ندوة بـ"الألسن" توصي بدعم مكتبات الجامعات الأجنبية بالمؤلفات العربية
ندوة بـ"الألسن"
توصي بدعم مكتبات الجامعات الأجنبية
بالمؤلفات العربية
عبد الرحمن هاشم
استعرض خبراء وأكاديميون وأدباء إشكاليات الترجمة من اللغات الأجنبية وإليها، في ندوة أقيمت بكلية الألسن جامعة عين شمس بالقاهرة، ضمن احتفالية "مهرجان القاهرة الأدبي"، الذي أقيم تحت عنوان "مزج الثقافات وتواصل الأجيال".
وفي افتتاح الندوة، أشار المشاركون إلى أن ترجمة الآداب الأجنبية إلى العربية تفرض نفسها حاليا.
ولفتوا إلى إحصائية مهينة صدرت عن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة عام 1992 أكدت أن اليونان تترجم أكثر من البلاد العربية مجتمعة.
وقالت وكيلة كلية الألسن لخدمة المجتمع وتنمية البيئة د. ليلى جلال رزق: انفتحنا على المؤسسات الحكومية والخاصة ووقعنا بروتوكولات للتعاون وشجعنا الطلاب على الالتحاق بالدورات وورش العمل تحت إشراف أساتذة كجزء من تأهيلهم وفي هذا المهرجان (مهرجان القاهرة الأدبي) أشركنا الطلاب في مرافقة الضيوف والترجمة الفورية لهم.
وقالت رئيس سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب د. سهير المصادفة: لست راضية عن وضع الترجمة في البلدان العربية كماً وكيفاً فالفائقين من المترجمين يتجهون للسياحة والترجمة الفورية والشركات الأجنبية من أجل الربح الوفير ويتركون الصناعة الثقيلة وهي ترجمة الفكر والأدب والعلوم ونحن إذا استمر هذا الحال فستحل بنا كارثة.
وأضافت: أنحاز لترجمة الأدب مع اعترافي بأهمية بقية العلوم لأن الأدب تحديداً هو الذي يستطيع المزج بين الشعوب وتقريب الثقافات.
وأكد رئيس المركز القومي للترجمة د. أنور مغيث أن ترجمة الآداب الأجنبية إلى العربية تفرض نفسها رغم أنف الجميع وهي الترجمة التي لا يريدها أحد ومع ذلك تفرض نفسها.
"الجدير بالترجمة هو الأدب.. ورفاعة الطهطاوي حين أنشأ مدرسة الألسن لم يكن مهتماً بترجمة الأدب.. لم يترجم سوى رواية واحدة.. بعد ذلك بدأ فيض ترجمة الروايات".
وحتى سنة 1901 كانت كل الكتب التي ترجمت في مصر 120 كتاب (منها 76 رواية).
وأضاف مغيث: من هنا فرض الأدب نفسه.. ترجمنا هذه الروايات الأدبية وقلدناها وبرعنا في كتابة الأدب حتى وصلنا إلى جائزة نوبل في الآداب وخرج من بيننا أدباء كبار ترجمت أعمالهم إلى اللغات الأجنبية. فنحن ندين بالفضل إلى ترجمة الآداب الأجنبية. وهذا لا يلغي أهمية الترجمة في بقية مجالات المعرفة.
وأعظم ترجمة هي التي تأتي من مترجم وقع في غرام نص أجنبي وكما قال الشاعر أحمد رامي "تعلمت الفارسية لكي أترجم رباعيات الخيام".
وبالنسبة لوضع الترجمة في العالم العربي فقد صدرت عام 1992 مجموعة من الإحصائيات المهينة الصادرة عن منظمة اليونسكو بالأمم المتحدة تؤكد أن اليونان مثلاً تترجم أكثر من البلاد العربية مجتمعة.
وفي مصر بعد مشروع ترجمة الألف كتاب في الستينيات وصلنا إلى أن أصبحنا ضحية الثقافة المحافظة ومشكلة الحفاظ على الهوية وأصبح ينظر إلى الترجمة على رأي المثل "الباب الذي يأتيك منه الريح سده واسترح" فنظرنا إلى الترجمة على أنها الدخيل إلى ثقافتنا.. هذه الفكرة أثرت فعلاً في معدلات الترجمة حتى وصلت في العام 1992 إلى 19 كتاب مترجم على مستوى جميع دور النشر الأمر الذي استدعى إنشاء المشروع القومي للترجمة والذي تحول إلى المركز القومي للترجمة ونفذه الدكتور جابر عصفور وقتها.
وأشار رئيس المركز القومي للترجمة إلى أن المركز أنتج منذ إنشائه وحتى الآن قرابة 2700 كتاب إضافة إلى إنتاج سلسلة الجوائز بهيئة الكتاب ومشروع المئة كتاب بهيئة قصور الثقافة.
لكن بالمقارنة بالأمم الأخرى فألمانيا على سبيل المثال تنتج كتاب لكل 500 مواطن ونحن ننتج كتاب لكل 300 ألف مواطن.
وطالب مغيث بتنويع مصادر الترجمة وعدم الاقتصار على الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والروسية فمن الأهمية بمكان الالتفات إلى اللغات الهندية والصينية والكورية واليابانية والفارسية.
ولفت إلى ضرورة إعداد المترجم المتخصص "لأننا في حاجة مثلاً إلى كتاب في الفيزياء وثان في القانون وثالث في الفلسفة ورابع في الحرب الكيماوية وهكذا.. بجميع اللغات".
وفي مداخلتها تساءلت عميدة كلية الألسن د. ناهد عبد الحميد: لدينا من بحوث التخرج وبحوث الترقية للأساتذة الكثير والكثير.. فقط نحتاج إلى من يطبعها.. فلماذا لا تدخل في بند جائزة الشباب؟
أين الترجمة من العربية إلى الأجنبية؟ لدينا في الكلية 16 لغة لو تم ترجمة كتب جمال حمدان مثلاً إلى اللغات الرئيسية لأنجزنا إنجازا قومياً ينتظره العالم منا.
ورد مغيث: التجارب التي تمت كشفت أنه لا جدوى من اختيار الكتاب وترجمته وطبعه ما لم يكن هناك من يوزعه.
"لا يوجد قارىء في مصر يشتريه.. فيكون مصيره إلى المخازن لأنه ليس له توزيع في مصر..".
وقالت د. سهير المصادفة: نحل هذه المشكلة بالعلاقات الدبلوماسية مع الناشرين الأجانب ليس على المستوى الرسمي فحسب ولكن على المستوى الشخصي بين المترجم ودار النشر الأجنبية.
"ينبغي أن نضحي من أجل تصدير الفكر العربي كما كانت روسيا تفعل في الستينيات فكانت تترجم آدابها إلى العربية وتوزعها بالملاليم".
وفي مداخلته قال د. عاصم عز الدين العماري قسم اللغة الألمانية: الترجمة عملية مؤسسية ليست فردية فهي تقوم على أضلع ثلاثة: المترجم ـ الكتاب ـ دار النشر.
وطالب العماري ألا يكون هدفنا الإنتاج بقدر ما يكون القراءة لهذا الإنتاج وبخاصة في الغرب.. "لدينا بضاعة جيدة لكن ليس لدينا مسوق جيد".
ورد رئيس المركز القومي للترجمة د. أنور مغيث: ضروري الاهتمام بالأضلاع الثلاثة لكن فكرة التخطيط والتنسيق بين المركز القومي للترجمة وهيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة هي قائمة بالفعل وبخاصة أنها تتبع وزارة واحدة هي وزارة الثقافة لكن لا أحد يسأل عن دور وزارة الخارجية والملحقين الثقافيين بسفاراتنا في الخارج.
وأضاف: "مكتبي لا يخلو من هؤلاء الملحقين الأجانب يعرضون أن يعرفوا القارىء العربي بإنتاج دولهم الأدبي والفكري ويعرضون المساهمة في طباعة هذه الأعمال.. هل يوجد ملحق مصري فعل هذا؟
بهذا ننجز مشروع تصدير الفكر العربي للخارج وأتمنى تكامل الأدوار بيننا وبين الخارجية في هذا المجال".
وفي مداخلتها قالت د. نادية جمال الدين العميدة السابقة لكلية الألسن: توجد أقسام للغة العربية في معظم الجامعات الغربية حالياً فلماذا لا ندعم مكتبات هذه الجامعات بالكتب المترجمة من العربية؟ وهنا لا ينبغي البحث عن الربح لأن الثقافة هي "قوتنا الناعمة" التي لها ما بعدها.
وبالنسبة للنشر في الخارج لابد أن نكون على يقين أن الناشر الأجنبي لا يهمه المضمون الفكري بقدر ما يهمه الربح المادي لهذا فهو يبحث عن الشاذ من الأفكار لترجمتها إلى لغته ووفقاً لأجندته هو وليس أجندتنا نحن.
وبالنسبة لتحريك أمر الترجمة ينبغي ترجمة المقالات الفكرية وعدم الاقتصار على الكتب وإعادة إصدار مجلة المركز القومي للترجمة؟ لماذا توقفت؟ ففيها يمكن نشر ترجمة هذه المقالات كما يمكن نشر أحدث القصص القصيرة وعمل ملخصات للكتب.
وقالت د. علا عادل الأستاذة بقسم اللغة الفرنسية في مداخلتها: عندي مقترح بالنشر المشترك بين الهيئات والمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ودور النشر الخاصة وأيضاً عمل دليل سنوي بملخصات ما نشر وإهدائه إلى دور النشر الأجنبية ـ كل بلغته ـ أو ترجمة فصل من كل كتاب، حتى يستطيع الناشر أن يختار ما يناسبه وبهذا نساعد في حل مشكلة التوزيع بالخارج ونحن على استعداد بالمساهمة بدور الترجمة.
وردت رئيسة سلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب د. سهير المصادفة:
لدينا مشروع "كتابنا" وهو ما ألمحت إليه د. علا عادل وستنفذه الهيئة المصرية العامة للكتاب وهو عبارة عن كتالوج ضخم لأحدث الكتب الصادرة ومترجم لأربع لغات يقدم الفكر العربي للقارىء الأجنبي بشكل عام وعلى القارىء الأجنبي أن يختار ما يناسبه.
وفي تعليقه على ما أثير في الندوة قال الشاعر محمد علي عبد العال رئيس رابطة الأدب الحديث بالقاهرة: بالنسبة لعنوان الندوة وهو "ترجمة الآداب العالمية إلى اللغة العربية" فمن المفيد القول إن الترجمة الشعرية لم تأخذ حقها في الندوة ذلك أن من أصعب المغامرات الكتابية التي يمكن أن تعترض الكاتب هي ترجمة الشعر وهذا لاختلاف عبقريات الألسن وامتياز كل لغة عن الأخرى بخصائص وبصمات بها وحدها تكتسب خصوصيتها وتفردها ولهذا قال الشاعر الأمريكي "روبرت فروست": "الشعر هو ذلك الشيء الذي يضيع في الترجمة".
أضف إلى ذلك أن الشعر العالمي المترجم قد جنى على شعرنا العربي في التنكر لسمتيه البارزتين: الخطابية والموسيقى المتجلية في عنصري الوزن والقافية.
ولا يكاد يخلو بيت شعري مترجم من مأخذ أو أكثر، نلاحظه عليه، إما أن يكون هذا المأخذ من قصور في أدوات المترجم نفسه، وإما من صعوبة الفعل الترجمي في حد ذاته.