إنّي لتطربني الخلال كريمة
د.عثمان قدري مكانسي
ألم يقل المربون ذوو العقول المتفتحة والأفهام الوازنة: إن من الشعر لحكمة !!!.
ما قرأت قصيدة الشاعر الفذ حافظ إبراهيم – شاعر النيل – التي مطلعها
" كم ذا يكابد عاشق ويلاقي " إلا خشعتُ في محراب معانيها وأسلوبها ، ورشفت من رقراق سلسلها ونمير عذبها .
تقرأ قصائد لبعض الشعراء ، فتأسرك ببيان سحرها، وتودّ لو كنت صاحبها بكثيرمن قصائدك التي شدوتَ بها ، وفخرت أنك صاحبها ، وترى نفسك قَزَماً في حضرة هؤلاء العمالقة الأفذاذ ، وشاعراً مبتدئاً في أعتاب هؤلاء الأطواد الشامخين!!.
مما جذبني في هذه القصيدة الزاهرة فضلاً عن معناها وأسلوبها أن نفس شاعرنا الكبير الرهيفة متألمةٌ ما تراه في مصر المحروسة من مباضع تمزق أمنها وحضارتها ، وتعبث في أخلاقها ومبادئها ، ويزيد في حزنها وأساها أن هذا التشويه بيد أبنائها المحسوبين عليها ، المتوقع منهم أن يكونوا نورَها الواعد وضوءها المشع . فإذا كان أذاها ممن تتوسم فيهم الخير الدافق والبناء المتين فالمصيبة أكبر مما يتحمله قلب المحب ونفس الواله .
وأرى الشاعر يصف في عشرينات القرن المنصرف الأمراض التي نأسى لها في حاضرنا هذا من ادّعاءات المدّعين ، ذوى الخيانات التي زكمت الأنوف ، وكانت خناجر بيد العدو وبنادق تتوجه لصدور الأمة بدل أن تكون لها ، تدافع عنها وتصون كرامتها .
ومن العجيب أن ترى " آباء رغال " يكثرون مسارعين إلى خدمة أهداف أعداء الأمة ، ويتنكّرون لكل المبادئ الشريفة والأخلاق الكريمة ، يتولون العدوّ التاريخي وينضوون تحت لوائه ، ويتنادون إلى خدمته دون خجل أو حياء .
وأقف أمام قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في كشف هؤلاء المارقين المرتدين : " قال : دعاة إلى أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها " . فلما سأله حذيفة بن اليمان قائلاً : يا رسول الله ، صفهم لنا ؟ قال :" هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا " . فنرى منهم وننكر . يفرحون لمآسي المسلمين ، ويتأففون من صبرهم وجَلَدهم ، ويحاربونهم بأشد مما يحاربهم العدو ...... " بانوا عن مجتمعهم ثلاثاً بالطلاق ، فكان بينهم وبينه فراق " .
وأرى الشاعر بثاقب نظره يرى المفسدين يمتهنون النساء في نشر مفاسدهم ، فيتخمون وسائل الإعلام بمباذلهنّ ويرخصوهنّ باسم الحرية الكاذبة، حتى يصل الأمر إلى حد التقيؤ والقرف . وبات ما كنا ننكره سابقاً مثال الصون لما نراه لاحقاً .
فتنة تدع الحليم حيران ، والحازم فتنان .
قصيدة من روائع ما قاله الشاعر الرائع حافظ إبراهيم رحمه الله تعالى – تستحق التأمل والتدبّر .....
كَـم ذا يُـكـابِـدُ عاشِقٌ إِنّـي لَأَحـمِـلُ في هَواكِ صَبابَةً لَـهـفـي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً كَـلِـفٌ بِـمَـحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ إِنّـي لَـتُـطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً وَتَـهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى مـا الـبـابِلِيَّةُ في صَفاءِ مِزاجِها وَالشَمسُ تَبدو في الكُئوسِ وَتَختَفي بِـأَلَـذَّ مِـن خُـلُقٍ كَريمٍ طاهِر فَـإِذا رُزِقـتَ خَـلـيقَةً مَحمودَةً فَـالـنـاسُ هَـذا حَظُّهُ مالٌ وَذا وَالـمـالُ إِن لَـم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً وَالـعِـلـمُ إِن لَـم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ لا تَـحـسَـبَـنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ كَـم عـالِـمٍ مَـدَّ العُلومَ حَبائِلاً وَفَـقـيـهِ قَومٍ ظَلَّ يَرصُدُ فِقهَهُ يَـمـشي وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ عِمامَةٌ يَـدعـونَهُ عِندَ الشِقاقِ وَما دَرَوا وَطَـبـيـبِ قَـومٍ قَد أَحَلَّ لِطِبِّهِ قَـتَـلَ الأَجِنَّةَ في البُطونِ وَتارَةً أَغـلـى وَأَثمَنُ مِن تَجارِبِ عِلمِهِ وَمُـهَـنـدِسٍ لِـلنيلِ باتَ بِكَفِّهِ تَـنـدى وَتَـيـبَسُ لِلخَلائِقِ كَفُّهُ لا شَـيءَ يَـلوي مِن هَواهُ فَحَدُّهُ وَأَديـبِ قَـومٍ تَـسـتَحِقُّ يَمينُهُ يَـلـهـو وَيَـلعَبُ بِالعُقولِ بَيانُهُ فـي كَـفِّـهِ قَـلَـمٌ يَـمُجُّ لُعابُهُ يَـرِدُ الـحَقائِقَ وَهيَ بيضٌ نُصَّعٌ فَـيَـرُدُّهـا سـوداً عَلى جَنَباتِها عَـرِيَت عَنِ الحَقِّ المُطَهَّرِ نَفسُهُ لَـو كـانَ ذا خُـلُقٍ لَأَسعَدَ قَومَهُ مَـن لـي بِـتَـربِيَةِ النِساءِ فَإِنَّها الأُمُّ مَـدرَسَـةٌ إِذا أَعـدَدتَـهـا الأُمُّ رَوضٌ إِن تَـعَـهَّـدَهُ الـحَيا الأُمُّ أُسـتـاذُ الأَسـاتِـذَةِ الأُلـى أَنـا لا أَقولُ دَعوا النِساءَ سَوافِراً يَـدرُجنَ حَيثُ أَرَدنَ لا مِن وازِعٍ يَـفـعَـلنَ أَفعالَ الرِجالِ لِواهِياً فـي دورِهِـنَّ شُـؤونُهُنَّ كَثيرَةٌ كَـلّا وَلا أَدعـوكُـمُ أَن تُـسرِفوا لَـيـسَت نِساؤُكُمُ حُلىً وَجَواهِراً فـتوسطوا في الحالتين وأنصفوا | وَيُلاقيفـي حُـبِّ مِصرَ كَثيرَةِ يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ يَـحـمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقٍ بِـالـبَـذلِ بَـينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ طَـرَبَ الـغَـريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقٍ بَـيـنَ الـشَـمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ وَالـشَـربُ بَـينَ تَنافُسٍ وَسِباقِ َالـبَـدرُ يُشرِقُ مِن جَبينِ الساقي قَـد مـازَجَـتـهُ سَلامَةُ الأَذواقِ فَـقَـدِ اِصـطَفاكَ مُقَسِّمُ الأَرزاقِ عِـلـمٌ وَذاكَ مَـكـارِمُ الأَخلاقِ بِـالـعِـلـمِ كـانَ نِهايَةَ الإِملاقِ تُـعـلـيـهِ كـانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ مـا لَـم يُـتَـوَّج رَبُّـهُ بِخَلاقِ لِـوَقـيـعَـةٍ وَقَـطـيعَةٍ وَفِراقِ لِـمَـكـيـدَةٍ أَو مُـستَحَلِّ طَلاقِ َكـالـبُـرجِ لَـكِن فَوقَ تَلِّ نِفاقِ أَنَّ الَّـذي يَـدعـونَ خِدنُ شِقاقِ مـا لا تُـحِـلُّ شَـريعَةُ الخَلّاقِ جَـمَـعَ الـدَوانِقَ مِن دَمٍ مُهراقِ يَـومَ الـفَـخـارِ تَجارِبُ الحَلّاقِ مِـفـتـاحُ رِزقِ العامِلِ المِطراقِ بِـالـمـاءِ طَوعَ الأَصفَرِ البَرّاقِ فـي الـسَلبِ حَدُّ الخائِنِ السَرّاقِ قَـطـعَ الأَنامِلِ أَو لَظى الإِحراقِ َكَـأَنَّـهُ فـي الـسِحرِ رُقيَةُ راقٍ سُـمّـاً وَيَـنـفِثُهُ عَلى الأَوراقِ قُـدسِـيَّـةٌ عُـلـوِيَّـةُ الإِشراقِ مِـن ظُـلـمَةَ التَمويهِ أَلفُ نِطاقِ فَـحَـيـاتُـهُ ثِقلٌ عَلى الأَعناقِ بِـبَـيـانِـهِ وَيَـراعِـهِ السَبّاقِ فـي الـشَـرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ َعـدَدتَ شَـعـباً طَيِّبَ الأَعراقِ بِـالـرِيِّ أَورَقَ أَيَّـمـا إيـراقِ شَـغَـلَـت مَـآثِرُهُم مَدى الآفاقِ بَـيـنَ الرِجالِ يَجُلنَ في الأَسواقِ يَـحـذَرنَ رِقـبَـتَهُ وَلا مِن واقٍ عَـن واجِـباتِ نَواعِسِ الأَحداقِ كَـشُؤونِ رَبِّ السَيفِ وَالمِزراقِ فـي الحَجبِ وَالتَضييقِ وَالإِرهاقِ خَوفَ الضَياعِ تُصانُ في الأَحقاقِ فـالـشر في التضييق والإرهاق | العُشّاقِ
البابليّة : الخمر