وليم بتلر ييتس ( 1865 _ 1939 ) .. حياته وشعره
*1891: تأسيس نادي الشعراء .
*1899 : تأسيس المسرح القومي الأيرلندي .
* 1914 : صدور ديوانه " مسئوليات " .
*1923 : نيله جائزة نوبل .
*1928: صدور ديوانه "البرج " .
ولد وليم بتلر ييتس في ساندي ماونت في دبلن ، وكان قد مضى على وجود أسرته ذات الأصل الإنجليزي قرابة 200 عام في أيرلندا . وعاشت أسرة والدته من آل بولكسفنز التي قدمت من ديفون عدة أجيال في سليجو في غربي أيرلندا . وكان والده ج . بتلر ييتس قد هجر المحاماة للاشتغال بالرسم الذي در عليه بعض الدخل غير الثابت . وعاشت الأسرة في لندن من 1874 إلى 1887 حين عادت إلى أيرلندا ،وتحديدا إلى هاوث على بعد أميال من دبلن . واعتزم وليم حين ترك المدرسة العليا في دبلن في 1883 أن يكون فنانا ، وأن يتخذ الشعر هواية ، فالتحق بإحدى المدارس لدراسة الفن وما لبث أن تركها للتركيز على الشعر . وظهرت طلائع قصائده في " مجلة جامعة دبلن " في 1885 . وكان والد ييتس مرتابا دينيا إلا أنه كان مؤمنا ب " دين الفن " ، وييتس نفسه ، الذي كان مؤمنا بطبيعة مزاجه وعاجزا عن الإيمان بالمسيحية المتشددة ؛ بحث طول حياته عن فكر غامض خفي يمكن أن يعوضه عن ديانته المفقودة ، وقاده بحثه إلى أنواع متعددة من الصوفية ‘ وإلى الموروث الشعبي ، وإلى الصوفية الدينية التي يعرف بها الإنسان الله _ تعالى _ بالتأمل الفلسفي أو الكشف ، وأيضا إلى الروحانية ، والأفلاطونية الجديدة ، ولكن دون أي نظام صارم يقتفيه ؛ لأنه ظل يعود إلى نواحي فكره الذاتي المبكر ، ويعيد صياغتها . وطور في منتصف عمره نظاما فكريا رمزيا خاصا به قائما على مصادر متنوعة مكنه من تقوية صوره الشعرية من حيث نوعها وترابطها . والدارس لشعره يصطدم دائما بهذه السرية المحيرة التي يحافظ عليها عابثا حينا ، وجادا حينا ، ويعاملها حينا كأنها تجسيد لحقائق معينة ، وحينا كأنها لغة رمزية مناسبة ومريحة . وتتبعت الدراسات الحديثة لشعره معظم أفكاره الصوفية وشبه الصوفية متناولة حتى المصادر التي كانت مألوفة للشاعرين بليك وشلي ، والتي تعود أحيانا إلى معتقدات الأفلاطونية الجديدة وموروثاتها العتيقة . وأمضى ييتس سني طفولته وشبابه الباكر في التنقل بين دبلن ولندن وسليجو ، وأسهم كل مكان من هذه الأمكنة إسهاما ما في تطوره الشعري . فالتقى في 1890 في لندن بشعراء العصر الكبار ، وكان في 1891 من مؤسسي نادي الشعراء الذي كان من أعضائه ليونيل جونسون ،وإيرنست داوسون وغيرهما من الشعراء البارزين في تسعينات القرن التاسع عشر ، وحاز في ذلك النادي أفكار الشعر التي كانت تمثلها الفترة السابقة على الرفائيلية التي تميزت بالغموض حيث آمن في هذه المرحلة من حياته بأن لغة الشعر يجب أن تكون حالمة وجياشة وسامية . واكتسب من الريف المحيط بسليجو شيئا أقوى وأشد دنيوية هو معرفة حياة الفلاحين وموروثهم الشعبي ،وتأثر في دبلن بتيارات القومية الأيرلندية . وهو وإن كان غالبا في خلاف مع الذين أرادوا استخدام الأدب لتحقيق غايات مباشرة إلا أنه تعلم كيف يستخدم شعره لنفع الثقافة الأيرلندية المتجددة . ولم تتطور المؤثرات الثلاثة لدبلن ولندن وسليجو لديه في سياق تاريخي واحد ؛إذ إنه كان دائم المراوحة بين الأماكن الثلاثة في باكر حياته . نجد عنده أحيانا قصيدة تعتمد على الموروث الشعبي في سليجو بين مجموعة من القصائد الحالمة التي كتبها في كنف نادي الشعراء ،أو هي صدى للشعور القومي الأيرلندي بأسلوب غنائي ، وإن تكن كل القصائد تمثل المرحلة السابقة على الرفائيلية من حيث نغمها . وفي وسعنا مع هذا أن نميز المراحل التي تنقسم إليها حياته الشعرية تمييزا واضحا ؛ فقد بدأ مقتفيا نهج الرومانسية الواعية للذات التي تعلمها من شعراء لندن في التسعينات ، وللشاعرين سبنسر وشلي ومن بعدهما بقليل الشاعر بليك ؛تأثيرات بالغة في شعره .وإحدى مسرحياته الشعرية المبكرة تنتهي بأغنية تقول : " ماتت غابات أركادي ،
وماتت في سمائها بهجتها العتيقة .
والعالم يحيا على قديم أحلامه " .
وفي ذات الوقت كان يكتب قصائد مثل قصيدة " الطفل المسروق " مستوحاةً من تجربته في سليجو ؛ قصائد ذات لطافة هادئة في صورها الممتوحة من الطبيعة ، وفي أسماء الأماكن الريفية ، ومستوحاة ، القصائد ، أيضا من موضوعات الموروث الشعبي . وعقب ذلك بوقت قصير ، في ختام فترته الأولى ، أرشدته الدوائر الأدبية في دبلن إلى كتاب ستاندش " عن تاريخ أيرلندا .. زمن البطولة " الذي وجد فيه القصص العظيمة لزمن البطولة في التاريخ الأيرلندي ، وكذلك أرشدته إلى ترجمة جورج سيجرسون ودوجلاس هايد للتراث الشعري الغالي ، إلي " تلك اللهجة التي تستصدر من الغالية نظمها ( بناء جملتها ) ، وتبقيه مع هذا جزئيا من معجم تيودور . وحتى حين يتلهى ييتس بأفكار الأفلاطونية الجديدة مثلما يفعل في قصيدة " وردة العالم " ،وهي أيضا من إنتاج الجزء المتأخر من فترته المبكرة ؛ فإنه يظل مقتدرا على وصلها بموضوعات البطولة الأيرلندية ، وبهذا يهب جلالا وأسلوبا إلى صوره الشعرية ليس له صلة مألوفة بهذه النوعية من الشاعرية الحالمة . وبذا وفرت أساطير البطولة في أيرلندا القديمة ، والموروثات الشعبية للريف الأيرلندي الحديث لييتس متانة صوره الشعرية الباكرة الحالمة توفيرا يجلي سبب إنتاجه قصائد مدهشة في طوره الأول في تسعينات القرن التاسع عشر . فقصيدة " جزيرة بحيرة إنيسفري الصغيرة " التي يرى بعض أهل الأدب أن الإفراط في إيرادها في المختارات الشعرية أفسدها ؛ تظل مع هذا قصيدة بديعة في نوعها ؛ ذلك أن الوضوح والانضباط الباديين في معالجة صورها يبقيان كل الغموض والتشوش الرومانتيكيين خارجها ،
ويمنحانها جودتها الباقية . ونراه في قصيدة " الرجل الذي حلم بأرض الخيال " ينتج شيئا استثنائي التأثير من التباين بين نشاطات الإنسان وغرابة الطبيعة ،وفي قصيدة" جنون الملك جُل " يدفع الشعور المضطرب ب " غيرية " عالم الطبيعة الملك جل إلى الجنون . وهذا التباين شائع في قصائد ييتس الباكرة ، وحاول في شعره المتأخر حل ما سماه " التغايرات " مستعملا رموزا شاملة موحدة ، وبرهان هذا الاستعمال قصيدة "جين المخبولة تخاطب الأسقف " .
والهامُ التوكيدُ أنه كان من دأب ييتس تنقيح قصائده الباكرة في طبعاتها التالية ، فيوجز لغتها ، ويستبعد الصور الشعرية التي زاد منها تساهله الذاتي . والقصائد المنقحة موجودة في ديوانه " قصائد مجمعة " التي صارت بسبب تنقيحها تمثل صورة خافتة الصوت إلى حد ما لتطوره الشعري . ومن شاء الحصول على الصورة التامة لهذا التطور فواجبه مراجعة طبعتها المحققة التي حررها بيتر ألت ورسل . ك . السباتش في 1957 . وكانت القومية الأيرلندية أول ما استحث ييتس للتنقيب عن أسلوب شعري موصول البساطة وأكثر شعبية . وينبئنا في أحد مقالات سيرته الذاتية عن كيفية تنقيبه عن أسلوب ملائم للتعبير عن الحقائق الأولية الجوهرية الخاصة بالحياة والآمال الأيرلندية ، وأداه ذلك إلى استعمال الصورة الشعرية الحسية مثلما فعلت ترجمات هايد من أغاني الموروث الشعبي التي لم " يبقَ فيها شيء مجرد ، أو شيء بالٍ " إلا أن قوى أخرى كانت تؤثر فيه ؛ أخذ معها شعوره يتصاعد متتابعا بأن أساليبه الشعرية الباكرة ما كان في قدرتها أن تعبر عن الهوية الكلية للأمة ،وحين التفت في 1906 إلى ماضيه اكتشف أنه أخطأ في اصطفاء مثاله الشعري ، قال : " لم أعتنِ بشيء ، على جهل مني ، إلا بالجمال المجرد . يجب أن نخرج من الاهتمامات العامة ، ومن أفكار الصحف ، ومن السوق ، ولا يتحقق هذا إلا إذا تناولنا العادي ، والعاطفي المضطرم ، والذات العاقلة ،والشخصية الإنسانية في عمومها " . ونرى ثمرة تجسيده " للجمال المجرد " ورغبته في تناول " العادي ،والعاطفي ، والذات العاقلة " في ديوان " القصائد المجمعة " الذي يضم ديواني " في الغابات السبع " الذي صدر في 1903 ، و" الخوذة الخضراء وقصائد أخرى " الذي صدر في 1910 . أما القصائد " حماقة الراحة " ، و" لعنة آدم " و " الشيوخ المعجبون بذواتهم " فكتبت قبل قصائد هذين الديوانين ، وفي قدرتنا أن نرى فيها فورا كيف يمزج بين العامية والفصيحة . وهذا جلي في مرحلته الثانية التي التقى فيها مود جُن الممثلة الحسناء ذات النزعة القومية الأيرلندية الشديدة ، وأحبها حبا يائسا سنوات عديدة ، لكنها رفضت أن تتزوجه رفضا متصلا . وعرض لهذا الحب في كثير من قصائد مرحلته الثانية خاصة في قصيدة " لا لتروي ثانية " التي نشرها في ديوان " الخوذة الخضراء " . والتقى أيضا في 1896 بالسيدة جريجوري ، وهي كاتبة أيرلندية ممن أسهموا في النهوض بالأدب الأيرلندي ، ودعته لقضاء الصيف التالي في منزلها الريفي بكول بارك في جالوي . وقضى معها إجازات كثيرة اكتشف فيها جاذبية " مثالية المنزل الريفي " مدركا في حياة الجمال والفراغ الأرستقراطية في منزل فخم أسلوبا في فرض النظام على الفوضى ، ورمزا لرقص الحياة وبهجتها وفق الأفلاطونية الجديدة . وعبر عن وجهة رأيه هذه مرات جمة في شعره ، والشاهد على هذا نراه في نهاية قصيدته " صلاةٌ كُرمى لابنتي " ، وصارت هذه الوجهة جزءا مهما من تكوينة مواقفه ، فمقت الطبقة الوسطى مقتا قاسيا ، وأبغض أسلوبها في الكد في سبيل المال . ونظر إلى شخصياته المثالية على هذا النحو : فأما سافلتها الذين هم الفلاحون والمتسولون فنظر إليهم من تحتهم ، وأما عاليتها وهم الارستقراطيون فنظر إليهم من أعلى ، فكلا الطرفين ، السافلة والعالية ، لهم تقاليدهم التي يحيون منسجمين معها . وبتأثير السيدة جريجوري انغمس ييتس في تأسيس المسرح القومي الأيرلندي في 1899 ؛ الأمر الذي قاده إلى المشاركة الفعالة في مواجهة مشكلات الإنتاج المسرحي التي شملت مشكلات الرقابة ، والمشكلات المالية الخاصة بدفع أجور النجارين والممثلين ، وغيرهما من جوانب " مهنة المسرح ، وإدارة شئون العاملين فيها " ، وأثر كل ذلك في أسلوبه الشعري . وأحبطت استجابات جمهور دبلن للنشاط المسرحي ثقته في ذوق الشعب وحكمه على الأعمال الفنية . وقاده شعوره بالمرارة والألم من بقالي الطبقة الوسطى الذين رأى أنهم بلا أي كرامة أو فهم أو نبل روحي ؛ إلى كتابة بعض أكثر قصائده قوة مثل " سبتمبر " في 1913 ، و " إلى ظل " ، وذلك في مرحلته الثالثة أو المتوسطة ، وأحسن ما يمثلها ديوان " مسئوليات " الذي نشره في 1914 ، ويبين عنوانه التحول في وجهة نظره حول وظيفة الشعر بعد أن صار تدريجيا شخصية عامة . وعين في 1922 شيخا في دولة أيرلندا الحرة الجديدة ، وبقي في هذا المنصب حتى 1928 بعد أن أدى دورا فعالا لا في ازدهار الفنون وكفى ، بل في القضايا السياسية العامة أيضا التي أيد فيها آراء الطبقة البروتستنتية المقيمة في البلاد . وفي ذات الوقت كان يتجاوب بأسلوبه الخاص مع التغير في الذوق الشعري المتمثل في شعر ونقد كل من إزرا باوند وت . س . إليوت قبل الحرب العالمية الأولى بقليل . وكانت موهبته في كتابة شعر الحكمة التي تنقش على النصب قد بدأت في الظهور قبل ذلك الحين ، وله في ديوانه " البجعات البريات في كول " الذي نشره في 1919 قصيدة يشيد فيها بولتر سفج لاندور أحد شعراء القرن التاسع عشر الذي كتب بعض شعر الحكمة البديع ، وبالشاعر جون دُن بوصف الاثنين من كبار الشعراء ومقدميهم . وحرصا منه على الدقة والإحكام ، ولمزج العامية والفصيحة الذي أنجزه مبكرا في أول القرن العشرين ؛ أضاف الآن " الما وراء الطبيعة " وعنصر الحكمة ، وهذا جلي في آخر قصائد مرحلته الثالثة . وتابع أيضا تجاربه مع أنواع متعددة من الإيقاعات ، وفي ذات الوقت واصل بحثه عن لغة رمزية ، وكذلك دراساته للأمور السرية في الكون .
***
تزوج ييتس في 1917 ، وبرهنت زوجته قوة تعاطفها مع احتياجاته الخيالية إلى درجة أن الكتابة الآلية التي ابتكرتها والتي يحسب ييتس أن الأرواح أملتها ( لكنها في الحقيقة كانت خدعة من زوجته منحته عناصر النظام الذي أتمه بعد ذلك في كتابه " رؤيا " بين عامي 1925 _ 1937 ) ذلك النظام الذي استعمله بكل الطرق في كثير من شعره المتأخر . وكان ذلك النظام يجمع بين نظرية حركات التاريخ ونظرية الأنماط المختلفة للشخصية الإنسانية ، وكل حركة وكل نمط يرتبطان بطرق معقدة متعددة بمرحلة مختلفة من مراحل القمر . ولا يمكن فهم بعض شعر ييتس دون معرفة ما في كتابه " رؤيا " إلا أن القصائد الجياد مثل القصيدتين اللتين كتبهما عن بيزنطة يستطيع أن يفهمها القارىء الخبير الذي يستجيب بحساسية إلى نوعية الصور الشعرية التي يعززها التأثير القوي لإيقاعات شعره دون حاجة إلى معرفة ما في " رؤيا " .
ويشجب بعض النقاد المحدثين المحاولات التي يقوم بها غير الخبراء بخلفية تفكير ييتس السري esoteric لمناقشة شعره ، ويصر أولئك النقاد على أن المعرفة الموسعة لخلفية تفكير ييتس هي الوحيدة التي يمكن أن توضح معاني شعره . ومع إقرارنا بحقيقة أن بعض صوره الشعرية الغريبة لا تكشف كل معانيها لمن يجهلون تلك الخلفية إلا أنه من الحقيقة أيضا إن إعادة صياغة الرمز في شعره صياغة حرفية مغالية في ضوء مصادره الخلفية ؛ تسلب قصائده قوتها بإخفاضها إلى محض ممارسات في استعمال رمز من الرموز . ويمثل ديوانا " البرج " في 1928 ، و " السلم الحلزوني " في 1933 نضج ييتس في أحسن حالاته بصفته شاعرا ميتافيزيقيا واقعيا له سيطرة خارقة على الكلمات ، ويمثلان مرحلته الرابعة والعظمى ، ففيهما ، في قصائد العشرينات والثلاثينات ، تظهر السلالم الحلزونية والقمم الحلزونية أو الدائرية والحلزونيات من كل صنف رموزا مهمة لا تتصل بفلسفة ييتس الخاصة بالتاريخ والشخصية الإنسانية وكفى ، وإنما هي تحل بعض المفارقات التي سيطرت عليه منذ البدء . فالحياة في رأيه رحلة صعود لسلم حلزوني ، وكلما كبرنا نقطع الأرض التي قطعناها من قبل ، وكل ما في الأمر أننا نصعد في طريق الرحلة ، وحين ننظر أسفل السلم الحلزوني نقيس تقدمنا بعدد الأماكن التي كنا فيها والتي لم يعد لها وجود . رحلتنا في الحياة تتكرر وفي ذات الوقت تتقدم . نحن ندور حول ذواتنا ونصعد في ذات الوقت . ومن خلال الصور الرمزية التي من هذا النوع يكتشف ييتس مفارقات الزمن والتغير ، والنمو والهوية الذاتية ، والحب والشيخوخة ، والحياة والفن ، والجنون والحكمة .وتبين القصائد البيزنطية مسعاة ييتس للهرب من اضطراب الحياة وعنفها إلى هدوء الفن الخالد إلا أنه عاد في مرحلته الخامسة والختامية نتيجة ، ولو جزئيا ، للعمليات الخاصة بغدده في 1934 . وفي قصائده الأخيرة وحشية منضبطة ، وإن تكن مروعة . وعودته إلى حياة ، أو إلى " بقالة القلب ذات المبيعات القديمة القذرة " تعد واحدة من أشد المراحل النهائية تأثيرا في حياة أي شاعر . كتب في شيخوخته إلى أحد من يراسلهم يقول : " سأبقى آثما حتى النهاية ، وسأبقى أفكر في سرير موتي في كل الليالي التي بددتها في شبابي " .
وفي رسالته الأخيرة إليه كتب : " حين أوجز كل شيء في عبارة أقول : يستطيع الإنسان أن يجسد الحقيقة إلا أنه لن يعرفها . المجرد ليس هو الحياة . إنه في كل مكان يواصل كشف تناقضاتها . تستطيع دحض آراء هيجل ، لكنك لا تستطيع دحض نصي القديس ، أو أغنية البنسات الستة " . وحين توفي في سبتمبر 1939 خلف قدرا من الشعر فيه من التنوع والقوة ما يجعله دون منازع أعظم شعراء الإنجليزية في القرن العشرين .
قصيدة " الشيوخ المعجبون بذواتهم " :
سمعت الشيوخ يقولون : " كل شيء في حياتنا يتبدل ،
ونموت واحدا بعد الآخر "
كانت أصابع أيديهم تشبه المخالب ،
وركبهم مقوسة مثل نباتات الشوك الهرمة
على حافة الماء .
سمعت أولئك الشيوخ يقولون :
" كل جميل في حياتنا ينساب مبتعدا
انسياب الماء " .
*عن " مقتطفات نورتون المختارة من الأدب الإنجليزي " .
وسوم: العدد 910