الثورة... والراهبات
الثورة... والراهبات
مسرحية من مشهدين
عبد الرحيم عبد الرحمن منصور
المشهد الأول :
مجموعة من الشباب جالسون في غرفة يتجاذبون أطراف الحديث
يقرع جرس الباب
مروان : ينهض .. يتقدم نحو الباب.. من هناك؟
القادم : افتح أنا وليد
مروان : يفتح .. أهلا وسهلا .. تفضل
وليد: يدخل .. يفاجأ بوجود عامر وحسان .. السلام عليكم
عامر وحسان : وعليك االسلام ورحمة الله وبركاته .. تفضل
وليد : يمدّ يده مسلما على كليهما ويجلس
مروان ينظر إلى الثلاثة ويضحك ويقول : ( اكتمل النقل بالزعرور )
وليد : ماذا تقصد ؟
مروان : لا.. لا.. لا أقصد شيئا إنما هو مثل ورد إلى خاطري أهلا وسهلا بك في كل وقت
وليد: وكذلك أنا ورد إلى خاطري شيءوأنا قادم إليكم
حسان : وما هذا الخاطر ؟
عامر : اللهم اجعله خيرا
وليد :والله يا جماعة خطر ببالي أن أشكر الشباب المجاهدين المقاتلين في سورية على الإنتصارات التي أحرزوها ويحرزونها
عامر: متصنعا البلاهة إي .. وشكرتهم ؟
وليد: تذكرت أبيات كنت أحفظها
حسان : وما هي ؟
وليد يقف متصنعا هيئة الجد ويقول بلهجة خطابية :
يا فتية الشام شكرا لا انقضاء له === لو أن إحسانكم يجزيه شكران
ما فوق راحاتكم يوم السماح يد === ولا كأوطانكم في العز أوطان
مروان : الله.. الله.. بديع ,, جميل
عامر : والله يا شباب نخن مقصرون بحق أهلنا المجاهدين الصامدين وبحق بلدنا الغالي .. هذي بلاد الشام بلاد طاهرة
بلاد لها قدسية في النفوس والأرواح كيف تمكن منها هؤلاء القتلة الفجرة ؟
حسان : بنبرة غنائية ( يا حبيبي كل شيء بقضاء ) تقاعسنا تكاسلنا نمنا فلما استيقظنا استيقظنا على وهج الداهية
وليد : لاحول ولا قوة إلا بالله
مروان : انا لست منزعجا من شيء انزعاجي من ذلك الهتاف الخسيس الذي كان يهنف به المتظاهرون في الاحتفالات قبل الثورة
عامر : وما هو هذا الهتاف الخسيس سيدو
مروان : كنت أكاد أنفجر عندما أسمع الرعاع الذين يجمعهم النظام ويحشدهم ليهتفوا : ( بالروح بالدم نفديك يا ... )
بالروح بالدم !؟ ولماذا !؟ ومن يكون ذلك الحشرة الحقير ؟؟
حسان : المشكلة أنه صدّق هذا الكلام وعندما لزم الأمر راح يحصد الأرواح ويسفك الدماء
صدق الله العظيم ( .. استخف قومه فأطاعوه .. )
وليد : هؤلاء قومه .. أما نحن فيصدق فينا المثل القائل ( قالوا لفرعون : مين فرعنك ؟ قال : اتفرعنت او ما حدا ردني
عامر : إي والله اتفرعن هالنجس ونحن نيام
حسان : ولكن هذه الشام وبلاد الشام مهما مرّ عليها ومهما حصل لأهلها إنما في النهاية لاضيم ولا ذل ولا سكوت على الضيم ولا رضوخ للذل
مروان : ولسان حال الشباب ليس الشباب فقط بل الشيوخ والنساء والأطفال أيضا لسان حالهم يقول : بلهجة إنشادية :
بالروح نفدي بالروح نفدي ذا الوطن هذا الوطن حق له أن يفتدى بالدما والمهج
يقف الجميع وينشدون بصوت واحد وبنبرة غنائية:
دمت يا سورية ما دام الزمن +++ وطنا للمجد ومجدا للزمن
هبوا ولو هبوا ولو ذقنا الحمام هذا الوطن حق له هذا الوطن حق له
أن يفتدى بالدما والمهج
نسدل الستارة على وقع هذا النشيد
المشهد الثاني :
الجميع متحلقون حول التلفاز يستمعون إلى صوت المذيعة وهي تذم الراهبات راهبات معلولا وتصفهم بالخيانة وقلة الوفاء
عامر : ما قصة هؤلاء الراهبات يا جماعة ؟
حسان : ناقصنا خيانة وخائنين !!؟ أما يكفينا خيانة النظام وأزلامه ؟ راهبات خائنات !!؟ غير معقول !!
وليد: أنسيت يا حسان إلى من تستمع ؟ تستمع إلى الخونةأنفسهم وإلى صوت ولهاث الخائنين الحقيقيين ومتى كان النظام شريفا وأزلامه شرفاء ؟؟حتى ينعتوا غيرهم بالخيانة ؟
مروان : ( اللي بيتو من زجاج لا ينبغي أن يرجم الناس بالحجارة )
عامر : لحد الآن ما فهمت قصة هؤلاء الراهبات الخائنات !!
وليد : حرام عليك لا تقل خائنات
حسان : اليسوا هؤلاء الراهبات اللاتي خطفن من معلولا عند قصف النظام لها ودفاع الثوار المجاهدين عنها ؟
مروان : صح هؤلاء راهبات معلولا وفي الحقيقة لم يخطفوا رغم ما قيل عن خطفهم ‘نما أخذوا حماية لهن من أزلام
النظام ومرتزقته الذين لا يوفرون في إجرامهم أحدا كائنا من كان ولو راهبات منقطعات للعبادة في دير معلولا
عامر : ما المشكلة إذن وكيف يكن خائنات !؟
وليد : كان هذا الخطف المزعوم تظاهرة كبيرة عرّت النظام الدولي وفضحت دعاة الحرية والديموقراطية وحماة حقوق الإنسان
حسان : صح لقد قامت القيامة وانشغل العلم وقادته بقصة هؤلاء الراهبات وانبرى الجميع يطالبون بتحريرهن وإرجاعهن إلى الدير في معلولا حتى النظام وأجهزته كانوا أكثر المتغنين بهذا الحدث المتابكين على الراهبات
وليد : ليس هذا فحسب بل أمعنوا جميعا حتى مجلس الأمن ومنظماته الحقوقية أمعنوا في إغماض أعينهم عن معاناة الشعب السوري كله الذي تجري دماء أطفاله ونسائه وشيوخه أنهارا كل يوم ولا أحد يريد أن يسمع أو أن يرى
أما الراهبات يا لطيف ألطف
مروان : ( إلا أهلنا لا بواكي لهم ) ولكن لا بأس والراهبات هن أهلنا أيضا ونتمنى لهن كل خير وسلام أليسوا من شعبنا ؟ أليسوا من هذا الوطن وهذا التراب ؟ بل هن من الضاربات جذورهن في أعماق هذا الوطن الحبيب فلهن منا كل المحبة والتقدير
عامر : لا يختلف أثنان في ذلك ولا يتناطح عنزان ولكن المؤلم هي المعايير هي المقاييس هي الموازين التي يزن بها العالم المشبع بالحرية والديموقراطية --- يا حسرة --- قضايا شعبنا البائس
حسان : إلى الآن لم أفهم كيف صنف النظام المجرم هؤلاء الراهبات في خانة الخونة وما هي جريمتهن التي استحققن بها هذه القلادة النضرة
وليد : يا سيدي قام الثوار بعد النداءات والإحتجاجات وادعاءات النظام بمبادلة هؤلاء الراهبات بمجموعة من النساء والأطفال السوريين المختطفين في أقبية النظام وسجونه وهذا في الواقع حق تم الاتفاق وأطلق سراح الراهبات مقابل اطلاق مجموعة من النساء والأطفال الأبرياء
مروان : قد يسأل سائل إذن ما المشكلة ؟ (النقطة فين ) كما يقول حشاشوا بلدنا
عامر : صح النقطة فين يا فهوم ؟
مروان : النقطة في المفارقة العجيبة التي ظهرت ولطخت وجه النظام بكل رجس وخسة وعار وشنار
النقطة يا أحباب أن النساء المحررات اندفعوا إلى الثوار وهم يلهجون بلسان الشكر لله ثم للمجاهدين ويتحدثون عن الويلات والعذابات التي تعرضن لها اثناء الخطف وفي السجون والوحشية التي لا يعرفها تاريخ البشرية
حسان : هذا صحيح فإن وحشية النظام لا تقاس ولا تفارن وقد ظهرت للعيان على مدى السنوات الثلاث الماضية من عمر الثورة مع أن هذه المعاناة كانت من قبل الثورة بكثير
عامر : لكن هل لأن الراهبات كن السبب ( في نظر النظام ) في إطلاق سراح النساء المعتقلات ؟ هذا الذي جعلهن خائنات ناكرات للمعروف !! وقليلات الوفاء
مروان : ربما ... ربما ولكن النظام زعم أن الراهبات خنّ القيادة وتنكرن للقائد وأثنين على حسن معاملة المجاهدن وشكروهم أمام كمرات الإعلام فهذا ما أزعج النظام لأنه كان يريدهن أن يخنّ ضمائرهن وعقيدتهن ووطنهن وأهلهن
كان يريدهن أوفياء له فقط مسبحات بحمده لا غير !! إلا أنهن خيبن ظنه
حسان : كذلك فقد وجهن التحية والشكر للثوار على حسن المعاملة بينما النساء المحررات اللائي كن في سجون النظام
أعلن عن سخطهن ولعنتهن لهذا النظام الخسيس
عامر : الآن وضحت الصورة وعرفنا لماذا وصف النظام هؤلاء الراهبات بالخيانة
مروان : بل هي قمة الشجاعة والوفاء للوطن وأهله وهوائه وترابه ومائه ولكن الحاقدين لا يفقهون
حسان : تحية عرفان وامتنان لراهبات معلولا تحية شكر وعرفان لأهل معلولا أجمعين تحية شكر وعرفان لأهلنا الصامدين في سورية والرحمة لأرواح شهدائنا الأبرار والخزي والعار لهذا النظام المجرم وأزلامه ومؤيديه
يقف الجميع وينشدون بصوت واحد :
دمت يا سورية ما دام الزمن ===وطنا للمجد ومجدا للزمن
هبوا ولو هبوا ولو ذقنا الحمام === بالروح نفدي بالروح نفدي ذا الوطن
هذا الوطن حق له هذا الوطن حق له === أن يفتدى بالدما والمهج
تسل الستارة وتخفت الأضواء