رمضانيات
(3)
اتخاذ الإخوان واختيارهم
اختارها د.عثمان قدري مكانسي
اختارها من عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري بتصرف
- كان يُقال : أعجزُ الناس من فرّط في طلب الإخوان ، وأعجز منه مَن ضيّع مَن ظفِر به منهم ؛ فالوصول إلى صديق صدوق كاستخراج الذهب من مكامنه ، وما أسهل إضاعة الأصدقاء بإهمالهم أو الإساءة إليهم .
- - ويُحكى أن داوود عليه السلام قال لابنه سليمان عليه السلام : " يا بنيّ ؛ لا تستبدلَنّ بأخ لك قديمٍ أخاً مستَفاداً ما استقام لك ، ولا تستقلّن أن يكون لك عدوّ واحد ، ولا تستكثرَنّ أن يكون لك ألف صديق " فالعدو مصدر القلق والترح ، والصديق يُدخل عليك السرور والمرح .
- والغالب من الناس يظن أن الغنى بالمال ، وهو براحة البال ، وكثرة الأحباب . قال الشاعر ابن الأعرابي :
لعمرُك ما مال الفتى بذخيرة ولكنّ إخوان الثقاتِ الذخائرُ
وقال حكيم : رأيت الدنيا وذخائرها تالفة إلا ذخيرة الأدب وعقيلة الخُلّة ، فاستكثرْ من الإخوان واعتصمْ بعرا الأدب . وكان يُقال : الرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال ، وقال الشاعر :
إذا لم يكن للقوم عزّ ولم يكن لهم رجل عند الزمان مكين
فكانوا كأيد أوهن الله بطشَها تُرى أشمُلاً ليست لهنّ يمين
- وقال أحدهم – أيوب السختياني – " إذا بلغني موتُ أخ لي فكأنما سقط عضو مني " وقد قال الشاعر :
أخاك أخاكَ ؛ إنّ من لا أخاً له كساعٍ إلى الهيجـا بغير سـلاح
وإن ابنَ عم المرء فاعلم جناحُه وهل ينهض البازي بغير جناح
أقول : وليس شرطاً أن يكون ابن عمك خيراً من صديقك ، إلا أنها دعوة عشائرية وفكرة قبلية ، وكثيراً ما يكون الأقارب عقارب .
- وكثرة الأصدقاء قوة على الضيم ونصرة للحق ، وطرد للذل وشعور بالعز . يقول الشاعر الثقفيّ :
من كان ذا عدد يُدركْ ظُلامتَه إن الذليل الذي ليست له عَضُدُ
تنبـو يـداه إذا مـا قـَلّ نـاصـرُه ويأنف الضيمَ إن أثرى له عدَدُ
أقول : على أن لا يرى نفسه قوياً فيبطر ويظلم ، إن كثيراً ممن شعر بقوته مع ضعف في دينه ومروءته انقلب ظالماً لا يرعوي إلى الحق .
- كما أن التقي إذا لم يصادقْك لم يبغضك ولم يعادِك ، أما صحبة الفاسق فثقيلة على النفس ، وتودي إلى المهالك ، إن الصاحب ساحب . قال الشاعر :
وبغضاء التقيّ أقـل ضيراً وأسلم من مَودّة ذي الفـُسوق
ولن تنفكّ تُحسَدُ أو تُعادى فأكثرْ ما استطعتَ من الصديق
- وقال المأمون : الإخوان ثلاث طبقات ؛
1- طبقة كالغذاء ، لا يُستغنى عنه .
2- وطبقة كالدواء لا يُحتاج إليه إلا أحياناً .
3- وطبقة كالداء ، لا يُحتاج إليها أبداً .
- وقال الحسن بن عليّ رضي الله عنهما : " من أدام الاختلاف إلى المساجد أصاب ثمانيَ
1-آية مُحكمة؛ 2- وأخاً مُستَفاداً ؛ 3- وعلماً مُستَطرَفاً ؛ 4- ورحمة مُنتظَرة ؛ 5-6- وكلمة تدله على هدىً أو تردعه عن ردىً ؛ 7-8- وترك الذنوب حياءً أو خشية . رضي الله عن الإمام الراشديّ الخامس الحسن بن علي ، فقد نسي الناس أنه حكم عشرة أشهر تمّ بها ثلاثون سنة راشدة من حكم الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ .
- ويقول أحد العارفين : الصاحب رُقعة في قميص الرجل ، فلْينظُر أحدكم بِمَ يَرْقع قميصَه . وقال : ما وجدنا شيئاً أبلَغَ في خير أو شر من صاحب .
- وقال يونس : اثنانِ ما في الأرض أقلُّ منهما ؛ درهمٌ يوضَع في حقّ ، وأخٌ يُسكن إليه في الله .
- وقال علقمة بن لبيد العُطارديّ لابنه ينصحه نصيحة بليغة : يا بنيّ إذا نزَغَتـْك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب منهم :
1- مَن إن صحبتـَه زانك ، وإن خدمتَه صانك ، وإن أصابَتْك خصاصة مانك ( بذل لك المؤونة )
2- وإن قلتَ صدّق قولَك ، وإن صُلْتَ شدّ صولتَك ، وإن مدَدْت يدك بفضل مدّها ، وإن رأى منك حسنة عدّها .
3- وإن سألْتَه أعطاك ، وإن سكَتّ عنه ابتداك ، وإن نزلتْ بك إحدى المُلِمّات آساك ،
4- من لا يأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذُلك عند الحقائق .
5- وإن حاول حويلاً آمَرَك ( شاورك فيما يريده) وإن تنازعتُما مُنْفِساً آثرك ( يفضّلك على نفسه بالخير ) .
أقول : إنها نصائح رائعة تُكتب بماء الذهب ، ويُحافظ عليها في شَغاف القلوب ، يقتنصها الأديب الأريب ، والذكي اللبيب ، ويعمل بها العاقل النديّ ذو الفؤاد البهي .
وقال الشاعر في هذا :
إن أخاك الصدقَ من كان معك ومن يضرّ نفسَه لينفعك
ومن إذا ريبُ الزمان صدَعَك شتت فيك شمله ليجمعك
- وكتب رجل إلى صديقه يمدحه لما رأى فيه من خير ومروءة : أنت يا صديق كما قال الأعشى :
منْ ليس في خيره منٌّ فيفسده على الصديق ولا في صفوه كدَر
وليس فيه إن استنظرته عَجَلٌ وليس فيه إذا ياسـَرتَه عُـسُرٌ
وقال شاعر آخر في أخيه :
إذا كان إخوان الرجال حرارةً فأنت الحلالُ الحلو والباردُ العذبُ
لنـا جانـبٌ منه دميثٌ وجانـبٌ إذا رامَه الأعداءُ مركبُه صعب
وتأخُذُه عند المكارم هِزّةٌ كما اهتزّ تحت البارح الغُصُن الرطب
- وبكى الشعراء إخوانهم بقلوب دامية إذ فقدوهم ، فقال أحدهم :
أبكي أخاً يتـَلقـّاني بنائله قبل السؤال ويلقى السيف من دوني
إن المنايا أصابتني مصائبها فاسـْتعجَلَت بـأخ قد كـان يكفيـني
وقال غيره :
أخٌ طالمـا سرّني ذِكْرُه فأصبحتُ أشجى لدى ذكره
وقد كنت أغدو إلى قصره فأصبحت أغدو إلى قبره
وكُنـْت أراني غنِيّـاً به عن الناس لو مُد في عمره
إذا جئتـُه طالباً حاجة فأمري يجـوز على أمره
--- والحقيقة أن الصديق الصدوق كالجوهرة النادرة ، ولا ترى الأصدقاء إلا أيام الرخاء ،أما في أيام الشدة فلا وجود لهم – كما يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه –
ولا خيْر في ودّ امرئ متَلـَوّن إذا الريح مالت مال حيث تميل
جوادٌ إذا استغنيت عن أخذ مالِه وعند احتمال الفقر عنك بخيل
فما أكثـَر الإخـوانَ حين تعُدّهم ولكـنّهـُم في النائـبات قليل