بين أطلال ألبانيا
من المسرح السياسي (5)
بين أطلال ألبانيا
بقلم الأديب الكبير: علي أحمد باكثير
- 1 -
في منزل الرفيق تروفسكي القوميسار الروسي بتيرانا عاصمة ألبانيا (تروفسكي وزوجته نفتاليا).
نفتاليا: (عابسة) لكأني بأوامر موسكو تصدر بنقلك!
تروفسكي: لينقلوني حيثما شاءوا فإني لا أبالي.
نفتاليا: كأنك لا تقدر ما أنت فيه من النعمة هنا في ألمانيا.
تروفسكي: أما يزال كابوس الشظف الماضي يزعجك يا نفتاليا؟ إن كنت خائفة على حياة البذخ هذه فاعلمي أنها ستتبعنا أينما كنا من البلاد الدائرة في فلكنا الأحمر؟
نفتاليا: وإذا نقلوك إلى سيبيريا؟
تروفسكي: سيبيريا؟ كلا لن يحدث شيء مما تخشين.
نفتاليا: هل نسيت أنك كنت من المشكوك في ولائهم للمارشال ستالين وأنهم نقلوك إلى هنا ليختبروك ويبلوا نشاطك في خدمة الكومنترن؟
تروفسكي: إن نشاطي في ذلك فوق الشبهات.
نفتاليا: أي نشاط يا رجل؟ لك الآن ستة شهور في ألبانيا ولم تصطد في خلالها من أعداء الشيوعية إلا عدداً لا يذكر.
تروفسكي: أنسيت حمزة زاده الذي ارسلته إلى المشنقة أول من أمس؟
نفتاليا: ذاك الشيخ الهرم الذي وجدت عنده عشرة جنيهات ذهباً؟
تروفسكي: نعم.
نفتاليا: أعظم به من صيد يليق بمقامك العظيم! انظر إلى أنور خوجه كيف يصطاد المئات في الأسبوع!
تروفسكي: مالي ولأنور خوجه؟ هذا انتهازي ألباني محتاج لدوام ثقة الكرملن به، فهو يسعى دائماً ليضاعف تلك الثقة بالقبض على أكبر عدد من مواطنيه!
نفتاليا: أنت أحوج إلى ثقة الكرملن منه. أنت مهدد في كل لحظة بالنقل.
تروفسكي: دعيهم ينقلوني فقد كرهت هذه البلاد.
نفتاليا: أين تجد أجمل من ألبانيا؟
تروفسكي: هي عندي أقبح من وجه الشيطان.
نفتاليا: لا أدري ماذا كرهت فيها وقد كنت تحبها من قبل؟
تروفسكي: فقد سئمتها الآن.
نفتاليا: لكني لا أزال أحبها. وما أحسبني أسأمها أبداً.
تروفسكي: وإذا نقلوني؟
نفتاليا: فسأسعى للبقاء هنا وحدي عقاباً لك على تفريطك في تدعيم مركزك! (تبتسم)
تروفسكي: أإلى هذا الحد تعشقين هذه البلاد؟
نفتاليا: إنها جميلة يا تروفسكي. كل شيء فيها جميل (تدنو منه فتعانقه) أتوسل إليك يا رفيقي العزيز أن تحبها من أجلي وتعمل على تدعيم مركزك.
تروفسكي: أنا لا أستطيع أن أجاري أنور خوجه في عدد صيوده على كل حال. ذاك عمل مرهق.
نفتاليا: الكيفية أهم من الكمية.
تروفسكي: ماذا تعنين؟
نفتاليا: اعمد إلى أحد كبار رجال الدولة فاجعله صيدك.
تروفسكي: أنور خوجه مثلاً؟
نفتاليا: كلا.. هذا البهلوان الكبير يصعب إسقاطه من على الحبل في الوقت الحاضر.. ولكن عليك بسيف الله ماليشوفه.
تروفسكي: ذاك أكبر مقاماً من أنور خوجه.
نفتاليا: أجل، ولكن نشاطه الأحمر قد قل في العهد الأخير.
تروفسكي: ليس من السهل اصطياد هذا السياسي العبقري.
نفتاليا: استعن عليه بأنور خوجه.
تروفسكي: ما أحسب أنور يرضى أن يوقع بصاحب الفضل الأكبر عليه.
نفتاليا: أذكر أنني حدثتك بقصة السترة التي سرقها أنور من زميله حين كانا في بلجيكا.
تروفسكي: (يضحك) نعم نعم.. إنها قصة مضحكة.
نفتاليا: فاذكرها لأنور وقل له إن الذي رواها لك قد سمعها من ماليشوفه، وبذلك توغر صدره عليه.
تروفسكي: أواثقة أنت من صحة إسنادها إلى سيف الله ماليشوفه؟
نفتاليا: نعم..
تروفسكي: من الذي حكاها لك؟
نفتاليا: جاسوسي الخاص.
تروفسكي: من هو؟
نفتاليا: (ترتبك قليلاً ثم تتصنع الابتسام) هذا سر من أسرار الدولة يا عزيزي لا أستطيع أن أكشفه لأحد.
تروفسكي: (يتمعر وجهه) من أسرار الدولة.!
نفتاليا: اعذرني يا رفيقي العزيز فإنه جاسوس نادر المثال، وإن كشفته فلن أعثر لي على جاسوس خاص مثله أبداً.
-2-
في منزل أنور خوجه
أنور: إني أشكر لك هذه الزيارة الكريمة على كل حال..
تروفسكي: ماذا يفيدني شكرك وقد رفضت اقتراحي؟
أنور: والله لو طلبت أي شخص آخر لأجبتك.. أما سيف الله ماليشوفه الذي لولاه لما توطدت قواعد النظام الأحمر في هذه البلاد فكثير علينا جداً أن نصطاده.
تروفسكي: (يتحرك في مقعده) يبدو أن أحدنا إذا استاء أو غضب يزداد شعوره بالحر، فهل تأذن لي أن أخلع هذه السترة عني؟
أنور: (ينهض) تفضل يا سيدي القوميسار... دعني أساعدك. (يساعده في خلع سترته)
تروفسكي: أشكرك... دعها هنا معي.
انور: سأعلقها لك على المشجب (يعلقها).
تروفسكي: (يندفع مقهقهاً) هيء هيء هيء هيء.
أنور: ألا يعجبك هذا المشجب؟ أتظنه مطلياً بالدهان الأسود؟ كلا يا سيدي القوميسار... هذا مصنوع من الآبنوس الفاخر الغالي الثمن!.
تروفسكي: هيء هيء هيء هيء.. ليس المشجب هو الذي أضحكني.
أنور: كل شيء هنا ثمين. هذه البُسُط وهذه الكراسي وهذه الثريات.. إني مغرم بكل متاع جيد
تروفسكي: معذرة أيها الرفيق فقد ذكرني خلع السترة قصة مضحكة سمعتها هنا في بلادكم.
أنور: أي قصة؟
تروفسكي: قصة موظف ألباني كان يقيم مع زميل له خارج ألبانيا فسرق سترة زميله وهرب بها إلى بلاده!
أنور: (يتغير وجهه ولكنه يتكلف الابتسام) من حدثك بهذه القصة؟
تروفسكي: شاب الباني؟
أنور: من هو؟
تروفسكي: ماذا تريد أن تصنع به؟
أنور: سأريه كيف أؤدبه!
تروفسكي: على أن روى هذه القصة؟
أنور: نعم لقد مس هذا النذل كرامة الشعب الألباني بأسره!
تروفسكي: لا ذنب له، إنه سمعها من أكبر رجالكم مقاماً، من سيف الله ماليشوفه. ألم تسمع بهذا الحادث قط؟
أنور: (مرتبكاً) لا، أين وقع ذلك؟
تروفسكي: أظنه قال لي: في المفوضية الألبانية في بلجيكا حيث كان السارق والمسروق منه يشتغلان كاتبين هناك... وأظنه قال لي أيضاً إنك تعرف ذلك الكاتب وإنك قتلته بتهمة عدم إخلاصه للنظام الأحمر!
أنور: ها.. لقد تذكرته الآن!.
تروفسكي: وكانت التهمة غير صحيحة ولكنك لصقتها عليه للتخلص منه!
أنور: نعم فعلت به ذلك انتقاماً منه لأنه ارتكب هذا العار الذي تأباه النفس الألبانية والتقاليد الألبانية!
تروفسكي: لكن راوي القصة أخبرني أنك قتلت المسروق منه لا السارق!
أنور: أجل.. لقد قتلت المسروق منه أيضاً بعد ذلك إذ تبين لي أنه من أعداء النظام الحاضر.
تروفسكي: اسمع يا صديقي.. إنني عمدت معك إلى أسلوب المداورة خشية أن أجرح شعورك. بيد أن الصداقة تقتضيني الآن أن أصارحك بأن ماليشوفه يزعم أنك الـ..
أنور: (يحمر وجهه وتنتفخ أوداجه) كذاب! إنه ألصقها بي ليسيء إلى سمعتي.. حذار أن تصدق مثل هذا البهتان..
تروفسكي: هوّن عليك يا رفيق، فهي قصة مضحكة على كل حال.
أنور: إن الناس هنا مغرمون بتلفيق الحكايات، فإذا صدقت هذه القصة فعليك أن تصدق أخرى لا تقل عن هذه بعداً عن الحقيقة.
تروفسكي: ما هي؟ أطرفني بها..
أنور: ربما لا يسرك سماعها.
تروفسكي: (يبدو عليه الاهتمام) مضحكة كهذه؟
أنور: كلا.. بل هي مبكية!
تروفسكي: مبكية!
أنور: إنهم يتحدثون عن علاقة غرامية بين شاب ألباني وزوجة موظف روسي كبير!
تروفسكي: (يدير وجهه) هل تعرف ذلك الشاب؟
أنور: نعم أعرفه.. إنه شاب جميل الصورة.
تروفسكي: من هو؟
أنور: ماذا تريد أن تصنع؟
تروفسكي: سأؤدبه لتطاوله وجرأته!
أنور: يقولون إنها هي التي أكرهته فلا ذنب له.. هون عليك يا سيدي القوميسار فما أكثر ما يقول الناس!
تروفسكي: (ينظر إليه مغضباً) دعني من هذه المداورة.. لقد فهمت أنك تقصدني (يأخذ بتلابيبه) ورأس ستالين لئن لم تدلني على ذلك الشاب لألحق السارق بالمسروق منه!
أنور: سمعاً يا سيدي القوميسار. أرسل عنقي. سأدلك عليه.
تروفسكي: (يرسل عنقه) من هو؟
أنور: إيلي كاباش، قريب الأب كليمانس وخطيب أخته.
تروفسكي: (يزفر زفرة الحقد) ها. قد عرفته!
أنور: إن أردت سيف الله ماليشوفه الآن فإني مستعد لاصطياده.
تروفسكي: لعلك تطمع أن تنسب هذا العمل إليك في التقرير المرفوع إلى موسكو؟
أنور: بالطبع يا سيدي القوميسار.
تروفسكي: كلا. سيكون ماليشوفه صيدي أنا في التقرير.
أنور: لكن...
تروفسكي: سأترك لك فضل اصطياد إيلي كاباش إن شئت...
أنور: حسناً يا سيدي.. اتفقنا.
-3-
حجرة الاستقبال في منزل أنور خوجه
(يدخل أنور ومعه سيف الله ماليشوفه)
ماليشوفه: (يرتمي على أحد المقاعد) قصر بديع يا أنور وذوق جميل!
أنور: إنك يا سيدي لمّا تشاهد كل حجرات القصر.. هلم معي لأريك الجناح الثاني.
ماليشوفه: (متضايقاً) حسبي ما رأيت يا بني.
أنور: لا تتحرج يا سيدي فليس في القصر اليوم أحد.
ماليشوفه: اعفني يا بني فإني اليوم متعب. هلم فاجلس وقل لي ما الآمر الهام الذي دعوتني من أجله.
أنور: (يجلس قريباً منه) أتعاهدني يا سيدي أنك لا تنقل حديثي إلى أحد؟
ماليشوفه: إن كنت تخشى على نفسك مني فخير لك أن تكتم حديثك.
أنور: كلا ولكن ليطمئن قلبي.
ماليشوفه: فليطمئن قلبك.
أنور: بشرف ألبانيا؟
ماليشوفه: (يتنهد) بشرف ألبانيا.. إن..
أنور: أجل... إن بقي لها شرف!
ماليشوفه: حذار يا أنور أن تزل قدمك!
أنور: علام الخوف؟ لقد زلت أقدامنا جميعاً فوقعنا في الحضيض.. إن هؤلاء الحمر قد صيرونا في بلادنا عبيداً لهم!
ماليشوفه: أهذا هو رأيك؟
أنور: ألست ترى هذا معي؟ لا يوجد ألباني واحد يشك في هذه الحقيقة.
ماليشوفه: ولكنهم لا يقولون ما تقول.. فحذار يا أنور.
أنور: مم أحذر بعد؟ قد أصبح هلاكي اليوم محققاً.
ماليشوفه: ماذا تقول؟
أنور: استدعاني القوميسار أمس وأبلغني أمراً ورد إليه من موسكو بسفري إليها في خلال يومين، إنهم سيقتلونني هناك لا محالة.
ماليشوفه: هل نقموا منك شيئاً؟
أنور: لا أدري.. وهل يدري أحد متى يغضب هؤلاء الحمر ومتى يرضون.؟ لكني أستأهل كل ما يصيبني، لقد مالأتهم على بلادي وأمتي.. (يجهش بالبكاء) لقد خدعت! لقد خدعت!
ماليشوفه: لا تبتئس يا أنور فلست وحدك المخدوع.
أنور: لكني المجرم الأول، أعتبر نفسي المجرم الأول.
ماليشوفه: (تغرورق عيناه بالدموع) بل أنا المجرم الأول.. أنا المسئول الأول.. أنا الذي خدعت قومي ودعوتهم بخطبي ومقالاتي إلى تأييد الحمر وصوّرت لهم أن النظام الشيوعي سيجعل ألبانيا جنة في الأرض فهاهو ذا قد قلبها جحيماً، هاهم أولاء الحمر قد ظهروا على حقيقتهم وانكشف ما بيّتوه لهذا الشعب. إنهم يعملون على إبادته بطرق دقيقة محكمة ليحلوا محله العنصر السلافي. إنهم يريدون ألبانيا خالية من الألبانيين ومهما يخلص لهم الألباني ويتفان في خدمتهم فلن ينسيهم ذلك أنه من العنصر الذي يجب استئصاله إن لم يكن غداً فبعد غد.. (يتلفت يمنة ويسرة) حذار يا أنور.. إن الحيطان لها آذان.. (يدخل تروفسكي فجأة).
تروفسكي: مرحى يا ماليشوفه.
ماليشوفه: (يلتفت إلى أنور خوجه) ويلك من سافل دنيء
أنور: خائن كبير!
ماليشوفه: صدقت.
تروفسكي: إن سيبيريا تنتظرك يا سيف الله ماليشوفه.
ماليشوفه: (يعود إلى تماسكه) بل تنتظركما أنتما.. لا تحسباني سهل الاصطياد بهذه الدرجة، سأكتب تقريراً إلى موسكو بخيانتكما وغدركما بالمخلصين للاتحاد الأحمر.
أنور: هيهات يا ماليشوفه هيهات.
ماليشوفه: سأشكوكما إلى الماريشال ستالين وسأبين له ائتماركما بي فلا تحسباه يصدّقكما ويكذبني.
تروفسكي: سنبعث بك إلى موسكو وبالأسطوانة معك، وللماريشال ستالين أن يصدقها أو يصدقك.
أنور: هل تحب أن تسمع الأسطوانة التي سجلنا عليها كلماتك العذبة؟
ماليشوفه: عندي وثائق تثبت على كل منكما الارتشاء والاتجار في السوق السوداء، لأطلعن الماريشال ستالين عليها إن لم تكفا عني؟
تروفسكي: قد أمرنا رجالنا بالاستيلاء على جميع أوراقك، فإن تكن تلك الوثائق بينها فهي في قبضتنا الآن.
أنور: لن تجديك حيلتك ولا عبقريتك شيئاً ولا مناص لك من الاستسلام المطلق.
ماليشوفه: أيها الوغد الآثم سيأتي قريباً دورك.
أنور: (يضحك) إذن فانتظرني في سيبيريا حتى آتيك.
ماليشوفه: لكي تسرق سترتي أيها اللص القديم.
أنور: إن تركوا على جلدك سترة هناك أيها الخائن العظيم.
تروفسكي: اطمئن يا ماليشوفه فلن يعرف الشعب شيئاً عن خيانتك. سنشيع في أنحاء البلاد أن الماريشال ستالين قد تعطف عليك فأعفاك من أعباء وظيفتك وأعطاك إجازة تقضيها في موسكو.
ماليشوفه: بل دعوا الشعب يعلم خيانتي لكم.. لعله يغفر لي خيانتي له ولوطنه، اجعلوه يتعظ بمصيري أنا الزعيم المخدوع.
-4-
في منزل القرميسار تروفسكي.
نفتاليا: (تتلقى زوجها عند الباب) أين غبت طول اليوم والليلة؟ هل كنت في رحلة؟ لماذا لم تخبرني؟
تروفسكي: ما غبت يا حبيبتي إلا في سبيلك.
نفتاليا: ماذا تعني؟
تروفسكي: لقد آليت على نفسي ألا أعود إلى المنزل إلا بعد تنفيذ رغبتك.
نفتاليا: اصطدت ماليشوفه؟
تروفسكي: تماماً كما اقترحت.
نفتاليا: (تعانقه) خذ مني قبلة.. جزاء هذا النشاط العظيم.
تروفسكي: هاتي قبلة أخرى فقد ظفرت أيضاً بصيد آخر.
نفتاليا: عظيم! (تقبله) ترى من هو؟
تروفسكي: شاب خطر يدعى إيلي كاباش.
نفتاليا: (مرتاعة) من؟
تروفسكي: إيلي كاباش.
نفتاليا: (متجلدة) ماذا صنع هذا الشاب؟
تروفسكي: ضبطنا في جيبه أوراقاً معادية.
نفتاليا: (ثائرة) كلا.. لابد أنك وضعتها في جيبه كيداً له!
تروفسكي: عجباً، أتعرفينه؟
نفتاليا: نعم هذا الشاب مخلص للحمر.
تروفسكي: قد يكون مخلصاً لخدودك الحمر أو لشفاهك الحمر بيد أنه مع الأسف الشديد خائن لنظام الحكم الأحمر فاستوجب الإعدام.
نفتاليا: تباً لك من غيور جبان لأحتجّنّ لدى موسكو على هذا الظلم الصارخ. لأشهدنّ عليك بأنك اغتلت هذا المخلص الأمين انتقاماً لنفسك من أجل غيرتك العمياء.
تروفسكي: حذار أن تفعلي هذا فتمسّك تهمة الاشتراك معه في الخيانة لأنه عشيقك.
نفتاليا: نذل جبان.
تروفسكي: هاتي يا حبيبتي قبلة ثالثة.
نفتاليا: اخسأ يا نذل.. إليك عني!
تروفسكي: لقد ظفرت بصيد ثالث.. أفلا تكافئين نشاطي؟
نفتاليا: لا يهمني بعد الآن نشاطك أو خمولك.
تروفسكي: هذا صيد يهمك أمره.. لقد خلّصناك من غريمك.
نفتاليا: ماذا تعني؟
تروفسكي: خطيبة المرحوم إيلي كاباش أخت الأب كليمانس.
نفتاليا: أقتلتها أيضاً؟
تروفسكي: ويلك.. كيف أقتل مرجريت؟ هي التي قتلتني! إني لأعجب كيف كان إيلي كاباش المأفون يتودد إليك وعنده مثل هذه الوردة اليافعة؟
نفتاليا: هنيئاً لك هذا التلاعب بسلطتك الرسمية واستعمالها في خصوصياتك القذرة.. لأرفعن تقريراً بذلك إلى موسكو.
تروفسكي: كلا يا عزيزتي ليس هذا من خصوصياتي القذرة كما تزعمين. ستكافئني موسكو على هذا العمل فقد خلصتها من رجعي كبير.. خلصتها من ذلك القس الكاثوليكي الصعب المراس.
نفتاليا: كذبت.. لا تجرؤ أنت على قتله وإلا ثارت عليك تيرانا كلها.
تروفسكي: قتلتُه بسلاح لا يستطيع شعب تيرانا أن يراه. أمرت رجالنا فاصطادوا لي مرجريت في مكان ما ثم دعونا أخاها القس فرأى بعيني رأسه ثوب أخته العذراء، فما اطلع عليه حتى قضى نحبه كمداً.
نفتاليا: إجرام ونذالة.
تروفسكي: بل عبقرية أصابت عصفورين بحجر واحد، فقد أرحتُ موسكو من ذلك الرجعي الكبير دون إحداث ضجة في البلد، واصطفيت لنفسي جاسوسة خاصة رائعة الجمال.
نفتاليا: (متجلدة) وماذا أيضاً؟
تروفسكي: (بلهجة التشفي) اطمئني الآن يا رفيقتي العزيزة فقد وطّدت مركزي.. سنبقى هنا في ألبانيا.. إنها جميلة.. كل شيء فيها جميل.
نفتاليا: (في قسوة وجمود) ولاسيما شبابها! حسناً يا رفيقي العزيز سأصطفي لنفسي منهم جاسوساً آخر.
تروفسكي: (متجلداً) افعلي يا رفيقتي العزيزة ما تشائين.. ستجدين عبقريتي للقيصر (كاباش الثاني) بالمرصاد.
(ستار)