عقدة النقص
[مختصراً من مقدمة مجلة حضارة الإسلام، العدد العاشر: شوال 1380هـ = نيسان 1961م. بقلم: الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله]
الشعور بالضعف والنقص عقدة من العقد النفسية التي تؤثر على الفرد تأثيراً سيئاً في سلوكه الاجتماعي، وتؤثر على الأمة تأثيراً ضاراً في سيرها الحضاري، ولا يأتي الرجل بجلائل الأعمال إلا حين يكون واثقاً من نفسه، مطمئناً في سيره، مستيقناً من هدفه، ولا تخلد الأمة في التاريخ إلا حين تؤمن برسالتها، وتستوثق من صحة عقيدتها، وتندفع في طريق الحضارة تملأ نفوس أفرادها العزة، وتمتلئ أيديهم من القوة، ويتميزون بخلق عظيم، أو علم جليل، أو رسالة نبيلة يحملونها إلى العالمين.
ومن المستحيل على أمة تشعر بالتخلف عمن جاورها، أو بالضعف عن مقاومة خصومها، أو بالمهانة من عقيدة تؤمن بها، أن تجاري ركب الحضارة، أو تفوز في ميدان كريم بالسبق، أو تدفع عن نفسها أذى الخصوم والأعداء، أو تفرض احترامها على الأقرباء والبعداء.
ومنذ أفقنا من رقدتنا في العصر الحديث، وفتحنا أعيننا على سلطان الغرب على بلادنا، أصابتنا عقدة من العقد النفسية الخطيرة على كيان الأمم هي "عقدة النقص"، فقد أصبحنا نعتقد أننا أضعف من الغربيين فلا سبيل إلى التحرر من نفوذهم، وأوهى منهم عقيدة ونظاماً فلا طريق إلا أن نسلك طريقهم، ونخضع لمقاييس حضارتهم وأخلاقها ما دمنا قد خضعنا لها في مبتكراتها ومخترعاتها، وكان لعقدة النقص هذه أثر كبير في تخلفنا الحضاري والفكري والسياسي والاجتماعي، وكانت كل محاولاتنا "العاطفية" للنهوض واللحاق بالأمم المتقدمة القوية، تتبدد كالهباء أمام الواقع المؤلم الذي نعيش فيه، حتى تخلصنا من "عقدة النقص" السياسي، فاستطعنا أن نطرد الاستعمار، ونحقق الاستقلال.
وكان حرياً بنا أن نتدبر نتائج الخلاص من "عقدة النقص" السياسي عندنا، وما جنيناه من ثمار سريعة النمو، شهية المذاق، وأن يغرينا ذلك بالخلاص من "عقدة النقص" في الميادين الفكرية والاجتماعية، فنعيد النظر إلى عقيدتنا وتراثنا، نظر الأمة القوية المتحررة مما فُرض عليها في عصور الضعف من مقاييس وأفكار وثقافات واتجاهات، ويومئذ ننطلق في البناء انطلاق الحر يختار الأصلح له ولو لم يَرُقْ في أعين الناس، ويجتنب الأضَرَّ به ولو رغب فيه الناس جميعاً.
ولكننا لم نفعل ذلك حتى الآن، فلا يزال الجو الفكري عندنا مثقلاً بعقدة النقص، في كل ما نعالجه من مشكلات اجتماعية، نستحسن في الغالب كل ما يستحسنه الغربيون ونستقبح كل ما يستقبحونه.
وسوم: العدد 1039