أخبار البخلاء
اختارها الدكتور: عمر العاني
1 - رأى رجل مزبدًا بالرها وعليه جبة خز، وكان مزبد قد خرج إليها فحسنت حاله، فقال: يا مزبد هب لي هذه الجبة، فقال: ما املك غيرها، فقال الرجل: إن الله تعالى يقول " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " " الحشر: 9 " ، فقال: الله أرحم بعباده أن ينزل هذه الآية بالرها في كانون، وإنما نزلت بالحجاز في حزيران وتموز
2 - قال الجاحظ: شوي لأحمد بن جعفر بن سليمان دجاج، ففقد فخذًا، فنادى في داره: من هذا الذي تعاطى فعقر؟ والله " لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين " الشعراء: 49 " ، فقال له أكبر ولده: يا أبتِ لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، فجالوا في الدار فأصابوا الفخذ، فقال: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " " يوسف: 92 " .
3 - أكل قوم عند رجل بخيل وأمعنوا، فأراد أن يقطعهم عن الأكل فبقي متحيرًا وقال: ليس هذا أكل من يريد أن يتعشى.
4 - قال بعضهم: دخلت الكوفة فرأيت صبياً ومعه رغيف، وهو يكسر منه لقمة ويومئ بها إلى شق في حائط يخرج منه دخان ثم يأكلها، فبقيت متعجبًا منه، ووافاه أبوه فسأله عن ذلك فقال الصبي: هذه دار فيها عرس، وقد طبخوا سكباجة حامضة، فأنا أتأدم برائحتها، فصفعه أبوه صفعة شديدة وقال له: تريد أن تعود نفسك أن لا تأكل خبزك إلا بإدم.
5 - سئل أبو الحارث جمين عن من يحضر مائدة محمد بن يحيى بن خالد فقال: أكرم الخلق والأمهم، يعني الملائكة والذباب
6 - وقال أبو عمرو بن العلاء: دعاني رجل وكان بخيلاً، فقدم المائدة ونحن جماعة، وقدم جدياً سمينًا فنحن نأكله والشاة تصيح، فقلت: أسكتوا الثكلى، فقال: كيف تسكت وقرة عينها تمزقونه؟!
7 - قال رجل لغلامه: هات الطعام وأغلق الباب، فقال: هذا خطأ بل أغلق الباب وهات الطعام، فقال: أنت حر لعملك بالحزم.
8 - لقي أعرابي رجلاً من الحاج فقال: ممن الرجل؟ قال: باهلي فقال: أعيذك بالله من ذاك، قال: أي والله وأنا مع ذلك مولى لهم، فأقبل الأعرابي يقبل يديه ويتمسح به، فقال له الرجل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني أثق بأن الله عز وجل لم يبتلك بهذا في الدنيا إلا وأنت من أهل الجنة.
9 - قال مديني لآخر: لو أن لمولاك مائة بيدر من إبر خوارزمية ثم جاءه يوسف النبي عليه السلام وقد قد قميصه من دبر، ومعه جبريل وميكائيل يشفعان له، ما أعطاه إبرة منها يخيط بها قميصه.
10 - استأذن مزبد على بعض البخلاء وقد أهدي له تين في أول أوانه، فلما أحسن بدخوله تناول الطبق فوضعه تحت السرير، وبقيت يده معلقة ثم قال لمزبد: ما جاء بك في هذا الوقت؟ قال: يا سيدي مررت الساعة بباب فلان فسمعت جاريته تقرأ لحناً ما سمعت قط أحسن منه، فلما علمت من شدة محبتك للقرآن وسمعاك للألحان حفظته وجئت لأقرأه عليك، قال: فهاته، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. " ....والزيتون وطور سينين""، فقال: ويلك أين التين؟ قال: تحت السرير.
11 - قيل لأبي الحارث جمين: أتغديت عند فلان؟ قال: لا ولكني مررت ببابه وهو يتغدى، قيل: وكيف علمت ذلك؟ قال: رأيت غلمانه بأيديهم قسي البندق يرمون الطير في الهواء.
( كي لا تأكل الطير منه حسب فهمي )
12 - كان زياد بن عبد الله الحارثي على شرطة المدينة، وكان مبخلا على الطعام، فدعا أشعب في شهر رمضان كي يفطر عنده، فقدمت إليه في أول ليلة مصلية معقودة، وكانت تعجبه، فجعل أشعب يمعن فيها وزياد يلمحه، فلما فرغوا من الأكل قال زياد: ما أظن أن لأهل السجن إمامًا يصلي بهم في هذا الشهر، فليصل بهم أشعب، فقال أشعب: أو غير ذلك أصلحك الله، قال: وما هو؟ قال: أحلف أني لا أذوق مصلية أبدًا، فخجل زياد وتغافل عنه.
13 - قال ابن باذشاه: كان عندنا بأصفهان رجل أعمى يطوف ويسأل، فاعطاه مرة إنسان رغيفًا فدعا له وقال: أحسن الله إليك، وبارك عليك، وجزاك خيرًا، ورد غربتك؛ فقال له الرجل: ولم ذكرت الغربة؟ قال: لأن لي ها هنا عشرين سنة ما ناولني أحد رغيفًا صحيحًا.
14 - سأل يحيى بن خالد أبا الحارث جمينًا عن مائدة ابنه فقال: أما مائدته فمن نصف سمسمة، وأما صحفته فمقورة من قشور حب الخشخاش، وما بين الرغيف والرغيف مد البصر، وما بين واللون واللون فترة ما بين نبي ونبي، قال: فمن يحضرها؟ قال: خلق كثير من الكرام الكاتبين، قال فيأكل معه أحد؟ قال: نعم الذباب،
15 - قال بعضهم لبخيل: لم لا تدعوني؟ قال: لأنك جيد المضع سريع البلع، إذا أكلت لقمة هيأت أخرى، قال أتريد مني إذا أكلت لقمة أصلي ركعتين ثم أعود إلى الثانية؟!
16 - قال بعض البخلاء لرجل على مائدته: اكسر ذلك الرغيف، قال: دعه يبتلي به غيري.
17 - وصف رجل بخيلاً فقال: عينه دولاب اللقم في أيدي الضياف.
18 - روي أن بخيلاً كان يقوم في الليل وقد نام صبيانه على الجنب الأيسر فيقلبهم إلى اليمين، فسئل عن ذلك فقال: هؤلاء ينامون على اليسار فيصبحون جياعًا، فأنا أقلبهم على اليمين لئلا ينهضم ما أكلوه سريعًا.
19 - دعا بخيل على صاحبه فقال له: إن كنت كاذباً فعشّيتَ السكارى بجبن.
20 - قيل لبخيل: ما أحسن الأيدي على المائدة؟ فقال: مقطعة.
21 - استأذن جحظة على صديق له مبخل، فقال له غلمانه: هو محموم، فقال: كلوا بين يديه حتى يعرق.
22 - وقال: أكلت مع بخيل مرة فقال لي: يا هذا ؛ ما رأيتُ أذل من الرغيف في يدك.
23 - أعطى امير بعضهم شيئًا ثم ندم فقال له: لا تنفق هذا المال واحتفظ به، وجعل يكرر ذلك عليه فقال له: يا أيها الأمير، إن رأيت حفظتُه حتى ألقاك به يوم القيامة.
24 - تزوج عمرو بن حريث ابنة أسماء بن خارجة فقالت له يومًا: ما أحسبك وأبي تقرآن من كتاب الله تعالى إلا حرفين: قال: وما هما؟ قالت: كان أبي يقرأ " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين " " سبأ: 39 " وأنت تقرأ " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " " الإسراء: 37 " .
25 - قال أبو العيناء: دعاني جار لي إلى وليمة، وكان بخيلاً، فرأيته يدور عل الموائد ويتنفس الصعداء ويقول " وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا " " الإنسان: 12 " .
26 - حكى بعضهم أنه كان على مائدة بخيل قال: فطافت علينا هرة وصاحت، فألقينا إليها لقمة من حوارى، فقال صاحب الدار : إن كان لا بد فمن الخشكار.
27 - وذكر آخر أنه كان في دعوة بعض التجار المياسير، فألقى للسنور لقمة خبز ثم أراد أن يثنيها، فقال التاجر: دع هذا، فليست الهرة لنا وإنما هي للجيران.
28 - مر الفرزدق بمحمد بن وكيع بن أبي سود وهو على ناقة فقال له: غدّني فقال: ما يحضرني غداء، قال: فاسقني سويقًا، قال: ما هو عندي، قال: فاسقني نبيذًا، قال: أو صاحب نبيذ عهدتني؟ قال: فما يقعدك في الظل؟ قال: فما أصنع؟ قال: اطل وجهك بدبس ثم تحول إلى الشمس فاقعد فيها حتى يشبه لونك لون أبيك الذي تزعمه.
قال أبو عمرو بن العلاء: فما زال ولد محمد يُسَبّون بذلك من قول الفرزدق.