صاحب الجنتين
يحيى بشير حاج يحيى
مسرحية
ذات فصل واحد من مشهدين
شخصيات المسرحية
- الشقيق الأول : رجل مؤمن أنفق ماله في سبيل الله .
- الشقيق الثاني : متشكك بالآخرة . حريص على الدنيا لديه بستانان اشتراهما مما ورثه عن أبيه .
- عدد من الجيران مع عدد من الأعوان .
المشهد الأول
[ تفتح الستارة ، و تظهر لوحتان كبيرتان جدا ، و بينهما نهر ، تمثلان بستانين فيهما نخيل و أعناب و زروع ، وقد وقف الشقيقان قربهما يتحاوران]:
- المتشكك : ( وهو ينظر إلى بستانيه بإعجاب )
ما أجمل هذا البستانا
يعطيني ثمرا ألوانا
أعنابا أجنيها مالا
و ثمارا جُلى و غلالا
- المؤمن : اشكرْ ربك كل أوان
- المتشكك : (مستمرا في تجاهله و عجبه )
انظرْ ، ما أحلى بستاني
- المؤمن :
اشكرْ من خلق الأشجارا
و حَباها ورقا و ثمارا
- المتشكك : ( مصرا على غفلته ، و محاولا تذكير أخيه بفقره، بلهجة بين العجب و الاستهزاء )
قل لي ، أين ذهبت بمالك ؟!!
( ثم يشير إليه باستخفاف) :
من يرضى حالا من حالك ؟!
( مشيرا إلى بستانيه ) :
هذا كرمي .. هذا نخلي
فلماذا لم تفعل مثلي ؟؟
- المؤمن : (باعتزاز ) :
مالي أ ُنفق في الطاعات
لم يذهب ، لكن هو باقي
عند الوهاب الرزاق ِ
المتشكك: ماذا ينفعك الإنفاقُ أنفقْ وسيأتي الإملا قُ
( بعجب مشيرا إلى نفسه ،واضعا يده على صدره ، منحرفا عن أخيه قليلا ،كأنما يخاطب عددا من الناس )
فأنا لم أنفق من مالي قرشا ، فغدا المال كثيرا
( متباهيا وهو يدور حول نفسه نصف دورة )
فغدا عندي المال كثيرا فغدا عندي المال كثيرا
وغدا عندي بستانان
(مشيراإلى البستان الأول )هذا الأولُ
(ملتفتا إلى البستان الثاني) ذاك الثاني
المؤمن :( بهدوء)
هل تعطي حق الفقراء ممّا قد أعطاك اللهُ
- المتشكك : ( تعلو نبرة صوته )
-
لا أعطي شيئا لفقير
أو أعطي ؟ كي ينقص مالي ؟!
لو يأتي يوما مسكين
كي يجلس ما بين ظلالي
( يشير بإصبعه باتجاه المدخل ) :
أصرخ ، هيا ، هيا ، فاخرج
و ابحث عن غيري في الحال
المؤمن : هل تعرف حق الجيران ؟
المتشكك : ( باستغراب و دهشة ) :
أو أعطيهم من بستاني ؟
و ثماري ! أتضيع ثماري ؟!
لا أعطي تعبي للجار
هذا أمر لا أفعله
هذا أمر لا أقبله !!
المؤمن : ( محذرا و ناصحا )
احذر مِن كفر ٍللنعمة
أخشى أن تأتيك النقمة
فنخيلك ، و الثمر الداني
و زروع شتى الألوان
رزق من رب الأكوان
المتشكك : ( وقد تضايق من كلام شقيقه ، محاولا تغيير الحديث و داعيا شقيقه ليجلس معه على مقعد قريب ) :
دعني من هذي الأقوال
و اجلس و تنعّمْ بظلالي
( يشير إلى النخل مفتخرا )
ما عندك ثمر من ثمري
مسكين أنت ، و لا تدري
أموالي .. خيراتي كثيره
و أنا أكثر منك عشيره
المؤمن : ( يقول منزعجا )
لكن ربك قد أعطاك
كي تشكر فيما أولاك
( ثم يشير إلى النهر ) :
و الدنيا مال و غرور
و عسى هذا الماء يغور
المتشكك: ( يقف بتحد )
بستاني لا يفنى أبدا
وستبقى تلك الأشجار
لتغرد فيها الأطيار
فأنا أسقيه و أزرعه
و أنا من سوء أمنعه
( ينخفض صوته ، و يتكلم ببطء ، و هو مغمض العينين ، كمن يحلم بشيء )
و سأحيا في ظل الشجر
أجني خيرات من ثمري
و أعيش سعيدا مسرورا
و يكون الإنتاج وفيرا
يشير إلى البستان ) :
ما في الدنيا مثل ثماري
أو بستاني ، أو كالدار !
هذي الجنة؟... بل هي جنه
فيها ما الإنسان تمنى
هي باقية أبد الدهر
و الخير بها ، ذهب يجري
( ملتفتا إلى شقيقه ) :
هذي الجنة ، ليس سواها
ما أجملها !!ما أبهاها !!
المؤمن ( يقطع حديثه ) :
اُ ذكرْ جنات الرحمن
ذات البهجة و الأفنان
المتشكك(محتدا) :
ما مِن عيش بعد القبر
ليس هناك حياة أخرى
مَنْ قال الساعة قائمة
و سيأتينا يوم الحشر؟!!
المؤمن :
لا تغترّ بمال الدنيا
و اشكر ربك حق الشكر
المتشكك : (يتراجع قليلا عن موقفه ، و يحاول استدراك ما فات)
قد... قد نبعث من بعد القبر
قد نبعث ، و تقوم الساعه
المؤمن : أين إذا أعمال الطاعه ؟
المتشكك: ( بحدة)
لا أحتاج لها في الحشر
أموالي ترفع من قدري
( يشير إلى بستانه )
و سأُعطى خيرا من هذا
و سأملك جنات تجري
إن كان هنالك آخرة ٌ
أو أن الساعة آتية ٌ!
المؤمن : ( موبخا و معنفا) :
أو تكفر بالله الباري
أو تنسى نعم الغفار ؟!!
فالله تعالى الخلاق
قد أنعم و هو الرزاق
( ثم يشير بيده إليه ) :
من ؟ قل لي ، من ذا سواك ؟
أو تكفر بالله الباري؟
و هو الخالق قد أنشاك ؟؟
المتشكك : ( في غضب ) :
أتوبخني في بستاني ؟
أتعلمني من أنشاني ؟
فأنا حر في إيماني ...
المؤمن : ( ناظرا ببصره إلى السماء ) :
لكني عبد لله
أعطاني عقلا و هداني
فأنا لا أعبد إلا هو
فهو الباقي ، وهو الله
( ملتفتا إلى شقيقه ) :
قل : حمدا ، حمدا لله
لا قوة إلا بالله
و اشكر و اذكر نعم الله
المتشكك : ( باستهزاء و غرور )
لكنْ ربك قد أغناني
فغدا عندي بستانان
و أنا أغنى أكثر مالا
و عيالا بل أحسن حالا
المؤمن : إن كان بنوك مع المال
أكثر ، أو أحسن من حالي
فعسى ربي أن يؤتيني
خيرا مما قد أعطاك
و عسى أن يرسل حُسبانا
و عذابا، ليكون هلاكا
فتصير الأشجار وقودا
و زهور تمسي أشواكا
و الأرض الخضراء حصيدا
لا نبتٌ فيها ، لادور
و مياه للنهر تغور
المتشكك: (بغضب) :
أنت مليء مني حسدا
جناتي لا تفنى أبدا
المؤمن : لست حسودا فاسمع قولي
المتشكك : ( بإصرار )
لا ، بل تحسدني في فضلي
المؤمن : ( يهم بالخروج ، و يلتفت إلى شقيقه ) :
فستذكر ما كنت أقول
المتشكك : ( مستمرا في عناده )
لا أسمع ما أنت تقول
لا ، فالنصح لديك فضول
(يخرج المؤمن ، ويبقى المتشكك وحيدا ، ثم يصيح فرحا ) :
ما أجمله من بستان
فيه من كل الألوان
لا ، بل عندي بستانان
أحيا بهما، و أنا هاني
( يشير إلى البستان الأول ) هذا الأول ما أبدعَه ُ
( ثم يشير إلى الآخر) : بل ما أعظم هذا الثاني
المشهد الثاني
( لوحتان تمثلان بستانين قد يبست أشجارهما ، و تساقطت ثمارهما ، و تهدمت البيوت وأصبحت خرابا )
( يدخل صاحب البستان .. يفتح عينيه دهشا ، و قد ربط لسانه ، يضع يده على رأسه .. ثم يصيح :
يا ... ويلي ، ويلاه ، ويلي؟!
جفت أرضي ، ثمري ، نخلي
أعنابي .. آهٍ أعنابي
أتعابي ... ضاعت .. أتعابي
أين ظلال النخل المثمر
و النهر العذب المتفجر
(يعيد مقعدا إلى وضعه الصحيح ، و قد انكفأ على وجهه ، يجلس و هو يضرب كفا بكف )
( و يتابع ندبه ) :
يا مالي الضائع ، يا مالي
يا نخلي اليابس ، يا عنبي
يا نهرا عذبا لا يجري
أصبحتَ بعيدا عن طلبي!!
(يعود إلى الوقوف و هو ينادي ) :
يا جيراني يا جيراني
أنا في بحر من أحزان
( يطل أحد الجيران و يقول له ) :
لم تعرف حق الجيران
هل ذاقوا ثمر البستان
المتشكك : ( ينادي بعصبية ) :
يا أنصاري ، يا أعواني
أنا في بحر من أحزان
(يطل أحد الأعوان ، و يقول له ) :
لا تطلب عونا من أحد
لم تعرف حق الأعوان
المتشكك : ( ييئس منهما فيصيح ) :
يا إخواني ... يا إخواني
المؤمن : ( يدخل في هذه الأثناء ) :
لم تعرف حق الإخوان
لم تذكرهم بالإحسان ؟!
المتشكك : ( بتضجر ، يرفع صوته ) :
يا شيطاني ... يا شيطاني
المؤمن : نادِ لتظفر بالخذلان
كنت مطيعا للشيطان
المتشكك (استبد به اليأس من نجدة المعارف و الأتباع فيصرخ باكيا ) :
من ينقذني ؟ من ينجدني ؟
من ينقذني ؟ من ينجدني ؟
من يرجع جناتي خضرا
و سأعطيه الأجر و عشرا
المؤمن : لن يرجعها أحد أبدا
لن يصلح منها ما فسدا
المتشكك : ( نادبا حظه من جديد ) :
ضاعت أموالي ، أرزاقي
كيف سأحيا في إملاق ؟!
يا ليت الإشراك بربي
لم يدخل يوما في قلبي
المؤمن : لن ينفع دمع و ندامه
فعلام الآهات علامه؟!
أو لم تنكر في إصرار
و تقل : ليس هناك قيامه؟!!
المتشكك : (بتوسل) :
ليت مياه النهر تعود
يوما كي يخضر العود
كي أسقي زرعي ونخيلي
كي أروي بالماء غليلي
أحد الجيران : ( بهدوء) :
ذبل الزرع ، و غاض الماء
فابك لن ينفعك بكاء
المؤمن : ( بتوبيخ ) :
أولم تكفر من يومين ؟
و تباهيت ببستانين ؟
( متهمكا ) :
لِمَ لمْ تُنصر بالأموال ؟
لم لم تُحفظ من أهوال ؟
( يلتفت إلى البستانين ) :
أمر الله أتاها ليلا
فغدت طينا وغدت وحلا !
لا نبتٌ فيها، لا ثمر
لا زرعٌ يبدو ، لا شجر
( ينقل بصره بين شقيقه و بين البستانين ) :
أنت اخترتَ لنفسك هذا
فاحصد ما زرعته يداكَ
من يشرك بالله تعالى
فسيلقى ما قد أخزاكَ !
فعلام – قل لي – تتباكى ؟؟
المتشكك : ( غاضبا ،و منكرا ) :
ليس صحيحا قولك هذا
فلماذا تتهم لماذا ..؟
المؤمن : ( مفحما له ) :
أولم تكفر بالرحمن
و تقل عندك بستانان ؟!
أبقى من روضات جنان ؟
و تقل : إنهما كالجنة ؟
وثمارهما ليست تفنى ؟
المتشكك : بانكسار ) :
قلت وكان القول غرورا
ذلك من جهلي وغبائي
المؤمن : كنتَ جحودا ، كنت كفورا
نلتَ بذلك بعض جزاء
المتشكك : ( باستسلام ) :
صار حطاما ما أملكه
المؤمن : ( مشيرا للأشجار ) :
والله تعالى مهلكه
لكني أنفقت المالا
أبغي وجه الله تعالى
فيضاعفه ، ويباركه
المتشكك : ( بانكسار و أسى ) :
مالك باق ٍ، مالك باقي
المؤمن : ( يرفع كفيه ) :
حمدا لله الرحمن
حمدا لله الرزاق
فهو إلهي لا ينساني
( يخرج المؤمن مع الأعوان والجيران ، ويبقى المتشكك يقلب كفيه ) .