ميزان السماء
[مختصر من تفسير سورة عبس، من الظلال]
(وأمّا مَن جاءك يسعى، وهو يخشى، فأنت عنه تلهّى):
إن هذا التوجيه الذي نزل بشأن هذا الحادث هو أمر عظيم جداً، أعظمُ بكثير مما يبدو لأول وهلة. إنه إلغاء لامتيازات الأشراف، وإشادةٌ بذوي النيات الحسنة ولو كانوا ضعافاً من ذوي العاهات، وترجيحهم على الذين يترفعون عن كلمة الحق مهما علت مراكزهم الاجتماعية ومستواهم المادي.
إنه يقرّر حقيقةً ليست هي مجردَ كيف يعامَل فردٌ من الناس، أو صنف من الناس... إنما هي أبعد من هذا جدّاً. إنها: كيف يَزِنُ الناسُ كلَّ أمور الحياة؟ ومن أين يستمدّون القيم التي يَزِنُون بها ويُقدّرون؟ إنه يقرر أن الميزان هو ميزان السماء الذي أنزله الله للناس مع الرسل ليقوّموا به القيم كلها. إنه ميزان (إنّ أكرمكم عند اللهِ أتقاكم). ولذلك فعلى الأمة المسلمة أن تدع كل ما تعارف عليه الناس وما ينبثق من علاقات الأرض من قيم وتصورات وموازين واعتبارات، لتستمد القيم من السماء وحدها، وتزنها بميزان السماء وحده.
وهو أمر عظيم جداً ندرك عظمته وعُسْرَه حين نعلم ضخامةَ الواقع البشري وضغطه على النفوس، وصعوبة التخلي عن الضغوط الناشئة عن الحياة الواقعية للناس، المنبثقة من أحوال معاشهم وموروثات بيئتهم ورواسب تاريخهم.
وندرك عظمته وعسره إذا نظرنا إلى البشرية البعيدة عن هدى الله فنراها تقوِّمُ الإنسانَ برصيده من الدولارات في الغرب، وتجعله لا يساوي الآلة في المذهب المادي. ونرى أرض الإسلام قد عادت إلى تصورات الجاهلية بعد إذ أنقذها الإسلام منها.
وسوم: العدد 1026