل عن مقاتلة النظام.
فالأمر بحسب كثير من المراقبين بات سياسة، و منهجًا، و سعيًا للانفراد بقرار المنطقة، و أخذًا للقرار الثوري باتجاهات لا تحمل كثيرًا من أمارات الطمأنة.
و الغريب أنّ عددًا من الأرواح التي أزهقت في أحدث جولة من هذا الصراع، في ريف حلب الغربي، و شمال إدلب، سوِّق لهم أنهم قضوا في المواجهات مع النظام أو داعش، في ريف حماة الشمالي، في حين أنّ الروايات الموثوقة، على أنّ القائمة التي أعلنت البارحة من " 12 " شخصًا قد سقطوا في مواجهات " أورم الكبرى " مع الزنكي.
و اللافت للنظر أنّ فصيلي " الأحرار، و الفيلق "، ليس في جعبتهما سوى بيانات التهدئة؛ الأمر الذي جعل عموم المنتسبين إليهما في موقف استغراب و استهجان، و بعضهم كان شامتًا، و لا مانع لديه من أن تَعُبَّ الزنكي من ذات الكأس التي أذاقتها الأحرار، أو الفصائل الأخرى، عندما تحالفت مع النصرة أو الهيئة " لم تعُد التسمية ذات قيمة "، أو تخاذلت عن نصرتهم بدعوى الحياد و حقن الدماء.
إنّه في المحصلة النهائية لن يكون هذا الاقتتال سوى استنزاف لوجستي، و بشري من خزين الثورة، الذي لم يعُد هناك تعويض له.
تمامًا على غرار الحال في مواجهات شمال حماة، التي كانت في أول أمرها لمناكفات سياسية، بغية عرقلة مخرجات أستانة " 6"، ثم لتتحوّل بعد زجّ معادلة " داعش ـ النصرة "، إلى نوع من الاستنزاف، و ثقبًا أسود لمقدرات الفصائل؛ فالقتال سواء مع النظام أو داعش، على أطلال عدد من القرى المهدّمة، لا يعطي شيكًا لأيٍّ من الفصائل باستزاف مستودعات السلاح، أو التضحية بأرواح فاقت الــ" 300 ".
و هو يمثِّل استجابةً لما تضمّنته خطة " مؤسسة راند "، لحلّ الصراع في سورية، إذْ تذهب في بعض خطواتها إلى تدمير الترسانة العسكرية التي تكدّست لدى الفصائل، و ذلك من خلال عمليات القصف المباشر جوًّا، أو من خلال الاقتتال الفصائليّ، أو مع النظام في مناطق بعيدة ليست ذات أبعاد استراتيجيّة.
ثمّ لتأتي بعد ذلك الخطوة غير المفسَّرة من أطراف من الهيئة، في الإصرار على الذهاب بأمر حكومة الإنقاذ إلى مداها، على الرغم من النصائح التي أُسديت لهم، و لاسيّما من الأتراك، الأمر الذي نظرت تركيا على أنّه خروج على التفاهمات التي حصلت بينهما، في أثناء الشروع بتفيذ مخرجات " أستانا 6"، و بناء على الرؤية التركية في إعادة تأهيل إدلب.
حيث تسعى تركيا إلى إعادة الوضع إلى سابق عهده، فتعود المجالس المحلية بتنوعاتها، و المؤسسات المعترف بها ثوريًا و سياسيًا، و تنخرط الفصائل في مشروع الجيش الوطني، و تستنسخ تجربة الشرطة المحلية بإشراف و تدريب من أكاديمياتها الشُرطية، و تختفي الرايات الفصائلية لصالح علم الثورة، و تمنح الحكومة المؤقتة ذات الشرعية السياسية من " 160 " دولة في الأمم المتحدة، أحقية الإشراف على المعابر و إدارتها، على غرار ما تمّ في مناطق درع الفرات.
ما جعل تركيا تخطو خطوة تحمل كثيرًا من الرسائل، إذْ نقلت وكالة الأناضول الإربعاء: 18/ 11: أنّ الأمن التركي قام باعتقال شخصين للاشتباه بانتمائهما لهيئة تحرير الشام، خلال عملية مداهمة قامت بها إدارة مكافحة الإرهاب في إستنبول.
ما يعني أنّه ليست " النصرة " النواة الصلبة لهيئة تحرير الشام، هي المصنّفة على قوائم الإرهاب في وزارة الخارجية التركية فحسب ؛ لا بل حتى الهيئة نفسها، و هو ما يُنبئ عن انخفاض التفاهمات بينهما، إلى مستويات لا تبعث على الارتياح.
لذلك يذهب عددٌ من المراقبين إلى أن لقاء " أردوغان ـ بوتين " في موسكو، يوم الاثنين القادم: 14/ 11، سيسفر عن جملة من النتائج في الملف السوري، سيكون لها تداعيات مستقبلية، ليست في صالح الهيئة، على وجه الخصوص.
وسوم: العدد 746