فأر المدينة وفأر الريف
زار فأر مدينة يوما قريبا له يعيش في الريف ، فقدم له في الغداء سيقان قمح وجذورا نباتية وجوز سنديان مع صحن ماء بارد للشرب . فأكل فأر المدينة قليلا جدا مما قدم إليه . قضمة من هذا وقضمة من هذا موضحا بذلك أنه يأكل مجاملة وتأدبا لا رغبة في الشبع أو حبا في الطعام . وطال الحديث بعد الأكل بين القريبين الصديقين ، والأصح القول إن فأر المدينة تحدث طويلا عن حياته فيها وإن فأر الريف اكتفى بالإصغاء إليه . بعد ذلك قصد الاثنان جحرا مريحا في كنف سياج شجيرات وناما نوما هانئا مطمئنا حتى مطلع الفجر. وحلم فأر الريف أنه صار فأر مدينة يستمتع بكل ما في حياتها من المناعم والملاذ التي وصفها قريبه . ومن ثم وافق محبورا على الذهاب إلى المدينة حين دعاه قريبه في اليوم التالي لذلك . وحين وصلا البيت الذي يعيش فيه فأر المدينة ألفيا على مائدة غرفة الطعام بقايا وليمة فاخرة : حلوى وهلام وفطائر محلاة وجبنة لذيذة . ألذ مأكولات قد يتخيلها فأر .وما هم فأر الريف بخضم (بالخاء ) قطعة من حلوى الفطائر حتى سمع مواء عاليا لقط واحتكاك أظفار بباب الغرفة ، فأسرع مع قريبه إلى مخبأ يتملكهما رعب هائل عنيف ، لبثا فيه ساكنين وقتا طويلا يتنفسان بمشقة . وحين غامرا في النهاية بالعودة إلى الطعام انفتح الباب فجأة ، ودخل الخدم لينظفوا المائدة من بقايا الطعام ، ودخل وراءهم كلب الأسرة . وفي النهاية أخذ فأر الريف حقيبته ومظلته وقال لقريبه وهو يبتعد مسرعا : لديك مناعم وحلوى ليست لدي إلا أنني أوثر طعامي الصرف وحياتي البسيطة في الريف مع الأمان والاطمئنان .
*العبرة : فقر مع أمان خير من غنى مع خوف وقلق .