دمشق المآذن
دمشق المآذن
شعر / محمود محمّد كلزي
الشمس راحت خلف أفقها البعيدْ
تلمُّ
ما يبعثر الصباح من أشعة ونورْ
ولوَّحتْ بهدبها المغزول من
نضارْ
من خلف أُفقٍ حالمٍ بالحبِّ والسلامْ
خجلان مما خلَّف
النهارْ
وفي السماء يمرح الخطّافْ
والدور.. والسطوح.. والقباب..
والسكينهْ
وقاسيونُ.. والمآذن الحزينه
يلفها الضبابْ
يصمُّ
أذنَها الضجيجُ والصراخُ والسبابْ
تريد أنْ تنام.. أن تحلمَ.. أن
تعودْ
كما يريدها "صلاح الدين" أن تكونْ
جيشٌ من الأبطال
يحميها
يردُّ عن حياضها الظلامْ
وتنسج التاريخ من
جديدْ
بالخزِّ والديباج والفسيفساءْ
وفوق قاسيون ترقص اللآلئ
المنثوره
يمرُّ في خياله الماضي..
كما تمرُّ فوقه
السحابْ
والمغرب الحزين..
يدعو الناسَ للمساجد
المهجوره
ويذكر اللهَ.. بألف مئذنه
ويصعد الصوت إلى
السماءْ
في كبرياءْ
لكنَّ.. لا أذنَ تصيخ.. لا عيونَ.. لا
شعورْ
يضيع في الفضاء هذا الصوت كالدخانْ
ترسله في الأمسيات
مدخنه
ويصرخ المؤذّن العنيد: "لا إله إلا الله"
لكنَّ في مدينتي..
الف إلهٍ وإلهْ
يعبده الناس.. يمرّغون فوق ترْبه الجباهْ
عيونهم..
مصلوبة على الجدارْ
تلتهم المكارم الجريحة الملقاة
باستهتارْ
والكلمات الصامتات في دعاية من النيونْ
تمضغها..
تبصقها.. والناس سائرونْ
تشدّهم واجهة
فيها ضروب من مباهجٍ
وضوءْ
وألف لا شيءٍ.. وشيءْ
وينظرون.. ينظرون..
ينظرونْ
عيونهم تسمّلتْ.. تحجّرت.. كأنهم بلا عيونْ
ويصرخ المؤذّن
المسكين في علاه:
"حيَّ
على الصلاه"
والناس.. سائرون..
سائرونْ
أقدامهم تجرّهم.. بلا انتباهْ
وأذْنهم صمَّاء.. إلا عن
نداءات العفونه
وعن نداء الأقبيه
يصوغه الشيطان.. للعبيد
أغنيه
***
دمشق لن تنامْ
عيونها مشدودة للحبّ
والسلامْ
وقاسيونُ.. لن يمرّغ الجبينَ بالرغامْ
وسوف تبقى في
مدينتي المآذنُ
السامقة العلاءْ
تمدُّ رأسها إلى
السماءْ
تمدُّ كفها
لعلَّ الله يستجيب
للدعاءْ
***
مدينتي تبعثر النجومْ
تريد أن تمزّق
الضبابَ
والمساءْ
هوامش :
منشورة في مجلة "آمال" الجزائرية – العدد 280 لعام 1975