لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
قصة رائعة ذات معان رائقة وردت عن أحد الزاهدين "
أحمد بن مسكين " وكان من التابعين ، قال :
في البلدة رجل يُدعى أبا نصر الصياد ، يعيش مع زوجته وابنه في فقر شديد
- مشى في الطريق ذات يوم مهموما مغموما ً، يسأل الله تعالى الفرج والرزق الحلال
فزوجته وابنه يتضوران جوعاً
.
مر على شيخه أحمد بن مسكين' يقول له
أنا متعب يا سيدي ..
وقرأ
التابعي في وجه تلميذه ما يعانيه ، فقال له اتبعني إلى البحر
فانطلقا
إليه، وقال له الشيخ – راغباً في لجوء مريده إلى الله تعالى : " صلّ ركعتين على
نية التيسير" واسأل الله تعالى الرزق الحلال الطيب ...فصلى
، ثم قال له : "سم
الله " ، - فكل شيئ بأمر الله .. فقالها . .. ثم رمى الشبكة ، فخرجت بسمكة عظيمة .
...
قال له "بعها واشتر بثمنها طعاماً لأهلك ".
فانطلق إلى
السوق يبيعها ، واشترى فطيرتين إحداهما باللحم والأخرى بالحلوى وقرر أن يعود إلى
الشيخ فيقدم إحداهما له اعترافاً بصنيعه . ..
رد الشيخ
الفطيرة قائلاً : هي لك ولعيالك ، ثم أردف :
" لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة
"
وفي الطريق إلى بيته قابل امرأة تبكي من الجوع ومعها طفلها، فنظرا إلى الفطيرتين في
يده
وقال في نفسه
هذه المرأة وابنها
مثل زوجتي وابني يتضوران جوعاً فماذا افعل ؟
ونظر إلى
عيني المرأة فلم يحتمل رؤية الدموع فيهما، فقدمهما لها قائلاً:
الفطيرتان
لكما ..
ظهر الفرح
والسرور على محياها ، وسعد ابنها سعادة رقصت لها أسارير وجهه..
وعاد أبو
نصر يفكر بولده وزوجته .
ما إن سار
حتى سمع رجلاً ينادي من يدل على أبي نصر الصياد؟
فدله الناس
على الرجل.. فقال له إن أباك كان قد أقرضني مالاً منذ عشرين سنة ثم مات
، خذ يا بني هذه الثلاثين ألف درهم فهو مال أبيك .
يقول أبو
نصر الصياد
وتحولت غنياً بإذن الله تعالى وكثر مالي ،
و
ملكت البيوت وفاضت تجارتي ، وصرت أتصدق بالألف درهم في المرة الواحدة في شكرالله
تعالى ..
ومرت الأيام ، وأنا أكثر من الصدقات حتى أعجبتني نفسي!!
وفي ليلة من الليالي رأيت في المنام أن الميزان قد وضع ونادى مناد : أبا
نصر الصياد هلم لوزن حسناتك وسيئاتك ، فوضعت حسناتي ووضعت سيئاتي، فرجحت السيئات ..
فقلت أين
الأموال التي تصدقت بها ؟ فوضعت الأموال، فإذا تحت كل ألف درهم شهوة نفس أو إعجاب
بصنيع كأنه لفافة من القطن لا تساوي شيئاً، ورجحت السيئات
وبكيَت ..
بكيت حتى كادت نفسي تذهب وأحشائي تتقطع . وقلت ما النجاة ؟
وسمعت
المنادي يقول : هل بقى له من شيء ؟
فأسمع الملك
يقول: نعم بقيت له رقاقتان ...
وتوضع
الرقاقتان (الفطيرتان) في كفة الحسنات ، فتهبط كفة الحسنات حتى تساوت مع كفة
السيئات.
فبقيت
خائفاً .. وأسمع المنادي مرة أخرى يقول: هل بقى له من شيء؟ فأسمع الملك يقول: بقى
له شيء
قلت: ما
هو؟ ...
قيل له:
دموع المرأة حين أعطيتها الرقاقتين .
فوزنت الدموع،
فإذا بها كالحجر الصقيل وزناً .فثقلت كفة الحسنات، ففرحت
فرحاً شديداً ..
وأسمع المنادي كرة أخرى يقول:
هل بقى له من شيء؟
فقيل: نعم
ابتسامة الطفل الصغير حين أعطيَت أمُه الرقاقتان ...
وترجح كفة
الحسنات...و ترجح ...وترجح..
وأسمع
المنادي يقول: لقد نجا ... لقد نجا
فاستيقظت من النوم فزعا أقول ما قاله لي أحمد بن مسكين حين رد إليّ إحدى الفطيرتين
: لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة.