قصيدة الإمام البوصيرى
في الرد على اليهود والنصارى
جمع وإعداد وكتابة وتنسيق محمود القاعود
جاء المسيح من الإله رسولا
فأبى أقل العالمين عقولا
قوم رأوا بشرا كريما فادعوا
من جهلهم – بالله – فيه حلولا
وعصابة ما صدقته .. وأكثرت
بالإفك والبهتان فيه القيلا
لم يأت فيه مُفرَِط
بالحق تجريحاً ولا تعديلا
فكأنما جاء المسيح إليهم
ليكذبوا التوراة والإنجيلا
فاعجب لأمته التى قد صيرت
تنزيهها لإلهها : التنكيلا
وإذا أراد الله فتنة معشر
وأضلهم . رأوا القبيح جميلا
هم . يجلوه بباطل فابتزه
أعداؤه بالباطل التبجيلا
وتقطعوا أمر العقائد بينهم
زمراً . ألم تر عقدها محلولا ؟
هو آدم فى الفضل . إلا أنه
لم يعط حال النفخة التكميلا
* * *
أسمعتم أن الإله لحاجة
يتناول المشروب والمأكولا
وينام من تعب . ويدعو ربه
ويرود من حر الهجير مقيلا
ويمسه الألم الذى لم يستطع
صرفا له عنه ولا تحويلا ؟
ياليت شعرى حين مات بزعمهم
من كان بالتدبير عنه كفيلا ؟
هل كان هذا الكون دبر نفسه
من بعده . أم آثر التعطيلا ؟
زعموا الإله فدى العبيد بنفسه
وأراه كان القاتل المقتولا
إجزوا اليهود بصلبه خيراً ، ولا
تجزوا الآخذ البرطيلا
أيكون قوم فى الجحيم ويصطفى
منهم كليماً ربنا وخليلا ؟
وأجل روحاً قامت الموتى به
عن أن يُرى بيد اليهود قتيلا
فدعوا حديث الصلب عنه دونكم
من كتبكم ما وافق التنزيلا
* * *
شهد الزبور بحفظه ونجاته
أفتجعلون دليلا مدخولا ؟
أيكون من حفظ الإله مضيّعاً
أو من أشيد بنصره مخذولا ؟
أيجوز قول منزه لإلهه :
سبحان قاتل نفسه . فأقولا ؟
أو جلّ عن جعل اليهود بزعمكم
شوك القتاد لرأسه إكليلا
ومضى لحبل صلبه مستسلما
للموت مكتوف اليدين ذليلا ؟
كم ذا أبكتكم . ولم تستنكفوا
أن تسمعوا التبكيت والتخجيلا
ضل النصارى فى المسيح وأقسموا
لا يهتدون إلى الرشاد سبيلا
جعلوا الثلاثة واحدا . ولو اهتدوا
لم يجعلوا العدد الكثير قليلا
عبدوا إلها من إله . كائنا
ذا صورة . ضلوا بها ، وهيولا
لُعن اليهود مع النصارى لا تكن
بهم على طريق الهدى مدلولا
فالمُدّعو التثليث . لا تحفل بهم
قد خالفوا المنقول والمعقولا
والعابدون العجل قد فتنوا به
ودّوا اتخاذ المرسلين عجولا
* * *
فإذا أتت بشرى إليهم كذبوا
بهوى النفوس وقتّلوا تقتيلا
أبناء حيات . ألم تر أنهم
يجدون درباق السموم قتولا ؟
أخلوا كتاب الله من أحكامه
غدراً . وكان العامر المأهولا
جعلوا الحرام به حلالا ، والهدى
غيا ، وموصولا التقى مفصولا .
كتموا العبادة والمعاد ، وما ادعوا
للحق تعجيلا ولا تأجيلا
ودعاهم ما ضيّعوا من فضله
أن يملأوه من الكرام فضولا
* * *
وكفاهم أن مثلوا معبودهم
- سبحانه – بعباده تمثيلا
وبأنهم دخلوا له فى قبّة
إذ أزمعوا نحو الشام رحيلا
وبأن إسرائيل صارع ربه
فرمى به شكراً لإسرائيل
وبأنهم سمعوا كلام إلههم
وسبيلهم أن يسمعوا : سيقولا
* * *
وبأنهم ضربوا ليسمع ربهم
فى الحرب بوقات له وطبولا
وبأن إسرائيل صارع ربه
فرمى به واستقبلوه عليلا .
وبأنه من أجل آدم وابنه
ضرب اليدين ندامة وذهولا
وأن رب العالمين بدا له
فى خلق آدم . ياله تجهيلا
وبأن إبراهيم حاول أكله
خبزاً . ورام لرجله تغسيلا
وبأن أموال الطوائف حللت
لهم : رباً . وخيانة . وغلولا
وبأنهم لم يخرجوا من أرضهم
فكأنما حسبوا الخروج دخولا
لم ينتهوا عن قذف داود ولا
لوط . فكيف بقذفهم رأوبيلا
وعزُوا إلى يعقوب من أولاده
ذكراً من الفعل القبيح مهولا
وإلى المسيح وأمه . وكفى بها
صديقة حملت به ، وبتولا
ولمن تعلق بالصليب بزعمهم
لعنا يعود عليهم مكفولا
وأبيك ما أعطى يهوذا خاتماً
لزنا بمحضة ، ولا منديلا
لوّوا بغير الحق ألسنة بما
قالوه فى ليا وفى راحيلا
ودعوا سليمان الحكيم النبى بكافر
واستهونوا إفكا عليه مقولا
وجنوا على هرون بالعجل الذى
نسبوا له تصويره تضليلا
وبأن موسى صور الصور التى
ما حل منها نهيه معقولا
ورضوا له غضب الإله ، فلا عدا
غضب الإله عدوه الضليلا
وبأن سحراً ما استطاع – لأنه
مناه – وما استطاعن له تبديلا
وبأن ما ابدى لهم من آية
أبدوا إليه بمثله تخييلا
إلا البعوض ولا يزال معاندا
لإلهه ببعوضة مخذولا
ورضوا لموسى أن يقول فواحشا
ختمت وصيته بهن فضولا
نقلوا فوحش عن كليم الله لم
يك مثلها عن مثله منقولا
وأظنهم قد خالفوه فعجلت
لهم العقوبة بالخنا تعجيلا
فشكت رجالهم مصادر ذيلها
ونساؤهم غير البعول بعولا
لُعن الذين رإِوا سبيل محمد
والمؤمنين به : أضل سبيلا
* * *
عجبا لهم والسبت بيع عندهم
لم يلف منه المشترون مقيلا
هلا عصوا فى السبت يوشع إذ غدا
يدعو جنودا للوغى وخيولا
أو يُجهلوا هارون ، فى ذبح وفى
عجن . وما كان النبى جهولا
أو ألحقوا بهما المسيح وأوجبوا
التحريم فى الحالين والتحليلا
أو أثبتوا النسخ فى كتبهم
قد نُص عن شُعيا وعن يوئيلا
أولم يروا حكم العقيقة ناسخاً
أحكام كتب المرسلين الأولى ؟
أفيأنف الكفار أن يستدركوا
قولا على خير الورى منحولا ؟
لا درّ درّهم ، فإن كلامهم
نذر الثرى من أدمعى مبلولا
فكأننى بالغيث مقلة ماجد
تبكى لموجهة يصيب عقيلا
ظنوا بربهم الظنون ورُسله
ورموا أناسا بالأذى وفحولا
إن يبخسوه بكيل زور حقه
فلأ وسعنهم الجزاء مكيلا
ومن الغبينة أن يُجازى إفكهم
صدقى . ولسنا فى الكلاء سلولا
لو يصدقون كما أتت رسل لهم
أترى الطبيب غدا يزور عليلا ؟
* * *
إن أنكروا فضل النبى . فإنما
أرخوا على ضوء النهار سدولا
فالله أكبر إن دين محمد
وكتابه أقوى وأقوم قيلا
طلعت به شمس الهداية للورى
وأبى لها وصف الكمال أفولا
والحق أبلج فى شريعته التى
جمعت فروعها للهدى وأصولا
لا تُذكر الكتب السوالف عنده
منها رسوما قد عفت وطلولا
* * *
تخبركم التوراة أن قد بشرت
قدما : بأحمد ابن إسماعيلا .
ودعته وحش الناس . كل ندية
وعلى الجميع له الأيادى الطولا
تجدوا الصحيح من السقيم . فطالما
صدق الحبيب هل الحبيب ملولا ؟
طوبى لموسى حين بشر باسمه
ولسامع من قوله : ماقيلا
وجبال فاران الرواسى . إنها
نالت من الدنيا به التفضيلا
مَن مثل موسى قد أقيم لأهله
من بين إخوتهم سواه رسولا
أو أن إخوانهم بنو عيسو الذى
نقلت بكارته لإسرائيلا
تالله ما كان المراد به فتى :
موسى ولا عيسى ولا صمويلا
إذ لن يقوم لهم نبى مثله
منهم ، ولو كان النبى مثيلا
* * *
واستخبروا الإنجيل عنه وحاذروا
من لفظة التحريف والتبديلا
إن يدعه الإنجيل فيرقليطة
فلقد دعاه قبل ذلك إيلا
ودعاه روح الحق للوحى الذى
يوحى إليه بكرة وأصيلا
فتأمل القول الذى ما أحسنت
أمم المسيح لحسنه تأويلا
إذ قال : لا يأتيكم إلا إذا
أزمعتُ عنكم للإله رحيلا
إن أنطلق عنكم يكن خيرا لكم
ليجيئكم من تعرفون بديلا .
يأتى على اسم الله منه مبارك
ما كان وعد قدومه ممطولا
يتلو كتابا . بالبيان كتابه
وترود أمثالى به التأويلا
من فند العلماء غير محمد
منهم ، وجهّل رايهم تجهيلا ؟
وأرواح ملك الله منهم عنوة
ليبيحه أهل التقى وينيلا
وكما شهدتُ له سيشهد لى .
بالعلم . لست بما اتيت جهولا
يُبدى الحوادث والغيوب حديثة
ويسوسكم بالحق جيلا جيلا
هو صخرة ما زوحمت صدمت . فلا
تبغوا لها إلا النجوم وعولا
والآخرون الأولون فقومه
أخذوا على العمل القليل جزيلا
والمنَحمَنّا لا تشكوا إن أتى
لكم . فليس مجيئه مجهولا
* * *
وهو الموكل آخر بالكرم . لا
يختار . ما لله عنه وكيلا
وهو الذى من بعد يحيى جاءهم
إذا كان يحيى للمسيح رسولا
وسل الزبور فإن فيه الان من
فصل الخطاب عن النبى فصولا
فهو الذى نعت الزبور : مقلدا
ذا شفرتين من السيوف صقيلا
قُرنت شريعته ببأس يمينه
فأراك أخذ الكافرين وبيلا
فاضت على شفتيه رحمةُ ربه
فاشتف من تلك الشفاة غليلا
ولغالب من حمده وبهائه
ملء الأعادى ذلة وخمولا
فى أمة خُصّت بكل كرامة
وتفيأت ظل الصلاح ظليلا
وعلى مضاجعهم وكل ثنية
كل يسر ويُعلن التهليلا
رهبان ليل . أسد حرب لم تلج
إلا الفنا يوم الكريهة غيلا
كم غادروا الملك الجليل مقيداً
والقرم من أشرافهم معلولا
والله منتفم بهم من كل من
يبغى عن الحق المبين عدولا
أعجبت من ملك رأيت مقيداً
وشريف قوم عندهم مغلولا ؟
خضعت ملوك الأرض طائعة له
وغدا به قربانهم مقبولا
مازال للمستضعفين موازارا
ولمعتفيه وذى الصلاح وصولا
لم يدعه ذو فاقة وضرورة
إلا وقال بجوده المأمولا
ذاك الذى لم يدعه ذو فاقة
إلا وكان له الزمان منيلا
تبقى الصلاة عليه دائمة . فخذ
وصف النبى من الزبور مقولا
* * *
وكتاب شعيا مخبر عن ربه
فاسمعه يفرح قلبك المتبولا
عبدى الذى سرت به نفسى ومَن
وحيى عليه منزل تنزيلا
لم أعط ما أعطيته أحدا من ال
فضل العظيم . وحسبه تحويلا
يأتى فيظهر فى الورى عدلى ولم
يك بالهوى فى حكمه ليميلا
إن غض من بصر ومن صوت فما
غض التقى والحكم منه كليلا
فتح العيون العمى لكن العدا
عن فضله صرفوا عيونا حولا
أحيا القلوب الغلف أسمع كل ذى
صمم . وكم داء أزال دخيلا
يوصى إلى الأمم الوصايا . مثل ما
يوصى الأب البر الرحيم : سليلا
لا تضحك الدنيا له سنا . وما
آتاه منها عدّوه تنويلا
مَن غير أحمد جاء يحمده ربه
حمداً جديداً بالمزيد كفيلا ؟
وكتابه ما ليس يَطفأ نوره
والحق منقاد إليه ذليلا
خصم العباد بحجة الله التى
أضحى بها عذر العدا مرذولا
فرحت به البرية القصوى . ومن
فيها . وفاضلت الوعور سهولا
وزهت وضاعت حسن لبنان الذى
لولا كرامة أحمد ما نيلا
ملئت مساكن آل قيدار
عزا وطابت منزلا ونزولا
جعلوا الكرامة للإله فأكرموا
والله يجزى بالجميل جميلا
ولبيته الحرام طريقة
تتلو رعيل المخلصين رعيلا
لا تخطر الأرجاس فيه ولا يرى
لخطاهم فى أرضهم تنقيلا
كتفاه بينهما علامة ملكه
لله ملكا لا يزال أثيلا
من كان من حزب الإله فلم يزل
منه بحسن عناية مشمولا
هو راكب الجمل الذى سقطت به
أصنام بابل . قد أتاك دليلا
والغرس فى البدو المشار لفضله
إن كنت تجهله فسل حزقيلا
غرست بأرض البدو منه دوحة
لم تخشى من حرّ الفلاة ذبولا
فأتتك فاضلة الغصون وأخرجت
ناراً لما غرس اليهود أكولا
ذهبت بكرمة قوم سوء ذُللت
بيد الغرور قطوفها تذليلا
وسلو الملائكة التى قد أيدت
قيدار . تبدى العلةُ المعلولا
وسَلن حبقوق المصرح باسمه
وبوصفه . وكفى به مسئولا .
إذ وصّل القول الصريح بذكره
للسامعين . فأحسن التوصيلا
فالأرض من تحميد أحمد أصبحت
وبنوره عرضا تضئ وطولا
رويت سهام محمد بقسيه
وغدا بها من ناضلت : منضولا
واسمع برؤيا بخت نصر والتمس
من دانيال لها إذن تأويلا
وسلوه كم تمتد دعوة باطل
لتزيح علة مبطل وتزيلا ؟
وارم العدا ببشائر عن أرميا
نقلت وكان حديثه المعقولا
إذ قال : قد قدسته وعصمته
وجعلت للأجناس منه رسولا
* * *
وجعلت تقديسى قبيل وجوده
وعدا علىّ كعبته مسئولا
وحديث مكة قد رواه مطولا
شعيا . فخذوه وجانب التطويلا
إذ راح بالقول الصريح مبشراً
بالنسل منه عاقراً معضولا
وتشرفت باسم جديد فادعها
حرم الإله . بلغت منه السولا
فتنبهت بعد الخمول وكللت
أبوابها ، وسقوفها تكليلا
ونأت عن الظلم الذى لا تتقى
لخضابه شيب الزمان نصولا
حرم على حمل السلاح محرم
فكأنما يسقى السيوف فلولا
وتخال من تحريم حرمته العدا
حملوا السلاح وميلا
لم تتخذ بيتاً سواه قبلة
فازدد بذاك لما أقول قبولا
وبنو نبايت لم تزل خدامها
لا ينبغى عنها لهم تبديلا
جمعت بها أغنام قيدار التى
قد كان منها ذبح إسماعيلا
فنمت وأمّن خوفها . وعدوها
قد بات منها خائفاً مهزولا
* * *
وكلام حبقوق النبى . كتابه
لكلام موسى قد أتى تذليلا
وجميع كتبهم على علاتها
نطقت بذكر محمد تفصيلا
لم يجهلوه . غير أنه سيوفه
أبقت حقودا عندهم ، ودخولا
* * *
إن أنكروا فضل النبى فإنما
ألقوا على ضوء النهار سدولا
فاسمع كلامهم ولا تجعل على
ما حرفوا من كتبهم تعويلا
لولا استحالتهم لما ألفيتنى
لك بالدليل على الغريم محيلا
أو قد جهلت من الحديث رواية
أم قد نسيت من الكتاب نزولا ؟
فاترك جدال أخى الضلال ولا تكن
بمراء من لم يهتدى مشغولا
مالى أجادل فيه كل أخى عمى
كيما أقيم على النهار دليلا ؟
فاعدل إلى مدح النبى محمد