عنوان الحكم للبُستي
زيـادةُ المرءِ فـي دُنياهُ نُقصانُ
ورِبحُهُ غيرُ محضِ الخيرِ خُسرانُ
وكـلُّ وجدانِ حـظٍّ لا ثباتَ لهُ
فـإنَّ معنـاهُ فـي التحقيقِ فُقدانُ
يا عامـراً لخَرابِ الدَّهرِ مُجتهِداً باللهِ هـلْ لـخَرابِ الدهرِ عُمرانُ
ويا حريصاً على الأموالِ يجمعُها لا تـنسَ أنَّ سُرورَ المالِ أحزانُ
زعِ الفـؤادَ عـن الدنيا وزُخرفِها فصفـوُها كدرٌ والوصلُ هُجرانُ
وأرْعِ سمـعَكَ أمثـالاً أفصِّلهـا كمـا يُـفصَّلُ ياقوتٌ ومَـرجانُ
أحسِن إلى الناسِ تستعبـدْ قلوبهمُ فطالمـا استعبدَ الإنسانَ إحسانٌ
وإن أسـاءَ مُسيءٌ فليكنْ لكَ في عـروضِ زلَّتـهِ صفحٌ وغُفرانُ
وكنْ على الدَّهرِ مِعواناً لذي أملٍ يـرجو نَداكَ فـإنَّ الحُرَّ مِعوانُ
مَنْ جادَ بالمالِ مالَ الناسُ قاطبةً إليـه والمـالُ للإنسـانِ فتَّـانُ
مَـنْ كـانَ للخيرِ منَّاعاً فليسَ لهُ عنـدَ الحقيـقةِ إخـوانٌ وأخدانُ
لا تخدشَنَّ بمُطلٍ وجـهَ عارفـةٍ فالـبِرُّ يـخدِشُهُ مُطـلٌ وليَّـانُ
يـا خادمَ الجسمِ كمْ تسعى لخدمتهِ أتطلبُ الرِّبحَ مما فيـه خُسرانُ
اقبلْ على النفسِ فاستكمل فضائلَها فأنتَ بالـرّوحِ لا بالجسمِ إنسانُ
مَـنْ يتـقِ اللهَ يُحمدْ في عواقبِهِ ويـكفهِ شرَّ من عَزُّوا ومَنْ هانوا
حَسْـبُ الفتى عقلُهُ خلاً يُعاشرهُ إذا تحـامـاهُ إخـوانٌ وخـلاَّنُ
لا تستشرْ غير نَدْبٍ حازمٍ فطِنٍ قـد استوى منه إسرارٌ وإعلانُ
فللتدابـير فـرسانٌ إذا ركضوا فيـها أبرّوا كما للحربِ فُرسانُ
وللأمـورِ مـواقـيتٌ مُـقدَّرةٌ وكـلُّ أمـرٍ لـهُ حـدٌّ وميزانُ
من رافقَ الرِّفقَ في كلِّ الأمورِ فلمْ ينـدمْ عليه ولـمْ يذمِمْهُ إنسانُ
فلا تكنْ عَجِلاً في الأمـرِ تطلبُهُ فليسَ يحمـدُ قبلَ النُّضجِ بُحرانُ(1)
وذو القناعةِ راضٍ في معيشتهِ وصاحبُ الحرصِ إن أثرى فغضبانُ
كفى من العيشِ ما قدْ سرَّ من عَوَزٍ فـفيهِ للـحُرِّ إنْ حقَّـقتَ غنيانُ
هما رضيعا لبانٍ: حكمةٌ وتُـقىً وساكنا وطـن:ٍ مـالٌ وطغيانُ
مَنْ مدَّ طرفاً بفرطِ الجهلِ نحوَ هوىً أغضى عنِ الحقِّ يوماً وهوَ خزيانُ
مَنِ استشارَ صروفَ الدَّهر قامَ لهُ على حقيقةِ طبعِ الدَّهرِ بُـرهـانُ
منْ عاشرَ الناسَ لاقى منهمُ نَصَباً لأنَّ طبـعَهمُ بغـيٌ وعُـدوانُ
ومَنْ يفتِّشْ على الإخوانِ مُجتهداً فـجُلُّ إخوانِ هـذا الدَّهرِ خُوّانُ
منْ يزرعِ الشَّرَّ يحصدْ في عواقبِهِ نَـدامـةً ولحصْدِ الزَّرعِ إبّانُ
منِ استنامَ إلى الأشرارِ نامَ وفـي قميصـِهِ مـنهمُ صِلٌّ وثُـعبانُ
كُـنْ ريِّقَ البِشرِ إنَّ الحُرَّ همَّتُهُ صحيفـةٌ وعليها البِشرُ عُنوانُ
ورافِقِ الرِّفقَ في كلِّ الأمورِ فلمْ ينـدمْ رفـيقٌ ولمْ يذمُمْهُ نُدمانُ
ولا يغـرَّكَ حـظٌّ جـرَّهُ خَرَقٌ فالخرقُ هدمٌ ورفقُ المرءِ بُنيانُ
من سالمَ الناس يسلمْ من غوائِلِهم وعاشَ وهو قريرُ العينِ جذلانُ
منْ كان للعقلِ أعوانٌ عليهِ غَدَا وما على نـفسهِ للحرصِ أعوانُ
إذا نَـبا بـكريمٍ مـوطنٌ فـلهُ وراءَهُ في سبيطِ الأرضِ أوطانُ
لا تحـسبنَّ سُروراً دائـماً أبداً مَـنْ سـرَّهُ زمنٌ ساءتهُ أزمانُ
يا ظالماً فَرحاً بالـعزِّ ساعـدَهُ إنْ كـنتَ في سنةٍ فالدَّهرُ يقظانُ
ما استمرأ الظلمَ لو أنصفتَ آكلُهُ وهـلْ يـلذُّ مذاقٌ وهو خُطبانُ
يا أيها العالمُ المُرضيُّ سيرتُـهُ أبشرْ فـأنـتَ بغيرِ المـاءِ ريَّانُ
ويا أخا الجهلِ لو أصبحتَ في لُججٍ فأنتَ ما بينها لا شكَّ ظمـآنُ
دَعِ التكاسُلَ في الخيراتِ تطلبُها فليسَ يسعَـدُ بالخـيراتِ كسلانُ
صُنْ حُرَّ وجهِكَ لا تهتِكْ غلالتَهُ فـكلُّ حُـرٍّ لحُرِّ الوجـهِ صَوَّانُ
فإنْ لقيتَ عَدوّاً فـالقَـهُ أبـداً والوجهُ بالبِشرِ والإشراقِ غَضّانُ
لا تحسِبِ الناسَ طبعاً واحداً فلهمْ غـرائزٌ لستَ تُحصيها وألوانُ
مـا كـلُّ مـاءٍ كصُدَّاء لواردهِ نعـمْ ولا كـلُّ نَبْتٍ فهوَ سَعدانُ
مَـنِ استعانَ بغيرِ اللهِ في طلبٍ فـإنَّ نـاصرَِهُ عـجزٌ وخذلانُ
فـاشدُدْ يديكَ بحبلِ اللهِ معتصماً فـإنه الـرُّكنُ إنْ خانتكَ أركانُ
لا ظلَّ للمرءِ يُغني عن تُقىً ورضا وإنْ أظـلَّتْهُ أوراقٌ وأفـنانُ
سُحبانُ منْ غيرِ مالٍ باقلٌ حصِرٌ وبـاقلٌ فـي ثراءِ المالِ سُحبانُ
لا تُـودعِ السِّرَّ وشَّاءً فينشُرَهُ وهلْ رعى غَنماً في الدَّوِّ سرحانُ
والنـاسُ إخوانُ منْ دالتهُ دولتُهُ وهـمْ عليـهِ إذا عادتـهُ أعوانُ
يارافلاً في الشبابِ الرَّحبِ مُنتشياً منْ كأسِهِ هلْ أصابَ الرُّشدَ نَشوانُ
لا تغترِرْ بشبابٍ ناعـمٍ خضِلٍ فكـمْ تقـدَّمَ قـبلَ الشّيبِ شُبّانُ
ويا أخا الشّيبِ لو ناصحتَ نفسَكَ لمْ يكنْ لمثلكَ في الإسرافِ إمعانُ
هَبِ الشَّبيبةَ تُبدي عُذرَ صاحبها مـا بالُ أشيبَ يستهويهِ شيطانُ
كـلُّ الذنوبِ فـإنَّ الله يغـفرها إن شيَّعَ المرءَ إخـلاصٌ وإيمانُ
وكـلُّ كسرٍ فـإنَّ اللهَ يـجبُرُهُ ومـا لـكسرِ قناةِ الدِّينِ جُبرانُ
أحسِنْ إذا كـانَ إمكانٌ ومقدرةٌ فـلا يـدومُ على الإنسانِ إمكانُ
فالرَّوضُ يزدانُ بالأنوار ناعمُهُ والحُرُّ بالعدلِ والإحسانِ يـزدانُ
خُـذها سـوائرَ أمثالٍ مهـذّبةٍ فيـها لـمنْ يبتغي التبيانَ تبيانُ
ما ضرَّ حسَّانَها والطبعُ صائغُها إن لمْ يصغُها قَريعُ الشِّعرِ حسَّانُ
(1) البُحران: التغيّر السريع