سيد الشهداء
د. حمادة إبراهيم - مصر
المشهد الأول:
(ابو الحكم بن هشام – عامر مولاه في جوار الكعبة)
أبو الحكم: (مشيراً إلى جوار الكعبة حيث يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنت! يا هذا! أيها الجالس هناك بجوار الكعبة (إلى عامر) يا عامر!.. يا عامر!..
عامر: نعم يا مولاي!
أبو الحكم: أليس هذا الجالس هناك هو محمد بن عبد الله؟
عامر: بلى يا مولاي، هو بعينه.
أبو الحكم: إذاً، فلم لا يجيب؟ أنا أخاطبه. أخبره يا عامر من أنا.
عامر: يا محمد هذا مولاي أبو الحكم بن هشام..
أبو الحكم: ماذا قال يا عامر؟
عامر: لم يقل شيئاً يا مولادي.
أبو الحكم: أخبره إذاً أنني أخاطبه فلماذا لا يجيبني؟
عامر: يا محمد، مولاي أبو الحكم يخاطبك فلماذا لا تجيبه؟
أبو الحكم: ماذا؟ ماذا يقول يا عامر؟
عامر: مولاي هو يدعوك للجلوس.
أبو الحكم: كلا، كلا يا عامر. أنا لا أجلس معه حتى لا يسحرني كما سحر غيري.. يدعوني للجلوس معه ثم يقرأ علي من كتابه ما يفقدني حولي وقوتي ويجعلني أنقاد له وأذعن لمشيئته.. ماذا؟ ماذا يقول؟
عامر: يقول يا مولاي، إذا شئت جاءك هو بنفسه وجلس معك.
أبو الحكم: لا، لا، لا يقترب مني يا عامر هذا ساحر كذاب.. ماذا؟ ماذا يقول؟
عامر: يقول يا مولاي: ولكن كيف يعرض عليك ما عنده وأنت...
أبو الحكم: يا عامر، أنا لا أريد منه أن يعرض علي بضاعته الفاسدة، ولكنني أنصحه أن يقلع من دعوته التي يسفّه بها ديننا ودين آبائنا وإلا منعناه بالقوة.. ماذا؟ ماذا يقول يا عامر؟
عامر: يقول يا مولاي.. يقول..
أبو الحكم: ماذا يقول؟ هل يسب آلهتنا؟
عامر: يا مولاي، يقول: إن آباءكم كانوا يعبون أصناماً لا تنفع ولا تضر.
أبو الحكم: آه! هذا ما يردده في كل مجلس وفي كل مناسبة، فواللات والعزى إن لم يرجع عن دعواه هذه لأغرين به قريشاً فتخرجه من مكة صاغراً ذليلاً.. ماذا؟ ماذا يقول...؟
عامر: لا يقول شيئاً يا مولاي..
أبو الحكم: لكنه يتكلم يا عامر، وهو يقول كلاماً..
عامر: يا مولاي هو يقول: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) (الأعراف: 89).
أبو الحكم: آه. أرأيت؟ لقد بدأ يمارس طقوسه السحرية يا عامر، فلنبتعد عن هذا المكان حتى لا يصيبنا بسحره الذي يفرق به بين المرء وزوجه، وبين الوالد وولده.. ماذا يفعل؟ ماذا يفعل يا عامر؟
عامر: إنه يا مولاي يرفع يديه، ولعله يدعو ربه.
أبو الحكم: آه.. أرأيت؟ لقد بدأ يمارس طقوسه السحرية.. انظر يا عامر إنه يقبل نحونا.. هيا بنا..
(أبو الحكم وعامر يبتعدان. أبو الحكم يخاطب محمداً مباشرة، وهو مستمر في الابتعاد عن المكان).
أبو الحكم: يا هذا، الزم مكانك.. قف حيث أنت.. أنا لا أخافك، ولكنني أتقي شر سحرك، أيها الساحر.. أيها الصابئ.. قف وإلا حطمت رأسك.. ماذا؟ ماذا يقول يا عامر؟... لا تقترب مني.. واللات والعزى لأجعلنك آية وعبرة.. ابتعد.. ابتعد.. هيا يا عامر.. هيا بنا..
(يستمران في الانسحاب حيث يختفيان .. لا يزال صوت أبي الحكم يتردد بعد اختفائه) ابتعد.. ابتعد عني.. ابتعد عني..
المشهد الثاني
فاطمة: يا أبا عمارة.. يا أبا عمارة!
حمزة: خيراً يا فاطمة.
فاطمة: ومن أين يأتي الخير يا أبا عمارة؟ آه يا أبا عمارة!
حمزة: تكلمي يا فاطمة ماذا وراءك؟
فاطمة: آه لو رأيت يا أبا عمارة.. لو رأيت ما لقي ابن أخيك.
حمزة: من؟
فاطمة: محمد بن عبد الله.
حمزة: هل وقع له مكروه؟
فاطمة: أبو الحكم بن هشام.
حمزة: يا فاطمة عمن تتحدثين؟ عن محمد أم عن أبي الحكم؟
فاطمة: كلاهما، كلاهما يا أبا عمارة.
حمزة: اهدئي يا فاطمة، وتحدثي بوضوح.
فاطمة: أبو الحكم بن هشام وجد ابن أخيك محمداً في جوار الكعبة، فآذاه.
حمزة: آذاه؟
فاطمة: أجل، أسمعه ما يكره..
حمزة: ولماذا يا فاطمة؟
فاطمة: أنت تعرف يا أبا عمارة قصة الدين الجديد الذي يدعو إليه محمد.
حمزة: آه، تعرض له أبو الحكم إذاً. قولي ماذا فعل أبو الحكم مع محمد؟
فاطمة: لقد أسمعه ما يكره، وما لا أحب أن أعيده عليك..
حمزة: ومحمد ماذا أجاب؟
فاطمة: الحقيقة لقد ألان له القول، وحاول التفاهم معه لكن أبا الحكم رفض وتمادى في غيه واستمر في سبه وإيذائه.. على مرأى من الناس..
(حمزة يقبض بيمينه على قوسه ويهزها ويثبتها فوق كتفه، ثم يتوجه مسرعاً إلى الكعبة).
فاطمة: إلى أين يا أبا عمارة؟
حمزة: إلى الكعبة يا فاطمة، ألقى أبا الحكم فإن لم أجده فسأبحث عنه في كل مكان حتى ألقاه.
المشهد الثالث
(صحن الكعبة – أبو الحكم يتوسط جماعة من قريش. يفاخر ويباهي بما صنع مع محمد صلى الله عليه وسلم، بينما الآخرون يبدو عليهم السرور ويضحكون من آن لآخر).
قرشي1: خيراً فعلت يا أبا الحكم! ها! ها!
قرشي2: لو كنت مكانك لما ترددت في عمل ما عملت.
الجميع: لا فض فوك يا أبا الحكم.
قرشي3: ها!ها! ها! لقد أفحمت محمداً يا أبا الحكم.
أبو الحكم: واللات والعزى لولا أن يسحرني..
قرشي1: وما كان رده يا أبا الحكم؟
أبو الحكم: لم يستطع أن...
(حمزة يدخل عليهم شاهراً سلاحه).
حمزة: آه.. ها أنت ذا يا أبا الحكم!
(الجميع يفاجؤون بدخول حمزة، ويفسحون له مكاناً بينهم).
أبو الحكم: أهلاً يا حمزة.
حمزة: لا أهلاً ولا سهلاً يا أبا الحكم.
أبو الحكم: هون عليك يا حمزة.
حمزة: أتشتم محمداً، وأنا على دينه أقول ما يقول؟
(حمزة يهوي بقوسه على رأس أبي الحكم فيدميه وقبل أن يعود الحاضرون من دهشتهم يصيح حمزة).
حمزة: ألا فردّ عليّ هذه إن استطعت.
الجميع: حمزة يسلم؟!
(حمزة يثبت قوسه فوق كتفه ويخرج ثابت الخطوة في حين يمسح أبو الحكم الدماء النازفة من رأسه).
أبو الحكم: حمزة يُسلم؟!
قرشي1: حمزة أعز فتيان قريش؟
قرشي2: أقوى فتيان قريش شكيمة؟
قرشي3: إنها الطامة الكبرى..
قرشي1: إن إسلام حمزة سيغري غيره بالإسلام.
قرشي2: أرأيت نتيجة عملك الأحمق يا أبا الحكم؟
قرشي3: واللات والعزى إنك لم تنل من محمد كما زعمت، ولكنك زدته قوة وشددت أزره.
قرشي1: وكأني بقريش ذات يوم تصحو على أصوات المعاول تحطم آلهتها.
المشهد الرابع
(حمزة وحده في شبه ظلام يسمع صوت صدى حوار بين شخصين).
حمزة1: ماذا فعلت يا حمزة؟
حمزة2: لقد أعلنت إسلامي.
حمزة1: في لحظة غضب وقد أخذتك الحمية لشرف بني هاشم.. تشج رأس أبي الحكم وتصرخ في وجهه بالإسلام؟
حمزة2: أنا لا أشك لحظة في صدق محمد وأمانته.. ولكن هل يمكن أن يستقبل المرء ديناً جديداً في لحظة غضب؟ في لحظة غضب تنسى كل ذكرياتك عن الكعبة وآلهتها وأصنامها والأمجاد التي كسبتها قريش بسبب هذه الآلهة، آلهة آبائك وأجدادك؟
حمزة!: إذاً تخضع القضية كلها للعقل وللتفكير القويم.
حمزة2: ولكن العقل وحده لا يكفي؟
(يتوجه حمزة إلى الكعبة ضارعاً مبتهلاً مستجيراً بالبيت وربه ليهديه إلى الحق وإلى
الطريق المستقيم).
حمزة: اللهم رب الناس، ورب هذا البيت، إن كان هذا الدين الذي جاء به محمد هو دينك
الحق وطريقك المستقيم، فاشرح له صدري، وأذهب عني الريب والشك.
المشهد الخامس
(أبو سفيان – هند بن عتبة – وحشي)
هند: فيم تفكر يا أبا سفيان والمعركة على الأبواب؟
أبو سفيان: آه يا هند، أفكر في الرجال الذين خسرناهم في معركة بدر حيث رجعنا، نجرجر أذيال الهزيمة والخيبة، بعد أن فقدنا أبا الحكم، وعتبة ابن ربيعة أباك، والوليد بن عتبة أخاك، وشيبة ابن ربيعة عمك..
هند: لقد فقدت في بدر أبي، وعمي، وأخي.
أبو سفيان: فقدنا أحبابنا.
هند: وهذه المعركة يا أبا سفيان، فيها نثأر لقتلانا في بدر.
أبو سفيان: واللات والعزى لنفتكن بمحمد وأتباعه ونثأر لشرفنا.
هند: أريد الثأر ممن قتلوا أبي وأخي وعمي. أنا أريد رأس حمزة لأشفي غليلي.
أبو سفيان: إن حمزة هو هدفنا في هذه المعركة يا هند، بعد محمد.
هند: تعلم يا أبا سفيان أن أصحاب محمد لا يفارقونه، ويدافعون عنه بأرواحهم، وأن حمزة لا يجرؤ أحد من رجالنا على التعرض له.
أبو سفيان: عندي مفاجأة طيبة لك يا هند. سيكون فيها شفاء لغليلك.
هند: أرحني يا أبا سفيان.. فإن قلبي لينفطر كمداً وحزناً.
أبو سفيان: (منادياً) ادخل يا وحشي!
(يدخل وحشي وهو عبد حبشي طويل القامة أسو اللون).
أبو سفيان: هذا وحشي كان عبداً لجبير بن مطعم، وقد لقي عم جبير مصرعه يوم بدر على يد غريمك حمزة.
هند: وأين المفاجأة الطيبة في هذا يا أبا سفيان؟
أبو سفيان: بعد أن لقي عم جبير مصرعه، قال جبير لوحشي هذا، ماذا قال لك؟
هند: يا وحشي تكلم!
وحشي: (في لكنة أعجمية) "اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة فأنت عتيق".
هند: هل تقتل حمزة يا وحشي؟
وحشي: حريتي يا سيدتي تجعلني أقتل الشيطان.
هند: وهل تعلم ماذا ينتظرك أيضاً إن أنت نجحت في قتل حمزة.
وحشي: مولاي أبو سفيان وعدني خيراً.
(هند تمسك بيدها المرتعشة حقداً وغيظاً القرط اللؤلؤي والقلائد الذهبية التي حول عنقها، ثم تقول وهي تحدق في وحشي)..
هند: كل هذا لك، إن قتلت حمزة.
(تلمع عينا وحشي ويسيل لعابه).
وحشي: هذا لي يا مولاتي؟
هند: إن قتلت حمزة!
وحشي: حريتي.. ثم.. ثم هذه الحلي التي تزين عنق سيدة نساء قريش وزوجة زعيمها وابنة سيدها.
هند: إن أنت قتلت حمزة، يا وحشي!
(عينا وحشي تلمعان في الظلام وهو يتقدم في مواجهة الجمهور).
المشهد السادس
(هند بنت عتبة – وحشي)
(في أرض المعركة عند جبل أحد، هند مع النسوة خلف المشركين، يضربن بالدفوف ويحرضن الرجال، تنشد هند فيما تقول:)
ويهاً بني عبد الدار
ويهاً حماة الأدبار
ضرباً بكل بتار
إن تقبلوا نعانق
ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
(هند تلمح وحشياً يجلس على مبعدة من النساء، وكأنه ينتظر أن تنتهي هند من الغناء وتتنبه لوجوده.. تتعرف عليه وتكف، وتقبل عليه فينهض وحشي للقائها).
هند: من؟ وحشي؟
وحشي: مولاتي!
هنذ: لماذا جلوسك هنا والحرب دائرة يا وحشي؟
وحشي: لقد انتهى دوري في الحرب يا مولاتي.
هند: ويلك يا وحشي، واتفاقنا؟
وحشي: أنفذته كما أرادت مولاتي.
هند: هل قتلت حمزة يا وحشي؟
وحشي: وهذه بغيتك يا مولاتي.
(يقدم لها لفافة)
هند: ما هذا يا وحشي؟
وحشي: كبد حمزة.
هند: (وهي لا تكاد تصدق) كبد حمزة؟ بوركت يا وحشي!
(تحاول أن تأخذ اللفافة لكن وحشياً يسحب يده).
وحشي: الاتفاق يا مولاتي.
هند: أجل! لك ما تريد يا وحشي. وهو قليل.
(تخلع قرطها والقلائد وتقدمها لوحشي).
(بينما وحشي يتأمل الحلي ويقلبها بين يديه، تفض هند اللفافة وتقبض على الكبد وترفعها إلى فمها في نشوة وحشية.. وحشي يتنبه لما تصنعه هند).
وحشي: ماذا تفعلين يا مولاتي؟
هند: أبر بقسمي يا وحشي، لقد أقسمت أن آكل كبد حمزة.
(تحاول أن تمضع الكبد ولكنها لا تسيغها فتلفظها).
هند: قل لي، قل لي يا وحشي، صف لي كيف قتلت حمزة؟ كيف شفيت غليلي؟ قل يا وحشي.. قل.
وحشي: مولاتي، أنا حبشي.. وقذف الحربة لعبتنا ونحن أطفال.. فلما التقى الناس في المعركة خرجت أنظر حمزة، حتى رأيته في عرض الناس كالجمل الأورق يهد الرجال بسيفه هداً. عندئذٍ هززت حربتي، ودفعتها فوقعت في أسفل بطنه، وعندما هدأت الحرب وتفرغ المسلمون لقتلاهم. جئت يا مولاتي لأزف إليك البشرى.
هند: خدني يا وحشي إلى حيث يوجد حمزة.
وحشي: ماذا تريدين يا مولاتي؟
هند: أريد أن أشفي غليلي يا وحشي. أريد أن أمثل بجثته، أن أمزقه إرباً إرباً.
وحشي: لا يا مولاتي! المسلمون الآن لابد أن علموا بمقتل حمزة وهم الآن يبحثون عن القاتل وعن المحرض.
هند: وماذا في ذلك يا وحشي؟ لقد انتقمت لأهلي الذين قتلهم حمزة.
وحشي: العقل يا مولاتي يقول أن نختفي عن أنظار المسلمين. سأحاول أن أخرج من هذه البلاد إن استطعت.. وادعاً يا مولاتي!
ستار