زوجة بـ.... تفاحة
مسرحية من مشهدين
عبد الرحيم عبد الرحمن منصور
المكان بيت في البصرة
الزمان : القرن الهجري الثاني
الأشخاص : صاحب البيت عمران .. الشاب عثمان
ترفع الستارة إضاءة خافتة
منظر بيت فيه أثاث مناسب
يقرع الباب بطرقات خفيفة ينهض عمران صاحب البيت ليفتح للطارق
عمران من الطارق ؟ من بالباب ؟
عثمان : أنا يا سيدي زائر في حاجة إليك
عمران : زائر وفي حاجة إلي ؟ ما عساها تكون هذه الحاجة ؟ يفتح الباب
عثمان : السلا م عليكم ورحمة الله وبركاته ,انت السيد عمران ؟
عمران : نعم أنا عمران
عثمان : صاحب البستان في ضواحي بغداد ؟
عمران : نعم إن لي بستانا في ضواحي بغداد
عثمان : وحارسه جابر ؟
عمران : نعم وحارسه جابر ما الخبر ايها السيد ؟ تفضل أدخل
عثمان : الحمد لله وأخيرا اهتديت إليك يدخل
عمران : ما شأنك يا رجل شغلت بالي ؟ هل حدث شيء لجابر ؟ هل حدث شيء للبستان ؟
عثمان : لا.. لا .. اطمئن كل شيء بخير وجابر هو الذي دلني عليك
عمران : جابر هو الذي دلك علي أهلا وسهلا ومرحبا اجلس استرح
عثمان : يا سيدي راحتي في إجابتي إلى طلبي
عمران : أبشر إذا كان طلبك في مقدوري
عثمان : يا سيدي سوف أحكي لك حكايتي
عمران : تفضل .. تفضل ولا إحراج
عثمان : أنا شاب من بغداد _ ادام الله عزها _ تزاحمت علي الهموم فخرجت إلى الضاحية أسري عن نفسي بين الأشجار والنخيل لعلي أجد بعض الراحة والسلوى
عمران : نعم ما فعلت فهناك ما ينعش الفؤاد ويريح النفس
عثمان : كنت أتمشى في درب بجانب ساقية على طرف بستان
عمران : جميل نعم أكمل
عثمان : وأنا أسير وقع نظري في الساقية على تفاحة طافية على وجه الماء
عمران : هذا يحدث كثيرا فالشجر قريب من الساقية
عثمان : مددت يدي والتقطتها جففتها ثم قضمت منها قضمة وبعد أن ابتلعتها تذكرت : كيف لي أن آكل من هذه التفاحة وليست لي بحق ولربما لا يسامحني صاحبها فأكون قد أدخلت الحرام إلى جوفي
عمران : ( وقد بدا عليه الاهتمام بالرجل ) شعور نبيل وإحساس مرهف وماذا فعلت بعد ذلك "
عثمان : قلت في نفسي : لقد نبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ( كل جسم نبت من سحت _ حرام _ فالنار أولى به )
عمران : ( وقد ازداد اهتمامه بالرجل ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقت
عثمان : فحاولت أن أخرج ما في جوفي بكل وسيلة فما استطعت
عمران : يزداد دهشة وتعجبا من حديث هذا الشاب وينسى نفسه ويقول له بلهفة أكمل .. اكمل ماذا فعلت بعد ذلك ؟
عثمان : قلت في نفسي أذهب إلى صاحب البستان وأخبره بخبري واستسمحه عسى أن يسامحني
عمران : وهل سامحك ؟
عثمان : اصبر قليلا يا سيدي دخلت البستان وجدت رجلا سألته : لمن هذا البستان ؟ قال : لسيدي عمران وأنت من ؟ قال : أنا الحارس جابر قلت له : يا جابر قصتي كذا وكذا فما قولك ؟
قال لي جابر : يا سيدي اعذرني أنا لا أستطيع أن أسامحك فأنا لست المالك لست صاحب البستان
عمران : لقد صدق ليس هو المالك
عثمان : فسألته عن صاحب البستان فقال لي : صاحب البستان سيدي عمران
أين أجده يا جابر ؟ فقال : سيدي عمران مقيم في البصرة في مكان كذا وكذا فقلت : لاحول ولاقوة إلا بالله لا بد لي من مكابدة مشقة السفر إلى البصرة والبحث عن صاحب البستان في المكان الذي ذكر لي جابر وها أنا ذا بين يديك فلا تردني يا سيدي خائبا
عمران : يتفكر في هذه القصة ويتأمل هذا الشخص الذي أمامه ويبيت أمرا في نفسه
(أمن أجل قضمة من تفاحة التقطها من على سطح ماء الساقية يفعل كل هذا ويتحمل مشاق السفر وذل الطريق إنه لشحص لقطة علي أن لا أفرط بهذا الرجل أبدا
عثمان : هاه ماذا قلت يا سيدي
عمران : عن ماذا ؟
عثمان : ألا تسامحني يا سيدي ؟
عمران : انظر يا ولدي يا عثمان لو أنك دخلت البستان وطلبت من جابر تفاحة لأهداك حمل تفاح أما أن تأخذ تفاحة دون علمه فهذا أمر آخر
عثمان : الله يعلم يا سيدي أني ما قصدت الاختلاس ولا السرقة ولكن الأمور جرت كما رويت لك وما أن انتبهت حتى سارعت أبحث عن مخرج وأنا أطمع في كرمك ومسامحتك
عمران : وهو يتصنع التعنت يا بني لو أن كل مار في الطريق التقط تفاحة من تفاح البستان لفني الموسم وذهب التفاح
عثمان يتلوى بين يدي عمران : والله يا سيدي لم أقصد .. وأنا مستعد للتعويض بما تشاء فقط سامحني أرجوك
عمران : لا... لا... لقد أكلت من التفاحة دون إذن صاحبها لا يمكن (ثم أدار وجهه عن عثمان وأخذ يلحظ رد فعله
عثمان : يا سيدي لقد تحملت مشاق السفر من بغداد إلى البصرة وأنا أمني النفس بكرمك وجودك ومسامحتك لي افتردني خائبا ؟
عمران وقد تأكد أن خطته في طريق النجاح فبدأ عرضه وقال : اسمع يا عثمان اسامحك بشرط واحد
عثمان بلهفة : ما هو يا سيدي اشرط ما تشاء أنا رهن إشارتك
عمران : عندي ابنة وحيدة توفيت عنها أمها وتركتها لي أرعاها
عثمان : حفظها الله لك وبارك فيها وصانها
عمران : فإذا وافقت على الزواج بها سامحتك ماذا تقول ؟
عثمان : شرف لي أن أصاهرك يا سيدي ولكن ..
عمران : هي بنت مسكينة عمياء .. صماء... بكماء... كسيحة
طرقات طبلة قوية تدل على الدهشة والمفاجأة
عثمان : عمياء .. صماء ... بكماء ... كسيحة و.. واتزوجها ؟ كيف ؟ وماذا أفعل بها ؟
هل تقول حقا يا سيدي ؟
عمران : هذا شرطي ... فانظر في أمرك وعلى مهلك
الطرقات القوية تعود تبدأ الإضاءة تخف تدريجيا تسدل الستارة
المشهد الثاني
ترفع الستارة الإضاءة خافتة ثم تعلو رويدا رويدا مع موسيقا ناعمة
عثمان يزرع الغرفة جيئة وذهابا ويشير بيديه ويكلم نفسه وعمران جالس يراقبه باهتمام بالغ
لقد تأكد عثمان أن عمران جاد في عرضه مصر على شرطهفيجدث نفسه ويقول : لو أني تزوجتها .. يفكر صماء .. بكماء ... عمياء... وكسيحة أيضا !!!! لا..لا .. وكيف أعيش معها ! ؟ ثم يقول :
لو أني تزوجتها وقمت على رعايتها وخدمتها حسبة لله تعالى أطلب بها الأجر والثواب من الله تعالى والله إني لأظن أنها تجارة رابحة لم لا سأوافق ... سأفعل
عمران يخاطبه : إلى أين وصلت يا عثمان هل اقتنعت ؟ هل أنت موافق ؟
عثمان : يقول بثقة : نعم موافق
صوت موسيقا يدل على المفاجأة والفرحة
عمران : يقف فجأة ويتهلل وجهه ويأخد عثمان بحضنه وهو يقول : الحمد لله الحمد لله لقد أرحت فؤادي يا بني اجلس ... اجلس سوف أذهب لأحضر مأذون الحي والشهود
عثمان : يجلس وهو لا يزال يفكر (نعم سأتاجر بها مع الرحمن وفي سبيل الله والله لن يحرمني الأجر والثواب حاشا لله حاشاه
عمران يعود ومعه المأذون ورجلان للشهادة على العقد
عمران : هذا هو العريس يا سيدي واسمه عثمان
يتم المأذون مراسم العقد ويبارك للجميع
عمران : مبروك يا ولدي مبروك ولكن لا بد أن نعّد لك عروسك وانت أيضا أعّد نفسك وأصلح من شأنك
عثمان: هو سعيد ! ولم لا ؟ من حقه أن يبحث لهذه البنت عمن يرعاها فهو لن يدوم لها ولكن ماذا يعدّ بها ؟ ما هي إلا كتلة من اللحم !! ويقول لي : أصلح من شأنك !! على ماذا !؟
تخفف الإضاءة قليلا صوت موسيقا يدل على الفرح والاحتفال بينما تنسدل الستارة بهدوء ثم ترفع أيضا بهدوء يضاء المكان يظهر عمران ممسك بذراع عثمان يسحبه إلى غرفة عروسه
عثمان : يقول بصوت خافت وحزين : أين أنت يا أمي آه يا أمي
عمران : تفضل يا بني سم الله وادخل برجلك اليمين هيا هيا مبروك
عثمان : يدخل وهو يحدث نفسه : هل أسلم هل القي االسلام وما نفع ذلك ؟؟ ولكن لا بأس أسلم على ملائكة الرحمن يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فجأة يتسمّر في مكانه يرفع كلتا يديه ويفغر فاه ثم يولي هاربا إلى الخارج وهو ينادي : عمران سيدي عمران أين أنت يا سيدي ...
عمران : يخرج وهو يضحك ما بك يا بني لم أنت مذعور !؟
عثمان : إن في الأمر خطأ يا سيدي خطأ .. خطأ ....
عمران : أين الخطأ يا عثمان ؟
عثمان : الفتاة التي في الداخل ....
عمران : مابها !
عثمان : إنها ليست الفتاة التي ذكرت لي إنها شابة معافاة وجميلة !!!
عمران : يضحك .. إنها هي .. هي لا بأس اذهب إليها وفي الصباح رباح
عثمان يعود إلى الغرفة متو جسا وعمران يستحثه للدخول تستقبله عروسه بالابتسام وتمشي نحوه وتسلم عليه وهو في ذهول تام يا الله يا للجمال يا للروعة يا للأدب هل هذه هي الفتاة التي حدثني عنها !؟ حدثته ما أجمل حديثها تبارك الرحمن تبارك الرحمن
في الصباح طاولة خشبية عليها ما لذّ وطاب من أنواع الطعام وقد جلس العروسان ومعهما عمران للفطور
عمران : ما زلت يا بني يا عمران أصّر على أن ابنتي هذه وقد غدت زوجة لك هي كما ذكرت لك عمياء .. بكماء... وصماء ... وكسيحة
عثمان : ينظر اليه بكثير من الدهشة ..
عمران : يتابع حديثه : هي عمياء عن كل ما ليس من شأنها أو لا يرضي ربها
هي صماء عن سماع كل منكر من القول
هي بكماء عن كل حرف أو كلمة فيها سخط الله
وهي كسيحة لاتمشي ولا تخطو إلا في رضا الله
عثمان : الآن وضح اللبس وبان الأمر وظهرمقدارمعروفك معي يا سيدي وتكرمك علي جعلني الله ممن يكافأ معروفك ويحفظ منتك وفضلك وله الحمد والفضل والمنة من قبل ومن بعد
تسدل الستارة صوت : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لم يحتسب .