الحلبي الكريم
الحلبي الكريم
ومن أخبار البحتري أنه كان بحلب شخص يقال له طاهر بن محمد الهاشمي، مات أبوه وخلّف له مقدار مائة ألف دينار، فأنفقها على الشعراء والزوار في سبيل الله، فقصده البُحتري من العراق فلما وصل إلى حلب قيل له إنه قد قَعَدَ لديون ركبته، فاغتمّ البحتري لذلك غمّاً شديداً، فبعث المِدحة إليه مع بعض مواليه، فلما وصلته ووقف عليها بكى، ودعا بغلام له وقال له: بع داري.
فقال
له: أتبيع دارك وتبقى على رؤوس الناس؟
فقال: لابدّ من بيعها.
فباعها بثلاث مئة دينار، فأخذ صرّة وربط فيها مئة دينار وأنفذها إلى البحتري، وكتب إليه معها رقعة فيها هذه الأبيات:
لو يكون الحِياءُ حسبَ الذي أنـْ تَ لـدينا بـه محلُّ وأهلُ
لَـحَبَوْتُ اللُّـجينَ والدُّرَّ واليا قوتَ حشواً وكان ذاك يقلُّ
والأديـب الأريب يسمح بالعذ رِ إذا قـصّر الصديق المقلُّ
فلما وصلت الرقعة إلى البحتري ردَّ الدنانير وكتب إليه:
بـأبي أنـت وأنت للـبرّ أهلُ والمساعي بعدُ وسعيَكَ قبلُ
والنَّـوالُ القليلُ يكثُرُ إن شـا ءَ مُـرجّيكَ والكثيـرُ يـقلُّ
غيرَ أنّي رددتُ برّكَ إذ كان ن رباً منك ، والربا لا يحلُّ
وإذا مـا جَزَيْتَ شِـعراً بشعرٍ قُضيَ الحقُّ ، والدنانيرُ فضلُ
فلما عادت الدنانير إليه حلَّ الصرّة، وضمَّ إليها خمسين ديناراً أخرى وحلفَ أنه لا يردّها عليه، وسيّرها، فلما وصلت إلى البحتري أنشأ يقول:
شكـرتُكَ إنّ الشُّكرَ للعبد نعمةٌ ومن يشكر المعروفَ فاللهُ زائدُه
لـكلِّ زمـان واحدٌ يقتدى به وهذا زمانٌ أنتَ لا شكَّ واحـدهْ