محمد بن مَسْلَمة
عبد الله الطنطاوي
فوزي: ترى.. من هذا الرجل الأسمر اللون، الطويل القامة، الممتلئ الجسم؟
إنه أصلع شعر الرأس، مهيب الطلعة، تدلّ قسمات وجهه، ونفاذ نظراته، على أنه شجاع مقدام، لا يخشى أحداً إلا الله، فلأتقدّم منه، لأتعرّف إليه..
تقدمت منه، وسلّمت عليه، فردّ لي التحية بأحسن منها، فشجّعتني تحيته الجميلة على الكلام معه، والتحدث إليه، ولكنّ أختي فوزية لم تشجّعني على الحديث معه، بل همست في أذني:
فوزية: احذر هذا الرجل يا أخي يا فوزي، فإنه مخيف.
فوزي: ولكني طمأنتها بقولي هامساً: اطمئني يا أختي يا فوزية، فإن نور الإيمان يشع من عينيه، وإن وجهه يوحي بالطيبة.
ولكنها لم تصغ إليّ.. كانت عيناها معلّقتين في عينيه، وكانت يداها تمسكان بي، وكان لسانها يقول لي في همس أيضاً:
فوزية: ألا ترى نظراته الحادة؟ ألا تخاف من هاتين العينين النفّاذتين اللتين تبرقان وتلمعان؟
فوزي (هامساً): وأنت يا فوزية.. ألا ترين نور الإيمان يطفح به وجهه؟
فوزي: ثم اقتربت من الرجل الذي كان يرتدي لباساً لا نعرفه، ولا عهد لنا به، وقلت في حذر:
مؤثرات: تغريد بلبل.
فوزي (لابن مسلمة): أهلاً بك يا عم.. أنا فوزي.. تلميذ في المرحلة الإعدادية، في الصف الثاني الإعدادي.. عمري أربعة عشر عاماً.. وأنا من بلاد الشام.. وهذه أختي فوزية.. إنها أصغر مني، ولكنها ذكية..
فوزي: فابتسم الرجل ابتسامة عريضة وقال:
ابن مسلمة: مرحباً بك يا بني.. مرحباً بك يا ابنتي (كالمستفهم)
فوزية: فوزية.
ابن مسلمة: مرحباً بكما يا فوزية ويا فوزي..
فوزي: معذرة يا سيدي.. فقد قدّمت إليك نفسي واسم أختي فوزية (كأنه يريد أن يتابع، ولكن ابن مسلمة قاطعه بقوله):
ابن مسلمة (مقاطعاً): وتريد أن تعرف من أنا؟
فوزي: إذا أحببت يا سيدي.
ابن مسلمة: أنا محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري، كنيتي أبو عبد الرحمن.
فوزي: لم أدرِ كيف فاضت الدموع من عينيّ وأنا أسمع اسم هذا الرجل، فقد غمرتني كلماته القليلات بالسعادة، وملأت جوانحي بالسرور، واستجاشت كوامن الذكريات في نفسي، فأقبلت نحوه وقلت:
مؤثرات: تغريد البلابل.
فوزي (لابن مسلمة): أنت إذن من أصحاب رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
ابن مسلمة: أجل.. أنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه وحارسه.
فوزية: لقد تعبت من الوقوف.. أفلا تجلس يا عمي؟
ابن مسلمة: نجلس يا فوزية.. نجلس.
فوزي: وجلس الصحابي الجليل محمد بن مسلمة على كرسي، وجلسنا: أختي فوزية وأنا على كرسيين قبالته، ثم قدّمت فوزية كرسيّها وهي تقول:
مؤثرات: صوت كرسي يُسحب.
فوزية: لابد أنك وُلدت في الإسلام يا عمي، وإلا لما أسموك محمداً.
ابن مسلمة: بل وُلدت قبل هجرة الرسول بخمسة وثلاثين عاماً.
فوزية: إذن.. ولدتَ في مكة المكرمة، وأسماك أبوك محمداً تيمناً برسول الله محمد
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
ابن مسلمة: بل ولدتُ في يثرب التي صار اسمها المدينة المنورة، بعدما نوّرها النبي الكريم بهجرته إليها، والإقامة فيها.. ألم أقل لكما: أنا محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري؟
فوزي: بلى.. قلت لنا ذلك.
فوزية: إذن أنت من قبيلة الأوس!
ابن مسلمة: أجل يا ابنتي.
فوزية: معنى هذا أن العرب كانت تسمّي محمداً قبل ولادة رسول الله يا سيدي؟
ابن مسلمة: أجل يا ابنتي.. ولكن.. هل تعرفان السبب في تسمية محمد؟
الأخوان: لا.
ابن مسلمة: لقد سمّى بعض العرب أبناءهم باسم محمد، لأن اليهود في يثرب كانوا يقولون للناس: إن نبياً سوف يُبعث من العرب، وإن اسمه محمد.
فوزية (كالمتابعة): فصار العرب يسمّون أبناءهم بهذا الاسم الجميل: محمد، لعله يكون ذلك النبي.
ابن مسلمة: هذا صحيح.
فوزية: هذه معلومة جديدة ما كنت أعرفها.
فوزي: وهذا يعني أن أسرتك الكريمة كانت على استعداد للإيمان بالنبي الذي سيرسله الله إلى الناس؟
ابن مسلمة: ليست أسرتي وحدها التي كانت مستعدة للإيمان بالنبي القادم، بل كان أهل يثرب من العرب الوثنيين واليهود كانوا على استعداد للإيمان به.
فوزية: ولكن اليهود لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ابن مسلمة: مع أنهم كانوا يهددوننا به.. كانوا يقولون لنا: لقد أظلّ زمان النبي وسوف نقاتلكم معه.
فوزي: وعندما جاءهم النبي كفروا به وحاربوه.
ابن مسلمة: الحديث عن اليهود ذو شجون يا أولادي، فهم ألدّ أعداء الإسلام والمسلمين، وألد أعداء العرب منذ القديم.
فوزي: ونحن العرب والمسلمين يا سيدي، نخوض حرباً ضروساً مع اليهود، من بداية القرن الرابع عشر للهجرة، وحتى الآن.
ابن مسلمة (في استغراب): ماذا تقول؟ منذ القرن الرابع عشر وحتى الآن؟ أنتم من أبناء أي قرن إذن؟
فوزية: نحن من أبناء القرن الهجري الخامس عشر يا عمي.
ابن مسلمة (في استغراب): من أبناء القرن الخامس عشر؟
فوزي: أجل يا سيدي.. نحن من أبناء القرن الهجري الخامس عشر.
ابن مسلمة (ما يزال في حالة ذهول واستغراب): أنتم تعيشون في القرن الخامس عشر؟ كيف حصل هذا؟ ما الذي جاء بي إليكم؟ وما الذي جاء بكم إليّ؟ كيف لم أنتبه إلى لباسكم الغريب هذا؟
فوزي: أنا أشرح لك يا سيدي محمد بن مسلمة..
ابن مسلمة: هات اشرح يا بني، فقد أذهلتني المفاجأة.
فوزي: يطيب لي، يا سيدي الصحابي الجليل، في كل أصيل، وبعد أن أصلي العصر، أن أحلم وأنا يقظان، وأحياناً أحلم وأنا نائم، وقلبي يقظان، بأنني أسافر في التاريخ، لألتقي عظيماً من عظماء هذه الأمة، أحدثه وتحدثه أختي معي، فأختي فوزية لا تكاد تفارقني، لأنها من المهتمات مثلي بتاريخ رجالنا وأجدادنا العظام، وجدّاتنا العظيمات.. وها نحن أولاء نلتقيك يا سيدي، ونحن سعداء بلقائك هذا.
ابن مسلمة: إذن.. أنتم أحباء رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
ابن مسلمة (متابعاً): آمنتم به ولم تروه، وأجر الواحد منكم يعدل أجر خمسين منا نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق عليه السلام.
فوزية: أنا أحفظ حديثاً نبوياً شريفاً بهذا المعنى.
ابن مسلمة: هاتيه يا ابنتي.
فوزية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
فوزية: "إن قوماً يأتون من بعدي، يودّ أحدهم أن يفتدي برؤيتي بأهله وماله".
ابن مسلمة: جميل.
فوزية: وقال عليه الصلاة والسلام: "ومتى ألقى إخواني؟. قالوا: يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي. وإخواني: الذين آمنوا بي ولم يروني".
ابن مسلمة: وهؤلاء أعظم الخلق عند الله منزلة.
فوزي: هل نعود إلى الحديث عن حثالة البشر، وشذّاذ الآفاق، اليهود.. يا سيدي؟
ابن مسلمة: لا فضّ فوك يا ولدي يا فوزي، فيهود كما وصفتهم، بل هم أخسّ خلق الله، ومعاناة العرب منهم في الجاهلية كانت شديدة، وخاصة في يثرب.. مدينتي، وعداوتهم للإسلام والمسلمين كانت أشدّ وأنكى يا أولادي.
فوزية: كيف كان ذلك يا عمي؟
ابن مسلمة: كنا ـ نحن العرب ـ في يثرب قبيلتين كبيرتين.
فوزي: الأوس والخزرج.
ابن مسلمة: وكان اليهود يعيشون معنا في يثرب، وكل ما كان في يثرب من فساد وإفساد كان بسببهم، وعن طريقهم.
فوزي: وكل فساد في بلاد العالم اليوم من صنع أيديهم.. فالانحرافات الخلقية، والفوضى الاجتماعية، والربا، وانتشار المخدرات من صنع أيديهم.
ابن مسلمة: وكذلك كانوا يفعلون عندنا في يثرب، أضف إلى ذلك، الإفساد بين الأوس والخزرج، وإثارة الأحقاد فيما بين القبيلتين، وتحريضهما على الاقتتال فيما بينهما، حتى نشبت المعارك الطاحنة بين الأوس والخزرج، وكان اليهود يقدّمون المال والسلاح للخزرج مرة، وللأوس مرات، حتى لا تنطفئ نيران العداوة والاقتتال بينهما.
فوزية: وكان اليهود هم المستفيدين من هذه الحروب والمعارك.
فوزي: وكذلك يفعلون اليوم.. ولكن.. ألا تحدثنا يا سيدي عن تجاربك الشخصية مع اليهود؟
ابن مسلمة: وأيّ تجارب.. إنني أتذكرها الآن وكأنها جرت بالأمس.. سوف أروي لكم حكايتي الأولى مع اليهود.. فهل أنتما على استعداد لسماعها!؟
الأخوان: كلنا آذان يا عم.
ابن مسلمة: حكايتي الأولى مع عدو الله ورسوله وعدو المسلمين: كعب بن الأشرف، ذلك اليهودي الذي أوغل في إيذاء رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
ابن مسلمة (متابعاً): وإيذاء الإسلام والمسلمين، ومحاربتهم بماله وجاهه وشعره، حتى بلغت به الوقاحة أن يشبّب ويتغزل بالنساء المسلمات العفيفات الطاهرات، ويهجو النبي الكريم وأصحابه الكرام.
الأخوان: أعوذ بالله.
ابن مسلمة: بل بلغ به المكر والحقد على الإسلام والمسلمين، أن يذهب إلى مكة، ليسمع مشركي قريش ما نظمه من شعر في رثاء المشركين الذين قُتلوا في غزوة بدر، ليثير أحزان قريش على قتلاها، فتنهض لمحاربة المسلمين، وتثأر ليوم بدر. واسمعوا ما دار بين كعب وأبي سفيان:
مؤثرات: همهمة وأصوات مختلطة لمجلس فيه عدة رجال.
أبو سفيان: مرحباً بالحليف الصديق، والفارس الشاعر كعب بن الأشرف، زعيم يهود.
كعب: أهلاً بك يا أبا سفيان.. يا زعيم قريش.
أبو سفيان: لقد سمعنا مقالتك عندما بلغك مصرع صناديد قريش في معركة بدر.
كعب: قلتُها وما زلت أقولها: بطن الأرض خير من ظهرها بقتل أولئك الأبطال.
أبو سفيان: وهل قلت في رثاء أبي الحكم وصحبه شعراً يا كعب؟
كعب: أجل يا أبا سفيان.. قلت فيهم شعراً سوف تسير به الركبان.
أبو سفيان: هلاّ أسمعتنا ما قلت يا كعب؟
كعب: لقد قلت الكثير.. رثيت أبا الحكم وشيبة وعتبة وأصحابهم الأبطال، وهجوت محمداً وصحبه، وشبّبت بنساء المسلمين..
أبو سفيان: هاتِ هاتِ أسمعنا يا كعب، فقد شوّقتنا واللات.
مؤثرات: وقع أقدام قادم.
هند: أهلاً بسيد يهود.
كعب: أهلاً بك يا سيدة نساء قريش، وزوج سيد قريش.
أبو سفيان: اجلسي يا هند.
مؤثرات: وقع أقدام وصوت جلوس.
هند: دعونا من الشعر الآن، وقل لنا يا كعب.. ماذا تفعل لحرب محمد والمسلمين؟
كعب: أعدّ العدّة لحربهم.. لقد طفت على حصون اليهود وعبأتهم لحرب محمد، وإن كانوا لا يحتاجون إلى تعبئة.. وقد قررت أن أطوف على القبائل، لأحرضها على حرب محمد.. فماذا أنتم فاعلون لتثأروا لأبطالكم وأشرافكم الذين قتلهم محمد؟
أبو سفيان: نحن نعدّ ونستعدّ.. ولسوف يرى منا محمد ما لم يره ويسمع به من قبل.
كعب: ونحن معكم.. كل اليهود معكم.. وعبد الله بن أبيّ وصحبه معكم.. يجب أن نجتثّ الإسلام والمسلمين من الجذور.. يجب أن نتركهم أحاديث يسمر بها العرب ويتسلّون.
هند: هكذا إذن يا كعب؟
كعب: أجل.. وأكثر من ذلك.
أبو سفيان: أناشدك الله يا كعب أن تصدقني، فأنتم ـ معشر يهود ـ تعرفون غير ما نعرف.
كعب: تفضل يا سيد العرب.
أبو سفيان: أديننا أحبُّ إلى الله أم دين محمد وأصحابه؟
كعب: بل دينكم يا أبا سفيان.
أبو سفيان: عظيم.. وأينا أهدى ـ في رأيك ـ وأقرب إلى الحق؟
كعب: أنتم ـ معشر قريش ـ أهدى سبيلاً، وأقرب إلى الحق من محمد ودينه.
أبو سفيان: صدقت يا كعب.. فنحن نطعم الجَزور الكَوْماء، ونسقي اللبن على الماء، ونطعم ما هبّت الشَّمال.
مؤثرات: موسيقى أو صوت غراب ينعب أو نعيب بوم.
ابن مسلمة: ولم يغادر كعب مكة المكرمة، حتى ألّب قريشاً على قتال رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
فوزية: أعوذ بالله.. ما أحقد هؤلاء اليهود، وما أضلّهم.
ابن مسلمة: وعندما عاد كعب إلى المدينة المنورة، أعلن عداوته لرسول الله وللمسلمين، وانطلق يحرّض اليهود ومشركي العرب والمنافقين على حربهم، حتى ضاق به الرسول الكريم، فقال لنا ذات يوم: من لابن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله.
فوزي: فأجبت الرسول القائد إلى ما يريد.
ابن مسلمة: وقلتُ: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟
فوزية: فقال لك الرسول القائد: نعم.. أريد أن تقتله إذا قدرت.
ابن مسلمة: قلت للرسول القائد ـ وهذا الوصف الجميل للنبي الكريم تعلّمته منكم ـ قلت له: فأذن لي أن أقول شيئاً.
فوزية: لم أفهم ماذا تعني بكلامك هذا يا سيدي.
فوزي: ولا أنا.
ابن مسلمة (يضحك).. أعني.. أنني طلبت من الرسول القائد أن يسمح لي بأن أتظاهر بالعداوة له وللإسلام، حتى أتمكّن من عدو الله كعب.
فوزية: يعني.. على مبدأ: الحرب خدعة.
فوزي: وهل أذن لك الرسول القائد بذلك يا سيدي محمد بن مسلمة؟
ابن مسلمة: أجل.. أذن لي بذلك وقال لي: قل ما بدا لك، فأنت في حلٍّ من ذلك.
فوزية: ثم ماذا يا سيدي المجاهد؟
ابن مسلمة: سأحكي لكم ماذا فعلت؟ بعد أن انتدب الرسول القائد معي أربعة من أصحابه.
مؤثرات: موسيقى.
ابن مسلمة: اقترب يا أبا نائلة.. وأنت يا عبّاد بن بشر.. وأنت يا حارث بن أوس.. وأنت يا أبا عبس بن جَبر.. اقتربوا كلُّكم.
مؤثرات: صوت همهمة وحركة.
ابن مسلمة: لقد أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول غير ما نعتقد من أجل التمكن من قتل كعب بن الأشرف.
أبو نائلة: من هنا نبدأ في وضع خطتنا لقتل عدو نفسه كعب اليهودي.
ابن مسامة: ومنك يا أبا نائلة.. فأنت أخو كعب من الرضاع، وتستطيع أن تفعل مالا نستطيع.
مؤثرات: موسيقى.
أبو نائلة: (صائحاً بصوت عال): يا كعب.. أنا أبو نائلة يا كعب.
كعب (بصوت عال): أهلاً بك يا أبا نائلة.. ادخل يا رجل.
مؤثرات: وقع أقدام، وأنفاس متلاحقة.
كعب: أهلاً بك يا أخي.. اجلس يا رجل، فأنت في بيتك.
أبو نائلة: شكراً يا كعب.
كعب: أراك تلهث يا أبا نائلة.. هل ألقى عليك الزمان بعض ظلاله القاتمة؟
أبو نائلة: أجل يا كعب.. وهذا ما دفعني إليك.
كعب: قل يا أبا نائلة.. ماذا تريد؟
أبو نائلة: أنت ترى رثاثة حالي، وهي تنبئك عن حاجتي، وضيق يدي.
كعب: معذرة يا أبا نائلة، إذا صارحتك.
أبو نائلة: قل يا كعب..
كعب: كل هذا بسبب.. بسبب..
أبو نائلة: بسبب متابعتي لمحمد.. أليس كذلك يا أخي كعب؟
كعب: هذا ما أردته يا أبا نائلة.
أبو نائلة: وهذا ما جئتك من أجله.
كعب (متهللاً): هل أدركت خطأك باتباعك محمداً يا أبا نائلة؟
أبو نائلة: وقد عدت عن خطئي.. أخطأت.. وها أنذا أتوب.
كعب: وحدك يا أبا نائلة:؟
أبو نائلة: بل معي بعض أصحابي، ممن عرفوا أن ما نزل بهم من ضيق ذات اليد، إنما كان بسبب اتباعهم لمحمد.
كعب: وهل يعرف وضعكم هذا أحد؟
أبو نائلة: لا.. لا نستطيع المجاهرة بترك محمد ودينه.
كعب: عظيم.. ابقوا هكذا.
أبو نائلة: ولا نريدك أن تذكر وضعنا هذا أمام أحد.
كعب: طبعاً لن أذكره، وإلا أفسدنا كل شيء.
أبو نائلة: والآن.. أريد أن تبيعني وأصحابي طعاماً، ونرهن عندك ما تريد.
كعب: ترهنون أسلحتكم.
أبو نائلة: اتفقنا.
كعب: اذهب ونادِ أصحابك.
أبو نائلة: حالاً.
مؤثرات: وقع أقدام.. صوت فتح باب وإغلاقه.
أبو نائلة: اسمع يا أبا عبد الرحمان.. اسمعوا كلكم.. سنكون دقيقين في تحركنا.
ابن مسلمة: بارك الله فيك يا أبا نائلة: فالخطة محكمة، وتنفيذها بدأ محكماً، وسينتهي في إحكام إن شاء الله تعالى.. والآن.. هيا بنا.
مؤثرات: وقع أقدام.. أصوات تنفس وما شابه مما يدل على سير الجماعة.
ابن مسلمة (أثناء المسير): اسمع يا أبا نائلة:.. أنت تنادي كعباً، ويكون ابن عمك عبّاد بن بشر معك.. وأنا وأنت يا حارث نكون على يمين الحصن، وأنت يا أبا عبس تكون على شمال باب الحصن.
أبو نائلة: سيرانا.. فالليلة مقمرة..
ابن مسلمة: لا يهم.. المهم أن نضع فيه سيوفنا، فلا يخطئه سيف واحد بإذن الله.
الجميع: إن شاء الله.
ابن مسلمة: ها قد وصلنا إلى حصن كعب بن الأشرف.. لنأخذ أماكننا كما اتفقنا بهدوء.
مؤثرات: أصوات تحركهم.
ابن مسلمة: ناده يا أبا نائلة.
أبو نائلة: (ينادي) يا كعب.. انزل إلينا يا كعب.. أنا أبو نائلة.
كعب: أهلاً بك يا أبا نائلة.. هل جاء معك أصحابك.. (بصوت مرتفع).
أبو نائلة: أجل يا كعب.. ونحن في انتظارك.
كعب: أنا قادم إليكم.
ابن مسلمة (هامساً آمراً): استعدوا وتوكلوا على الله.
مؤثرات: صوت فتح باب الحصن، وهو باب حديدي له صوت ضخم، ثم صوت إغلاقه.
كعب: أهلاً بك وبأصحابك يا أبا نائلة.
أبو نائلة: وبك يا كعب.. يا عدو الله ورسوله.
مؤثرات: أصوات السيوف وهي تخرج من قُربها، وتضربه.
كعب (صوت كالرعد): آخ.. لقد قتلني أبو نائلة.. قتلني أصحاب محمد.
ابن مسيلمة: هيا بسرعة، فصوته وصل إلى كل الحصون..
مؤثرات: أصوات أقدام مسرعة وهمهمات..
ابن مسلمة (لفوزي وفوزية): ما رأيكما في قتل ذلك اليهودي المجرم كعب بن الأشرف؟
فوزي: سلمت أيديكم يا سيدي، فقد أرحتم الرسول القائد منه ومن مؤامراته.
ابن مسلمة: هل أحكي لكم حكايتي الثانية مع اليهود يا ابنتي يا فوزية؟
فوزية: لا يا عمي.. أعصابي تكاد تتمزق وأنا أستمع إلى حكاية كعب بن الأشرف.
فوزي: وأنا قلبي كاد يقف من شدة الخفقان..
ابن مسلمة: إذن.. أستودعكم الله.
الأخوان: ونحن نستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك.