تداول البعض الاستهزاء بصلاة الاستسقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي
تداول البعض الاستهزاء بصلاة الاستسقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي دليل على التطبيع مع غياب الوازع الديني أو التطبع عليه
لقد انتشرت عدوى تعاطي وسائل التواصل الاجتماعي عندنا بشكل غير مسبوق بين مختلف الشرائح الاجتماعية من مختلف الفئات العمرية ، وإن كانت فئة الشباب هي أكثر الفئات إدمانا على هذا التواصل . وأغلب ما يتداول عبر هذه الوسائل فيديوهات أو أخبار أو معلومات يغلب عليها طابع العبث والسخرية والتشهير ، ذلك أنه لا تكاد تقع زلة لسان من أحد عن سهو أوغفلة أو قلة علم ومعرفة حتى يصير موضوع تندر وسخرية وتعريض وتشهير بين مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي، والذين يقومون بنشرها على أوسع نطاق . ولقد صارت وسائل التواصل الاجتماعي تتحكم وتوجه الرأي العام، وتؤثر فيه أكبر التأثير، وفي مواقفه وقناعاته . وصار الإدمان على هذه الوسائل شبيها بالإدمان على المخدرات ، فلا ينام ولا يفيق مستعملو هذه الوسائل إلا على نقر بلورات هواتفهم لتصفح ما يصلهم من مواد والتي يفضلون منها التافه والعابث لأنها المواد المفضلة عندهم .
ولا ينجو موضوع من المواضيع من عبث وسخرية الذين يتعاطون وسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك الأمور المتعلقة بالدين بل ربما وجدوا في هذه الأخيرة أفضل المواد للعبث والسخرية .
ومما سرى يوم أمس سريان عدوى الوباء السخرية والاستهزاء بصلاة الاستسقاء عندنا والتعريض بالذين شاركوا فيها . ولقد تمت فبركت فرية أو نص عبارة عن حوار متخيل بين مصلحة الأرصاد الجوية والوزارة الوصية على الشأن الديني من أجل التعريض بهذه الأخيرة ،وتصوير ما اعتبره مفبرك هذا النص تحايلا منها من خلال الإعلان عن صلاة الاستسقاء وبرمجتها على أساس الوثوق من توقعات مصلحة الأرصاد الجوية . وفي هذا النص المتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي تشكيك في صلاة الاستسقاء ،وهو تشكيك في سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان المطر يحتبس ولا يسقط في أوانه . وما سن رسول الله صلى الله عليه هذه السنة إلا لتظل سارية في الأمة إلى قيام الساعة ، ولا مندوحة للأمة عنها إذا قل المطر أو احتبس . وظاهرة احتباس المطر شأن وقضاء إلهي فيه اختبار للخلق كما جاء في الذكر الحكيم إذ يقول المولى جل شأنه : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات )) وعليه فاحتباس المطر مما يبتلي به الله عز وجل الخلق ، لهذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الاستسقاء بأمر من ربه ليرفع بها بلاء احتباس المطر . وحين يقع هذا البلاء غالبا ما يتهم الناس أنفسهم لأن من الكياسة إدانة النفس ،ويضرعون إلى خالقهم بالتوبة والاستغفار لرفعه عنهم . وصلاة الاستسقاء ضراعة واستغفار لرفع البلاء . ومعلوم أن إقامة هذه الصلاة هي من صميم الاعتقاد والتصديق بدين الله عز وجل ، ولا يمكن أن تصير موضوع تندر وسخرية واستهزاء لأن ذلك يعتبر سخرية واستهزاء بالعقيدة وبالدين. وسبب سخرية الساخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بصلاة الاستسقاء عبارة عن موقف من مشاركة الجهات الرسمية فيه وكأن هذه الجهات لا يحق لها أن تشارك في صلاة الاستسقاء . ويذهب المنتقدون لهذه الجهات أنها هي سبب احتباس المطر ، وهي سبب عدم جدوى إقامة صلاة الاستسقاء ، وفي هذا الاعتقاد الخاطىء تجن على تلك الجهات التي علم ما عندها وما تضمر وما تفعل عند علام الغيوب ، ولا يحق لأحد أن يحكم أو يدين غيره مقابل تزكية نفسه التي لا يزكيها إلا خالقها سبحانه لقوله تعالى : (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) وقوله أيضا : (( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسكم بل الله يزكي من يشاء)) فبموجب هذين النصين لا يحق لأحد أن يزكي نفسه لأن تزكية النفوس شأن إلهي لا دخل للبشر فيه ، ولا يحق بموجب ذلك أن يتهم غيره أو يشكك في زكاة نفسه . فالجهات الرسمية عبارة عن خلق ككل خلق الله فيهم الصالح والطالح ، ولا يجب نزع الصلاح عنهم جملة وتفصيلا لمجرد أنهم أهل مسؤولية، فرب مسؤول يكون أصلح وأتقى من الذين ينتقدونه ويشككون في صلاحه . ولا يصح ولا يعقل أن يرد احتباس المطر إلى المسؤولين وحدهم دون غيرهم إذا تأكد أن احتباسه سببه المعاصي ولم يكن ابتلاء من الله عز وجل . ولا يصح ولا يعقل أيضا القول أن يمنع المسؤولون من المشاركة في صلاة الاستسقاء بذريعة أنهم ليسوا أهلا لذلك ، وأن غيرهم أولى بها منهم . ومعلوم أن المطر احتبس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من هو مرتبة وقدرا عند الله عز وجل ، وهو الذي لا يرد له دعاء ، ومع ذلك كان يستسقي ويبتهل إلى الله عز وجل من أجل السقيا ، وكان معه الصالحون وغير الصالحين من المنافقين ومع ذلك لم يثبت عنه أنه منع هؤلاء من الاستسقاء، وهو الذي كان الله عز وجل يخبره بأمرهم وبما يسرون من نفاق . وكان الله عز وجل ينزل الغيث على المؤمنين وعلى المنافقين بعد ضراعة الاستسقاء .
ومن المؤكد أن الذين سخروا من صلاة الاستسقاء فيهم من لا يصلي الصلاة المكتوبة عليه أصلا ، والتي سيحاسب عنها يوم القيامة ، ومع ذلك سخر واستهزأ بالمصلين الذين صلوا صلاة الاستسقاء، وروج لهذا الاستهزاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليحمل وزر ذلك ووزر من روج له .
وخلاصة القول أن ظاهرة الاستهزاء بصلاة الاستسقاء عبارة عن تجاسر على الدين واستخفاف به ، وتشكيك في نوع من العبادة تعبدنا بها رب العزة ، وهو مؤشر واضح على ضعف الوازع الديني في مجتمع صار يفقد هويته الدينية بشكل غير مسبوق من أجل إرضاء أهوائه التي نهى الله عز وجل عن اتباعها كما جاء في قوله : (( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله )). ولهذا فإن تحكيم الهوى في الحكم على صلاة الاستسقاء وعلى الذين صلوها من خلال تبادل رسائل ساخرة منها ومنهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر ضلالا واضحا عن سبيل الله يستوجب من الذين وقعوا فيه التعجيل بالتوبة منه والاستغفار . والله عز وجل أرحم بعباده ولن يخيب رجاء من طلبه وتضرع إليه مستسقيا ، وسيغيثهم إن شاء الله ، ويبهت الذين سخروا من صلاة الاستسقاء ومن الذين صلوها ضارعين مبتهلين مستغفرين مظهرين الافتقار إلى خالقهم .
وسوم: العدد 748