حوار مع الكاتب المصري شريف صالح

حوار مع الكاتب المصري شريف صالح

عبد القادر كعبان

[email protected]

الكاتب شريف صالح صحفي و ناقد متميز، حاصل على درجة ماجستير فى النقد الادبى عن تحولات النص الادبى دراسه تطبيقيه على رواية اللص و الكلاب للأديب نجيب محفوظ. قاص يغزل سرده على نار هادئة و قد صدر له من قبل ثلاث مجموعات قصصية " اصبع يمشى وحده،  مثلث العشق و شخص صالح للقتل

 ٠في البدء نود منك لمحة خاطفة عن حياتك الشخصية.. من يكون الكاتب شريف صالح؟

ـ من الصعب أن يعرف الإنسان من يكون؟ بل كلما أوغل في العمر اكتشف أن ما يدركه أقل على نحو مرعب، مما يتصور.. لا أعرف إلى أي مدى تكون المعلومات المحددة وفية في التعريف بنا كبشر. هي مجرد مصادفة أن أولد في قرية ريفية شمال دلتا مصر، لا يفصلني عن وشوشة البحر المتوسط سوى كيلو مترات معدودة. وهي مصادفة أخرى أن أجد نفسي ابنا لأب عاش على جبهة القتال قرابة عشر سنوات. وبرغم البيئة الريفية التي لا تعرف ما الكتاب إلا القرآن الكريم،  لكنني كنتُ شغوفاً إلى حد الهوس بقراءة كل ما يكتب في الصحف، والانتباه إلى أغاني الراديو التي تُسلي بها أمي نفسها، وفي فرص الذهاب القليلة إلى أقرب مدينتين لمسقط رأسي: دمياط وشربين، كنتُ أمعن طويلاً في اللافتات المعلقة. من مثل هذه المصادفات وجدتني مولعاً بالكتاب، والجلوس في غرفتي لساعات طويلة، كي أكتب أشياء تخصني وحدي. وربما لو أعدت علي هذا السؤال مرة أخرى، فستكون لي إجابة مختلفة أتلمس من ورائها، من أكون.

• للطفولة أثر هام على كثير من الكتاب.. ماذا تقول عن طفولتك؟

ـ مازلت أعيش طفولتي إلى الآن، بكل الدهشة والبراءة والانفعال واللهو.. كانت خليطاً من انفعالات رومانسية من وحي أبقارنا وكلاب العائلة والحقول الخضراء.. والرعب من قطارات المدينة ونسائها.. حضور حلقات الذكر للطريقة الرفاعية ومحبة آل البيت، تجويد القرآن والتعرف على الإخوان المسلمين، متابعة ما تصدره القاهرة من كتب ومجلات وترسله إلينا، البكاء من قصص المنفلوطي، وانفتاح عالم الجنس المسكوت عنه في القرية، وذلك التوق إلى الخروج بعيداً.

حدثنا عن تجربتك القصصية؟

ـ نحن أمة لا تفخر بشيء مثلما تفخر بأرباب القصيدة وأصحاب العمائم، وفي تلك البدايات كنتُ أنظم ما أظنه شعراً، وأتعلم ما قد يؤهلني لارتداء عمامة رجل دين. لكن عجائز العائلة وعلى رأسهن زوجة جدي، دفعوني بعمق ومحبة إلى أرض الحكي. كانت جدتي "بهية" تروي لي الحكايات وأنا أتأمل سواد واتساع عينيها، ورقة شفتيها، وشعرها الطويل المنسدل. كانت مثل جنية ساحرة بطبقات صوتها المتلونة. وكانت أيضاً أول مستمعة لحكاياتي، ورأتها أفضل مما كتبته ابنة عمي الأكبر سناً. وفي الصبا ارتدت ما يسمى نوادي الأدب في الأقاليم، وسمعت نقاشات عن التخصص إما في القصة أو الشعر.. وهكذا، شيئاً فشيئاً وجدتني أكتفي بالقصة.. أكتبها بكل إخلاص من كل ما يدور حولي، وأعيد صياغتها للمرة العاشرة والعشرين. كما أقرأ كل ما يتاح أمامي عن هذا الفن، إلى أن وجدتني تلقائياً طبعت أربع مجموعات قصصية.

بمن تأثر شريف صالح في بداياته؟

ـ من الصعب اختزال قائمة أسماء، سأكون خائناً لكل كاتب ترك بصمة في روحي ونسيت اسمه، لكن على الأقل يصعب أن يكتب كاتب عربي القصة القصيرة ولا يمر بمحطات يوسف إدريس، زكريا تامر، عبد الحكيم قاسم، إبراهيم أصلان، محمد البساطي، إبراهيم عبد المجيد، ويحي الطاهر عبد الله. وعالمياً تشيكوف، هيمنغواي، وموبسان.. وهناك أسماء أخرى قد تكون أقل شهرة لكنني أحببت نصوصها مثل صلاح عبد السيد، أحمد الشيخ، ومحمد عبد السلام العمري.

ما سر مجموعتك القصصية "مثلث العشق"؟

ـ بلا ادعاء اعتبر حصول المجموعة على جائزة "ساويرس" احتفاء تستحقه، لأنني كتبتها بكل الشغف والحب، تأملت فيها كل مساحات الجنون في علاقات الرجل والمرأة. وراض تماماً عن الصدى الذي نالته، وهي ثاني مجموعة نشرت لي، بعد "إصبع يمشي وحده".

لماذا منعت من معرض الكويت للكتاب؟

ـ حقيقة، لا أعرف.. الرقيب العربي صاحب سلطة، وصاحب السلطة هو القانون، يفعل ما يشاء دون تبرير.. ولا يهمني تبريراته لأنها تخصه ولا تخصني.

هل هذا راجع الى أنها عالجت مواضيع التابوهات؟

ـ دعني أعيد سؤالك بطريقة أخرى: أين هي تلك الكتابة التي لا تعالج التابوهات؟ وهل إذا تخلت الكتابة عن هواجس الإنسان حول الله والموت والحياة.. حول الجنس والسلطة.. فعن أي شيء نكتب؟ هل نكتب مواضيع إنشاء ابتهاجاً بقدوم الربيع؟ ليست "مثلث العشق" وحدها هي التي تواجه تابوهات الإنسان، بل كل سطر أكتبه هو في صميم تلك المواجهة، أملاً في أن ينال كل إنسان حقه في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

هل تستطيع أن تقول إنّ كتابة القصة هي بداية لكتابة الرواية؟

ـ على الإطلاق.. أكتب القصة القصيرة منذ أكثر من عشرين عاماً، دون أن أشغل بي كثيراً بكتابة الرواية. قد تكون ثمة مشاريع روائية راودتني، لكنني وجدت في القصة القصيرة ملاذاً لقلقي الروحي، وتململي الذي لا يسمح لي بالجلوس لشهور طويلة لكتابة نص واحد. هذا فن وذاك فن، وأكره كل من ينظر إلى القصة القصيرة على أنها تمارين مبتدئين لدخول عالم الاحتراف الروائي.

هل ازدهار الرواية  جاء على حساب القصة القصيرة في رأيك؟

ـ سأقول كلاماً على عكس ما يتصوره الكثيرون. الرواية في رأيي تغري بالكتابة أكثر، أما القصة القصيرة فهي فن تصعب الإضافة فيه، ويصعب ترويضه.. والرواية قابلة للحشو والمط والسقطات الفنية، فيما القصة القصيرة لا تحتمل كل ذلك. وأظن أن كثيرين رأوا في الرواية "سهولة الثرثرة" فهربوا إليها، ومن ثم بدت مناسبة أكثر لمزاج قارئ يرغب في التسلية، وحسابات ناشر يراهن على الرائج وليس على الأكثر جودة وإبداعاً وأصالة. أو بمعنى آخر ما أكثر "الروايات الغثة" التي يجري التطبيل لها، بينما من النادر أن تجد قصة قصيرة "غثة" يطنطن لها. ولذلك اسمح لي أن أتحفظ على مفهوم "ازدهار" لأن القصة القصيرة وهي خارج دائرة الرواج، مزدهرة بجودتها وقيمها الفنية وجنون التجريب فيها، أما الرواية فهي "رائجة"، ولا يعني ذلك أنها مزدهرة.

هل ترجمت قصصك إلى لغات أخرى؟

ـ على حد علمي، ترجمت بعض النصوص بشكل فردي إلى الإنكليزية والفرنسية.. لكنني لا أشعل نفسي أساساً بقصة الترجمة ولا أسعى إليها.. فأنا لا أعني القارئ الفنلندي ولا هو يعنيني. ومعظم ترجمات الأدب العربي، ليس لها فاعلية حقيقية لدى القارئ الآخر، مجرد شيء مثل صور زعماء العالم في المناسبات الرسمية، تفتقر لأي معني حقيقي، سوى أنها صورة بروتوكولية.

هل أصبح الأدب العربي الحديث يمتلك موقعاً يؤهله لاكتساب صفة العالمية اليوم؟

ـ للثقافة العربية بمشرقها ومغربها، تراث سخي جداً، يفوق ربما معظم حضارات العالم. لكن صفة "العالمية" أشبه ب "فخ" استشراقي، فهل هناك من يمسك "مازورة" ما يقيس بها الآداب، ويقرر ما العالمي وما غير العالمي؟ محمود دوريش عالمي وإن لم يحصل على نوبل، والتوحيدي وابن خلدون وابن حزم والمتنبي والمعري، جميعهم عالميون وإن لم تقدم ببچ  تقارير عنهم، وبغض النظر عما إذا كانوا ترجموا أم لا؟ هل العالمية تعني الترجمة إلى الإنكليزية والفرنسية حصراً، أم لابد أن تشمل اللغات الكورية والصينية والهندية؟ الكاتب العالمي لدي هو من يعبر عن جوهرنا الإنساني المشترك، بكل نبله وأوهامه وآماله، لا أكثر ولا أقل.

إلى أي حدٍّ تستطيع أن توازي بين الحلم والواقع في كتاباتك؟

ـ الحلم أجمل نافذة أطل منها على الحياة، تكنيك مفضل لدي، والكثير من نصوصي هي في الأساس أحلام، مع تعديلات طفيفة. والأيام التي تمر علي دون أن أحلم، تكون ثقيلة وكئيبة. الأساس لدي هو الحلم، والواقع مجرد حيلة تضفي على النص شيئاً من الكثافة والتجسيد والمقبولية.

ماهي أهم  جائزة أثرت في مشوارك الأدبي و لماذا؟

ـ كل جائزة كان لها فرحها الخاص، وتحفيزي لأن استمر في الكتابة واللعب باللغة ومعها.. كنت محظوظاً بكم الجوائز التي حصلت عليها، من الهيئة العامة لقصور الثقافة ونادي القصة ورامتان طه حسين وأخبار الأدب، وجائزة الشارقة للإبداع  المسرحي وجائزة ساويرس وجائزة دبي الثقافية.. كلها أمتن لها وللقائمين عليها، وللمحكمين فيها.. فالجوائز هي آخر جدار يشعرنا بآدميتنا في واقع لا يؤمن أساساً بالكاتب ولا يضعه في خريطته اليومية المزدحمة بهموم الفقر وعفن السياسة وتجار الدين.

كيف ينظر شريف صالح  إلى العلاقة بين السياسة والأدب وهل تتفق مع فكرة أن العمل الأدبي يجب أن يتجرد من الإيديولوجيا؟

ـ الأدب يلعب في كل الحقول بما فيها السياسة.. كل شيء يمكن أن يكون مادة خصبة للكاتب.. وكل نص يحمل أيديولوجيا خاصة به مهما ادعى تجرده. لكن الرهان دائماً على الكيفية التي تنسج بها نصك. لا يهم ما تقول بل المهم كيف تقول، على عكس السياسة تماماً!

حدثنا عن رحلتك في الطريق إلى الناشر؟

ـ للأسف، لم أنشر في الدور الحكومية إلا متأخراً جداً، حين طبعت كتابي الذي أعتز به كثيراً "نجيب محفوظ وتحولات الحكاية" في الهيئة العامة لقصور الثقافة، العام الماضي. بقية كتبي طبعتها لدى ناشر خاص، متحملاً جزأً من الكلفة المادية عدا مسرحية "رقص الديك" التي نشرتها إدارة الثقافة في الشارقة إثر فوزها بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي.

ما آخر أعمالك؟

ـ انتظر صدور المجموعة الفائزة بجائزة دبي الثقافية وهي بعنوان "بيضة على الشاطئ".. كما انتهيت في الفترة الماضية من كتابة رواية بعنوان "قابلني على الفيس بوك".. لفت نظري وجود صفحة مزورة باسمي وصورتي وبياناتي الشخصية.. فوجدتها فرصة طيبة للتفكير في أن تكون لك نسخة أخرى منك على هذا الموقع، أن تكون كاتباً ومكتوباً من قبل كائن آخر.. تخيل صفحة تخاطب الآخرين على أنها أنت، وتخوض معارك بديلاً عنك. وقد حاولت أن أستهلم طريقة تراكم المواد عشوائياً على "الجدار" الافتراضي في بناء الرواية، دون أن أخل بقدرة القارئ على التواصل مع النص.