الشاعر
شعر: أنور العطار
خَلِّياهُ يـَنـحْ على عَـذَباتِـهْ ويَصُـغْ من دُموعـه آياتهُ
ويُرَتـلْ ألحـانـه بخشـوع مُـستمدّاً من العُـلى نَغَماتهْ
لا تُثيرا به كـمائـنَ صـدرٍ رَدَّدَتها الأحزانُ في أبـياتِـهْ
ورواها فـمُ الزَّمانِ بشَـجْـوٍ فحسـبْنـا بَناتِـهِ من رُواتِهْ
ثم جارَتْ بَغياً وعَقَّتْ أباهـا غيرَ هَيأبَةٍ أذى سَـخَـطاتِـهْ
فاستطالتْ من غير ذنبٍ عليهِ واسـتباحتْ بصَرْفِها عَزَماتِهْ
ورَمتهُ في مَهدهِ بالـرزايـا وجَزتْهُ الأسى على حسـناتِهْ
فجرى والأسى وليدَيْنِ حتى أدركَ الكُنْهَ من مَطاوي عظاتهْ
والأسى مَنْهَلُ النفوسِ اللواتي لم يَرُضها الزمانُ في نَكباتِـهْ
وتَوارى عن العِيان وأمسـى في مُصَلاّهُ يَشـتـكي عَثراتِهْ
وعِتابُ الأيام شـِبهُ صـلاةٍ فاتركاهُ مُستغرقاً في صَلاتِـهْ
واجثُوَا قيدَ ظِـلهِ بسـكـونٍ وأصيـخـا لبثّهِ وشَـكاتـهْ
هَيكلٌ يبعثُ القنوطَ إلى القَلـ ـب بما لاحَ من جَليّ صِفاتهْ
مَنْ يحدّقْ إليه يُبصرْ ملاكـاً نُورُهُ سـاطعٌ بكـلِّ جهاتـهْ
باسطاً كَـفَّهُ يُناجـي مليكـاً خاشِعَ الطرف من جلالةِ ذاتهْ
كَتَبَ البؤسُ فوق خَديهِ سطراً تتـراءى الآلامُ في كلماتـه:
للـهوى قلبُهُ، وللشـجوِ عَينا هُ ، وللعالميـنَ كـلُّ هباتِـهْ
وهو نهبٌ لحادثـاتِ الليالي وحلالٌ للدهر قـرعُ صَفاتـهْ
ينطوي في سبيل أبناءِ دنـيا هُ ويلقى من دهـرهِ نائباتـهْ
بفؤادٍ واهٍ وصدرٍ رحـيـبٍ وادعٍ، غير صاخبٍ من أذاتِهْ
يَتلقّى بصبـرهِ نَزوةَ الدَّهـ ـر ويشـكـو لربّهِ نَزَواتـه
شاعرٌ صاغَهُ الإلهُ من البـؤ سِ وأبدى الأسى على نظراتهْ
وحَباهُ السِّحرَ الحـلالَ فغنّى شـاكراً ربَّه علـى نَفحـاته
وسَريُّ النظيم ما كانَ وحيـاً فالهوى والشعورُ في طيّاتـه
وسَرِيُّ النظيم ما كانتِ الحِكـ ـمةُ فَيّاضـةً على جَنباتـه
شاعرٌ يمزج المدادَ من الحز ن يذوبِ اللُّجين من عَبَراتـه
ثم يستنزفُ النجيعَ من القلـ ب فيجري رطباً على صفحاته
يسـتمدُّ اليراعُ منـه مِـداداً فهو يُغني عن طرسـِهِ ودَواته
عَلَّلَ النفسَ دَهـرَهُ بالأماني غيـر ما ناظـرٍ إلى عقباتـه
كلُّ مَنْ في الوجودِ يَجني مُناه وهو يُقصى عن نيلهِ ثَمراتـه
يا سماءَ الخيالِ جـودي عليـهِ وامنحيهِ الإلهـامَ في نفثاتـهِ
واطبعيهِ على الشـعورِ يُخـلّدْ لكِ أسمى النظيم في ذِكرياته
مَعبد الحبِّ شِيدَ في قفص القلـ ب مُحاطاً بالظلِّ من قَصَباته
والفؤادُ الناقوسُ يقرعُهُ الوَجْـ ـدُ بأوتارِ حسِّـهِ من لَهاتـه
فيفيضُ الهوى عـلى جانبيـه كلما رنَّ من صَـدى دقاتِـه
يُسمعُ الصخرَ شِعره وشَـجاهُ فتَلينُ الصخـورُ من أنّاتـه
ثم تجري على رَويّ القوافـي وتحاكي الموزونَ من نبراتـه
وطيورُ السـماءِ تأخـذُ عنـهُ حينَ يشدو المثير من سَجعاته
يَخلُدُ الشاعرُ الحزين إذا قطّـ رَ أنفاسـَهُ على صَفَحـاتـه
يومُهُ مثلُ أمسِـهِ في شـقاءٍ ولعلَّ الرَّجـاء طـيَّ غَداتِـه
إنْ دَجا الليلُ يَرقُبُ النجم أسـيانَ ويُـزجي إلى العلى زَفَراتـه
لا الدجَى نازحٌ ولا الفجرُ يَرثي لشَجيٍّ أدنى الردى خطواته
لو تراهُ –والليلُ ساجٍ صموتٌ- لتفطرتَ من شَجا صَعقاتـه
سادراً في مجاهل الفكر حَيْرا نَ يُرجِّي نَجاتَهُ من عُداتـه
مُنشداً في دَياجر الليـل آيـا تٍ طواها الهواءُ في نَسَماته
... يا فؤادي إذا أجنّكَ ليـلٌ وسَئمتَ الحياةَ في ظُلماتـه
وتَطلَّعتَ للصباحِ وقد ضَـل ونـورُ العليل في بَسَـماتـه
لا تقلْ: يا ظلامُ سَعـَّرتَ نيرا ناً بقلب يـذوبُ مـن آهاتـه
عَلّ في الليل رحمةَ لوجيـعٍ أغـرقَته الآلام في سَـكَراتِهْ
مُمعنٍ في الكرى يزيدُ التياعاً كلما لجّ!َ في عمـيقِ سُـباته
فـإذا ما استفاقَ أبصرَ فجراً حَيّرَ الفكر من سـنا لمعاته
إنّ فـي الفجر روعةً قَسَمتها يَـدُ خَلاقِنـا على كائناتـه
عمّتِ العالمينَ لم تبقِ حـتى مُعدماً طاحَ في هوى حَسَراته
بهجةُ الكون في الصباح تَجلّى ولـذيذُ الحيـاة في أوليـاتـه
بينما الشاعرُ الحزينُ يُناجـي ربَّه والصـباحُ في بشـرياته
غابَ عن عالم الشقاءِ وفاضت رُوحه وانطـوى ببُرد نجاتـه
فاتـركاهُ يَنعمْ بـنوم طويـل عَلّ في الموتِ راحةً من حياتهْ