حالات السيد صابر فقعتوني(1)
حالات السيد صابر فقعتوني(1)
تأليف : شريف الراس
مقدمة:
بقلم : نواف أبو الهيجا
هــــذا العمــــــــــل ! ؟
لا استرخاء و لا مصالحة ...
فحالات السيد صابر فقعتوني لا تدعو إلى الاسترخاء ، ولا تخرج مع المتلقي في مصالحة على حساب الواقع الموضوعي .
و شريف الراس لا يريد لك ، أيها القارئ أو المشاهد ، أن تجلس على مقعد و ثير تراقب بهدوء ما يجري ، و كأن شيئاً لا يعنيك بل إنه مصر على أن يفرك في العيون ما يبقيها مفتوحة . فمع الابتسامة طعنة مرارة . و مع الضحكة دمعة في الداخل . و مع الضوء البعيد ليل أسود قاتم يقلقك ، يستفزك ، لا يريحك مطلقاً .
و إذا كانت أعمال فنية كثيرة في وطننا العربي قد سقطت إما في السوداوية " التيئيسية "أو التفاؤل " التنفيسي " فإن هذا العمل قد خرج من بين السيقان المتداخلة للغابة و تخلص من الشباك المنصوبة له .
و إذا كان الملتقي من الباحثين عن " الفعل
الدرامي " المتنامي للشخصية ، فهو لن يجد ذلك في هذا
( العمل المسرحي و غير المسرحي في آنٍ معاُ ) .
إنه عمل مسرحي إن قُدِّمَ على خشبة المسرح ، و عمل فني إن بقي محصوراً بين دفَّتي كتاب . و أياً كانت التسمية التي سيتفق " النقاد " على إطلاقها بحق هذا العمل فإنه يبقى عملاً متميزاً ، لأنه ببساطة حطَّمَ الكثير من قيم التقليد المسرحي . فالعلاقة ( الزمكانية ) في هذا العمل علاقة خاصة ، وهي لا ترتبط بنمو ( حدّثٍ ) ما يقع للبطل أو للأبطال .
هناك مساحات مكانية لم يحددها المؤلف و إن كانت الشخوص قد حددتها .
و هناك الزمان " المتوحد " و الموحد ، في آن
معاً ، بعلاقته المباشرة بي و بك كعربيين يعيشان في عصر
" صابر فقعتوني " و" صاحب السعادة " و " الزعيم " و كل العسس و " صاحب الشرطة " و
مراكز تغييب المواطنين الذين إما يتساءلون أو يفكرون بالإقدام على طرح " الأسئلة "
قبل أن يحلموا بـ " فعلٍ " ما .
و في هذه اللوحات أو المشاهد الثمانية عشر ينتقل
بك شريف الراس ما بين العواصم و المدن في أكثر من قطر عربي .
و ليس بالأمر الصعب على أيٍ منا أن يكتشف أين موقعه في هذه اللوحات ، إن كان
متفرجاً عليها أو إن كان في قلبها متلبساً إحدى شخصياتها .
و إذا كانت الأعمال الفنية تنطلق عادةً من محاولة " إعادة تكوين الواقع أو صياغته " لتغييره نحو الأفضل ، فإن هذا العمل قّدَّمَ صورة للواقع في الأزقَّة ، و في القصور ، و في القبور ، و في الأقبية في البيوت ، و في الشوارع ، و على امتداد مساحةٍ قد تشتمل خارطة بعينها ، نتشهّى أنا و أنت لو أنها ظلت بعيدة عن متناول قلمَي المستر سايكس و المسيو بيكو
و إن عملية البحث عن رغبة المؤلف في إعادة التكوين كما يريد تنطلق من هنا ، من عملية توحيد الخارطة فوق خشبة المسرح أو – في الحدود الدنيا – في ذهني و ذهنك أثناء قراءة هذا العمل .
و إن الضحك المرير هو كالبكاء ، أو هو أشد إيلاماً منه ، عند الذين يدركون ما يريد المؤلف أن يصل إليه .
شريف الراس ليس يائساً حتى ينشر اليأس حوله .
و هو ليس متفائلاً بلا أسس . بدليل أنه لم يمنحك الابتسامة إلا مقابل الغصة المريرة التي يشعر بها و المذاق العلقمي الذي يظل في فمك تمضغه و أنت ترى إلى جملة المآسي المحدقة بك و بوطنك ، جرّاء هذا النظام أو ذلك من أنظمة الحكم التي يكون فيها " الزعيم " على الصورة التي رسمها شريف الراس في منثور المشاهد هنا و هناك .
و لنتفق ، مبدئياً ، على أن المؤلف لم يقدم "
الصورة " العربية بالكامل ، فهو – فعلاً – قد تغاضى عن الومضات المضيئة هنا
و هناك في هذه البقعة أو تلك من وطننا العربي ، و لكنه مع ذلك قدَّمَ لنا الوجه
الآخر ، وهو السائد في معظم بقاع الوطن .
و إذا كان المؤلف لم يقدم لك " البديل " الذي يسعى إليه ، فهو على الأقل حمل فضيلة " اقتراح " البدائل . أي أنه حاول أن يزرع في نفسك بذرة التغيير المطلوب إن لم تكن بذوره موجودة أساساً ، و حاول أن ينميها و يغذيها و يقوي عودها إن كانت مزروعة و أخذت تشق طريقها نحو النور ، عبر الثرى المروي بدماء الآلاف و دموع الملايين و عرقهم .
و لست أشك لحظة في أن المؤلف قد نجح في ذلك :
نجح في زرع بذرة " إرادة التغيير " أو رعاية " شتلة " إرادة التغيير
لديّ و لديك .
إن النهـايات المفتـوحة تفتـح البـوابات أمـام " الاحتمــالات " . و نهايات اللوحات الثماني عشرة في حالات السيد صابر فقعتوني مفتوحة ، نتصورها نحن ، نملأ فراغاتها من الذاكرة أو مما نلمحه هنا و هناك و إن كنا نعيش في العواصم التي اختارها شريف الراس للوحاته فنحن بلا أدنى شك سندرك ما حدث ، و لن تبقى النهايات علامات استفهام بلا جواب .
و المؤلف لم يعمد – كما هو شأن العديدين من أترابه – إلى إحداث التغيير الدراماتيكي أمام الأعين . ربما كان ضرورياً أن يفتح أعيننا على واقع مؤلم لم ندرك سعة هوته و خطورتها قبل الآن . و لكن أليس الفن هو الذي يجعلك تفتح عينيك بصورة أفضل لترى إلى الأشياء التي تراها دائماً ، بنظرة جديدة ؟ .
و إذا كان " المتفائلون " يبهجونك بتقديم الصورة التي تنشدها للواقع فإنهم بذلك إما يريحونك أو يخدعوك . النهايات السعيدة – في معظم الأحيان – ترخي أعصابك و تجعلك تنام بضمير مرتاح . و لكن هل هذه " السعادة" قد تواجدت من حولك في الواقع بعد أن شاهدتها أمامك على المسرح ؟ .
لست هنا أدافع عن السوداوية ،بل أدافع عن ضرورة الفن كواقع فعلي ملموس ، لا يخادِعُ و لا يهادِن .
إن إثارة الحزن و استدرار الدموع أمران هيّنان
على أي مؤلف ، و لكن إثارة عواصف الضحك الباكي هي العملية الصعبة المشابهة للولادة
القيصرية . فطرفا الكوميديا و التراجيديا أمران ممكنان إذا لم نفهم بالتحديد الفارق
بين " التهريج "
و " الكوميديا ".لكن الأكثر صعوبة هو " التراجيكوميدي " لأنه منحٌ من أعماقٍ
يُغْرٍِقُها بحر الحزن ، مثلما تسبح فيها أحياء المسؤولية في مواجهة حيتان و أسماك
قرشٍ تبتلعُ كل أحياء المسؤولية ، أو هي تفتش عنها .
نحن ، بلا شك ، سنبتسم و نضحك إزاء بساطة و سذاجة السيد صابر و أمه .
و نحن بلا شك سنبتسم و نضحك إزاء حركات " الزعيم " و تصرفاته . و نحن بلا شك سنبتسم إزاء تصرفات الحراس ، و ردود أفعال الزوجة الفرنسية ، و براءة زوجها الفنان العائد إلى الوطن ...
لكننا ، بلا أدنى شك أيضاً ، سنمتلئ بالأسى على
مصير صابر و ضياع أمه . و سنتأسى على الزوج الفنان العربي و زوجته الفرنسية التي
أرادت أن تشاركه فرحته بالعودة إلى "الوطن الجنة " .... و لسوف يملأ الحزن قلوبنا
على مصير الملايين
الذين " يعيشون " فوق " أجداث " الموتى في المدافن ، و سيملأ الحقد المقدس قلوبنا
على أمثال " الزعيم "
و " المدير " و " سعادة صاحب السعادة " .
و فعل " التغيير " عادة يحدث بعد أن تتركز في النفس قناعة بضرورة " التفكير " بإحداث " التغيير " . و المرحلة الفاصلة بين " فعل التغيير " و ولادة " إرادة التغيير " هي التي تشهد أعمالاً فنية تسهم في إطلاق شرارة التفكير بضرورة القيام بفعل التغيير . هذه هي رسالة شريف الراس التي أداها في هذا العمل الفني .
إنني لن أقوم بدراسة الشخصيات ، و حركتها ، خلال الحدث المسرحي المنثور على مساحة الوطن العربي ، و لكنني أجرؤ أن أقول : إن السيد صابر فقعتوني موجود في قطر عربي معين يعرفه الجميع ، و إن " سعادة صاحب السعادة " موجود حيث يوجد كل من " يقاتل " من أجل أن تبقى حدود " سايكس بيكو " قائمة و راسخة ، و إن " الزعيم " موجود في شخص ذلك الحاكم المضحك الذي وزعَّ " الحرية " على الناس في منشورات ورقية ترميها الطائرات من السماء مؤكدةً أن " الحرية للجماهير " فيما الأسوار تعلو على الخارطة و حدٍّ يبينه " الزعيم " بالإسمنت المسلح و الأسلاك الشائكة بين عضو في الجسد و عضو آخر في الجسد ذاته .
و الصحفي و خطيبته ، و مخرج المسرحية ، هم نحن و الشهود الذين يبحثون عن " خبطات " صحفية " و " صيحات " مثل " الموضة " . أما الشيخ و السيدة فهما أبي و أمي و أبوك و أمك ، من الذين وقعوا تحت رحمة النصابين الرسميين الذين يخافون على مراكزهم و مكتسباتهم الذاتية . إنهم " القرش " الذي يتجول ، و هو في كرسيه و خلف مكتبه الأنيق ، لينكِّلَ بابن الشعب البسيط ، الطيب ، الباحث عن الكرامة و لقمة الخبز .
و في حارات القاهرة ، و أزقة دمشق ، و أحياء
الرباط ، و شوارع الحديّدة ، و زوايا الجزائر ، و بيوتات الصفيح
و التنك جنوب بيروت ، أو جنوب شرق طرابلس ، سنعثر على العجوز و المرأة نصف العمياء
و الطفلة المندهشة و حفار القبور .
و اختيارات شريف الراس هذه تجعل من هذه اللوحات انتقاء " عربياً " يمثل في الوقت ذاته دعوةً " عربيةً " لتغيير شامل .
لقد أعلن شريف الراس في هذا العمل تنكّره لمعاهدة سايكس بيكو و كل ما ترتب أو يترتب عليها . كما أعلن بصرخةِ ألم أكثر دوياً تنكّره للديكتاتورية و إيمانه العميق بأنه لا خلاص إلا بالديمقراطية الحقيقية . و هو يدعونا إلى أن نحذو حذوه ، بألم بحزن بابتسامة أسيانة ، و بوعي عميق .
و مهمة التفسير ، و الحديث عن " التقنية " و نجاح شريف الراس أو إخفاقه في تقديم " مسرحية " ناضجةٍ ، أمور أتركها للسادة النقاد ، فهم أدرى في ذلك . و لكنني ما سجلت رأيي إلا كقارئ يعرف شريف الراس عن كثب ، و يتابع في الوقت ذاته الحركة الفنية في جملة أقطار عربية منذ سنوات .
للجهد الذي قدمه شريف الراس فضيلة أنه : أضحكني
، أبكاني ، أحزنني ، و حفزني على التفكير من زوايا أوسع
و أوسع ... باختصار : إنه قد أغنى لي تجربتي . و هذه هي إحدى أهم وظائف الفن .
نواف أبو الهيجا
-المشـهــــــد الأول -
الممثـلــون :
1 – السيد صابر فقعتوني : شاب ( 25 سنة ) نحيل ، واهي الصوت ، يتحلى بكل مواصفات حلاق ، مسحوق الشخصية و كثير من البلادة التي تثير الشفقة و الضحك معاً ، يرتدي نظارة طبية تظل تتزحلق فوق أنفه فيرفعها بإصبعه الوسطى بحركة لا شعورية . شعره الأسود يلمع من كثرة الزيت ، و هو مفروق من وسط الرأس إلى الجانبين ..
يرتدي ثياباً عصرية عادية ( طقم ) عتيقة ، و لا يُغيّر هذا الطقم في المشاهد جميعاً .
2 – أمه : ربة بيت عربية طيبة ( 50 سنة ) تقية ، بريئة ، نراها دائماً و هي مرتدية غطاء الصلاة الأبيض الذي يحيط بوجهها الجميل و الأنيس .
***
ترفع الستارة عن مسرح معتم تماماً ، إلا من ضوء أزرق خافت مسلط على أقصى يمين المسرح في المقدمة حيث نرى الأم و هي جالسة على سجادة الصلاة ، وقد أوشكت تنتهي من الصلاة ، تسلم ، ترفع يديها بالدعاء بتمتمات لا نسمعها ، و خلال ذلك فإن حزمة الضوء تتسع و تتضح الإنارة فنرى خلف السيدة ماكينة خياطة ذات أربع أرجل ، و عليها قطعة قماش ونرى لوحة معلقة فيها آية قرآنية كريمة ، بما يوحي بالجو الداخلي لبيت عربي عادي لأسرة متوسطة الحال ..
الأم تفاجأ برنين الجرس تنهض و تتجه نحو يسار المسرح المعتم .
الأم : اللهم اجعله خيراً .. مَنْ هذا الطارق في منتصف الليل ؟ .. ( بصوت مرتفع ) مين ؟ ..
صوت صابر : ( من خلف حاجز ) افتحي يا أمي .. أنا .. أنا
صوت الأم : ( بفرح صارخ ) صابر ؟ .. ( تزغرد ) يا فرحتي .. يا فرحتي .. تعال أقبّلك .
صابر و أمه يأتيان من يسار المسرح المعتم إلى بقعة الضوء الزرقاء في يمين المسرح فيصبحان واضحين لنا .. صابر يحمل كيس ورق فيه خضراوات .
الأم : الحمد لله رب العالمين .. كيف أفرجوا عنك يا ولدي ؟ .. أنا غير مصدِّقة أبداً .. هل صحيح أنك رجعت إلىّ ؟
صابر : ( مبتسماً ) طبعاً صحيح .. ها أنا ذا أمامك بعد سنة من الغياب .
الأم : ألف الحمد لله يا ربي .. لكن .. كيف أفرجوا عنك يا حبيبي ؟ ..
صابر :
أخيراً اكتشفوا أنني غير مطلوب .. ( يضع كيس الورق فوق ماكينة الخياطة ) فهم
اعتقلوني مع الصحفيين
بينما أنا حلاق .
الأم : كان عليك أن تخبرهم بذلك منذ البداية .
صابر : يا ما قلت لهم : يا جماعة .. أنا حلاق و لست صحفياً .. و لكنهم طول الوقت لم يسمعوا كلامي ..
الأم : ( بلهفة ) إيه .. و بعد ذلك ؟ ..
صابر : إلى أن قام الصحفيون المعتقلون معي بمظاهرة .
الأم : ( تضرب بيدها على صدرها مذعورة ) مظاهرة ؟ .. داخل السجن ؟ ...
صابر :
( تتسع ابتسامته و هو يهز رأسه مؤكداً ) قالوا لمدير السجن : اعتقِلونا – عذبونا –
اضطهدونا .. فكل ذلك معقول .
لأننا صحفيون و الصحفي يجب أن يُذلّ و يُهان .. أما أن تحبسوا معنا حلاقاً فهذا
أمر لا يمكننا قبوله أبداً .
الأم : ( معترضة ) و مالهم الحلاقون ؟ ( باعتزاز ) أبوك كان حلاقاً .
صابر : المهم .. أنهم لهذا السبب أفرجوا عني .. ( بفرح ) طردوني من السجن طرداً .
الأم : الحمد لله رب العالمين
صوت رنين جرس هاتف
الاثنان يلتفتان نحو مصدر الصوت حيث جهاز الهاتف موضوع فوق كرسي خلف ماكينة الخياطة ...
الأم تمشي فتأخذ سماعة الهاتف و تصغي ، فتنقلب من حالة الفرح إلى حالة القلق .
الأم : ( تقدم السماعة لابنها ) إنهم يطلبونك .. كيف عرفوا أنك وصلت ؟ ..
صابر : ( يأخذ السماعة و يغطيها بكفه ) إنهم يعرفون كل شيء .. ( همساً ) عيونهم لا تنام أبداً .. ( يضع السماعة على أذنه فيصغي .. يضطرب ) نعم .. أنا صابر فّقَّعتوني .. أمركم .. في تمام الساعة التاسعة صباح الغد أكون عندكم .. حاضر .. لن أتأخر طبعاً . ( يعيد السماعة إلى مكانها فوق جهاز الهاتف و هو يحاول أن يخفي اضطرابه ) .
الأم : ماذا يريدون ؟ ..
صابر : لا أعرف .. قالوا لي تعال إلينا صباح الغد ، و في الساعة التاسعة .. يريدك حضرة الضابط ..
ثم ( يمثل بيديه حركة قطع المكالمة من الطرف الآخر ) .
الأم : أي ضابط يا ولدي ؟ ..
صابر : ضابط مركز الأمن .. و من سواه ؟ ...
الأم : أي مركز أمن يا صابر ؟ ..
صابر : لا أعرف .. نسيت أن أسألهم .. هل أجد عندك لقمة للعشاء ؟ ...
موسيقى .
ينطفئ النور الأزرق من يمين المسرح و ينسحب صابر و أمه ، وفي الوقت ذاته يضاء وسط المسرح في العمق فننتقل إلى المشهد الثاني خلال ذلك نسمع صوتاً جهورياً يقول : ( وَحِّدوه ) و تستمر الموسيقى .
-المشـهـــد الثـانــي -
في وسط المسرح ، في العمق :
لوحة كبيرة من القماش 3 × 4 مترا ، توحي بأنها
الوجه الداخلي لجدار غرفة طينية عتيقة فوقها توجد صورة
( بورتريه ) 30 × 40 سم فوتوغرافية لشاب ينضح بالطيبة و البراءة و الرجولة .
تحت الصورة كتب :
( و لا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله ... ) بخط عادي . بجانب الصورة غصن أخضر بسيط فيه أوراق خضراء ...
أمام ذلك الجدار القماشي ، في اتجاه مقدمة المسرح ، هيكل خشبي يرمز إلى ( الباب ) ، و هو مؤلف من إطار خشبي فقط ، و في أعلاه زخارف من الخشب المحفور توحي بجماليات الزخرفة العربية .
في ( الغرفة ) أي بين رمز الجدار و رمز الباب
يوجد أثاث بسيط جداً : حصير ، و بساط و وسادة ، و كرسي ..
و كلها عتيقة مهلهلة ...
تأتي ( الجدة ) من خلف يمين لوحة القماش ، و هي تحمل جرة ماء فخارية ، ثيابها توحي بأنها فلاحة مصرية استوطنت المدينة حديثاً .. و هي نصف عمياء .. تبحث في الغرفة عن شيء ما .
هنا تنتهي الموسيقى .
الجدة : ( تنادي ) جمالات .. أين أنت يا بنت ؟ ..
الجدة تضع الجرة على الأرض و تتلفت باحثة من جديد .
الجدة : ليتني أعرف أين ذهبت هذه الشيطانة ( تنادي باتجاه المسرح و قد وضعت كفها فوق عينيها الضعيفتين كأنها تنظر إلى البعيد ) جمالات .. يا بنت يا جمالات ..
الجد ( بثياب فلاح مصري عجوز فقير جداً ) يأتي من خلف يسار اللوحة القماشية و هو يقود الطفلة جمالات ..
( 10 سنوات ، شعر أشعث ، ثوب ممزق مهلهل ) .
الجدة : أين وجدتها ؟
الجد : كانت تلعب هناك بين القبور .
الجدة : ( مستنكرة ) تلعبين بين القبور ؟ ..
الجد : ( ساخراً ) إذن أين تريدينها أن تلعب ؟ في حديقة الأطفال ؟ .. نحن نعيش هنا في المقابر إذن فمن الطبيعي أن يلعب أطفالنا بين القبور ..
الطفلة : يا جدي أنا ما كنت ألعب .. كنت أتفرج .. ( مهوّلةً ) موكب عظيم .. يبدو أن الميت اليوم رجل غني جداً .. الليلة نشبع من طعام الحسنات ..
تلتفت أنظار الثلاثة معاً نحو رجلين قَدِما من يسار المسرح إلى ( الباب
) .
- الرجل الأول ( تربي - دفان ) يرتدي سروالاً طويلاً ، و صدرية بلا أكمام ، و يحمل معولاً و رفشاً و قُفَّة .
- الرجل الثاني شاب أنيق جداً ، بثياب عصرية من أحدث طراز ، متكبر ، متأفف ، يتوقفان عند الباب .
التربي يمد رأسه من الباب : ( منادياً ) يا الله .. يا كريم هل ندخل يا جماعة ؟ ...
الجد : تفضلوا ..
يدخلان من الباب ..
الرجل الأنيق : من فضلكم أخلوا الغرفة ريثما ندفن المرحوم هنا ثم تعودون .
الجد : حاضر .
الجد و الجدة و الطفلة يحملون ( الأثاث ) و يخرجون به من خلال الباب و يضعونه أمام الباب .
التربي يختار موقعاً معيناً في أرض الغرفة و
يهّم بأن يضرب معوله ليحفر فيه .. فتسرع الطفلة نحوه ، مخترقة الباب
و تستوقفه باستعطاف ..
الطفلة : أرجوك يا عم أن تحفر هناك .. لا تدفنوه هنا فهذا موضع فراشي .
التربي : ( يضحك ) أتخافين أن تنامي فوق المرحوم ؟ ..
الجد : ( يدخل ) لقد تعوّدنا على النوم مع الموتى .. و لكن الليلة الأولى صعبة .
الرجل الأنيق : ( للتربي ) عَجِّلْ يا سيّد .. نريد أن ندفن المرحوم بسرعة و نمشي .. احفر بسرعة .
التربي : لكنك سمعت اعتراض هذه الطفلة .
الرجل الأنيق : إن كان لا يعجبهم المقام هنا فليبحثوا عن مأوى آخر في غير المقابر .
الجدة نصف العمياء :
حرام عليك يا رجل .. و هل تسنّى لنا أن نسكن في بيت عادي مثل البني آدم ففضلنا عليه
السكن
في هذه المقبرة ؟ ..
الرجل الأنيق : إني أعتذر ( يمنح الطفلة ورقة عملة صغيرة فتسكت ) .
الرجل الأنيق : ( للعجوز ) إنها طفلة جميلة .. هل هي ابنتك ؟
العجوز : بل هي حفيدتي .. ( يشير لصورة الجندي المعلقة على الجدار ) أبوها رحمه الله استشهد في الحرب .
الجدة نصف العمياء : و أمها تركتها لنا و طفشت .
التربي : ( للرجل الأنيق ) يا مولانا . عندنا هنا مثلها نصف مليون إنسان يعيشون في هذه المقابر .
نفاجئ بصوت زغرودة قوية من عتمة يسار المسرح ..
أنظار الممثلين تلتفت نحو تلك الجهة ، و في الوقت ذاته تنطفئ الأضواء
التي كانت مسلطة على غرفة الدفن ، و تضاء منطقة يسار المسرح بتدرج متصاعد ببطء و
نسمع من تلك الجهة صوت موسيقى زفة عروس ، أو أغنية أعراس ، و لكنه صوت بعيد .. لأن
العرس بعيد .
في يسار المسرح : مقطع من سياج خارجي يوحي بأنه يحيط بحديقة فندق فخم .. في البداية يكون السياج فارغاً .. ثم لا نلبث أن نرى حشداً من الناس يأتون من يمين المسرح مدفوعين بفضول شديدي لمشاهدة العرس .. و في الوقت ذاته يأتيمن يسار المسرح جنديان مسلحان فيقفان مقابلهم في الطرف الثاني من السياج ، بوجهين عابسين .
خلال ذلك يكون الممثلون الذين تركناهم في غرفة
الدفن قد انسحبوا و غابوا كلياً .. الفضوليون ، المأخوذون بالتطلع إلى البعيد
هم خليط من الناس من مختلف الأعمار ، و بثياب عادية و متعددة .. يأتي فينضم اليهم
أخيراً صحفي شاب
( غِرّ ) و خطيبته ( فتاة لطيفة ) .. يقفان في أقرب مكان إلى مقدمة المسرح ، و قد
التصقا بنهاية السياج ، نسمع مكبرات الصوت و نرى في عمق يسار المسرح ، ما يوحي
بزفة العرس و صخب الموسيقى ، و أصوات السيارات ، و أضواء الألعاب النارية في السماء
ثم يخفت كل ذلك و يتجمع ضوء المسرح في حزمة ضوئية مسلطة على الصحفي الشاب و خطيبته ...
الصحفي :
( لخطيبته متحمساً ) خبطة .. خبطة صحفية سوف تجعل رئيس التحرير يقول : أحسنت يا
حمدي ..
هل تلاحظين ؟ .. لا يوجد أي صحفي آخر غيري ..
الفتاة : و أنا ؟ ..
الصحفي : أنت ساعديني .. راقبي الأوضاع جيداً و بانتباه .. خصوصاً المجوهرات التي يتزين بها هؤلاء الناس .
الفتاة : لماذا ؟ .. هل تريد أن تسرقها ؟
الصحفي : لا .. أريد أن أشتري لك مثلها هدية الخطوبة .. أما أنا فسأهتم بمراقبة السيارات لأشتري مثل أحسن سيارة بينها .
الفتاة : يا شيخ بلا سيارات بلا قرف .. إن كنت رجلاً فاشتر حذاء .
الطفلة ( جمالات ) تأتي ، و هي حافية ، و عيناها مأخوذتان بما تراه .. تقف بين الصحفي و خطيبته ..
الطفلة : ماذا يجري هنا ؟ ماذا يفعل هؤلاء الناس .
الصحفي : إنهم يتزوجون .. هذه حفلة زفاف . عمرك ما رأيت مثل هذه الزفة ؟ ..
الطفلة : لا .
الصحفي : و لا أنا .. ( لخطيبته ) تصوري يا عزيزتي إن أم العريس رصدت لنفقات هذا العرس ثمانية ملايين دولار .
الفتاة : مش معقول .. أنت تبالغ قطعاً .
الصحفي : لا و الله .. قرأت ذلك في الجريدة .. فأم العريس نشرت تصريحاً للتباهي بذلك .
الفتاة : لماذا حدّدت هذا الرقم المذهل بعملة الدولار بالذات ؟ ..
الصحفي لأن أم العريس تتعامل مع أمريكا .
الفتاة : و أبو العريس ؟ ..
الصحفي : مجهول .. الغنية هي أمه .. و هي مثلي ومثلك عربية جداً و مسلمة جداً غير أن برج الحظ جعلها تولد في برج النفط لكنها أكثر منا وطنية و مشاعرها القومية أضخم و أعنف .. لأنها ، بهذا العرس ، قدمت لنا مساعدة اقتصادية عظيمة .
الفتاة : ماذا تعني ؟
الصحفي : أنها بدلاً من أن تأخذ الراقصات و المطربات من هنا إلى باريس أو نيويورك لتقيم عرس ابنها هناك ، فإنها قلبت الآية و جلبت ضيوف العرس بالطائرات من أبعد البلدان في الدنيا إلى هنا .. و النفقات ثمانية ملايين .
الفتاة : أعرف .. و لكن أين المساعدة الاقتصادية لبلدنا هنا ؟
الصحفي : لا أعرف .. ربما تأتي الخيرات من توزيع الذهب .
الفتاة : ذهب ؟ .. أي ذهب ؟ ...
الإضاءة تتسع من جديد و تتصاعد تدريجياً ..
الصحفي : يقال أن أم العريس سوف تنثر الليرات الذهبية على الناس ، حفنات حفنات .
الفتاة : ( بابتهاج ) إذن فحظنا كبير لأننا واقفون هنا أمام الجميع .
الصحفي : يا ذكية قلنا إنها ستنثر الليرات الذهبية على الناس .. فهل نحن ناس ؟ .. إن العملية ستتم هناك في حفلة العرس داخل الفندق حيث الضيوف كلهم ليسوا بحاجة إلى الذهب ..
العجوز جد الطفلة يصل ، فيجد الطفلة و يمسك بها غاضباً .
العجوز : أ أنت هنا يا مقصوفة الرقبة و أنا خربت الدنيا بحثاً عنك ؟ .. هيا بنا إلى المقبرة .
الفتاة : دعها تتفرج يا عم .. الفرجة ببلاش .
أصوات صخب و ضجيج و زغاريد توحي بوصول سيارة العريس ..
المتفرجون الفضوليون يزدادون حركةً و اضطراباً و وقوفاً على رؤوس الأصابع .
نسمع أصوات المتفرجين الفضوليين : وصل العريس .. هذا هو العريس .
الصحفي : هذا هو العريس .
الفتاة : أنت أجمل منه .
الصحفي : الله يجبر بخاطرك .
هنا يصبح صوت موسيقى العرس خافتاً جداً .
الطفلة : هذا العريس .. هل ذهب إلى الحرب ؟ ..
الصحفي : طبعاً لا .. ففي بلادهم لا يحاربون أبداً .. و إنما
يقولون لنا نحن : هيا يا أبطال الأمة .. قاتلوا العدو .
الطفلة : إذاً فلماذا هو غني جداً هكذا ؟ ..
الصحفي : لأنه لم يذهب إلى الحرب .
العجوز : ( يسحب الطفلة من يدها ) تعالي يا جمالات .. هيا بنا قبل أن يفوتنا آخر باص .
الصحفي : عفواً يا عم .. باصكم على أي خط ؟ ..
العجوز : على خط المقابر .. هل تعرف تلك الحارة ؟ ..
تســدل الســــتارة
يعلو صوت موسيقى العرس .
يمر أما الستارة عازف مزمار و هو ينفخ بمزماره ( تمثيلاً ) بما يوحي بأنه عضو في الفرقة التي تعزف موسيقى العرس .
يعبر المسرح من طرف إلى طرف و يختفي فيتلاشى صوت الموسيقى .
- الغرض من هذه الحركة إتاحة الفرصة للعاملين خلف الستارة لتبديل الديكور .
- المشــــهد الثـالـــــث -
في أقصى يمين المسرح ، في المقدمة : الإضاءة زرقاء .
صابر فقعتوني في غرفة ضابط بالمركز الأمني .
طاولة مكتب ، خلفها حاملة لوحات عليها لوحة بيضاء لا نرى فيها إلا قيداً حديدياً معلقاً .
الضابط جالس خلف مكتبه يصغي لحديث بالهاتف ( الضابط يرتدي ثياباً مدنية ) .
صابر فقعتوني واقف أمامه عاقد اليدين مطرق الرأس ... يتنحنح أحياناً .
الضابط ينتبه لوجود صابر ، فيغطي سماعة الهاتف بيده و يسأل السيد صابر : نعم ؟ ...
صابر : أنا صابر فقَّعتوني .
الضابط : تشرفنا .. ماذا تريد ؟ .. لماذا جئت إليَّ ؟ ..
صابر :
أنتم طلبتموني بالهاتف ليلة أمس .. أمرتموني بأن آتي في الساعة التاسعة صباحاً و ها
إنني قد حضرت ..
أنا مواطن انضباطي يا سيدي . أنا حلاق ..
الضابط ( يتمتم ثم يعيد سماعة الهاتف ، ثم ينظر إلى صابر باستغراب أشد ) .
الضابط : نحن لم نطلب أي شخص بهذا الاسم .. مع السلامة .
صابر : مستحيل يا سيدي .. أنا شخصياً تلقيت المكالمة الهاتفية بنفسي .
الضبط : عجيب .. ما الذي يجعلك واثقاً من أننا نحن بالذات الذين طلبناك ؟ ..
صابر : لأنني لا أعرف غيركم سيدي .. ففي المرة السابقة ، قبل سنة ، اعتقلني رجال هذا المركز .. و أمس خرجت من السجن
الضابط : يا سيد صابر .. صحيح أننا هنا دائرة أمنية .. و لكن لا علاقة لنا بالحلاقين .. اذهب إلى غيرنا .. راجع جماعة الأمن الخارجي ( يبتسم ساخراً ) فربما صاروا مهتمين برصد الحلاقين .
صابر : شكراً .. سأذهب إلى دائرة الأمن الخارجي في الحال .. ( يذهب ) .
موسيقى عسكرية ساخرة ..
تنطفئ الإضاءة الزرقاء و ينسحب ممثل دور الضابط .
تبقى طاولة المكتب ، و يوضع فوقها دفتر كبير و أضابير ..
تبقى حاملة اللوحات ، و يزال عنها القيد الحديدي و تعلق مكانه كتابة ( الجوازات ) .
- المشـــهد الـرابــــــع -
برق و رعد ... ليلة ممطرة في البادية .
المسرح خالي من أي ديكور إلا من ساق شجرة موضوع بشكل اعتراضي على ارتفاع متر ، إنه حاجز عند نقطة حدود .. لوحة كبيرة جداً في صدر المسرح : ( لا حدود و لا قيود ) ..
تأتي من يسار المسرح سيارة مصنوعة من الكارتون أو الخشب ، صغيرة جداً و مضحكة ، لها نافذتان ، خلف النافذة الأمامية نرى الأستاذ صحيان أبو غافي ، خلف النافذة الثانية نرى السيدة كلوديت زوجته ذات الشعر الأشقر ...
و فوق ظهر السيارة أحمال كثيرة جداً جداً :
حقائب ، صناديق ، كاميرا سينمائية ظاهرة بشكل بارز .. و كل ذلك مربوط
بحبال كثيرة ..
الأستاذ صحيان ( 40 سنة ) رسام عالمي ، في عينيه بلاهة شاعر حالم . و هو ممتلئ فرحاً واعتزازاً بوصوله إلى الوطن بعد سنوات الغربة الطويلة ..
زوجته كلوديت تجيد اللغة العربية و لكن يصعب
عليها نطق حرف الصاد و حرف الحاء لذلك تسمي زوجها
( سهيان ) .
تتوقف السيارة عند الحاجز ..
صحيان : ( لزوجته بفرح ) وصلنا .. أخيراً وصلنا إلى الوطن .
يأتي حارس الحاجز ، مرتدياً معطفاً من ( النايلون ) للوقاية من المطر .
الحارس : ( يتثاءب بجلاقة ) مالك واقف هكذا مثل بلاطة ؟ ..
صحيان : مساء الخير يا أخي .
الحارس : لا وقت للسلام و الكلام .. فأنت ترى وابل المطر .. و لا لزوم لأية ديباجة .. لن أسألك من أنت و لا من أين أتيت و لندخل في الموضوع مباشرة .. تدفع أم تُفضّل أن تنتظر حتى يأتي الحمالون فينزلوا كل الأحمال إلى الأرض للتدقيق فيها ؟ ...
الحارس يدس رأسه داخل السيارة ثم يستعيد وضعه .
الحارس : و معكما طفلان نائمان أيضاً ؟ .. أظن أنك تفضل أن تدفع و تمشي بأمان الله ...
صحيان : ( الذي له عينا شاعر حالم ) أدفع ماذا يا أخ ؟! ...
الحارس : تدفع عملةً طبعاً .. و إلا ماذا تدفع ؟ .. فلافل ؟ .
الزوجة : ( باستنكار ) لكن هذا عمل غير قانوني .
الحارس : ( ضجراً ) أخي تشاور مع زوجتك ثم أخبرني بقرارك .. فأنا لن أظل واقفاً هنا تحت المطر .. ( يذهب ) .
صحيان : سامحك الله يا كلوديت .. لماذا قلت هكذا ؟ ..
صحيان ينزل ويقف أمام السيارة .
الزوجة :
و أنت أيضاً سهيان ؟ .. أهذا هو الوطن الجميل الذي بقيت سنوات تحدثني عنه بكل الوله
و الهيام حتى
جعلتنا نترك كل شيء و نأتي للعيش فيه ؟ ..
صحيان :
اصبري يا عزيزتي .. فهذا الرجل لا يمثل الوطن .. إنه ظاهرة شاذة و متناقضة تماماً
عن ما حدثنا عنه
أصدقاؤنا في السفارة .
الزوجة :
( و كأنها توبخ نفسها ) عدل .. حرية .. ديمقراطية .. احترام للقانون .. تقديس لحقوق
الإنسان .. هذا ما كان
يردده دوماً جماعة السفارة .. و أخشى أن تفاجأ بعكس ذلك .
يأتي الحارس ...
الحارس : إيه ؟ .. هل انتهت المشاورات ؟ .. يا أخي لا تعذبني .. كلامي واضح .. إما أن تدفع و إما أن تضطر لإنزال كل هذه الأحمال هنا في الطين تحت المطر .. أنا و الله أريد مساعدتكم .
صحيان : و كم ندفع ؟
الحارس : ما يجود به خاطركم ..
صحيان : يعني كم ؟ .. فهذه – عدم المؤاخذة – أول مرة .. في أوروبا لم يكونوا يطلبون منا دفع شيء عند الحدود .
الحارس : أنت هنا لست في أوروبا .. أنت في الوطن يا أستاذ ..
صحيان : بسيطة ... كم تريدنا أن ندفع ؟ ..
الحارس : نتساهل معكم و نكتفي بمائة لحلوح .. عشرون لحلوح لكل واحد ، فنحن خمسة .
صحيان : عدم المؤاخذة .. يعني أنا سأدفع لكم أنتم و ليس للحكومة ؟ ...
الحارس :
حكومة ؟ ... أنت تدفع لنا حتى نريحك من تطبيق تعليمات الحكومة ... الخلاصة هل تدفع
مائة لحلوح أم
نتركك هنا تحت المطر حتى الصباح ؟ ...
الزوجة : مائة ؟ لقاء ماذا ؟ ثمن ماذا ؟ هذه سرقة يعاقب عليها القانون .
الحارس : ( ساخراً ) قانون ؟ .. مرحباً قانون .. مؤكد أنك لست من أبناء هذه البلاد .
صحيان : ( موضحاً ) زوجتي فرنسية و لمنها تعلمت لغتنا من طول العشرة معي .
الحارس : هذا واضح .. ألا ترى كيف عقلها أعوج و ما زالت تتحدث عن القانون ؟ .. حرِّك سيارتك إلى يمين الطريق هناك حتى يمر الذين خلفك .. دعنا نسترزق ( يهم بالذهاب ) .
صحيان : ( يستوقفه ) تعال .. لا تزعل .. سندفع لك لكن المشكلة إننا لا نحمل أوراق عملة محلية .
الحارس : دولارات ماشي الحال .. إسترليني .. فرنك .. ين ياباني ماشي الحال .
صحيان : يدفع للحارس ورقة عملة بالدولارات ..
الحارس : عظيم .. الآن صار دربك سالكاً .. تفضلوا .
الحارس يرفع الحاجز إلى الأعلى .
صحيان يركب السيارة .
كلوديت غاضبة .
صحيان :
لا تكوني متزمتة يا عزيزتي .. أليس هذا أفضل من أن نتعذب بفك كل ما معنا من أحمال ؟
و لا تنسي المطر
و الطين ، و صعوبة ترتيب الأغراض من جديد .. و حبال التخريم .
صوت تشغيل محرك السيارة
صوت صفارة من بعيد ..
يأتي الحارس رقم ( 2 ) و يعيد الحاجز إلى وضعه
الاعتراضي .. إنه يحمل مظلة . يتوقف صوت محرك السيارة
صحيان يمد رأسه من نافذة السيارة مندهشاً .
صحيان : لكننا دفعنا و انتهينا .
الحارس ( 2 ) : دفعتم .. نعم .. انتهيتم .. لا .. لأنه ما زالت أمامكم حواجز كثيرة .
الزوجة تنزل من السيارة و تأتي لمواجهة الحارس ( 2 ) .
الزوجة : أريد أن أفهم ما يجري هنا .
الحارس ( 2 ) :
( يشير إلى الخلف ) أنتم هناك دفعتم عند الحاجز الأول .. ذلك خاص بالأمن الغذائي ..
( يشير إلى الأمام ) هناك ما تزال أمامكم عشرة حواجز أخرى .. واضح ؟ ..
الزوجة : يعني اثني عشر حاجزاً للتفتيش ؟ عجيب ..
الحارس ( 2 ) : ( مستهزئاً مع ابتسامة للزوج ) من أين جئت بهذه البضاعة ؟ ( يقصد الزوجة ) .
صحيان : لا تؤاخذها رجاءً .. فهي أجنبية .
الحارس ( 2 ) : أطعني واكسب راحتك .. كلها مائة و خمسون لحلوح و تمضي معززاً مكرماً .. أم أنك تريد أن تتبهدل ؟ ...
صحيان : لكن ذلك الحارس اكتفى بمائة لحلوح فقط .
الحارس ( 2 ) : يا مولانا ... لا وقت لدينا للمساومة .. أوقف سيارتك هناك وانتظر حتى الصباح .
صحيان : بل ندفع .. خذ ( يدفع ورقة عملة ) .
الحارس ( 2 ) يرفع الحاجز إلى الأعلى و يذهب ..
صحيان : هيا يا كلوديت .. اصعدي ...
الزوجة تلتف حول السيارة و تركب فنرى رأسها في النافذة كما في السابق صوت تشغيل محرك السيارة ...
صوت صفارة من بعيد ..
يأتي الحارس رقم ( 3 ) فيعيد الحاجز إلى وضعه الأعتراضي و يدور حول السيارة و هو ينظر إلى الحقائب و الصناديق فوق السيارة نظرات ارتياب .. و صحيان و كلوديت ينظران إليه باستغراب شديد ..
الحارس ( 3 ) : يرفع يده إلى حيث آلة التصوير السينمائي ...
الحارس ( 3 ) : ما هذا ؟ ... تجسس ... و بكل هذه الصراحة ؟ ...
صحيان : ( مضطرباً ) تجسس ؟ ... هذه كاميرا سينمائية يا أخي المواطن .
الحارس ( 3 ) : أخي المواطن ابن عمي المواطن .. لن ترشو ضميري بهذه التعابير المعسولة .. تفضلوا انزلوا .
صحيان : إلى أين ؟ ..
الحارس ( 3 ) : إلى أين ؟ ... إلى التحقيق طبعاً ..
صحيان : يا رجل حرام عليك .. معنا أطفال نائمون هنا في السيارة ...
كلوديت : ( لزوجها ) هات المحفظة .
صحيان يقدم محفظته لزوجته فتفتحها و تقدمها للحارس ..
كلوديت : تفضل ... خذ ما تشاء ..
الحارس ( 3 ) : ما هذا ؟ ... رشوة ؟ ..
كلوديت : لا .. هدية بسيطة ... ثمن فنجان قهوة ..
الحارس :
آ .. ظننت ... ( يأخذ ورقة عملة واحدة فقط ) يكفيني هذه يا مدام ... لأنكم ستحتاجون
إلى البقية في الطريق ..
فما زال أمامكم الحاجز الصحي ، و حاجز الأمن الثقافي ضد الكتب و المجلات ...
كلوديت : ألا يوجد حاجز للأمن الإلكتروني أيضاً ؟ ...
الحارس ( 3 ) :
طبعاً .. ( يشير إلى الأمام ) خامس حاجز أمامكم .. و هو ضد أشرطة الفيديو و الكاسيت
...
رافقتكم السلامة ... ( يذهب ) .
يضاء يمين المسرح فنرى موظف الجوازات جالساً خلف طاولة المكتب ( يتثاءب ) صحيان و كلوديت يأتيان نحوه .
كلوديت : ( تقدم جوازها للموظف ) بونسوار
الموظف : ( يتصفح الجواز ) ما هذا ؟ .. أجانب ؟ .. كان عليكم أن تسلكوا الخط الثاني .
صحيان : أي خط يا أستاذ ؟ ..
الموظف : هناك ( يشير إلى يسار المسرح ) عندما وصلتم إلى الحدود .. ألم تلاحظوا سهمين كبيرين ؟
صحيان : بلى .. سهم مكتوب عليه الأجانب .. و سهم مكتوب عليه المواطنون .
الموظف : إذن كان عليكم أن تسلكوا الطريق المخصص للأجانب ، فهذه السيدة كما أرى أجنبية .
صحيان : لكنني أنا مواطن من أبناء هذه البلاد .. غير أن جواز سفري مثل جواز سفر زوجتي .
الموظف : يعني جواز سفر أجنبي .
صحيان : نعم ..
الموظف :
هداك الله يا أخ .. لو أنك سلكت الخط الثاني المخصص للأجانب لكنت قد وصلت إلى
العاصمة الآن ..
فذلك الخط ليس فيه أي حاجز على الإطلاق ...
صحيان : عجيب !...
الموظف :
لماذا تستغرب يا أخ ؟ .. هل تريدنا أن نضايق الأجانب بمثل هذه الحواجز ؟ .. عيب يا
أستاذ ..
يجب أن يأخذ الأجانب أحسن صورة عنا .
صحيان :
لكن هذه الحواجز العجيبة ليست ( مضايقات ) فقط .. إنها عملية نهب و إتاوات و غرامات
غير قانونية ..
إن فيها منتهى الاحتقار لكرامة الإنسان .
الموظف : ( مع ابتسامة باهته ) طولوا بالكم علينا أخي .. هذا آخر حاجز فإن كنتم تريدون أن تمروا من غير أن تدفعوا شيئاً فعودوا إلى المفترق و اسلكوا الخط الموازي المخصص للأجانب .
تطفأ الأضواء ... تزال الديكورات عن المسرح ...
- المشـــهد الخــامــــس -
في أقصى يمين المسرح .. الإضاءة الزرقاء
صابر و أمه في بيتها كما في المشهد الأول .. نفس ديكورات المشهد الأول ..
صابر واقف يرتدي ثيابه .. إنه يعقد ربطة عنقه ..
أمه – و قد أنجزت صلاتها – تلتفت إليه .
الأم : لعل الله هداك فتذهب اليوم لتفتح الدكان يا ولدي .
صابر : كيف تريدينني أن أفتح الدكان و أنا مطلوب ؟ ..
الأم : لكنك راجعتهم فأخبروك بأن اسمك ليس مكتوباً عندهم بين الذين تطلبهم الحكومة .
صابر :
أنا لم أراجع كل المكاتب بعد . البلد صارت مليئة بأنواع لا تحصى من المكاتب التي من
صلاحيتها أن تعتقل المواطن .
( يرتدي الجاكيت ) .
الأم :
لكنك يجب أن تفتح الدكان و تسترزق الله يا ولدي . فنحن جماعة على باب الله الكريم .
هب أنك لم تتلقّ
تلك المكالمة الهاتفية .
صابر :
ما هذا الذي تقولينه يا أمي ؟ لا يجوز بل إنني لا أستطيع أن أعصي لهم أمراً .. لقد
أمروني بأن أراجعهم إذن فعليَّ أن أراجعهم ، على الأقل لأثبت لهم أنني مواطن
إنضباطي لم أرتكب ذنباً ، و أنني حلاق و لست صحفياً ..
( يذهب ) .
الأم : ( ترفع يديها بالدعاء ) اللهم أعمِ عنه عيون أولاد الحرام .
تطفأ الأضواء الزرقاء ...
- المشهــــد الســـــادس -
الأضواء على وسط المسرح ، في العمق فنرى ديكوراً يوحي بأننا في غرفة مكتب سعادة ( المدير العام لشؤون إقامة الأجانب ) . الغرفة واسعة أنيقة ، مبردة بجهاز تكييف في الجدار و مروحة سقفية أيضاً . طاولة مكتب صاحب السعادة فخمة جداً ، و عليها ثلاثة تليفونات ، و فوق رأسه لوحة كبيرة ( رأس الحكمة مخافة الله ) معلقة على الجدار ضمن إطار مذهب ، و على يمينها صورة للكعبة المقدسة و على يسارها صورة للمسجد النبوي الشريف . صاحب السعادة جالس وراء مكتبه الفخم ، مسرور يتحدث بالهاتف و لكننا لا نسمع كلامه .. إنَّه يرتدي دشداشة بيضاء ، و حطّة مقلمة بالأحمر ، و بريماً من شعر الماعز الأسود .. إنَّه مسرور لما يسمعه في الهاتف . إنَّه مسرور جداً و لذلك فإنَّه ( يتسلى ) بتمرير أصابع يده بين أصابع قدمه التي أجلسها معه فوق كرسيّه الوثير و الدوار ..
في أقصى يسار المسرح ، في المقدمة نرى رجلاً و امرأةً . الرجل شيخ عجوز ، أعمى ، فقير ، يرتدي طربوشاً أحمر مزيناً بلفّة بيضاء مطرزة بخيوط صفراء ، و قنبازاً حريرياً ، و معطفاً رقيقاً يصل إلى ما تحت الركبة .. و أما المرأة فإننا لا نرى منها إلا عينيها .. ذلك لأنها متسترة بملاءة سوداء . ( و سندرك السبب بعد قليل ) .
إنها تنظر نحو ( صاحب السعادة ) بوجل و قلق ،
وتهمس في أذن الشيخ الأعمى ، بل إن كل حديثهما الذي سنسمعه الآن
يدور همساً و بصوت خفيض .
السيدة : أنا خائفة يا شيخ عبد القادر ..
الشيخ : لا تخافي يا خديجة .. و لتكن ثقتك بالله كبيرة .. ألا بذكر الله تطمئن القلوب .
السيدة : لا إله إلا الله .. لكن
أين تذهب إذا طردونا من بلادهم ؟ .. إنني خائفة كثيراً .
الشيخ :
قلت لك لا تخافي يا خديجة .. و كفاك قولاً إن هذه البلاد بلادهم ، فهي بلادنا أيضاً
. نحن عرب و هم عرب .
نحن مسلمون و هم مسلمون .. كلنا أبناء أمة واحدة و من أبسط حقوقنا أن نعيش في أية
مدينة من مدن وطننا الكبير .
السيدة : منذ البداية و أنت تصر على هذه الأسطوانة .. أما يئست من عدم فهمهم عليك ؟ ...
الشيخ :
سيفهمون يا خديجة سيفهمون . إذا كان الكفّار الأجانب قد مزقوا وطننا الواحد إلى دول
عديدة فهذا ليس شأننا ..
و ليحكم كل حاكم بلده كيفما شاء ، لكن لا يجوز أن نذهب ضحايا هذا الخطأ الذي لم
نرتكبه نحن ..
نحن لا نريد من هؤلاء الحكام شيئاً أكثر من أن يتركونا نعيش في وطننا وإلا فأين
نذهب ؟ أعوذ بالله .
السيدة : كل هذا الكلام صحيح و على العين و الرأس و لكن أما رأيت كيف أنهم لم يفهموا كلامك هذا حين ناقشتهم فيه ؟ ..
الشيخ :
غير أن هذا الرجل سيفهم كلامي .. فهم رجل مثقفٌ و متعلم .. و لو لم يكن جديراً بهذا
المنصب السامي لما جعلوه مديراً عاماً لشؤون إقامة الأجانب .. و لذلك فإنني سأبدأ
كلامي معه بلفت نظره إلى التناقض في عنوان وظيفته ..
فنحن لسنا أجانب . الأمريكيون و الكوريون و الإنكليز هم الأجانب ...
السيدة : يا شيخ عبد القادر ليتك تقنعه بأن يعاملونا معاملة هؤلاء الجانب . فهم يحصلون على بطاقات الإقامة بمنتهى السهولة بينما نحن ؟ .. أما كفانا أننا أمضينا ثلاثة أشهر مختبئين في بيت ابنك الدكتور أحمد ؟
( صاحب السعادة ) المدير العام مسرور مما سمعه
بالهاتف يعيد سماعة الهاتف إلى مكانها و ينظر إلى الشيخ و السيدة
و يسألهما باستخفاف .
المدير : هيه .. أما انتهيتما من المداولات ؟ ... و ما الداعي لهذا الهمس ؟ .. إن الفقر ليس عيباً لكنكما أخطأتما العنوان .. فهذا ليس مكتب توزيع الزكاة على الفقراء .
الشيخ :
أحسن الله إليك يا صاحب السعادة .. نحن لسنا هنا للاستجداء .. بل نحن قدّمنا إليك
طلباً لبطاقتي إقامة ..
لي و لأختي خديجة .. ( للسيدة ) خذيني إليه يا خديجة .
يمشيان إلى أن يتوقفا أمام طاولة مكتب صاحب السعادة ..
الشيخ : ( للسيدة ) اكشفي الملأ عن يديك يا خديجة .
السيدة : ( تكشف عن يدها اليسرى .. إنها يد مقطوعة ) .
المدير : ( متأففاً ) ما هذا ؟ .. يد مقطوعة ؟ .. ألصوص أيضاً في مكتبي ؟ .. هيا اخرجوا فوراً .
الشيخ : رفقاً بأعصابك يا صاحب السعادة .. لا تتعجل .. فنحن لسنا لصوصاً ، و إنما اللص هو الطاغية الذي سلطّ و حوشه الضارية علينا ، فقطعوا بالفؤوس أيدي نسائنا لينهبوا أساورهن .. إن أختي خديجة ضحية يا صاحب السعادة . وأنا أيضاً لم يبقى لي في الدنيا إلا ابني أحمد ، و هو طبيب أسنان يعمل عندكم هنا ، و لذلك جئنا لنعيش معه .. غير أننا مللنا القعود مثل سجينين في البيت . لهذا جئنا إليك مطالبين بتزويدنا ببطاقتي إقامة ..
المدير : ألا ترى أيها الشيخ أنك تتكلم بلهجة استفزازية ؟ ..
الشيخ : العفو يا صاحب السعادة .. أنا صاحب حق .
المدير : القانون ينص على أن بطاقة الإقامة لا تمنح إلا للعاملين الذين تحتاج البلاد لخدمتهم .. أنا من جهتي سوف أتغاضى عن كونكما عاجزين عن العمل و لا يكنكما أن تقدما لبلدي أية خدمة .. يكفيني أن تجلبا لي و ثيقة من أية شركة محلية تشهد فيها بأنكما موظفان عندها .
الشيخ : لكن هذا كذب و تزوير و خداع .. وهذا كله ليس من الإسلام .
السيدة : ( للمدير ) سامحه يا صاحب السعادة .. فهو غير متمالك أعصابه الآن .
الشيخ : بل أنا متمالك أعصابي جيداً .. لقد راجعنا الشركات المحلية ، فرفضوا أن يزودونا بمثل تلك الوثيقة الكاذبة إلا إذا دفعنا لهم خمسة عشر ألفاً .. و نحن نرفض أن ندفع هذا المبلغ الضخم ، لا لأننا فقراء فحسب ، بل لأنه رشوة تتعارض مع أحكام ديننا العظيم ..
المدير : لا تغضب يا شيخ .. موضوعك بسيط و سنحاول أن نساعدك .
السيدة : أحسن الله إليك يا صاحب السعادة .. ساعدنا ينوبك ثواب عظيم عند الله .
المجير : بسيطة .. سوف أساعدكم .. أهلاً و سهلاً .
الشيخ : أ رأيت يا خديجة ؟ .. أخبرتك بأن هذا المواطن المحترم مثقف كبير و سوف يفهم علينا ؟ ..
يدخل الغرفة شاب مبتهج و هو يحمل لوحة كبيرة مكتوباً عليها ( هذا من فضل ربي ) مؤطرة بإطار ذهبي ، و يعرضها على المدير العام الذي يتأملها مسروراً ثم يقول للشاب :
المدير : ( للشاب ) جيدة .. ممتازة .. أين ستعلقها ؟ ..
الشاب : سنعلقها على باب بنايتك الجديدة العاشرة يا صاحب السعادة ..
المدير :
بديع .. بديع .. أنا أحب أن أكتب على باب كل بناية من بناياتي ( هذا من فضل ربي )
لأنه
( بالشكر تدوم النعم ) .. خذها .
الشاب يأخذ اللوحة و يذهب .
المدير : ( للشيخ ) إسمع يا عمنا الشيخ .. لقد و عدتك بأن أساعدك و ها أنا عند وعدي ..
الشيخ : يعني ستمنحنا بطاقات إقامة ؟ ..
المدير :
نعم .. و لكن لقاء عشرة آلاف فقط لكل شخص .. ادفعوا عشرة آلاف و سوف أعدّ الخمسة
آلاف الباقية
حسنة لوجهه تعالى ..
الشيخ :
أعوذ بالله .. أهكذا تفهمون الحسنات ؟ .. هل هكذا تفهمون الإسلام ؟ .. ( للسيدة )
خذيني من هنا
يا خديجة .. وا إسلاماه .. وا خجلتاه من كل ما قرأناه في الكتب .
الشيخ و السيدة يذهبان ...
المدير : ( للكاميرا ) ما أعجب أمر هذا الرجل ؟ .. أشحاذٌ و مشارط ؟ .
تســـــدل الستـــارة للاستـــراحـــــة