جوع الإنسان
جوع الإنسان
جوتيار تمر
(جوع الإنسان .. حلقة فكرية ناقصة في تاريخ الأزمان .. كل جواب وجد لحد الآن إنما كان أقرب إلى الطوبائية منها إلى الواقعية، لذلك أظن السؤال مازال مستمرا عن ما يمكنه أن ينتهي ويضع خاتمة لهذه الحلقة، هل الطعام يكفي..؟ أم الرغبة..أم الموت..أم.. ماذا..؟ أم سيظل الجوع مستمرا..لأن من أوجده الجوع لن يكون في النهاية إلا طعاما للجوع ؟ لست أضع الحلول والنتائج.. إنما فقط أجدد إثارة السؤال؟ ) (شاب أسمر الوجه يلبس ملابس بدائية جدا لكنها مع ذلك لها دلالات إلى موطنة سروال أزرق فاتح وقميص يميل إلى الصفرة لكنه باهت… يجوب كل أرض الخشبة ناظرا إلى كل ما حوله وكأنه جاء إلى عالم غريب عنه.)
الشخص/ يا ترى أين أنا .. وما هذا الذي أراه.. كأنها الجنة.. نعم إنها الجنة.. فأنا لم أر شيئا كهذا طوال حياتي...(ويظل ينظر حوله بتعجب).. لكن إن كانت هذه الجنة،فلماذا لا أجد من يرحب بي، فأنا لطالما سمعت من آلهتنا بأن الآلهة العظيمة تعيش في الجنة وهم يرحبون بمن يدخلها ويقدمون لهم الطعام والنساء وكل ما يرغبونه ..
آه..على ذكر الطعام بدأ الجوع يفتك بمعدتي وكأنني لم آكل منذ أن ولدت.. يا أيها الغموض الساكن في كل شيء.. متى سيأتي علي يوم أشبع ولا أظل هكذا باحثا عن شيء أملأ به بطني..؟ هل سيأتي يوم كهذا..؟الطعام الطعام، مع فتاة تشبع رغباتي وعطشي وجوعي الآخر..!
أيتها الآلهة.. إن كنت تسمعين فإنني أتوجه إليك بطلبي هذا فافعلي شيئا من أجلي ، وأنقذيني من هلاكي هذا.. وأرسلي لي بعض ما تملكين.. فأنا أعلم بأنك لا تجوعين وتحصلين على ما ترغبين.
( صمت.. الأضواء تتجه نحو أعلى الستار وكوميض أزرق.. يأتي صوت ، يا إلهنا الأعظم.. إنك تسمع نداءات هذا الإنسان الجائع.. وتعلم بتعبه المستمر في بحثه عن شيء يشبع معدته ورغبته، فهلا أكرمت وأمرتني بأن أحقق له ذلك..،الإله الأعظم..لا.. دعه هكذا يبحث ويتعب ليعلم بأن حياته ليست مجرد رحلة جوع ورغبة..لحظة صمت أخرى والأضواء تبدأ بالتلاشي، لتظهر من جديد على زاوية من زوايا الخشبة ويظهر هناك شخص آخر.. من لبسه يعرف بأنه أثيني ).
الثاني/(يظهر على خشبة المسرح) أين أنا.. وما هذا الذي يحصل..؟ ما الذي أتى بي إلى مثل هذا المكان ينظر حوله يجد شخصا أسمر..يتساءل مندهشا ماذا تفعل هنا...؟ ولماذا أنت نحيف هكذا ..؟
الأول/ ومن تكون أنت..؟
الثاني/ عفوا على عدم لباقتي واقتحامي للمكان دون أن يكون لي معرفة به..؟ لكن كأني بك مثلي لا تعرفه..؟ وكأني بك مثلي تبحث عن شيء تفتقده.. فأنا كما ترى تائه.. ولعلك تعرف وتدرك مثلي معنى التيه والضياع ..؟
الأول/ هل تبحث أنت أيضا عن الطعام مثلي.. ؟أعلم بأن الجوع هالك.. لعلك مثلي تتمنى لو تعيش شبعانا دون جوع ..؟
الثاني/ إذا يا صديقي الجوع من أخرجك..والجوع من أتى بك إلى هنا ؟ مسكين أنت..حتى الطعام جعلوه صعبا عندكم ..
الأول/ والنساء.. نعم النساء أيضا ..
الثاني/ يبتسم.. يا صديقي أنا أيضا جائع.. والجوع من أخرجني.. لكني لست جائع الطعام والرغبة، إنما جوعي يفوقهما ألما وحيرة.. عندنا هناك تجد الطعام ولا تبالي به بساتين الكروم والفواكه وكل ما قد تشتهيه.. الناس عندنا شبعوا فماتوا..! لكني يا صديقي بالرغم من شبعي ما زلت جائعا، أبحث عن ما قد يشبع ذاتي.. لا أنكر بأن الطعام لا يجدي.. ولا أنكر بأن النساء واللذة غير مجدية..لكني حتى في كل اللحظات التي كنت أمتزج روحا وجسدا معهن كنت أفكر.. من وراء كل هذا..؟ وكيف جاء كل هذا..؟ ولماذا يستمر كل هذا..؟ يا صديقي إن مثل هذه الأسئلة تجعل من الإنسان يعيش جوعا آخر فريدا من نوعه فالبطن والرغبة قد شبعا.. أو يمكن إشباعهما إن لم يكن في مكان ولادتك ففي مكان آخر.. أما مثل هذا الجوع فأين يمكنك أن تجد ما يشبعه.
الأول/لكن ألا ترى بأن جوعك هذا ليس بمهم أمام جوع ينهك الجسد ورغبة تقتل. .الأعماق وتجعله أشبه بحيوان ناطق.
الثاني /.. إنك لم تجرب سوى الأول..نعم جوعك.. جوع نسبي، ولا أتمنى لك سوى أن تشبع منهما لترتاح.. أما أنا فمازلت في أول الطريق، ولعلي سأجد من وراء كل هذا ما قد يدخل الراحة إلى أعماقي..لأني أعلم في قرارة نفسي بأن هناك شيء عظيم ..عظيم للغاية وراء كل هذا.. ووراء كل ما يحدث.. شيء ما عظيم يعيش في مكان ما من هذه المعمورة أوهناك فوق في السماء.. أو في البحار…؟
( صمت.. الأضواء تتصاعد ثابتة..صوت.. يا إلهنا الأعظم .. ألا تجيب على حيرة هذا الإنسان الباحث عنك، ألا تدله على عظمتك، لعله يرتاح… الإله الأعظم، لا.. دعه يبحث ليصل ولعلنا نجعله حاكما على الأرض… صمت… الأضواء تنزل وتتوجه إلى زاوية أخرى من زوايا الخشبة، يظهر شخص آخر .. كأنه من مظهره شرقي)
الثالث/ مندهشا ماذا تفعلان هنا، وما الذي أتى بكما إلى مثل هذه المنطقة..؟ وما الذي أتى بي ..؟
الثاني/ أهلا بك يا صديقي، لعلك مثلنا رحالة تبحث عن ما يشبعك..؟
الثالث/وهل أنتما تائهان، جائعان..؟
الأول/ نعم .. جوعا لا يمكن إدراكه بالقول..؟
الثاني/ نعم جوع الأبدية.. وما وراءها…!
الثالث/ إذا فأنتما ستكونان صديقيّ في رحلتي التي أبغيها، والآن تعالا لنأكل بعض الطعام الذي أحمله ولنشرب بعض النبيذ، ولا يهم إن كانت الرحلة طويلة أم لا، فإننا قد نجد طعاما في مكان قريب .
(الثلاثة يجلسون ويبدؤون بالأكل….)
الثالث/ (للثاني) يا صديقي ذكرت كلمة أوقفتني ولم أستطع أن أتجاهلها.. قلت جوع الأبدية وهذا الجوع لا يشبه جوع البطن والرغبة، فماذا كنت تقصد بذلك …؟
الثاني/ أنا لست أبحث عن الطعام ولا الرغبة، فقد كنت أمتلكها حيث أعيش، لكني أبحث عن شيء أسميه أنا الشيء الأعظم الكبير الذي هو وراء كل شيء، ولعلي سأجده يوما .
الثالث/ آه.. يا صديقي دعني أخبرك شيئا عن هذا الذي تبحث عنه فأنا قد مررت من مكان كان الناس هناك يقصون على الغرباء والمارين قصصا جميلة عن ذلك .
الأول/ قصص.. مع الأكل.. ما أروع ذلك.
الثالث: يبتسم(وينهض على قدميه) ينظر إلى السماء ثم يلتفت حوله ويبدأ بالكلام.. لقد سمعت منهم بأنه في زمن من الأزمنة الغابرة جاء إله قيل إنه ولد ولادة عجيبة ورهيبة، لأن بعض الآلهة أرادوا ذبحه وإراقة دمه، وهو لم يزل رضيعا ، نادى فيهم بأن هناك في السماء يوجد شيء هو الذي كان وراء كل ما حدث ويحدث وهو الذي يمتلك مفاتيح كل وجود.. وهو الذي أوجد الوجود بماهيته وعدمه …وظل هذا الإله فيهم يدعوهم إلى معرفة ذلك الشيء والبحث عن سر وجوده وعلمه، لكن الآلهة الأخرى لم تعجبهم آراؤه فقالوا: له دعونا نراه ونذهب إليه فتآمروا عليه وأخرجوه حتى مات في غربته، وبعدها توالت الأزمنة عليهم .. حتى شاءت الأقدار الغامضة في تلك العصور بأن يأتي إله آخر إليهم قيل إنه أيضا ولد ولادة عجيبة ..ليعيد عليهم ما كان قد قيل لهم من قبل وليضيف إليها جديدا لم يسمع الناس به .
الثاني/ (يقاطعه).. هل وجد الشيء العظيم ؟ هل رآه بنفسه …؟
الثالث/ لا.. لكنه ادعى بأنه .. سيعلمهم طريقة يمكنهم بها بلوغ آفاق مملكته… وملكوته..ولكن الناس هناك لم يقتنعوا بكلامه فأرادوا ذبحه وسفك دمه وكان الناس هناك يؤمنون بشيء غريب .. غريب جدا وهو إراقة الدماء من أجل الشيء العظيم.
الأول/ لقد ذكرتني يا صديقي بما كنا نفعله نحن أيضا عندما يشتد الجوع بنا هناك حيث كنا نعيش، كنا يا صديقي نمسك بحيوان ونذهب به إلى قمة الجبل وننظر مرة إلى السماء، ومرة عمق الوادي، ومرة إلى الشمس والنجوم… ثم في أنفسنا كنا نتمتم .. بشيء نجهل معانيه لكننا كنا نقوله… ونبدأ بذبح الحيوان ونريق دمه هناك، ثم نرميه في عمق الوادي.
الثاني/ ولماذا كنتم تفعلون ذلك …؟
الأول/لأننا كنا نعتقد بأن الآلهة جائعة مثلنا وهي لم تمنع الطعام عنا .الا لأنها مثلنا تريد أن نقدم لها بعض ما نحصل عليه وهكذا كان يفعل آباؤنا ومن سبقوهم .
الثاني/ كأن هذا الشيء العظيم الذي أبحث عنه موجود منذ زمن قديم وفي كل مكان وإلا .. فما معنى أن يفعل عندنا أيضا الشيء نفسه، يريقون الدم من أجل إرضائه .. يا ترى هل لا يشبع هو إلا بالدم ؟
الثالث/ دعوني أكمل لكما القصة.. نزف الآخر دمه وراح الجميع يبررون ذبحه بأنه أنكر عليهم ما كان قد أتى به الأول الذي سبقه، وبدأ الناس من جديد يبحثون عن من يقنعهم ويجعلهم يقفون على أمر هذا الشيء اللامتناهي، ولكن دون جدوى.. فأختلط عليهم الأمر وظل هناك شيء يثير فيهم الجوع.. الأبدي الذي ذكرته يا صديقي، ولذلك سألتك عنه.. فكأنك تبحث عن مثل هذا الجوع.
الثاني/ نعم يا صديقي إنه الجوع المبهم
الذي لا يمكن لشيء أن يجعلني
أشبع منه.
الأول/ وكأن لحظات العزلة التي كنت أحيانا أجد نفسي تواقة لها، كانت في الأصل هي التوق إلى هذا الشيء.
الثالث/ لقد مرت بعد ذلك أزمنة.. وجاء إله جديد.. يا صديقيّ هناك حيث أعيش.. الآلهة تخلق الأخرى.. وكأن الأمر مملكة لكل ملك من يليه، المهم جاء الجديد وبدأ يعلم الناس والآلهة التي تعيش هناك سر هذا الشيء العظيم وسر ملكوته وذكر لهم عظمة مقدرته وسبب خلقه للإنسان وكذلك أزليته وبقاءه، واختتم كلماته قوموا ننذر له القرابين لننجوا من سخطه، وكأنه جاء ليرسخ المبدأ القديم إنه لا يشبع إلا بالدم وبدأ الناس يعيشون.. وقد شبعت بطونهم ورغباتهم وقد ملئ الفراغ الذي كانوا يعيشونه من قبل في عقولهم …ولكن البعض منهم ظل يسأل ويبحث عن أجوبة لأسئلته …
الثاني/ (يقاطعه) وهل هؤلاء كانوا يبحثون عن سبيل لرؤيته ..؟
الأول/ لماذا لا يأتي إليهم، طالما يعلم بأنهم سيرتاحون …؟
الثالث/ لا.. ليست المسألة كما تعتقدون إنما.. ظل هؤلاء يسألون عن عطشها للدماء..... وعن أشياء أخرى هي في الأصل ركائز ثابتة في عقل الإنسان.
الأول/ وما هي هذه الأشياء …؟
الثاني/ لعلها الأسئلة التي تتردد في أعماقي أحيانا …؟
الثالث/ قلها يا صديقيّ فأنا أبحث عنها … ولعلك توصلني إليها أو على الأقل تمنحني الطريق الذي سيوصلني إليها …
الثاني/ كلما لذت بالعزلة هاربا من رغباتي التي لا تعد.. ولا تحصى أجدني أصطدم بجدار صلب لا يمكنني أن أتعداه.. فأبدأ أنبش بذاتي وأحاول الوصول إلى جسر أو باب ليجعلني أعبر هذا الجدار الذي لا يثير فيّ سوى القلق والكآبة.. فأسمع حينها نداءً خفياً يخرج من أعماق أعماقي يقول لي… ما جدوى ما تفعله ..؟ ألا تعلم بأن ما ينتظرك خلف هذا الجدار شيء تجهله وتجهل مكامنه، وتبدأ حينها قواي بالانهماك وتضعف عزيمتي التي كنت أجدها تتحدى السماء والأرض فأبدأ بالتراجع وكأن… اللامبالاة تأخذ طريقها لتكون شريعة لما بعد الصراع .
الأول/ اللامبالاة .. ألا تقصد بها، ترك كل شيء دون اهتمام ، نعم أظنك تقصد ذلك.. لأني لطالما عندما تحيرت من أمر جوعي ورغبتي وعزلتي كنت أعود بعدها أبحث عن اللذة لأنسى …؟
الثاني/ نعم يا صديقيّ قد تكون اللامبالاة حلا لكنه بالطبع آني، وليس مطلقا .
الثالث/ ترى ما هذا الشيء الذي يمكن أن يكون خلف هذا الجدار ..؟ هل يمكن أن يكون ما يقصده ذلك النداء الموت …؟
الثاني/ الموت، وكأني لم أفكر به من قبل، لعله الموت لأن لاشيء أثار قلق الناس عندنا كما أثاره الموت، وحتى الحكماء لم يجدوا له دواءً.. وكم بحثوا عن شيء يخلدهم وينجيهم من داء الموت لكنهم لم يفلحوا…
الثالث/ لكن يا صديقيّ.. الموت ليس نهاية كل شيء.. لعلي أموت أنا..
لكنكما قد تعيشان بعدي، وقد تموتا، ولكن هناك دائما من يعيش.. والموت مهما كان قوياً فالحياة تظل صامدة بوجهها ومستمرة. وبالطبع ما أبحث عنه شيء آخر…؟
الأول/ قد يزعجك الموت يا صديقي ويكون هو ما تبحث عنه لكنك لاتدرك كيف تجده أمامك كشيء مادي.. كما نسلب نحن الحياة من الحيوانات .
الثاني/ وقد يكون ما تبحث عنه هو الكيفية التي تدخل الحياة في المادة اللاحية فتصبح حية ثم الكيفية التي يخرج منها الحياة فتصبح ميتة..؟
الثالث/ يا صديقيّ كلها أمور تتناقلها الألسنة عندنا وعندكم، لكن ما أبحث عنه وما أريده هو شيء يأتي وراء كل ما نقوله نحن..؟
الثاني/ فماذا يكون إذآً ….؟
الثالث/ انتظروا لعلنا قد نصل إليه.. عطش الآلهة دائما للدم.. ألا يعني بأن الآلهة.. نفسها جائعة..؟ والفراغ الذي نعيشه بالرغم من وجود ما يملأ بطوننا ويشبع… رغباتنا، ألا يعني بأن الآلهة لها رغباتها؟ والموت الذي يلاحقنا ويهدم كل طموحاتنا ويثير فينا القلق المزمن والكآبة الأبدية ألا يعني بأن الآلهة تريد نقلنا من تجربة إلى أخرى..؟
الأول و الثاني/ معاً.. نعم.. ماذا إذاً…؟
الثالث/ يبتسم.. إذاً بالرغم من أن الآلهة تعلم بألمنا وتعلم بصعوبة أيامنا وصعوبة إدراكنا لكل ما يحدث.. تتركنا هكذا.. تائهين.. لنظل نتوسل إليها.. أو لنظل نبحث عنها.. دون أن تدع لنا الفرصة بالتفكير بما وراء
رغباتها.. أو حتى بالتمرد على رغباتها .
الأول/ وماذا عسانا نفعل لها ونحن حتى لا ندرك ماهيتها..؟
الثاني/ نظل نبحث عن مكامن وجودها، فنكتشفها وبذلك نحدد ماهيتها ونعلم سبل الوصول إلى مداركها ومن ثم ندرك رغباتها.
الثالث/ عبثاً ما تقولون.. فهناك من وصل إلى مكامن وجودها وأدرك ماهيتها وأدرك رغباتها ولكن دون أن يغير ذلك من سير الأيام شيئاً.
فعطشها للدم ما زال مستمراً.. والموت ما زال قائماً.. والقلق والكآبة لم تزل مستمرة فيهم..؟
ولكن دعنا من عطش الآلهة… ولننظر إلى الأمر من جهة أخرى.. أليس الأمر كله مجرد لذة نبحث نحن والآلهة عنها..؟ الآلهة تعلم بنا تواقين لمعرفة ما وراء كل شيء وتعلم بأننا لن ندخر طريقاً للوصول إلى ذلك ولو على حساب بني جنسنا.. قد نريق المزيد من الدماء، وقد نظل في صراع أبدي.. وأن نعيش عبودية لامتناهية أقدس لها من أن نصل إلى ما وراء غموضها وهي بالطبع تتلذذ بذلك ..ونحن نجد اللذة في الطعام وتحقيق رغباتنا الأخرى التي لا تضاهي شيئاً أمام لذة تمتع الآلهة بما نحن عليه ..إذا يا صديقيّ ألا ترون الأمر بأنه مجرد صراع بيننا وبينهم.. صراع يحتدم برغم معرفتنا بوجودها وقوتها، وألا ترون بأن الأمر برمته يستحق أن يخرق الإنسان منا نواميس الكون وسننه من أجل أن يظل طرفاً رئيسياً في الصراع..؟
الثاني/ إنه الجوع إذاً.. فمن ولد من الجوع.. لا يمكنه إلا أن يقاوم من يريد
طعاماً لجوعه. ولكن هل يمكنه أن يقاوم جبروت الآلهة ..؟
ألأول/ أتعلمان بأن الجوع بدأ يخرق أعماقي ولم أعد أفهم شيئا .. ألا
يوجد هنا ما يمكنني أن أتسلى به لبعض الوقت…؟ ألم يحن الوقت لنعود إلى طعامنا..؟
الثاني/ بلى يمكننا أن نجد كل شيء.. لكن فقط لن نجد ما يمكنه أن يشبع عقلنا في لحظات عزلتنا …؟
الثالث/هل نستسلم إذاً، وندع الجوع يلتهمنا كما نلتهم نحن الطعام.. هل نبسط أيدينا لنصافح الأقدار هذه ونقول لها خذي ما تشائين واطلبي من الآلهة أن لا تغضب علينا.. آسف يا صديقيّ لن أستسلم الآن وقد وصلت إلى مشارف الأمر.. سأظل أبحث ليس من أجل نفسي فقط إنما لمن قد يأتي بعدي ليستمر بعد موتي..؟
الثاني/ ها أنك قد قلتها بنفسك.. موتي.. ؟
الثالث/ نعم موتي.. لكن.. قد أستطيع الحصول عليه كما أريد، ولا يأتيني هو كما يريد، وقد لا تعلم معنى ذلك، لأنك تعودت تلقي كل شيء.. لكنك لم تعش صراع الحصول عليه.. وليس هناك لذة أكبر من تلك التي يستمتع بها الإنسان عندما يخرج بما يريد… جوع الآلهة.. ليس مثل جوع الإنسان.. وعندما تشبع الآلهة.. فإن شبعها قد لا يضاهي شبع الإنسان لكن.. كيف ومتى سيشبع الإنسان…؟ هذا ما علينا دائما أن نتساءل عنه ، ونبحث عن وسيلة له .. ؟
(الأضواء تتصاعد.. صوت.. يا إلهنا.. بحق الإنسانية.. اجعلهم يشبعون من
كل شيء ..الإله.. لا، لأنهم قد يتمردون.. الأضواء تعود لتسلط على الثلاثة.. يركعون.. ينظرون إلى السماء.. يرفعون أيديهم.. وعلى أنغام طبول وثنية.. يقدسون الصوت…وتتلاشى الأصوات…. ثم ستار )