أسد الثغور
أحمد علي صالح الظرافي
صنعاء اليمن
الحلقة الأولى: من المشهد ( 1- 5 )
في المقدمة يظهر على الشاشة الإيضاح التالي:
وصلت الفتوحات العربية الإسلامية إلى ذروتها في عهد الدولة الأموية وطوال حكم الأمويين كانت كفة المسلمين هي الراجحة على الروم البيزنطيين بحرا وبرا بعد أن تم طردهم من الشام ومصر وبلاد المغرب.وفي عهد الدولة العباسية استمر الصراع العربي الرومي ولكنه لم يكن من قبيل الفتح أوالتوسع وإنما كان صراعا لحماية الحدود والمحافظة على الرقعة الجغرافية التي تشغلها كلا الدولتين .وكانت منطقة طرسوس وجبال طوروس ( والواقعة حاليا في جنوب تركيا ) تمثل الحد الفاصل بين الدولتين العباسية والبيزنطية وبها ثغور المسلمين وكانت هذه الثغور من أشد بؤر التوتر والنزاع بين المسلمين والروم اليزنطيين في عهد الدولة العباسية. وكانت هذه الثغور النائية جدا عن مركز الخلافة في بغداد تعتمد في حمايتها على مجاميع كبيرة من المثاغرين الذين آثروا المرابطة في قلاعها وحصونها ونذروا أنفسهم للدفاع عنها تطوعا وجهادا في سبيل الله. وكان رباط طرسوس خلية نحل تزخر بالمجاهدين سواء الذين استقروا بصورة دائمة أو المؤقتين الذين يخدمون لفترة ثم يعودون إلى ديارهم. وفي هذا الصدد تأتي هذه الراوية والتي تمتزج فيها الوقائع والشخصيات التاريخية بالشطحات والشخصيات الخيالية.
المشهد 1 باحة أحد المنازل - خارجي / نهار
نسمع جلبة وبكاء أطفال قبل أن تركز الكاميرا
على باب المنزل. يخرج من الداخل عريف
وشرطي وهما يمسكان برجل عامي ويسوقانه
بعنف الى باحة المنزل، يليهما في الخروج
كبير الشرط ، وبيده سوط ويبدومن خلال
قسمات وجهه أكثر صرامة وأكثر تعطشا
للسلطة والطغيان منهما ، ثم تخرج أمرأة
وخلفها ثلاثة أطفال يبكون .
تتراجع الكاميرا فنرى العريف يقوم بتكبيل
العامي والشرطي ممسك به وقد أقعداه أرضا
وهو يصرخ ويتأرجح ويهتز ويضرب الأرض
بقدمية محاولا عبثا منعهما من شدِّ وثاقه:
العامي: دعوني وشأني ! ماذا تريدون أن
تفعلوا بي ؟ أتركوني أيها الفسقة !
أتركوني أيهاالظلمة!
يتطلع الأطفال نحو أبيهم بخوف ووجل وبعيون
دامعة :
الأطفال :أبي.. أبي
يسرع الطفلان الأكبر والذي يليه بمهاجمة
العريف وجذبه للوراء وهو يحاول عبثا منعهما.
العريف: أبتعدا.. أبتعدا،أيها الصبيان..
أيها الجروان الصغيران، أبتعدا.
يهتف العريف بضجر مخاطبا كبير الشرط
والذي وقف ينتظرهما جانبا:
العريف : سيدي ..ساعدنا في أبعاد هذين
الصبيين.
يهرول كبير الشرط ويحوش الطفلين تاركا الفرصة
للعريف لاتمام عمله.
كبير الشرط : أساعدكما . حسن .
هش ش ش
تتحول الكاميرا على العامي والذي لازال يضرب
الأرض برجليه ويهتز ويصرخ:
العامي: أتركوني أيها الفسقة !
أتركوني أيهاالظلمة.
يلتفت اليه كبير الشرط ويوجه سوطه
نحوه ويخزه به في ظهره ويكرر الوخز
مع كل كلمة توبيخ يقولها له، كل هذا
وهو ممسك بالطفلين
كبيرالشرط: وأنت.. اسكت أيها اللئيم.اغلق فمك.
لاجدوى من صراخك هذا أتفهم أيها اللئيم ؟أتفهم؟
تتحول الكاميرا على المرأه والتي تخف
منجدة طفليها محاولة ابعادهما من
قبضة كبير الشرط وهي تغمغم
مستعطفه وبصوت خفيض :
المرأة: كفى ياسيدي أرجوك. دع الصبيين..
وشأنهما.. أرجوك دعهما !
تتوتر فجأة وتصرخ في كبير الشرط
محتجة:
المرأة: ويلك ! لم أنت قاس عليهما هكذا؟ هل أنت
بلا قلب ؟ بلا رحمه ؟ . إنه والدهم .
يتطلع اليها كبير الشرط بوجه متجهم
ثم يصرخ فيها وكأنها أقترفت شيئا منكرا:
كبيرالشرط : ويحك أيتها المرأة ! إليك عني! ماذا تفعلين ؟
كفي عن هذا وابتعدي من أمامي الساعة وإلا أوجعتك
بهذا السوط.
يرفع السوط مهددا. ترد المرأة
بإصرار وتحدي:
المرأة : كلا لن أبتعد.. فاضربني. بل اقتلني
إن شئت ولكني لن أترككم تأخذون زوجي
وتعتدون على أطفالي.. لن أترككم.. لن أترككم.
كبيرالشرط بصراخ ويبدو أكثر
تجهما وفظاظة :
كبير الشرط : قلت لك ابتعدي. هيا ابتعدي.. أنا لا أمزح
أيتها المرأة. .لا أمزح.
يدفع الصبية نحوها بهمجية ويقف
مقدما رجلا عن رجل ورافعا السوط
بيده اليمني ويشهره في وجهها
ويظهر الشراسة والجدية.
تتراجع المرأة للوراء مذعورة
متقية السوط - والذي يتدلى
من أعلاه خيط غليظ - براحتيها
المرتعشتين ويختل توازنها فتقع
أرضا على عجزها بين اطفالها
فييزداد بكاؤهم وتمتلئ عيونهم
رعبا. تنهض المرأة وتسوي من
إزارها ثم تستعيد تماسكها وتقول:
المرأة: يالك من شرطي بغيض .. تفوه
يتحسس وجهه قبل أن يزمجرفي نعيق
والشرر يتطاير من بين عينة :
كبير الشرط: ويلك ياشقية! اتفعلين هذا بي
أيتها الفاجرة؟
المرأة مكشرة وهي تدفع باصبعها نحو وجهه
بعد أن زال حاجز الخوف بينها وبينه:
المرأة: اخسأ ولا تقل فاجرة.. الفاجر هوأنت.. أنت
من ابتدأ الشر وجنح الى الأساءة والأذى..
أنت من أعتدى على كرامة الناس وهتك
حرمة بيوتهم.
كبيرالشرط: والله لأؤدبنك. !!!
يهوي بالسوط نحوها بكل شراسة
وتصميم وهويضغط على أسنانة.
تتدخل يد وتمسك بالسوط . تتراجع الكاميرا
فنرى شاب قوي البنية ذي وجه مائل
للمشاكسة وهو يتبادل امساك السوط
مع كبير الشرط.يتدافعان في الباحة بعنف.
ويتطاير الدجاج من بين أرجلهم وهويقوقو
ونسمع صوت العامي يصرخ في زوجته
وهو يُسحب للخارج:
العامي : ويحك أيتها المرأة؟ ما وقوفك هكذا ؟ ألا ترين ما يحدث ؟
هيا يا أمرأة.. ادخلي الدار أنت والصبية. ادخلي ادخلي..
هيا ادخلي..
تسرع المرأة بحشر الأطفال داخل المنزل
وتغلق الباب عليهم ونسمعهم يبكون في الداخل.
ثم تتراجع الكاميرا فنرى الشاب قد تصدر
زمام المبادرة وأجبر كبير الشرط
على التوقف. تركز الكاميرا على وجهيهما
فنرى الشاب يرمق كبير الشرط بعينين تقدحان
شرا ثم يدفعه بقوة فيتراجع كبير الشرط مترنحا
والسوط في يده يغادر المكان وهو يسوي
هندامه.يقف فجأة ويلتفت نحوالشاب
ويقول مهددا بحقد:
كبيرالشرط : ستندم قريبا أيها الحقير.
الشاب يلوي رقبته على كتفه ويبتسم ساخرا
غير مبال بالتهديد ويقول وهو يشير بابهامه
نحو المرأة – يذكره بموقفه معها - :
الشاب: الحقيرأنا أم أنت ؟
يهرول كبير الشرط هاربا نحو الخارج .
تتراجع الكاميرا فنرى الشاب يجري خلفه والشر في وجهه.
____________________
قطع
المشهد 2 في الشارع - خارجي / نهار
الكاميرا على كبير الشرط وهو يعبر الحاجز الحجري
الصغير لباحة المنزل المفضي إلى الشارع.
يميل يمينا ويتوقف فجأة ويلصق ظهره بالجدار
المائل الآيل للسقوط ويبقى متأهبا ،
ويبدو أن فكرة غامضة في رأسه يسعى لتحقيقها.
يخرج الشاب مسرعا ومندفعا إلى الأمام فيعترضه
الشرطي برجله في خشونة واضحه.
تنطلق صيحة عن الشاب وهويتدحرج مثل كرة الثلج
في الساحة الترابية. تستقر الكامير فنراه ممدا يجلله
الغبار ولاحراك له. ونسمع تتابع شهقات النساء
والأطفال من الجوار قبل أن يسرعن بعضهن
ومنهن زوجة العامي بالتجمع حول الشاب المجندل
على الأرض. يسرع كبير الشرط بابعادهم بينما يأخذ
في الاقتراب منه ويقول مفتخرا بلهجة قوية شامتة:
كبير الشرط : أما قلت لك أنك ستندم قريبا.؟
هل ندمت الآن أيها الحقير؟ هل ندمت ؟
يرفع رجله اليمنى كي يطأه. وفجأة يقعد الشاب
ويمسك برجل كبير الشرط قبل أن تبلغ هدفها
ويستجمع قواه بسرعة ثم ينطحه في بطنه
ويظل يدفعه ويسوقه كالثور أمامه وهو ينعق
حتى يصطدم ظهركبير الشرط بالجدار ونسمع
آهته متألما كما نسمع صوت ارتعاد الجدار.
وبسرعة يهربان ونرى الجدار ينهار ويفرق
بينهما.كل بإتجاه . قبل أن يختفيا في ثنايا
الغبار. بعد لحظات ينقشع الغبار ونرى
كل منهما يتفقد نفسه . كبير الشرط يسرع
ويغادر المكان في الزقاق العتيق الضيق.
وهو ينفض الغبار ويتحسس أثر الألم
في ظهره وجنبيه
___________________
قطع
المشهد 3 في المسجد الجامع - داخلي / نهار
لكاميرا على أسد الثغور ( عالم فوق سن
الأربعين ) يجلس في زاوية من المسجد
وهو يتوسط طلاب علمه ومريديه الملتفين
حوله في حلقات وهو يقول – بلسان
فصيح وصوت واضح مهيب - :
أسد الثغور: للعلم مكانته الرفيعة في الإسلام، وإذا أردنا
أن نعرّف الإسلام بقول مختصروجيزلقلنا أنه دين العلم.
فالعلم والأمر بالتعلم هوأول نداء موجه من السماء إلى
الأرض من المولى عزَ وجلَ إلى رسوله الأمين محمد
علية ا لصلاة والسلام ، قال تعالى " اقرأ باسم ربك الذي
خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي
علم بالقلم ، علم مالم يعلم "
يقترب من الكاميرا أثناء ذلك فنرى البشاشة
والنظارة وقوة الأيمان تتألق في وجهه
ويبدو نظيفا حسن الهندام مع بساطته
والعمامة محكمة الشد فوق هامته
وبشكل يوحي بالجد والاجتهاد:
أسد الثغور : العلم - أيها الأحبة – هو النور الذي يضيء
للأمة طريقها وينقلها من الضلالة والجهالة إلى الهداية
والحكمة قال تعالى: " هو الذي بعث في الأميين رسولا
منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة
وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"
يواصل بينما الكاميرا تتحول لاستطلاع وجوه الطلاب
فنراهم يستمعون اليه بإنصات وتركيز:
أسد الثغور : العلم في الإسلام فريضة أرشد أليها المولى
عز وجل ولهذا فقد رفع الله منزلة العلماء وجعل خير
الدعاء قول الله تعالى: " وقل ربِ زدني علما " ولقد كان
النبي صلى الله عليه وسلم يحث على طلب العلم فيقول
" من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى
الجنة " ويقول " يوزن مداد العلماء بدم الشهداء فيرجح
مداد العلماء دم الشهداء "
تعودالكاميرا لتجمعه بهم في لقطة واحدة وهو يقول:
أسد الثغور: ولم يتوصل المسلمون اليوم إلى ما هم فيه اليوم
من المنعة والغلبة والرخاء وهذه الدولة الواسعةوالمرهوبة
الجانب والمترامية الأطراف إلا بالعلم. فمنذُ أن اقبلوا عليه بنهم
وشغف منذ فجر الإسلام عزَ شأنهم وارتفع قدرهم وأصبحوا
سادة الأرض وحكام البلاد في هذا الزمان ، وهذا كله بفضل العلم
____________________
قطع
المشهد 4 في قلب المدينة - خارجي / نهار
الكاميرا على الشرطيين وهما يقودان العامي بعنف.
يتثاقل في المشي فيوسعانه لكما بيمناهما وتظل
يسراهما ممسكتين بكتفيه وهو يصرخ ويرفع يديه
المغلولتين إلى عنقه محاولا الفكاك وهما يمنعانه
وينجم عن ذلك اشتداد وطأة الرباط حول عنقه
ولذا يصرخ ويستغيث بصوت مبحوح :
العامي: دعوني وشأني! أتركوني. ويحكم يا فجرة! ويحكم
يا ظلمة! عنقي عنقي، النجدة. النجدة أكاد أختنق، أكاد أموت.
الرحمة. الرحمة وا مسلمون أغيثوني! أغيثوني!
تتراجع الكاميرا فنرى أسد الثغور واقفا يشاهد ما يحدث
وخلفه وبجانبيه عدد من طلابه ، تركز الكامير على
وجهه فنرى الغضب والاستياء فيه . يندفع بخطوات
سريعه ونسمع حفيف إزاره على ساقيه حتى يقف
في الطريق معترضا مسار العريف والشرطي ومجبرا
لهما على التوقف. ينهال عليهما بأسئلة الاستنكار
والاستهجان وبلهجة حادة:
أسد الثغور : رويدكما أيها الشرطيان ؟ ماذا فعل هذا المسكين حتى
يؤخذ على هذا النحو المزري؟ ولم هذا الضرب المبرح وهذا السلوك
السيء؟ ألاترحمان صراخه وتخففان عنه هذا الغل البغيض؟
ينحني ويمد يديه ويخفف الرباط عن عنقه قليلا.
تتحول الكاميرا على العريف والشرطي فنراهما
يتبادلان النظرات بعيون واسعة تبدو فيها الدهشة.
ينظرا خلفهما. تتراجع الكاميرا فنرى كبير الشرط
يدرج مقبلا نحوهما والسوط في يده. تظهر المرأة
تسير من خلفه عن بعد والصبية يتبعونها.
تعود الكاميرا لتركزعلى العريف وهو يرد
موضحا وبنبرة جلفة مبطنة بالتهديد:
العريف : إن هذا ما أمرنا به، فهذا الرجل مطلوب من قبل الوالي
نفسه، ونحن هنا إنما ننفذ وأمر السيد الوالي.. فلماذا
تعترض طريقنا أيها الرجل .. لماذا ؟
تتحول الكاميرا على أسد الثغور ويبدو لازال في سورة
غضبه وانفعاله وهو يسأل ويتسائل بحدة:
أسد الثغور: وهل أمركم الوالي أن تضربوه هكذا بقسوة
وبلا هواده ؟ هل أمركم الوالي أن تربطوه من يديه وعنقه؟
أليس من اللائق أن تأخذوه بطريقة أرفق من هذه ؟
يصل كبير الشرط ويزيح العريف بجلافة ويقف
هو في مواجهة أسد الثغور ويرد بلهجة ساخرة
وبلا مبالاة واضحة وهو يغمز ويلمز مستخفا
بالرجل الذي بين يديه مع تحريك السوط
والإشارة به عند كل كلمة يقولها:
كبير الشرط: أرفق من هذه ! كيف ؟ أن
نوطئ ظهورنا له ليركب عليها مثلا ؟
أم بتكبيله بقيد من الذهب والفضة ونثر
الورود والزهور في طريقه؟ وبوصفه
ماذا حتى نرفق به ؟
تعود الكاميرا على أسدالثغور مرة أخرى وهو يرد
بحزم واضعا النقاط على الحروف:
أسد الثغور : بوصفه ماذا؟ ويحك ! بوصفه إنسانا
كرمه الله واستخلفه على الأرض، وبوصفه مسلما
ينتسب إلى دين العدل والإحسان، وينتمي إلى خير أمةٍ
أخرجت للناس، أكثير عليه أن ترفقوا به وأن تحسنوا
معاملته وقد صار في أيديكم؟
أليس للمسلم كرامة عندكم يامعشررجال الشرطة ؟ ثم لم هذا
السوط الذي تتلاعب به مزهوا في يدك أيها الشرطي؟
كبير الشرط: هذا السوط.................... ......
يرفع السوط بيمناه للأعلى ويضرب به قي الهواء
محدثا فرقعة مصحوبة بهمهمة صادرة عنه
ومفرقا بعض الجمهور الذين احتشدوا في المكان،
قبل أن يواصل مفندا بخفة دم سمجة:
كبير الشرط: إنه سوطي، أسوط به الدهماء كي
يفسحوا الطريق للوالي، واضرب به دابتي
كي تسرع في المشي ، ولي فيه مآرب أخرى.
يضحك معجبا بنفسه ومستخفا دمه أمام
يخاطبه منتقدا الكاميرا على أسد الثغور
وهو يخاطبه منتقدا وموبخا:
أسد الثغور: تضحك مسرورا وكأن ثمة شرفٌ
ومفخرة لك فيما تقول وتفعل. ألا تخجل من نفسك
أيها الشرطي؟ ألا تتقي الله ؟ أتتعامل مع الناس
كما تتعامل مع دابتك ؟ أهكذا يعامل المسلم
أخاه المسلم بربك ؟
يظهر الخزي في وجه كبير الشرط ويطأطئ
رأسه خجلا. تقترب المرأة من أسد الثغور
وتجثو أمامه ثم تتطلع نحوه مستعطفة
متوسلة وتقول بصوت متقطع مفعم
بالحزن والمرارة والدموع تنهمر من
عينيها وتتدفق على وجنتيها:
المرأة: مظلوم يا سيدي، أقسم إنه مظلوم، إنه لم يقترف
أي شيء يمكن أن يؤاخذ عليه وهولاء الجنود أقتحموا
منزلنا وهشموا كل شيء فيه وقلبوه رأسا على عقب ثم أمسكوا به
وأخذوه عنوة على هذا النحوالذي تراه، بعد أن أثاروا الرعب
والفزع في نفوس أطفالي .. هل يرضيك هذا ياسيدي ؟
يعيقها النشيج لبرهة قبل أن تواصل وهي
تشير إلى الصبية:
المرأة: أتوسل اليك يا سيدي أن تأمرهم بإطلاق
سراحه ، من أجل هؤلاء ياسيدي ، انظر إليهم
إنهم صبية لم يعتادوا قط على فراق أبيهم .
تنخرط في البكاء ويتعالى نشيجها. يغلب الحياء
عليها فتغطي وجهها بكفيها وتنهنه في صمت.
تتحول الكاميرا على الصبية والذين يظهرون
وآثار الدموع واضحة في مآقي عيونهم وعلى
خدودهم، قبل أن تتحول على أسد الثغور وهو
يخاطب المرأة بإشفاق:
أسدالثغور: انهضي يا أمة الله وهدئي من روعك
ولا تجزعي هكذا أمام هؤلاء الصغار.
تتحول الكاميراعلى العامي والذي يظهر أشعث الرأس
رث الثياب ممزقها وفي حالة يرثى لها ويبدو أنه شعر
بالخجل لوجود زوجته في ذلك المكان لذا يخاطبها زاجرا:
العامي: ماذا أتى بك إلى هنا أيتها المرأة ؟ ألم أمرك
بعدم مغادرة الدار؟ هيا يا امرأة.. عودي من
حيث أتيت .عودي بالصبية إلى الدار..عودي
بهم ، لا تزيدني هوانا فوق هذا الهوان .
تعود إلى الوقوف بين الصبية. تتحول الكاميرا
على الشرطي وهو يقول وقدعاد إلى جلافته
مخاطبا أسد الثغور بضجر وهو يزفر
وينفث أنفاسه:
كبير الشرط: لقد نفد صبرنا أيها العالم، وليس
لك ولا لأحد هنا شأن بهذا الرجل، فهيا
أبتعد عن طريقنا.. لا تعيقنا أكثر من هذا .
يرد أسد الثغور بهدوء:
أسد الثغور: عدني أولا بأن تحسن معاملة هذا الرجل ،
فان سلوككم هذا ليس من الإسلام بل ليس من
الأخلاق في شيء.
كبير الشرط بنفاد صبر متجاهلا طلب أسد الثغور:
كبير الشرط: أيها الرجل .. أعلم أنك تعترض
رجال الشرطة وتتحداهم وهم يؤدون واجبا
أنيط بهم .. وإني أحذرك .. أحذرك لآخر مرة
من عواقب فعلتك هذه.
نسمع صوت الشاب والذي يتولى الأجابة
من بعيد رافعا صوته وبنبرة ساخرة:
ص الشاب: وما عسى أن تكون تلك العواقب؟
أتراكم ستأخذونه إلى السجن هو أيضا ؟
يرد الشرطي تلقائيا قبل أن يصل الشاب
وقبل أن يراه:
كبير الشرط: أجل.. فإن السجن هو عاقبة من يعتدي
على شرطي أو يعيقه عن عمله..
تتراجع الكاميرا فنرى الشاب قادما من
أحد الجوانب متجها إلى مركز الحشد
من خلال اختراق الناس وهو يبتسم
ويوزع الاعتذار وأعين الناس متعلقة
به ومندهشة لحاله وما عليه من غبار:
الشاب: المعذرة. المعذرة .. اسمحوا لي.
يصل فيقف بجانب أسد الثغور. تتلاقى نظراته
مع نظرات الشرطي. فيحتقن وجه الشرطي بمزيد
من الغضب ثم يزمجر في وجه الشاب قائلا:
كبير الشرط: أنت تلاحقني أيها الصعلوك..
تعتريه نوبة من الغضب فيدفع الشاب بقوة.
يتراجع الشاب للوراء مترنحا ويتفرق
الحشد يمينا وشمالا وتسودلفوضى في
المكان . الكاميرا على الشرطي وهو
يوجه الأمر للجنديين الممسكين بالرجل
صارخا فيهما وقد بدأ يستعد للمعركة:
كبير الشرط: تحركا أيها الأحمقان..هيا تحركا..
تحركا بسرعة.. بسرعة
الكاميرا على الجنديين وهما يستأنفان السير وبينهما
العامي متثاقلا. تعود الكاميرا لتجمع بين الشرطي ومجموعة
من الناس الذين يتحفزون للحاق بالجنديين يتقدمهم ذلك الشاب
ويبدو الشرطي غاضبا منتفخ الأوداج معترضا تقدمهم براحة
يده وبالسوط االمشهرفي وجوههم.يخاطبهم بصوت صارخ متوتر
من خلال ضجة الحشد:
كبير الشرط: توقفوا.. أبقوا في أماكنكم .. لا تقتربوا ..
تستقر عيناه الملتهبتان بالشر على الشاب
فيخاطبه بعصبية أكبر وهو يضغط على أسنانه
بشدة:
كبير الشرط: أنت أيها الأحمق المغرور، سألقنك درسا
لن تنساه بعد اليوم، لألهبن ظهرك بهذا السوط.
يهوي بالسوط مستهدفا الشاب والذي
يتراجع ملتويا كألافعى فتطيش الضربة
. يعود الشاب للاشتباك مع الشرطي
والواقف في مكانه متحديا وناظرا له
نظرة حقد.يحاول الشاب الاقتراب غير
مبال بالسوط. أسد الثغور يقحم نفسه
بينهما مانعا الشاب من التقدم ودافعا
له للتراجع للوراء والشاب يقاوم ويصر
على التقدم ويقول، مخاطبا، أسد الثغور
بحرقة وتلهف وهو ينظر للشرطي
مشرئبا بعنقه من خلال كتفيه :
الشاب: أتركني له يا سيدي، أرجوك أتركني..
مثله لابد أن يؤدب.. أنا بصير بتأديبه..
أرجوك يا سيدي . أن تدعني له..
يقفز ويحاول تجاوز أسد الثغور ويكثر
من الإلحاح عليه :
الشاب: انظر يا سيدي إنه يهرب.. دعني أتبعه
يا سيدي .. دعني أمسك به قبل أن يغادر.
يمسكه أسد الثغور بكلتا يديه ويهزه ثم يخاطبه
مهدئا وناصحا:
أسد الثغور: كلا يرحمك الله.. لسنا في حاجة للتشاجر
معهم ،نحن في غنى عن هذا وأكبر منه إن شاء الله
" هذا من كيد الشيطان إنه عدو مضلٌ مبين"
تتحول الكاميرا على الشرطي وهو يغادر
المكان خلف الجنديين مكفهر الوجه جاحظ
العينين يتحدث إلى نفسه في انفعال وحنق
ولا يلوي علي شيء. تعود الكاميرا
على أسد الثغور وهو يمسح بحنان
على رءوس الصبية في الوقت الذي
يستمع فيه لأمهم وهي تقول بحزن:
المرأة: أرأيت يا سيدي؟ لقد أخذوه. إنهم سيسجنونه ..
سيضربونه وهو مظلوم يا سيدي .. أقسم
أنه مظلوم .. أفعل شيئا يا سيدي أرجوك !!
أسد الثغور بهدوء وبصوت خفيض:
أسد الثغور: قرّي عينا يا أمة الله ولا تخشي شيئا فان الله
مع زوجك إن كان مظلوما، وأنا من جهتي سأفعل كل ما بوسعي
لإخراجه من السجن ، وان شاء الله يعود إلى بيته وأطفاله
سليما معافى في أقرب وقت ، والآن هيا أمتثلي لرغبة
زوجك وعودي بالصبية الى الدار.
___________________
قطع
المسهد 4 في ديوان قائد الشرطة – داخلي / ليل
الكاميرا على أسد الثغور وهو يتساءل باهتمام وجدية:
أسد الثغور: أفلا يجوز أن يسأل أحد عن أحد عندكم
إلا إذا كانت تشده إليه قرابة أو معرفة سابقة؟
وماذا عن ضعفاء المسلمين الذين لا قرابة لهم؟
وماذا عن بقية الناس الذين لا نعرفهم؟ أفلا يجوز
أن نهتم لأمرهم ونسأل عنهم ؟ لماذا تصعبون
الأمور هكذا أيها القائد ؟
تتراجع الكاميرا أثناء ذلك فنراه
واقفا يتحدث الى قائد الشرطة
الجالس منتفخا على أريكته. يرد:
قائد الشرطة: نحن نصعب الأمور !! .................
يضحك ضحكة قصيرة هزلية
قبل أن يواصل الحديث بغموض
وأسد الثغور يحدق فيه مندهشا
وهو يستمع إلى كلماته:
قائد الشرطة: كلا أيها العالم. هذا غير صحيح
فليس نحن من يصعب الأمور.. الأمور صعبة
بطبيعتها في هذا الولاية.
أسد الثغور مستفسرا وهو يقلب يده ظهرا لبطن
كمن يلحظ شيئا غريبا:
أسد الثغور: وما وهو وجه الصعوبة فيها؟ أخبرني؟
ما الأمر أيها القائد ؟
تتحول الكاميرا على قائد الشرطة وهويضرب بقبضة
يده على جانب الأريكة محتجا ويقول بصرامة وتجهم:
قائدالشرطة: بل أخبرني أنت أولا؟ لماذا اعترضت رجال الشرطة
ووقفت في طريقهم وهم يؤدون واجبهم في خدمة الأمن؟
أمن أجل ذلك العامي الذي لا تعرفه؟
تعود الكاميرا على أسد الثغور وهو
يرد بلهجة قوية واثقة ويبدو أن كلام
قائد الشرطة قد أستفزه:
أسد الثغور: وماذا كنت تتوقع مني أن أفعل وقد
رأيت رجال الشرطة يمتهنون كرامة الرجل
ويقودونه كالشاة لسلخها؟ أن أشير إليهم
بإيماءات التحبيذ والاستحسان ؟ أن أبارك
قسوتهم وسوء سلوكهم معه؟ أن أشد على أيديهم
وأساعدهم في ضربه ؟أكنت تتوقع مني
أن أفعل شيء من ذلك؟
ينهض قائد الشرطة معترضا ثم
يتقدم بخطى وئيده وهو ويقول:
قائد الشرطة: وما شأنك أنت حتى تفعل أو
لا تفعل ؟ هل نصّبت نفسك وصيا على الناس
في هذه الولاية ونحن ل انعلم ؟
يقف على مقربة منه مستمعا
إلى رد أسد الثغور:
أسد الثغور : كلا بالطبع. كان عليّ بطبيعة الحال
أن أتدخل لإنقاذه من براثنهم وأرشدهم
إلى الحق، وهذا فعلا ما قمت به حسبة
لله وامتثالا لأمره سبحانه وتعالى.
قائد الشرطة ينحني متسائلا
وهو يتظاهر بالدهشة:
قائد الشرطة: ماذا قلت ؟ حسبة؟ حسبةعلى من؟
على رجال الشرطة ؟
يواصل وهو يشمخ بأنفه ويشيح بوجهه فخرا وكأنه
يريد أن يلقنه درسا:
قائد الشرطة: رجال الشرطة لا حسبة عليهم
أيها العالم. رجال الشرطة ليسوا بحاجة إلى
من يشير إليهم بما ينبغي وما لا ينبغي
.. رجال الشرطة لا يمتثلون إلا لأوامر رجلين
في هذه الولاية. رجلين فقط. الوالي وأنا..
يشير بأصبعيه السبابة والوسطى
بشكل متناوب. يسكت هنيهة متأملا
في وجه أسد الثغور ثم يضيف
مخففا من حدة لهجته :
قائد الشرطة: كان عليك أن تأتي إليّ وتخبرني
بالأمر وأنا أرى فيهم رأيي.. أما أن تعترضهم
أنت وتقف حجرة عثرة في طريقهم فهذا
غير مقبول.. غير مقبول ألبتة..
يرد أسد الثغور بدهشة
أسد الثغور : أترك الرجل يموت بين أيديهم
وآتي اليك.. . كيف هذا أيها القائد؟
يقهقه قائد الشرطة ضاحكا قبل
أن يثبت في مكانه ويقول ببرود
ولا مبالاة:
قائد الشرطة : وما أدراك أنه سيموت في أيديهم ؟
أمثاله من العامة لا يموتون بسهولة.. إنهم كالقطط
يعيشون بسبعة أرواح، نحن أعلم بهم منك، وها هو
صاحبك حتى الآن لازال حيا..حيا يرزق، بل لم يصب
بأذى رغم كونك لم تفعل شيئا من أجله سوى إعاقة
رجال الشرطة وتأخيرهم أليس كذلك ؟ أيها العالم ؟
أسد الثغور: حسبي أن حاولت وبذلت جهدي في
مساعدته وإنقاذه..والأمر لله أولا وأخيرا..
يسود الصمت هنيهة ولحظات
ترقب يقطع قائد الشرطة الصمت
قائلا – وهو يلوي رقبته -:
قائد الشرطة: وحتى لو كان ما زعمته صحيحا ..
وحتى لو كانت غايتك حميدة ونبيلة..
فقد انطوت الوسيلة على خطأ كبير..
يظهر الاستغراب في وجه
أسد الثغور فيقول:
أسد الثغور: خطأ كبير؟ أي خطأ أيها القائد ؟ ........
قائد الشرطة يعود إلى الحدة والتجهم:
قائد الشرطة : كان عليك أن تقابل رجال الشرطة
بهدوء وروية دون مظاهرة بالتحمس المكشوف
أو التحدي السافر..كان عليك أن تتدخل من غير
تعنيف ولا تسفيه أو استغلال للأحداث في مجد
زائف أو بطولة متهافتة.
ينظر له فيراه يبتسم فيقول محتجا
قائد الشرطة : ما بك ؟ لماذا تبتسم هكذا؟ هل
فيما قلته ما يدعو للضحك والابتسام؟
أسد الثغور يهز رأسه باسما
أسد الثغور : أبتسم للهجتك المتشددة هذه
وما جادت به قريحتك من أوصاف متعسفة
نعتني بها .. أي مجد وأي بطولة أيها القائد ؟
أكل هذا لأني حاولت أن أفعل شيئا لعامي
مسكين ؟ كيف لو كان الأمر أكبر من ذلك ؟
تسمع خطوات قادمة. تتراجع
الكاميرا فنرى الشرطي وهو
يدخل متراخيا فيرمي قائد الشرطة
ببصره نحوه وقد وقف ليقول:
كبير الشرط : إني ذاهب يا سيدي .. هل تريد شيئا قبل أن أغادر؟
قائدالشرطة: وماذاعن ذلك العامي الأبله ؟ صاحب هذا
يشير قائد الشرطة نحو أسد الثغور
برفع حاجبيه وتحريك رأسه بشكل مائل:
كبير الشرط : وضعناه في السجن يا سيدي..
سيراه الوالي غدا أو بعد غد .
ينهض ويأخذ بيده وينتحي به إلى
زاوية في الديوان فيهمس له قائلا:
قائدالشرطة : كيف حاله الآن ؟ أهو بخير؟
يرد الشرطي مغلضا صوته عن عمد
وهو يتلفت خلفه كأنه يريد أسماع
أسد الثغور:
كبير الشرط: أجل يا سيدي بخير. إنه يتقلب في سجنه
مثل حمار وحشي .
قائد الشرطة: وكيف وجدتموه ؟ أهو مذنب حقا ؟
كبير الشرط: أجل يا سيدي هو مذنب بالقطع ..
مذنب من رأسه حتى أخمص قدميه ..ثبت ذلك
بالقرائن والشهود .. لو لم يك مذنبا لما كان
هنا إنه صاحب الضيعة يا سيدي.
قائد الشرطة يعود ليجلس على أريكته.
يطرق قليلا ويأخذ بحك لحيته ورأسه.
بعد هنيهة ينتزع رأسه عن صدره ويقول:
قائدالشرطة: حسن أحضره إلى هنا
__________________
قطع
الكاميرا على قائد الشرطة وهو لازال في مجلسه
يتحدث إلى أسد الثغور والذي يقف أمامه:
قائد الشرطة: أسمع أيها العالم ها أنت قد سمعت
بنفسك قصة هذا الرجل وإذا أنت أردت له
أن يخرج من هنا فأدّ لأصحاب الحقوق حقوقهم
وأصلح ما تسبب في إفساده من إتلاف لزرعهم
ومحصول عامهم .. فلا ضرر ولا ضرار ومن
أحدث ضررا فعليه أصلاحه .. هكذا يقول الشرع..
تتراجع الكاميرا أثناء ذلك فنرى العامي
واقفا على يسار أسد الثغور والشرطي
منتصب خلفه، ونرى العامي يهز رأسه
مباركا كلام أسد الثغور وهو يرد
على قائد الشرطة:
أسدالثغور: وأين أصحاب الحقوق هؤلاء ؟
لماذا لم تبعثوا اليهم كي يحضروا إلى هنا
حتى يواجههم ويرد على ادعاءاتهم ؟
أليس حري بكم أن تفعلوا هذا قبل الحكم
بادانتة؟ أليس هذا ما يقوله الشرع أيضا ؟
يعود قائد الشرطة لحك لحيته ورأسه
ويطرق مفكرا وكأنه يتملى في كلمة
أسد الثغور. بعد هنيهة يرفع رأسه
ويحدق في الشرطي قائلا :
قائد الشرطة: هذا صحيح .. أين خصومه أيها
الشرطي؟ لم تحضروهم إلى هنا لنرى رأينا
فيهم؟ هيا أذهب لإحضارهم أيها الشرطي
..أذهب لإحضارهم.
يتراجع ثم يجلس على أريكته.
تتحول الكاميرا على الشرطي
والذي بدت عليه علامة التعجب
والدهشة وهو يرد:
كبير الشرط: أذهب لإحضارهم ؟ لا داعي يا سيدي ؟
إنه فقط خصم واحد وهو رجل معروف، ثقة،
لا يمكن أن يدعي عليه زورا وبهتانا.. خصمه
يا سيدي رجل نزيه لا يكذب ولا يمكن له أن يكذب ..
أنت تعرفه ي اسيدي.. إنه...
يستمع قائد الشرطة بضيق لكلمات
الشرطي ثم يشير بيده نحوه
ويقول مقاطعا ، بتذمر واضح:
قائدالشرطة: أجل اجل أعرفه اعرفه والوالي
يعرفه أيضا وما من أحد في المدينة الا وهو
يعرفه .. أليس هذا ما تريد قوله ؟
يتدخل أسد الثغور مخاطبا قائد الشرطة:
أسد الثغور: أيها القائد إن العصمة لأنبياء
الله ورسله فقط.. أما البشر فليسوا معصومين
ولا منزهين عن الكذب والخطأ.. فإن الشيطان
يجري في ابن آدم مجرى الدم في شرايين الجسد ..
ومشكلة هذا العامي لا تحل إلا باستدعاء خصمه
ليمثل أمامه وجها لوجه ويدلي كل منهما بحجته
وبيانه ويأتي بشهوده .. ومهما كان خصمه
فهو ليس بأفضل من علي بن أبي طالب كرم الله
وجهه والذي مثل وهو أمير المؤمنين بين يدي
شريح القاضي أمام خصمه اليهودي.. فاتبع هذا
إذا كنت تريد للحق أن يحق ولميزان العدالة
أن يستقيم..
تتحول الكاميرا على قائد الشرطة
وهو يقول كأنه يريد وضع حد
ونهاية للجدل الدائر:
قائد الشرطة: اسمع أيها العالم أنا لست قاضيا
هاهنا لأضيع وقتي في سماع دعوى من هذا وإجابة
من ذاك أو أشغل نفسي بالقرائن والشهود والبينان ..
إنا هنا صاحب شرطة مهمتي هي حفظ الأمن
والنظام والضرب على أيدي المفسدين والعابثين
وإن كان هذا لا يروق لك فدونك الوالي ، دونك الوالي.
يهز سد الثغور رأسه دون أن يكلمه
ويخرج مقلوب الوجه:
____________________
قطع
المسهد 5 في مجلس الوالي – داخلي / نهار
الكاميرا على الوالي ( رجل خمسيني السن ،
متوسط القامة ذو وجه طويل نسبيا توحي
تجاعيده بمزاج عصبي وفوق هامته عمامة
طويلة تشبه القمع ) ويظهر أمام الكاميرا
وهو يقول، بنبرة عتاب:
الوالي: لقد سمعت كثيرا عن علمك وفقهك
وكنت أود أن أقربك مني لتكون مستشارا لي
ومعلما لولدي، بيد أن ما فعلته بالأمس قد أوغر
صدري وأغضبني منك كثيرا.
تتراجع الكاميرا فنراه يتحدث الى أسد الثغور
الواقف أمامه واثقا من نفسه .يظهر أبو مسلمة
( رجل أصغرسنا من الوالي وأصح منه جسما ،
وعليه عمامة مستديرة )جالسا على مقربة من
يمين الوالي .يواصل الوالي كلامه
لأسد الثغور بلهجة غاضبة:
الوالي: كيف تجرؤ على التعرض لرجال الشرطة
وهم يؤدون واجبا أوكل إليهم ؟ أولا تعلم أن
في ذلك إخلال بالأمن ومساس بهيبة الدولة ؟
تتحول الكاميرا على أسد الثغور
وهو يرد موضحا ومصححا:
أسد الثغور: أنا لم أفعل أي شيء يغضبك أيها الوالي..
ولم أرتكب أي ذنب يخل بالأمن أو يمس بهيبة
الدولة، كل ما فعلته هو أنني أديت واجبي
الذي يحتمه علي ديني وخلقي..
تعود الكاميرا على الوالي وهو يقول
محتجا، ويبدو غاضبا متململا غير
مستقر على أريكته:
الوالي: واجبك ؟ هل واجبك أن تتحدى رجال الشرطة
وأن تحمل الناس على مخالفة أوامر الوالي؟ هه..
أتريدنا أن نفقد هيبتنا ونحن في هذه الولاية النائية؟.
أنسيت أن الروم على بعد مرمى حجر من مجلسي
هذا وأنهم يترقبون أدنى وهنٍ منا لينقضوا علينا
كالصقور الجارحة؟
أسد الثغور وهو واثق مما يقول:
أسد الثغور: إن الدين النصيحة - أيها الوالي- وتغيير
المنكر واجب شرعي ، وإن كوننا في ولاية نائية
متأخمة للروم لا يعفينا من القيام بهذا الواجب ،
فإن أوامر الله ورسوله يجب أن تؤدى في كل زمان ومكان،
فهل تضيق ذرعا بهذا الواجب الشرعي أيها الوالي؟
الوالي منفعلا بسرعه يرفع ظهره
عن الأريكة ويميل الى الأمام في
مجلسه و يشير بسبابته نحو
أسد الثغوربحدة وبشكل مركز ،
وكأنه يريد افحامه:
الوالي: وما علاقة ما فعلته أنت مع رجال الشرطة
بهذا الواجب الشرعى؟ أترى أن قيام رجال الشرطة
بواجبهم منكرا يا هذا ؟
ينظر لأبي مسلمة ويبقي صامتا كأنه
ينتظرتجاوبه معه. تتحول الكاميرا
على أبي مسلمة والذي يتردد بضع
لحظات قبل أن يتدخل قائلا - بشيء
من التخابث قالبا عينية نحو الوالي
ومتحاشيا النظر الى أسد الثغور:
أبومسلمة: إن كان يرى ذلك فقد جانب الصواب
وهو مخطىء في قصده يا سيدي.
يرد الوالي منفعلا ومؤكدا كلام أبي مسلمة:
الوالي: قطعا هومخطىء. فإن المنكر الحقيقي
هو أعتراضه لهم وإعاقتهم عن عملهم وما أنيط بهم
من واجب لتعزيزهيبة الدولة وإرساء دعائم الأمن
والاستقرار في ولاية الثغور ، إنهم يعرفون كيف يؤدون
واجبهم ويتعاملون مع الناس ، وهم ليسوا في حاجة
لرأي من مشير أو نصيحة من ناصح ،
أليس كذلك يا أبا مسلمة ؟
أبو مسلمة مباركا كلام الوالي:
أبو مسلمة: بلى أيها الوالي .. هذا أمر لاشك فيه.
فإن ذلك يفسد عليهم عملهم ويحمل العامة
على الجرأة عليهم والاستهانة بهم. وهم صمام الأمان
وعماد الاستقرار في هذه البلاد.
تتحرك الكاميرا نحو أسد الثغور
فيبدو وهويقول بأسف، متجاهلا
الرد المباشر على أبي مسلمة:
أسد الثغور: ولكني حين رأيتهم لم يكونوا يقومون
بعمل يخدم الأمن أو الاستقرار. إنما رأيتهم يضربون
رجلا من عامة المسلمين. فهل تدعيم هيبة
الدولة يكون بضرب الناس وعلى حساب كراماتهم؟
وهل توطيد الأمن والاستقرار يكون بإلغاء
حرياتهم وهتك أعراضهم أيها الوالي ؟
يصمت أسد الثغور ويظل للحظة
مترقبا الرد من الوالي ولما لم يرد
الوالي يواصل أسد الثغور بهدوء
وتركيز مستهدفا قلب الوالي وهو
يتحرك ببطء في المجلس :
اسد الثغور: أيها الوالي، إن مارأته عيناي بالأمس كان
منكرا بالفعل، منكرا يجب تغييره وإزالته وما كان يمكن السكوت
عليه، من مكلف مثلي وأنا أقرأ وأعي حديث رسول الله عليه
الصلاة والسلام القائل:" ما من عين رأت منكرا – أو معصية لله –
فلم تغيره إلا أبكاها الله يوم القيامة وإن كان وليا لله
" ولا خير في مسلم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر
لا يؤدي وظيفة الأمربالمعروف والنهي عن المنكر.
تتحول الكاميرا على ابي مسلمة
ويبدو قد واتته الجرأة فنراه يقف
فيقول بنبرة تهكم، ويبدو من كلامه
إنه يستهدف إثارة الوالي :
أبو مسلمة: وكيف تريد الوالي أن يتعامل مع الجناة
والآثمين ؟ أتريد الوالي أن يلين لهم فيسرح الناس
في المعاصي ويثبوا على سادتهم وكبرائهم؟
لابد من الشدّة والغلظة وإلا فسد أمر الناس.
يتحول فيجلس عن يسار الوالي بينما
تتحول الكاميرا على أسد الثغور وهو
يقول مخاطبا الوالي:
الثغور: بل الرفق هو المستحب في التعامل مع الرعية،
أ يها الوالي ، فإن الرفق ما كان في شيء إلا
زانه والعنف ماكان في شييء إلا شانه والله عزوجل
رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالايعطي
على العنف ، هكذا علمنا المعصوم صلى الله عليه وسلم ،
والذي خاطبه ربه في كتابه الكريم بقوله:
" ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"
تتحول الكاميرا على الوالي وهو يقول
- وكأنه وجد زلة على أسد الثغور يمكن
أن يأخذها عليه - :
الوالي : أراك تتحدث عن أمر لمّا تلزم به نفسك،
ولما تسلكهكه في نصحك ووعظك ؟ فبالله أخبرني،
كيف تعاملت أنت بالأمس مع رجال الشرطة ؟
أسد الثغور: وكيف تعاملت معهم ؟ لم أتعامل معهم
إلا وفق ما يقتضيه العقل والموقف في ذلك الوقت.
الوالي يهز رأسه ويقول وفي صوته
نبرة تكذيب:
الوالي: أهكذا تعاملت معهم ؟ ألم تطلع عليهم
وكأنك طالب ثأرعندهم ؟ فكيف بعد هذا تتحدث
عن الرفق وتدعونا الى نبذ العنف ويا من يعلم الناس
هلا لنفسك كان هذا التعليم؟ أم أنك تعد نفسك
استثناء من ذلك ؟
أسد الثغور : أصدقك القول أيها الوالي أنا ربما كنت
غاضبا حقا عندما قابلتهم في بداية الأمر وقد أكون
انفعلت أيضا وأنا أحدثهم. ولكن ذلك لم يكن تحديا أو
استعراضا للقوة. فأنا لم أقذف الشرط بالحصى،
ولم أقابلهم بالعصى أوأشهر السيف في وجوههم ..
ثم أن انفعالي حينئذ كان من أجل الحق..أي نعم من أجل
الحق..فما رأيته أيها الوالي حقيقة قد أذهلني وحز
في نفسي..فهل في استنكار مثل هذه المخالفات
ما يغضبك أيها الوالي ؟
شدة الانفعال:
الوالي: أجل فيه ما يغضبني. فقد كان الأحرى بك
أن تشغل نفسك بطلاب علمك وحلقة درسك
في المسجد لا أن تضيع وقتك ووقتي وقت الجنود
بالتدخل في شأن لا يعنيك ولا ناقة ولا جمل لك فيه.. .
أسد الثغور بكلام حاسم قاطع
كحد السيف :
أسد الثغور : أيها الوالي، اعلم أنني رجل من
المسلمين أختلط بالناس وأعيش بينهم ولست
راهبا في صومعة منقطع للعبادة، وإني " إذا لم
أحرس الشرف ولم أحم الحقوق ولم أمر بمعروف
ولم أنه عن منكر.. ولم أرض لله وأغضب من
ولولا طرفت لي عين "