رسالة لسائح تركي يصف فيها القدس الشريف سنة 1670 م
رسالة لسائح تركي يصف فيها القدس الشريف سنة 1670 م، وهي محفوظة كوثيقة في المتحف الفلسطيني (روكفلر) .
يقول فيها السائح التركي ( أوليا جلبي ) ما يلي :
" القدس بلد عظيمة ، كائنة على هضبة مرتفعة ، هواؤها عليل ، وماؤها عذب ، وسكانها نضار الوجوه ، إنها مهوى أفئدة الكثيرين من الناس ، لا من حيث قدسيتها فحسب ، بل لإقتصادياتها ووفرة حاصلاتها ايضا .تمتاز بمأكولاتها ومشروباتها ، من حيث اللون والطعم ، وصابونها الممسك ، وعطرها وبخورها ، ومباخرها النحاسية ، ومحاجرها ، وجبالها المليئة بأشجار الزيتون ، وأراضيها المغطاة بالكروم والبساتين .
فيها ثلاثة وأربعون الف كرم ، وألفا وخمس مئة منطرة قائمة في وسط الكروم ، ( هنا يقصد الاستراحات ) .
وان الاراضي القائمة بين باب الخليل والبقعة خالية من الدور والمنازل ، ومليئة بالكروم والبساتين ، وانه ما من احد من سكان القدس الا ويعيش في كرم من هذه الكروم ، شهرين او ثلاثة اشهر ، والبقعة من هذه الناحية تشبه ( باغستان ) وفيها الكثير من العلماء والاعيان والاشراف والفضلاء والرجال الذين ينتمون الى الطريقة المولوية ، ويتقاضى الواحد منهم خمسماية ( آقجة ) .. مسكوكة عثمانية .
وفيها عددا كبيرا من التجار ، وارباب الحرف ، وهؤلاء يعملون بالقول المأثور .. الكاسب حبيب الله .
وقد أعلمني جاويش زادة محمد باشا ان سكان المدينة حين عدّهم وجدهم 46000 نسمة .
ينتسبون الى مختلف الامم والطوائف ، بيد ان اكثرهم من المسلمين ، بينهم عدد من اهل الوظائف في الحرم (هنا يقصد حرم المسجد الأقصى المبارك ) ، لا يقلون عن الألف ، ويتناولون راتبهم من الذهب الذي يأتي به ( أمين الصرة ) .من الاستانة في كل سنة .
أغنياؤهم يلبسون السمور ، والقنباز المصنوع من الجوخ الممتاز ، والثياب المنسوجة من الصوف المعروف بالجلالي ، وفقراؤهم يلبسون العباءة من النوع المعروف ب ( الاجه عبا ) . والقنباز المصنوع من الجوخ العادي ، والثياب المصنوعة من الصوف الابيض ، ونساؤهم متأدبات ، يلبسن على رؤوسهن طاقيات مصنوعة من الذهب او الفضة ، ويلتففن بالملايات البيض ، ويحتذين الاحذية المقفولة المعروفة بالجزم .
وفي القدس ستة حمامات ، هي حمام ستنا مريم ، وحمام السلطان ، وحمام الشفا ، وحمام العين ، وحمام حمزة ، وحمام البطرك ، وهذا الاخير في الغالب للنصارى ، وفيها ثمانية عشر سبيلا ، يشرب منها المار والعطشان ، يهطل الثلج على جبالها ، وفيها صهاريج كثيرة ، وفيها كنيستان للأرمن ، وثلاث كنائس للروم ، وكنيسان لليهود ، وفيها مئتان واربعون محرابا ( مصلى ) للمسلمين ، وسبع دور للحديث ، وعشر دور للقرآن ، واربعون مدرسة للبنين ، وتكايا لسبعين طريقة منها . الكيلانية والبدوية والسعدية والرفاعية والمولوية . واكثرهم ذوق واهل طرق ودراويش متصوفون .
وفي القدس ايضا الفان وخمسة واربعون دكانا ، كلها مبنية بالحجارة والعقود المقنطرة ، وفيها ستة خانات عظيمة واسواق كثيرة ، منها سوق السلطان وهو اشهرها والمسؤول عن ادارة السوق هو المحتسب ويلقب بالآغا . ومن واجباته ان يحفظ سجلا يدون فيه اسماء التجار واصحاب الدكاكين ، وللسوق خان تحفظ فيه جميع البضائع والامتعة القيمة .
ومن اسواق القدس السوق الطويل تباع فيه الصحون والفناجين وآلات الطهي ، وادوات المنزل ، وسوق الحلاجين يعمل فيه الحلاجون والندافون وتجار القطن . وسوق الغلال تعرض فيه جميع انواع الحبوب والغلة ، وسوق الحرير والسوق القريب من باب السلسلة وسوق البزازين ولهذا السوق باب من حديد .
وفي القدس عدد غير قليل من الصياغ وتجار الحلى والمجوهرات . وليس على وجه البسيطة نوع من انواع الصيغة الا وفي القدس مثلها .
وجميع هذه الاسواق مسقوفة بالعقود المقنطرة ومرصوفة بالبلاط النقي .
والطريق الكائنة بين سوق الغلال وكنيسة القيامة والمسجد العمري مرصوفة بالبلاط الروماني من الحجم الكبير... ". انتهى كلامه
هذا الوصف للقدس الشريف قبل أن يكون على الخارطة شيء وهميّ اسمه (إسرائيل) بنحو ٣٥٠ سنة، وسوف تعود القدس كما كانت بإذن الله، مدينة إسلام وسلام وأمن وعلم وبركة وحضارة، رغم أنف الصهاينة المجرمين الخائبين الخاسرين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وسوم: العدد 962