برنامج خاص بمناسبة حرب الخامس من حزيران
برنامج خاص
بمناسبة حرب الخامس من حزيران
سيناريو: عبد الله الطنطاوي
مؤثرات: نشيد: الله أكبر.
صوت ضخم: بسم الله الرحمن الرحيم.
(يا أيها الذين آمنوا، مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض؟
أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة؟ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً،
ويستبدل قوماً غيركم
ولا تضروه شيئاً
والله على كل شيء قدير).
صوت قويّ آخر: (انفروا خفافاً وثقالاً.
وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله
ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون).
صدق الله العظيم.
مؤثرات: متابعة نشيد الله أكبر.
يتلاشى النشيد تدريجياً.
الشاعر ينشد:
رمل سيناء قبرنا المحفور وعلى القبر منكر ونكير
كبرياء الصحراء مرّغها الذلّ، فغاب الضحى وغار الزئير
لا شهيدٌ يرضي الصحارى وجلّى هارب في رمالها وأسير
أيها المستعير ألف عتاد لأعاديك كل ما تستعير
هدّك الذعر، لا الحديد ولا النار، وعبء على الوغى المذعور
أغرور على الفرار؟ لقد ذاب حياء من الغرور الغرور
القلاع المحصّنات، إذا الجبن حماها، خورنق وسدير
مؤثرات: موسيقى حزينة.
الراوي: قبل ستة وثلاثين عاماً شنّ العدو الإسرائيلي هجوماً صاعقاً على عدد من البلدان العربية المجاورة للكيان الصهيوني الدخيل، الذي احتل جزءاً عزيزاً من البلاد العربية الإسلامية عام ثمانية وأربعين، وأقام على فلسطين الحبيبة كياناً مغتصباً، وشرد أكثر من مليون عربي مسلم من ديارهم، هاموا على وجوههم، فراراً من المذابح الجماعية التي ارتكبها في قبية ودير ياسين، وفي سائر المدن والقرى الفلسطينية التي كانت تتعرض لهجمات العصابات الصهيونية الإرهابية.
مؤثرات: موسيقى حزينة.
المذيع (للراوي): أهلاً وسهلاً يا أخي.
الشاعر: أهلاً بك.
المذيع: هل تقدم لنا نفسك يا سيدي؟
الراوي: أنا عربي مسلم، رأى ما حلّ بأبناء أمته العربية المسلمة من كوارث ومآس، في عام ثمانية وأربعين، حيث الشتات والدماء والأشلاء، وكانت النكبة الأولى، ثم شاهدت النكبة الثانية في عام سبعة وستين، تلك التي ضاع فيها ما تبقى من أرض فلسطين بعد النكبة الأولى، فاحتل اليهود الضفة الغربية بكاملها، واحتلوا القدس الشريف، واحتلوا المسجد الأقصى الذي باركه الله وبارك ما حوله، فغدا أسيراً يئن تحت وطأة الجزارين من بني صهيون، ويشكو تقصير حُماته في الدفاع عنه، واحتلوا غزة هاشم، واحتلوا سيناء التي طالما حذر الواعون من القادة الإسلاميين غير الرسميين من احتلالها قبل أكثر من عشرين سنة من الاحتلال، واحتلوا الجولان الحصين، الذي كان يمثل جبهة منيعة لا يمكن اختراقها، وقد تعب عليها الشعب السوري، وبنى فيها القلاع والحصون، وحفر الخنادق والموانع، وأقام فيها ترسانة هائلة من الأسلحة.
مؤثرات: موسيقى حزينة.
الراوي (يتابع حديثه بعد تلاشي الموسيقى التدريجي):
لقد بذل الشعب السوري الأبي من خاصة نفسه وماله، ولم يبخل على تحصين هضبة الجولان على مدى عشرين عاماً منذ احتلال الجزء الأول من فلسطين عام ثمانية وأربعين، إلى أن تم احتلال كامل التراب الفلسطيني في النكبة الثانية، عام سبعة وستين، في حرب الخامس من حزيران.
مؤثرات: موسيقى حزينة.
المذيع (للراوي): وهل أرّختم النكبتين يا سيدي؟
الراوي: أجل...
لقد كتب أبناء شعبنا في سورية والأردن وفلسطين ومصر أحداث النكبتين بمدادٍ هو مزيج من دموع ودماء، وأرّخ الشعراء ونظم الكاتبون والمؤرخون تفصيلات ما حدث، وبيّنوا أسباب كل نكبة، وإذا شئت استدعيت لك ذلك الشاعر الحزين الذي أرّخ للنكبة الثانية بقصيدة كادت تودي بحياته..
المذيع (للراوي): أرجوك.. ادع لنا الرجل، فجلال الأحزان يمنعني من دعوته.
الراوي: لا بأس.. سوف أدعوه لك.
الراوي (للشاعر): أستاذ محمد.. يا أستاذ محمد.. تعال.
الشاعر (متسائلاً من بعيد): أنا؟
الراوي (بصوت عالٍ): نعم أنت.. تفضل..
مؤثرات: صوت أقدام تقترب.
الشاعر: السلام عليكم ورحمة الله.
الراوي والمذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع (للشاعر): أهلاً بك يا سيدي..
الشاعر (في حزن ): وبكم.. ماذا تريدان مني؟
الراوي (للشاعر): أستاذ محمد.. ماذا قلت في الأسباب التي أدت إلى نكبة الخامس من حزيران؟
الشاعر: قلت الحقيقة التي أغضبت طاغوتاً من الطواغيت التي تحكم بلدي بالحديد والقهر والنار، وكان هو وحزبه وفكره، سبباً مهمّاً في حصول النكبة، وضياع كامل الأرض الفلسطينية، والجولان العزيز الأسير.. لقد غضب ذلك الطاغوت، فأمر جلاوزته فاختطفوني، وضربوني وكسروا جمجمتي، وكسروا عمودي الفقري، وكسروا يدي التي كتبت بها تلك القصيدة، وأرادوا أن يجعلوا مني عبرة لمن يريد أن يتكلم، لمن تسوّل له نفسه الكتابة عن هذه النكبة الثانية المريعة.
الراوي: الحمد لله الذي أهلك ذلك الطاغوت،
المذيع: كيف؟ مات؟
الراوي: لقد انتحر.. أو نحروه هم وزعموا أنه انتحر..
المذيع: من نحره؟
الراوي: رفاقه في الحزب والحكم، بعد أن اختلفوا على الكرسي..
المذيع: إلى الجحيم.. والآن.. مادام قد انتقل الطاغوت إلى الجحيم، نرجو أن تسمعنا ما قلت في قصيدتك يا سيدي الشاعر.
الشاعر: قلت:
مؤثرات: موسيقى حزينة تستمر كخلفية للقصيدة.
الشاعر:
لم يعان الوغى (لواء) ولا عانى (فريق) أهوالها و(مشير)
رتبٌ صنعة الدواوين، ما شارك فيها قرّ الوغى والهجير
وتطير النسور في زحمة النجم، وفي عشّه البغاث يطير
جبن القادة الكبار وفرّوا... وبكى للفرار جيش جسور
لا يدير الخميسَ كرّاً وفراً بل كؤوسَ الصهباء راح يدير
تركوه فوضى إلى الدُّور.. فيحاءُ: لقد ضمّت النساءَ الخدور
هُزم الحاكمون، والشعب في الأصفاد، فالحكم وحده المكسور
هُزم الحاكمون، لم يحزن الشعب عليهم، ولا انتخى الجمهور
يستجيرون، والكريم لدى الغمرة يلقى الردى ولا يستجير
الشاعر (يتوقف عن الإنشاد): هل تريدونني أن أستمر؟
المذيع: ما هذا؟ لقد فضحتهم يا سيدي الشاعر.
مؤثرات: موسيقى حزينة تبقى بمثابة خلفية للشعر.
الشاعر (يتابع إنشاده في حزن):
لا تسل عن نميرها غوطة الشام، ألحَّ الظما وغاض النمير
وانس عطر الشآم.. حيث يقيم الظلم تنأى ولا تقيم العطور
ثمّ أملى الطغاة علينا أن يبغض النور ويعشق الديجور..
المذيع (معلقاً): يا سلام.. ما أروع هذا الكلام !.
الشاعر (متابعاً الإنشاد، والموسيقى الحزينة ما تزال تشكل الخلفية ):
هل درت عدن أن مسجدها الأقصى مكان من أهله مهجور؟
أين مسرى البراق؟ والقدس والمهد وبيتٌ مقدسٌ معمور؟
لم يرتلْ قرآنُ أحمدَ فيه.. ويزار المبكى ويتلى الزبور
طوي المصحف الكريم وراحت تتشاكى آياته والسطور
تُستبى المدن والقرى هاتفاتٍ: أين أين الرشيد والمنصور؟
يا لذلّ الإسلام.. إرث أبي حفص سليب مضيَّع مغمور
يا لذلّ الإسلام.. لا الجمعةُ الزهراء نعمى، ولا الأذان جهير
كلّ دنيا للمسلمين مناحات وويل لأهلها وثبور
لبست مكة السواد، وأبكت مشهد المرتضى، ودُكَّ الطُّور
المذيع (مقاطعاً في إعجاب): الله الله يا بدوي. ما أعظم هذا الكلام !.
الراوي: ألم أقل لك؟.. هذا شعر يا أستاذ..
المذيع: وأي شعر. أنا لم أسمع في حياتي مثل هذا الشعر البديع...
المذيع (للشاعر): هذا بكاء ونحيب لم يبكه شاعرٌ قط من قبل ومن بعد.. أنت تبكي وترثي ولكن في سموّ وشموخ يليقان بما تبكيه وترثيه..
الراوي: إن شاعرنا يبكي الأرض المقدسة التي باركها الله..
يبكي بيت المقدس..
يبكي الأقصى الأسير..
يبكي الخليل ونابلس وغزة وسيناء والجولان..
يبكي العروبة التي أذلها الدعاة إليها..
يبكي الإسلام الذي ضيّعه أبناؤه..
الراوي (للشاعر): ألا تشدو لنا يا أستاذ محمد؟
الشاعر: حباً وكرامة..
مؤثرات: الموسيقى الحزينة نفسها، وتبقى بمثابة الخلفية:
هل درى جعفرٌ، فرفّ جناحاه إلى المسجد الحزين يطير؟
ناجتِ المسجد الطهور وحنّت سدرة المنتهى وظلٌّ طهور
أين قبر الحسين؟ قبرٌ غريبٌ.. من يضم الغريب أو من يزور؟
أين آيُ القرآن تتلى على الجمع؟ وأين التهليل والتكبير؟
يا لذل الإسلام، والقدس نهب هُتكت أرضه، فأين الغيور؟!
لا تشق الجيوب في محنة القدس، ولكنها تشقّ الصدور
حبست أدمع الأباة من الخوف، ويبكي الشذا وتبكي الطيور
المذيع (مقاطعاً): أرجوك يا سيدي..لم أعد أحتمل المزيد.. أعصابي لم تعد تحتمل..
الشاعر ( يهم بالرحيل ): يا الله..
الراوي: إلى أين؟
الشاعر: انتهت مهمتي. ما عدتم تطيقون شعري..
المذيع: من قال هذا يا سيدي الشاعر؟
الشاعر: أنت.
المذيع: معاذ الله يا سيدي.. فقط أريد أن أريح أعصابي لحظة، فشعرك يا سيدي يهزّ البشر والحجر..
الشاعر: ولكنه لم يهز ضمائر أولئك الذين تسببوا في هذه النكبة التي أسموها نكسة، من أجل التخفيف من حدتها وشدتها.
الراوي: ولكي يخففوا من جسامة مسؤوليتهم في ضياع النصف الثاني من فلسطين، ومعه سيناء والجولان.
المذيع(للراوي): ما رأيك، قبل العودة إلى قصيدة شاعرنا الكبير الأستاذ محمد، أن نتحاور في الأسباب التي أدت إلى تلك النكبة الكارثة؟
الراوي: لا بأس،وإن تكن أسرار تلك الهزيمة الشنيعة ما تزال مجهولة.. أعني الأسرار التي هي الأسباب الحقيقية في هزيمة العرب، وانتصار الصهاينة.
المذيع: أنا مذيع، أسأل، وأنتم تجيبون.
الراوي: بل نتحاور، لأننا كلنا خارج اللعبة.. اللاعبون الذين يعرفون الأسرار لا يتكلمون.. منهم من مات قبل أن يفشي سرّاً، ومنهم من لا يزال على كرسيّه، ويخشى عليه إن هو باح بالسر..
الشاعر: بل يخشى على حياته أيضاً.. لأن اللاعبين الكبار في واشنطن وتل أبيب ولندن وباريس وسواها، لا يسمحون لعملائهم بإفشاء الأسرار.
المذيع (للراوي): الآن جاء دورك يا سيدي الراوي، يا أستاذ التاريخ لتحدثنا عن العوامل التي قادت إلى النكبة.
مؤثرات: موسيقي صاخبة أشبه بالعسكرية أو الحربية.
تتلاشى الموسيقى.
الراوي: منذ النصف الثاني للقرن العشرين، ظهر على الساحة العربية فئة من السياسيين والعسكريين يصفون أنفسهم بالتقدمية.. هؤلاء التقدميون - كما يحبون أن يوصفوا - هم سبب كل ما جرى على الساحة العربية من مشاكل وأزمات ومآسٍ وكوارث.. كانت الدول العربية، بفضل أولئك التقدميين العرب، تعيش في حالة من الفوضى لم يكن لها مثيل قبل الخامس من حزيران سنة سبع وستين..
الشاعر: وكانت مزايدات أولئك التقدميين العرب، تشكل إرهاباً نفسياً للمواطنين الأحرار، فليس أسهل على أولئك من اتهام الناس بالرجعية و الخيانة العظمى، ثم نصب المشانق، وتعليق المفكرين والأحرار في حبالها.
الراوي: وبهذا أخافوا الناس، واحتكروا لأنفسهم شرف الجهاد من أجل تحرير فلسطين نحواً من عشرين سنة، وكانوا كاذبين في مزاعمهم النضالية والتحررية، ولا يجرؤ أحد على كشف زيفهم، لأن المحاكم الاستثنائية جاهزة، ولأن الأجهزة القمعية نشطة، وهي مستعدة لسلخ جلد كل معارض، واتهامه بالتآمر على قلب نظام الحكم لصالح الصهيونية والاستعمار.
المذيع: المهم.. أن حكام العرب التقدميين الانقلابيين أذلوا الشعب، وقهروه وسجنوه وطاردوا أحراره، وفرّغوا الجيوش العربية من الكفاءات التي كانت تتمتع بها..
الراوي: وشغلوا الناس بخلافاتهم مع بعضهم بعضاً، ومع رفاقهم حكام الدول الثورية التقدمية الأخرى، وسرقوا الأموال العامة، وخربوا المؤسسات التشريعية، وعطلوا الصحف، ثم أمموها، لتكون الناطقة بلسانهم، المعبرة عن توجهاتهم، وحلّوا الأحزاب، واتهموا رجالاتها بشتى الاتهامات..
المذيع: وهذه كلها كانت أسباباً وجيهة لحدوث نكبة سبعة وستين..
الراوي: هذه الأسباب كفيلة بإزالة حضارات، وبالقضاء على الأمم.
الشاعر: ألا تسمعون إلى ما قلت في هؤلاء؟
المذيع والراوي (معاً): نسمع..
مؤثرات: موسيقى حزينة، تبقى خلفية للشعر.
الشاعر:
نحن أسرى، وحين ضيم حمانا كاد يقضي من حزنه المأسور
كل فرد من الرعية عبدٌ، ومن (البعث) كل فرد أمير
نحن موتى، وشر ما ابتدع الطغيان موتى على الدروب تسير
نحن موتى وإن غدونا ورحنا، والبيوت المزوّقات قبور
نحن موتى، يُسرُّ جارٌ لجار مستريباً: متى يكون النشور؟
بقيت سبّة الزمان على الطاغي، ويبقى العُلى والضمير
إشتراكية؟ وكنز من الدرّ، وزهر، ومنبر، وسرير؟
إشتراكية؟ تعاليمها: الإثراء والظلم والخنا والفجور؟
إشتراكية؟ فإن مرّ طاغٍ، صُفَّ جندٌ له، ودوَّى نفير؟
كلّ وغدٍ مصعّر الخد، لا سابورُ في زهوه ولا أردشير
يغضب القاهر المسلَّح بالنار إذا أَنّ أوْشكا المقهور
المذيع: رائع.. رائع.. ومع ذلك، ألم تكن القوات العربية مكافئة للقوات الإسرائيلية إبان الحرب.
الراوي: اسمع ما تقوله الوثائق أيها المذيع اللبيب. كانت الحكومات العربية التقدمية عاجزة عن التصدي للكيان الصهيوني، مع أنها أنفقت مئات الملايين من الجنيهات والليرات على التسليح، لأن أحداً لا يعرف أين وزّع ذلك السلاح؟ وكيف؟ حتى إن الفريق أول (علي علي عامر) قائد القيادة العربية الموحدة رفع إلى الزعماء العرب قبل الحرب بوقت غير قصير تقريراً جاء فيه:
صوت أجش: "إذا تحملت الدول العربية مسؤولياتها كاملة، فإن قواتنا ستعادل قوات إسرائيل في مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، أما إذا شئنا أن نتفوق على إسرائيل، فإن ذلك يستدعي ثلاث سنوات أخرى، لأن تعادل قواتنا بالقوات الإسرائيلية لا يكفي، ذلك أن التدريب الإسرائيلي متفوق على التدريب الذي تشهده جيوشنا".
المذيع: كيف؟ ولماذا؟
الراوي: لأن زعماء الكيان الصهيوني كانوا يعملون لصالح كيانهم ودولتهم المزعومة، فيما كان زعماؤنا التقدميون مشغولين بحبك المؤامرات، وكشف المؤامرات..
كانوا مشغولين بتثبيت كراسيهم، وقهر شعوبهم، والكيد لبعضهم، كانوا مشغولين بإثارة الفتن والخلافات، وتدبيج مقالات السباب والشتائم والاتهامات في صواريخ إذاعية..
المذيع: إذا كانوا غير مستعدين، فلماذا دخلوا الحرب؟
الراوي: حتى يخسروها.. كانوا يعملون بشتى الوسائل والطرق، لتوريط المنطقة العربية كلها في حرب غير متكافئة مع إسرائيل، تحدد إسرائيل توقيتها، وميادينها، وحجم الأرباح التي تجنيها منها.. وقد كان ذلك في حرب حزيران.
المذيع: والعرب؟ ألم يكونوا واعين لطبيعة المؤامرة؟
الراوي: كانت الأنباء التي تملكها مراجع سياسية ودبلوماسية مطلعة قد أفادت أن أحد الصحفيين الفرنسيين البارزين اتصل بتاريخ السابع والعشرين من أيار (مايو) بكل من سفيري مصر وسورية في باريس، وأبلغهما أن المعلومات التي توافرت لدى الدوائر العسكرية الفرنسية تجزم بأن إسرائيل ستشن حرباً شاملة على العرب في الخامس من حزيران 1967 ثم أكدت المراجع الفرنسية المسؤولة هذه الأنباء التي حملت الجنرال ديغول على توجيه إنذاره التاريخي الذي جاء فيه:
صوت أجش: "إن فرنسا ستتخذ إجراءات فعالة ضد الدولة التي ستبدأ بشن الحرب".
الشاعر: ولذلك قال ديغول عندما سمع بسقوط الجولان، وسقوط مئة واثنين وعشرين شهيداً فقط، قال ديغول:
الصوت الأجش نفسه: هذه ليست حرباً، هذا تسليم.
الشاعر: لأن ديغول يعرف مناعة الجولان، وأنه لا يمكن اختراقه أو احتلاله دون سقوط آلاف مؤلفة من القتلى من الطرف المهاجم، ومئات القتلى من الطرف المدافع.
المذيع: وأنا أذكر أن باحثاً عسكرياً وكاتباً إسلامياً كبيراً هو اللواء الركن محمود شيت خطاب، قد أنذر قادة مصر وسورية والعراق، وحدد يوم الهجوم بصبيحة الخامس من حزيران.
مؤثرات: موسيقى حزينة.
الراوي: ويقول الدكتور سامي الجندي، وزير الثقافة والإعلام (بعثي) في سورية قبل نكبة حزيران:
صوت أجش: سألنا أنفسنا: ماذا نفعل إذا هاجمتنا إسرائيل؟ طلبنا أدق المعلومات السرية، علنا نستطيع تقييم قوتنا، ومقارنتها بقوة العدو، ففوجئنا بالفرق الشاسع الكبير بين القوتين، وقدرنا أن الجيش السوري،رغم تسليحه الجيد، وتمرسه وشجاعته، ليس في وضع يسمح له بأن يصمد أكثر من ساعات أمام أي هجوم إسرائيلي.
لقد أنبأتنا المخابرات السرية - وهذا ما أثبتته المعركة - أن إسرائيل تملك ثمانية وأربعين لواء مدرعاً، ولواءين من المظليين، وأربعة ألوية نقل، وكان بمقدورها أن تحشد جميع قوات الاحتياط لديها خلال ثمان وأربعين ساعة.
المذيع: يا لطيف..
الشاعر: ومع ذلك، أقدموا على الحرب، لتحرير الصفقة التي اتفقوا عليها.
مؤثرات: موسيقى حزينة.
الراوي: وكشف محمد حسنين هيكل النقاب عن الأوضاع المصرية عندما قال:
صوت أجش: إن مفاجأة صباح 5 حزيران /يونيو حطمت الطيران على الأرض في ساعات، وأغلب الظن، وعلى أساس الظروف الموضوعية وحدها، فإن الطيران، دون أية مفاجأة، كان سيضرب في الجو خلال أيام على أساس الأوضاع التي دخل فيها المعركة.
الراوي: وقال هيكل:
الصوت الأجش: وهناك حقيقة دولية تبدو واضحة بعد سنة: وهي أن أي انتصار عربي كان صعباً في تلك الأيام من عام 1967.
الراوي: ومع ذلك، أقدم التقدميون الثوريون الانقلابيون العرب بكل بساطة، على مغامرة ألحقت بالعرب عاراً لم يعرفوه، وقد لا يعرفونه في حياتهم الزاخرة بالأمجاد.
المذيع: سألت ياسر عرفات بعد الحرب: أين كنت خلال حرب يونيو 67؟
فأجاب:
صوت أجش: كنت على الجبهة السورية في القنيطرة.. كنت قائد قوات العاصفة، أي القوات المسلحة الرمزية لحركة فتح، التي قامت بواجبها المتواضع في الجولان، وداخل الأراضي المحتلة.. في ذلك الوقت، كنت مع ضابط استطلاع سوري، قضيت الليل معه، وفي الصباح ذهبت إلى دمشق، وكنت منهكاً فنمت، ولكن بعد وقت ليس بالقصير أيقظوني وقالوا: إن القنيطرة سقطت. فقلت: إن هذا الأمر مستحيل.
استقليت سيارتي، وتوجهت إلى القنيطرة، ووصلت إلى أول حاجز للشرطة العسكرية السورية سألت إن كانت مدينة القنيطرة قد سقطت، فقال لي الضابط المسؤول: لم تسقط القنيطرة. رئيس الأركان أحمد سويداني عبر الحاجز لتوه نحوها فسألت الضابط: هل أنت متأكد مما تقوله؟ فأجاب بالإيجاب، فاجتزت الحاجز وتوجهت إلى القنيطرة؟ فأفهمني الضابط أنه سمع بنبأ سقوط القنيطرة مثلي من الإذاعة.
الراوي: أرى أن نسمع ما قاله شاعرنا الأستاذ محمد، فقد تلفت أعصابنا من هذه الشهادات.
مؤثرات: موسيقى حزينة، تبقى خلفية للشعر.
الشاعر: اسمعوا ما فعل بنا أولئك التقدميون الاشتراكيون الثوريون:
هكتوا حرمة المساجد، لا جنكيز باراهمو ولا تيمور
قَحموها على المصلين بالنار، فشلوٌ يعلو وشلوٌ يغور
أمعنوا في مصاحف الله تمزيقاً، ويبدو على الوجوه السرور
فُقئت أعين المصلين تعذيباً، وديست مناكب وصدور
ثم سيقوا إلى السجون، ولا تسأل، فسجانها عنيف مرير
يشبع السوط من لحوم الضحايا، وتأبى دموعهم والزفير
مؤمن بين آلتين من الفولاذ، دامٍ، ممزَّقٌ، معصور
هتفوا باسم أحمد، فعلى الأصوات عطر، وفي الأسارير نور
طَرْفُ أتباع أحمد بالسماوات، وطَرْفُ الطاغي كليل حسير.
المذيع: الله الله، ما أشد إجرامهم.
الراوي: وتريدهم أن ينتصروا؟
لقد شردوا عشرات الآلاف من أبناء فلسطين والجولان، وأطلقوا عليهم اسم النازحين، ليميزوهم عن المليون من الفلسطينيين اللاجئين الذي غادروا فلسطين بعد نكبة 1948.
الشاعر: لقد وصفت هؤلاء اللاجئين الجدد في قصيدتي، فهل تحبون أن تسمعوها؟
المذيع: ونكون لك من الشاكرين.
مؤثرات:موسيقى حزينة تبقى خلفية للأبيات.
الشاعر: يقول هذا النازح اللاجئ عن نفسه:
أنا حزن، شخص يروح ويغدو.. ومسائي من الأسى والبكور
أنا حزن يمر في كل باب، سائل، مثقل الخطى، منهور
طردتني الأكواخ والبؤس قربي، وتعالت على شقائي القصور
يحتويني الهجير حيناً، ولا يرحم أسمال فقري الزمهرير
وعلى الجوع والضنى والرزايا، في دروبي أسير ثم أسير
نقلتني الصحراء حيناً، وحيناً نقلتني إلى الشعوب البحور
حاملاً محنتي، أجرّر أقدامي، ويومي سمح الغمام مطير
حاملاً محنتي، أوزّعها في كل دنيا، وشرّها مستطير
حاملاً محنة الخيام، فتزورُّ وجوه عني، وتغلق دور
الخيام الممزقات، وأمٌّ في الزوايا، وكسرة وحصير
وفتاة أذلها العري والجوع، ويلهو بالرمل طفل صغير
كلما أَنّ في الخيام شريد لُعن القصر والفراش الوثير
خجل الحاكمون شرقاً وغرباً ورئيس مسيطر ووزير
المذيع: يا سلام.. الله الله.. إنه وصف حيّ لهؤلاء اللاجئين البائسين.
الراوي: ولو كان المقام يسمح، لرويت لك من المخازي والمآسي والآلام والأحزان، ما يجعلك تعجب لبقاء هذه الأمة على ظهر هذه الأرض، فبرغم المؤامرات الكثيرة ضد الشعب والأرض، تبقى أمتنا رافعة الرأس، تتصدى للخونة والمتآمرين.
المذيع: وهل هذا يدعونا إلى التشاؤم يا سيدي الشاعر؟
الشاعر: لا.. بل يدعوني أنا إلى التفاؤل، فمن بين أسجاف الظلام ينبثق الفجر، ولهذا قلت في وصف اليهود الغزاة، ووصف النصر الذي حققوه على من عرفت من حكام العرب:
مؤثرات: موسيقى فيها حزن وتفاؤل، تكون خلفية للشعر.
الشاعر:
لن يعيش الغازي، وفي الأنفس الحقد عليه، وفي النفوس السعير
يحرق المدن والعذارى سبايا، وصغير لذبحه وكبير
دينه الحرق والإبادة والحقد، وشتم الأعراض والتشهير
صوّرته التوراة بالفتك والتدمير حتى ليفزع التصوير
مؤثرات: موسيقى حزينة تعلو ثم تتلاشى رويداً رويداً..
الشاعر:
من طباع الحروب كرٌّ وفرٌّ، والمجلّي هو الشجاع الصبور
ليس يُبنى على الفجاءات فتحٌ، علمي في غدٍ هو المنشور
تنتخي للوغى سيوف معدٍّ ويقوم الموتى وتمشي القبور
عربيٌ، فلا حماي مباح عند حقدي ولا دمي مهدور
المذيع: بارك الله فيك يا سيدي الشاعر، وكأنك كنت تستشرف المستقبل، فهاهم أولاء أطفال الحجارة، هم سيوف معدٍ المشهورة في وجوه حثالة البشر من بني صهيون.
الراوي: لقد أذكرتني الطعن وقد كنت ناسيا..
اسمعوا ما يقوله الشاعر عمر في طفل فلسطين المارد.
مؤثرات: نشيد الله أكبر... ثم تبقى موسيقاه الخافتة بمثابة الخلفية، وتعلو وتخفت حسب إنشاد الشاعر.
الراوي:
صائحاً الله أكبرْ
ضاق بالقمقم واستعلى عليه فتكسَّرْ
وانبرى من سجنه مثل شهابٍ وتحرَّرْ
عقد العزم أبياً ومضى لا يتعثَّرْ
صائحاً الله أكبر.
المذيع: الله أكبر.. الله أكبر.. ما هذا الكلام البديع؟
الراوي (مستمراً في الإنشاد بقوة):
أنِفَ الزيف ووأدَ الحق مذ كان وليدا
ونما ثم نما في الرفض جباراً عنيدا
يركب الموت ليحيا رافع الرأس مجيدا
لا يبالي، كان حيَّ الجسم أم حيّاً شهيدا
صائحاً: الله أكبر
قهر الصعب ببأسٍ من حديد ليس يُقهرْ.
يتحدى النار كالإعصار يصلاها ويجأرْ.
ضارعاً لا ينثني.. يمعن في الزحف المظفَّرْ
صائحاً: الله أكبر.
المذيع والشاعر: الله أكبر.. "الله أكبر"..
مؤثرات: موسيقى نشيد "الله أكبر" مستمرة.
الراوي (مستمراً في إنشاده القوي).
كفُّه اليسرى تضمُّ الجرح في الصدر المعفّر.
واليد اليمنى بها القرآن ملءَ الكون يزأر.
وهو يشتد ولا يرتد يمضي كالغضنفر
صائحاً
الجميع: الله أكبر..
الراوي: يهدم الطاغوت يبني للعلى الصرح الممرّدْ
زاحفاً بالحجر المرميّ كالسهم المسدّد
حجرٌ من أرض قدس المجد فيه سرّ أحمد
من حصى الأرض ولكن بالسماوات مؤيّد
قدر الله المقدَّرْ
أجّج الزحف وفجر
فتبارى كل قسْوَرْ.
صائحاً:
الجميع بصوت واحد قوي: الله أكبر.
الراوي: أزلاً
الجميع: الله أكبر
الراوي: أبداً
الجميع: الله أكبر
الراوي: باسمه نعلو وننصر.
مؤثرات: يعلو نشيد الله أكبر
الشاعر: شعر مَنْ هذا الشعر المقاتل؟
لكأنني كنت في معمعة
الراوي: لقد فجر أطفال الحجارة الأبطال، الأمل في نفوس الشعراء الذين كانوا مُحبطين قبل ثورة الحجارة ، هذه التي يدعونها انتفاضة، وهي في الحقيقة ثورة بكل ما تعنيه كلمة الثورة.
مؤثرات: موسيقى متفائلة..
المذيع: وقد ظهرت قصائد ثائرة بعدد شهداء ثورة الحجارة، وكلها تشيع الحماسة والتفاؤل بالنصر على اليهود شذاذ الآفاق، برغم كل المؤامرات التي تحاك ضد فلسطين، وضد انتفاضتها الجهادية المباركة.
الراوي: ومع كل ما يلقاه الشعب الفلسطيني الآن تحت وطأة المحتلين الجزارين من بني صهيون، فإن هذا الشعب صامد، يستمد قوته وعنفوانه من هذا الإسلام العظيم، ومن دعوة أبنائه إلى الجهاد في سبيل الله، من أجل إنقاذ الأقصى والصخرة والقدس، ومن أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني من المحتلين الغادرين..
المذيع: وشعار الجميع الآن:
مؤثرات: نشيد الله أكبر.. يبدأ بـ: الله أكبر مباشرة، ثم يلي النشيد كاملاً.
–
ختام –