الأديب الإنجليزي رديارد كبلنج ( 1865 _ 1936 ) .. حياته وشعره وقصصه
ولد كبلنج في بومباي بالهند ، وكان والده قيما على متحف لاهور ، ورساما ذائع الصيت . وذهب للدراسة في إنجلترا ، وعاد إلى الهند صحفيا في 1882 ، ثم عاد إلى إنجلترا في 1892 حيث حقق فيها شهرة سريعة بصفته شاعرا وكاتب قصة . وتزوج في أميركا في 1892 ، وعاش في فيرمونت إلى أن أخرج منها في 1897 عقب عراك عنيف مع شقيق زوجته . وقضى باقي حياته في إنجلترا ،وكان أول إنجليزي يحوز جائزة نوبل للآداب في 1897 .
ويدين شعر كبلنج في الكثير من إيقاعاته القوية إلى الترانيم المنتظمة التي سمعها في سني طفولته ، فلديه موهبة حقيقية للصوت الشعري الجماعي الذي يخلق ما يمكن تسميته الانفعال الشعبي النابع من الحركة المتمايلة التي تتنوع تنوعا بارعا متوافقة مع مقتضيات موضوع ما .
وغالبا ما ينظر إلى كبلنج على أنه شاعر الاستعمار البريطاني ، والحقيقة أنه نظر إلى الامبراطورية البريطانية بعين الجندي العادي الذي يؤدي واجبه في موقع بعيد دون علم بالسياسات أو المشكلات التي تقرر شأن ذلك الموقع ، وبهذا يكون أعطى هذه التهمة وضوحا وواقعية جديدين . وهذه المقاربة لهذه القضية مجتمعةً مع مهارته الإيقاعية في شعره أكسبته بسرعة جمهورا لديوانه " قصائد باراك روم " الذي صدر في 1890 _ 1892 . وفي ذات الوقت كان صيته يذيع بصفته قصصيا موهوبا أكدت قصصه عن الحياة العسكرية في الهند مرة ثانية البطولة التلقائية للجندي البسيط ، واستكشفت بعض المشكلات النفسية والخلقية لمجتمع أبيض صغير يعيش بين شعب خاضع للاستعمار . وبنى كبلنج تدريجيا نظاما للشرف والواجب جمع فيه قدرا من قيم المدرسة الإنجليزية الشعبية ، وقدرا من النظام الإنجليزي للعب النظيف في الرياضة ،وقدرا من الأفكار الحيوية في نظرية البقاء للأصلح ، وقدرا من فكرة " عبء الإنسان الأبيض " ( التي تزعم أن من مسئولية الإنسان الأوروبي تحضير وتطوير شعوب العالم خاصة في أفريقيا وآسيا ، وأن الاستعمار وسيلة ذلك . المترجم ) . ومجموعته " قصص واضحة من التلال " هي قصص من الهند ، ووسع بعد ذلك مداه في قصصه ، وكتب مجموعة كبيرة من القصص والروايات طبق فيها نظامه الخلقي على أنواع كثيرة من المجتمعات والمواقف المعاصرة . وفي أفضل أحواله، نرى في قصصه وضوحا وقوة ، ومهارة سردية حقيقية ،وفي أسوأ أحواله ، فإن نظامه الذي بناه نظام تطفلي ، و" عدواني " في رأي المحدثين . ويطبق في مؤلفيه "كتب الغابة " الصادرين في 1894 _ 1895 نظامه بذكاء لامع على حيوانات الغابة الهندية . ويطبق " ربابنة شجعان " الصادر في 1897 ذلك النظام على الحياة في البحر وفي مجال التربية من خلال حياة ابن مليونير فاسد . ويطبق " ستالكي وكو " الصادر في 1899 المستمد من أيامه في المدرسة الداخلية ؛ ذلك النظام على حياة تلاميذ هذه المدرسة . وفي " عفريت تل بوك " التي صدرت في 1906 يطبقه بلطافة وخيال تاريخي على بريطانيا الرومانية وبريطانيا الأنجلو ساكسونية . و " كيم " الصادرة في 1901 التي تدور أحداثها في الهند تتخطى حدود صيغة كبلنج المألوفة ، وتقدم تداخل مهمتين أو دورين ، الأولى : البريطانية الاستعمارية الفعالة ، والثانية : الهندية المتصوفة المتدينة ، وتعالج المهمتين بتعاطف متشابه ، ونتج عن ذلك أشد روايات ونفائس كبلنج الأدبية تعقيدا . وأقصي شعر كبلنج بعيدا عن شعر الحركة الحديثة المرتبطة باسم إليوت ؛ ذلك أن إيقاعاته القوية ، وتشخيصه البسيط نسبيا والخلقي والنفسي ، وبساطة نسيج تراكيبه اللغوية ؛ أدت إلى رد الفعل ضده في 1920و 1930 . وصحيح أن بعض شعره صاخب مجلجل ومتعصب وطنيا إلا أن كثيرا منه يدل على قوة في تناول الموضوعات الجزئية مثل الإخلاص أوقوة التحمل أو الخسارة أو الخوف . ومعترفٌ به الآن بصفته بارعا كبيرا في صنعة الشعر ، واختار إليوت نفسه مجموعة من قصائده .
***
*من قصيدته " البومة " :
"هبطت التل جائعا ، وإن لم يكن جوعي سغبا ،
ومقرورا ، وإن كان في بدني حرارة تقاوم ريح الشمال الباردة ،
ومجهدا ، وإن بدت لي تلك الراحة أمتع شيء تحت سقف .
وفي الخان أكلت واستدفأت واسترحت
واعياً كم كنت جائعا ومقرورا ومجهدا .
انعزلت في الخان عن كل شيء في حَلَك الليل
ما خلا نعيب بومة .
كان نعيبا مفعما حزنا ".
*عن " مقتطفات نورتون المختارة من الأدب الإنجليزي " .
وسوم: العدد 914