كناسة الثورة
مسرحية من مشهد واحد
عبد الرحيم عبد الرحمن منصور
الأشخاص : أكرم , قاسم , أبو عبدو , أبو صبحي
المكان : بيت أبو عبدو
الزمان : زمان الثورة
ترفع الستارة ، الإضاءة عادية
بيت ابو عبدو بيت عادي أثاث متواضع الشباب مجتمعون في سهرة عادية
أبو عبدو: كبرت ... والله كبرت وهي صغيرة ولكن الناس يحبون الكلام وتضخيم الأمور
أكرم : خير .. خير أبو عبدو ماذا حدث ؟ وما هذه التي كبرت وهي صغيرة ؟
ابو عبدو : قصة المجاهدين الذين كانوا محاصرين في مدينة حمص القديمة
أبو صبحي : إي والله قصة بتدمي القلب
أبو عبدو : لكن بعض الناس من الفارغين التوافه يقولون عنها خيانة وبيع للبلد وصفقة تمت ومن هذا الكلام الفارغ
قاسم : الذي يده بالماء يا أبو عبدو ليس مثل الذي يده بالنار !!. ؟
أبو عبدو : الشيء الذي كاد يفقدني عقلي أن هؤلاء الناس الذين طالت ألسنتهم على الثوار أين كانوا عندما كان المجاهدون يأكلون أوراق الشجر من الجوع والحصار المضروب عليهم ؟ ماذا فعل هؤلاء المتنطعين للمجاهدين الذين صمدوا هذه السنوات في وجه الآلة العسكرية الأسدية والروسية والإيرنية وأمام هذا الحقد الأسود ثم يقال عنهم خانوا وباعوا البلد للنظام المجرم هل يجوز مثل هذا الكلام في حقهم !!؟
قاسم : فغلا يا جماعة السؤال المحير أن هؤلاء الفارغين أصحاب الألسنة الطويلة أين كانوا أثناء القصف والحصار والترويع والتجويع ؟ أين كانوا
أكرم : كانوا في أحضان نسائهم يتنعمون
قاسم : لو أن أحدهم مدّ يد العون يد المساعده حاول أن يرسل رطلا من الخبز أو عبوة من الماء لهؤلاء الأبطال لجاز له أن يتكلم
أبو عبدو : المهم يا شباب أن نقطع ألسنة هؤلاء كي لا ينالوا من المجاهدين ولا من تضحياتهم
أكرم : حوالي ثلاث سنوات وهؤلاء المجاهدون الأبطال يتحدون النظام وزبانيته ومن يساعدونهم ولم يمكنوهم من دخول أحياء حمص القديمة رغم القصف والتدمير والحصار والتجويع
أبو صبحي : إي .. وبالنهاية يقال عنهم خونة ويقال عنهم تخلوا عن حمص وتخلوا عن الجهاد
أبو صبحي : أليس هذا نصرا كبيرا أن المجاهدين خرجوا من الحصار مع عائلاتهم وبسلاحهم مرفوعي الرأس حيث أن النظام لم يتمكن من الدخول إلى أحيائهم كل هذه المدة الطويلة وذلك بعد أن تخلى القريب والبعيد عنهم وحتى لم يبق في الأرض حشائش ولا نباتات يأكلونها بالله عليكم أليس هذا نصرا للثوار ؟
أكرم : والأهم من هذا أنهم لا يزالون شعلة نار تحرق عدوهم وكلهم مستعدون لمتابعة الجهاد ومواصلة الطريق حتى النصر بإذن الله
أبو عبدو: هذا هو الصح هذا هو الحق لقد التحقوا بإخوانهم المجاهدين في الريف الحمصي ومن هناك سوف يواصلون عملهم وجهادهم ولن يتخلوا عن بلدهم ولن يستقيلوا من الجهاد إما نصر وإما شهادة بعون الله
قاسم : أما هؤلاء الذين لا يجيدون سوى الكلام فهم المعوقون وهم المخذلون وهم أسباب كل فتنة وفرقة وضعف عليهم اللعنة ولهم الخزي
أبو عبدو : لا بأس يا شباب .. علينا في الدرجة الأولى أن نلتفت إلى أنفسنا ونصلح أحوالنا ونتقرب من ربنا الذي وعدنا على لسان نبينا أنه لا يضرنا من خذلنا ما دام الله معنا يعني ما دمنا نعمل لله ونتاجر مع الله ونتحرك في سبيل الله فالله يكون معنا بحوله وقوته ورحمته
ابو صبحي : ومن يكون الله معه فكيف يحزن .. وكيف يخاف .. وكيف يجزع إنه مع الله .. وإن الله معه
أكرم : وقد يشرنا ربنا صراحة بقوله جل جلاله ( وبشر الصابرين .. ) فالأمر بيده والنصر والظفر بيده ورقاب العباد بيده أما المؤمنون الصابرون فلهم النعيم ولهم الرضا سواء انتصروا على عدوهم او استشهدوا في سبيل الله فهما (الحسنيان ) النصر أو الجنة
ابو عبدو : بهذه المناسبة أريد أن أحكي لكم طرفة ظريفة كي نخرج من جو الكآبة
قاسم : ها ... ها .. جاء وقت الضحك .. هات لنر ما عندك
ابو عبدو : كان هناك شاب يتيم الأب توفي أبوه وهو صغير ونشأ في رعاية خاله , أتدرون ماذا كان يعمل خاله ؟
أبو صبحي : ماذا كان يعمل الخال يا خال ؟ لعله تاجر .. أو غني من الأغنياء المشهورين
أبو عبدو : لا.. لا كان خاله هو الملك الملك ذاته وهذا الملك كان عقبما ليس له ولد ولا بنت
أكرم : شيء جميل جدا , يتيم يترعرع في حضن ملك والملك خاله وليس له عقب أكيد .. أكيد سوف يصير هذا اليتيم ملكا بعد خاله !!
ابو عبدو : كلامك صحيح ولكن الأمور كانت تعاكس هذا الفتى كان خاله يكرهه ولا يطيق أن يراه بل يتمنى موته وكان هذا الغلام يشكو لأمه فتقول له : اصبر يا بني ولا تحزن إن الله مع الصابرين
قاسم : ولماذا كان خاله يكرهه ؟ الواجب أن يحبه ويحسن إليه وخاصة أنه لا عقب له وهذا ابن أخته
أبوعبدو : لا أحد يدري ما السبب ربما الغيرة .. ربما ألأسف على نفسه أنه لم يرزق الولد فصار يكره كل ولد .. لا أحد يدري ما السبب ولكن هذا هو واقع الحال
أبو صبحي : مسكين هذا الفتى يعيش في حضن خاله الملك وهو لا يشعر بالسعادة ولا الهناءة ولا يأمن حتى على نفسه وهو ابن أخت الملك فما القول في الأطفال المساكين الذين فقدوا آباءهم وذويهم وخسروا طفولتهم وكل ما لديهم نتيجة الحقد الأسدي النصيري الصفوي المجوسي .. كيف يعيشون وكيف يبيتون ويصحون !!
قاسم : أكمل أخي أكمل ماذا حل بهذا الفتى ؟
ابو عبدو: الشيء الجميل في حياة هذا الفتى أن أمه ربته على طاعة الله وعبادة الله وعلى صدق التوكل واليقين فكان يحمد الله دائما ويرجو الفرج من الله وحده
أكرم : نعم التربية والله وهذا هو الفوز المبين وهذه هي النعمة الكبرى كن مع الله ولا تبالي
لاتبالي بالأزمات ولا تبالي بالأعداء ولا تبالي بكيد الحاقدين ولا بجبروت الظالمين ( إن الله مع الذين اتقوا .. )
ابو عبدو : وفي ذات صباح استيقظ الفتى منقبض الصدر كئيب النفس فذهب يروح عن نفسه في البرية بين الحقول والأشجار ويخلو بنفسه مع خالقه
أبو صبحي : خير ما فعل فما أحلى الخلوة مع الله وعلى الأخص في وقت الأزمات
ابو عبدو : وهو في تجواله صادف بستانيا يعمل في الأرض فسلم عليه ووقف يحادثه إلا أن هذا البستاني لاحظ أن هذا الفتى مكدرالنفس مكسور الخاطرفألح عليه بالسؤال عن السبب..
قاسم : ( إما شخص حشري ) هذا البستاني !! دع الفتى بهمه أمن الضروري أن تفتق جروحه .. ماذا حصل أخي ؟ هل أطلعه الفتى عن السبب ؟
ابو عبدو : نعم حدثه عن خاله الملك وعن كرهه له وحقده عليه
قاسم : ماذا كان رد البستاني ؟
ابو عبدو : طبعا هدّأ من جزعه وحزنه وقال له : اصبر يا بني فإن الله قادر على فتح أبواب السعادة لك ما عليك إلا بالصبر والدعاء أما سمعت ذاك الحكيم الذي قال :
ما بين طرفة عين وانتباهتها +++ يغير الله من حال إلى حال
أكرم : فعلا .. إن رحمة الله قريب من المحسنين المؤمنين الصابرين
أبو عبدو : عاد الفتى إلى أمه فرحا سعيدا نشيطا سألته عن السبب فقال لها وهو في غاية السعادة :صادفني في الطريق بستاني وقال لي :
ما بين طرفة عين وانتباهتها +++ يغير الله من خالي إلى حالي
الجميع يضحكون
قاسم : من حال إلىحال وليس من خالي إلى حالي
ابو عبدو : هكذا فهمها الفتى وهذا سبب فرحته ونشوته
أكرم : وهل تم له الأمر وتغير من خاله إلى حاله
ابو عبدو : إنها قصة فيها عبرة لمن يعتبر ويتفكر ليس إلا تدل على معية الله الحافظة لكل من كان مع الله طاعة وعبودية واستقامة ..
ابو صبحي : ألا تذكرون يا أخوة قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح ( الخضر ) عليهما السلام في سورة الكهف كيف أن الله عز وجل حفظ السفينة للمساكين عندما خرقها الخضر كي لا يستولي عليها الملك وكيف حفظ الأبوين الكبيرين من مغبة عقوق الولد لهما فقتله الخضر رجاء أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وكيف حفظ مال ( كنز) الغلامين اليتيمين من أن يستولي عليه أهل المدينة الأشرار فقام الخضر ببناء الجدار الذي الذي يحمي الكنز حتى يكبر اليتيمان ويستخرجا كنزهما ويتصرفا به وذلك ببركة صلاح ابيهما
فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين المهم أن يكون الإنسان مع الله
أكرم: إي أخي ابو عبدو لم تكمل لنا حكاية الغلام مع خاله
أبو عبدو : فعلا يا أخوة بعد أيام مرض الملك ولازم الفراش ثم مالبث أن مات وتنادى كبار المملكة وأهل الحل والعقد فيها لتتويج هذا الفتى ملكا مكان خاله
قاسم : والله قصة ظريفة ومفيدة يسلم فمك يا( أبو عبدو)
ابو عبدو : وفي إحدى الأمسيات السعيدة قال الفتى ( الملك ) لأمه : أرأيت يا أماه كيف غير الله من خالي إلى حالي !؟ ضحكت الأم وقالت : الحمد لله رب العالمين هذا من ثمار التوكل على الله والصبر فالصبر يا بني لا يأتي إلا بخير
أبو صبحي : لله درك يا أبو عبدو من أين تأتي بهذه القصص والحكايات والله إنها معبرة
أبو عبدو : الذي أريد قوله لأهلنا في سورية وفي حمص خاصة إن إرادة الله نافذة وما علينا إلا التسليم لله وحسن الظن به دون التوقف عن العمل والجهاد وإعداد ما نستطيع من قوة لمواجهة هذا التحالف النصيري الصفوي الشرس
أكرم : سبحان الحي القيوم سبحان الحي الذي لا يموت الدوام لله والملك لله وأمور العباد والخلق وقلوبهم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء
قاسم : علينا أن لا ننسى يا شباب أن الأمر في الشام ابتلاء من الله ليميز الخبيث من الطيب والصالح من الطالح والمؤمن من غيره ( وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين .. ) صدق الله العظيم
أكرم : أخي انتهت الحفلة وانفض المسرح وجاء وقت التنظيف وقت كناسة المكان ليبقى نظيفا مشعا بالتقوىوالإيمان
والعمل الصالح
أبو صبحي : فعلا حفلة آل الأسد ومن معهم انتهت ولم يبق منهم غير الأوساخ فلا بدّ من كنسهم وتطهير البلاد من رجسهم
ابو عبدو : كل من لايزال يحمل في قلبه ريبة أو شك بموعود الله ويحمل في قلبه خوفا أو طمعا بهذا النظام ورغبة فيه فسوف تكنسه الثورة بأيدي مجاهديها الصادقين
ابو صبحي : أخي أرض سورية أرض الشام أرض طاهرة وإذا دنسها هؤلاء (الوخم) من نصيرية كافرة ومجوسية حاقدة وشيعية ضالة مضلة في غفلة من أهلها فلا بدّ أن تعود نظيفة لذلك يريد الله أن يجتبي نخبة من أهلها المؤمنين الصادقين ليقوموا بهذه المهمة المقدسة وأرض الشام لا تخلو منهم
فإن لله عبادا فطنا +++ طلقوا الدنيا وعافوا الفتنا موجودون على ارض الشام وهم الأمل بالنصر بإذن الله
أبو صبحي : ماذا تقول أخي ابو عبدو لبعض الذين يذهبون إلى سفارات النظام لينتخبوا هذا السفيه ويقولون نخاف أن لا يسمح لنا في العودة أو أن يعتقلنا إذا عدنا إلى ديارنا
ابو عبدو : أخي كل من يفعل ذلك عن قصد ودراية فهو شريك للنظام في كل جرائمه قولا واحدا كيف يوالون النظام وقد ظهر كفره وإجرامه بل كيف يأمنونه وقد أعلن الحرب السافرة على الرجال والنساء والأطفال والأعراض والأموال
على كل ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ..) كذلك قال الله تعالى في كتابه الكريم ( ألم يعلموا أن من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها , ذلك الخزي العظيم ) صدق الله العظيم
فمن أراد أن يوالي النظام بعد ما تبين له الحق من الضلال فله ما يريد غير مأسوف عليه.
تسدل الستارة انتهى