لقائي مع سكرتير أول السفارة الأمريكية بالقاهرة

أ.د/ عبد الرحمن البر

لقائي مع سكرتير أول السفارة الأمريكية بالقاهرة

أ.د/ عبد الرحمن البر

(1)

سبق أن التقيت مع السيد بيتر شى سكرتير أول السفارة الأمريكية بالقاهرة في منزل السفيرة الأمريكية بالقاهرة قبل حوالي ثمانية أشهر، حين دعيت مع بعض الشخصيات المصرية للقاء السيد بوزنر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، وقد أرسل إليَّ السيد بيتر شي عبر البريد الإلكتروني يطلب لقائي، والتقينا بالقاهرة بالمركز العام لجماعة الإخوان المسلمين يوم الأربعاء 5/9 /2012 في حوالي الساعة التاسعة صباحا، وجرى بيننا حوار دام حوالي الساعة عبر مترجم مصري من السفارة الأمريكية، وهذا أهم ما جاء في هذا الحوار:

سأل السيد بيتر : كيف ترى المتبقي من  العملية الانتقالية فيما يتعلق  بالدستور وما يتلو ذلك من خطوات؟ وكيف ترى ما حدث في الشهرين الماضيين؟ وماذا سيحدث في الشهرين القادمين؟

وكانت إجابتي على النحو التالي: كانت الأمور واضحة في الشهرين الماضيين منذ انتخاب الرئيس، وكلها تصب في اتجاه  مدنية الدولة وسرعة تمرير العملية الانتقالية، وفى نفس الوقت فإن الجمعية التأسيسية تقوم بمهمتها أيضا بشكل متواصل، وإن شاء الله بمجرد الانتهاء من الدستور وفى خلال فترة قصيرة سيتم دعوة الناخبين للاستفتاء عليه، وإذا تمت الموافقة فسوف تجرى انتخابات برلمانية، وبالنسبة للأحكام الانتقالية فلم تتم مناقشتها في الجمعية إلى الآن بشكل نهائي، وبالتالي حالما تجرى الانتخابات فسوف نكون أمام وضع مستقر  تماما بإذن الله.

قال السيد بيتر: الكثير كان قلقا حول ما سيحدث هذه الفترة، وقد يكون الكثيرون الآن متفائلين أنه على الأقل هناك طريق واضح تسير فيه الأمور، وهذا التفاؤل واضح لمن يقرأ المشهد وهو  من خارج الصورة.

وعلقت على ذلك بما يلي: أنا أعتقد أن هذا التقييم سليم إلى حد كبير جدا، وطبعا لا يمكن أن يكون هناك إجماع على شيء، هذا من طبيعة الحالة الإنسانية، لكن عندما نتكلم عن التيار العام الغالب على الشعب المصري فيمكن القول: إن هناك رغبة حقيقية في الاستقرار، وهناك دعوة في أوساط كثير من المصرين إلى النظر للمستقبل بشكل عملي، ولذلك لا يكون هناك تجاوب كبير مع محاولات الإثارة والتظاهر بغير مبرر، فالمصريون يخرجون للتظاهر إذا أدركوا واقتنعوا أن للتظاهر هدفا محددا يصب في المصلحة العامة، أما  في غير هذه الحالة فالأعداد التي تخرج تكون محدودة، وهذا حقهم في التعبير عن الرأي في كل الأحوال.

بشكل عام فالمصريون يرون أنهم انتزعوا حقا إنسانيا مهما في التعبير عن الرأي وحرية التظاهر، ولا يوجد توجه لدى المصريين للتنازل عن هذا الحق أيا كانت الحكومة القائمة، فهذا أصبح حقا أساسيا،  وهذا يساعد أو يجبر أي حكومة قادمة على تفهم الوضع الصحيح، وبالتالي أتصور أن هذا كله يؤدى إلى دعم الحريات في المستقبل، وهذا شيء في غاية الأهمية.

وبالنسبة للدستور هناك رغبة شديدة جدا لدى كل الأطياف الممثلة في الجمعية التأسيسية  لتعزيز هذه الحريات.

ثم قال السيد بيتر: لعلك لاحظت في الفترة الماضية أن الولايات المتحدة تحاول أن تكون شريكا جيدا ومتساويا مع مصر، وتحاول أن تقدم المساعدة التي تقدر عليها، والمساعدة في حفظ الاستقرار وقضايا الاقتصاد والتجارة، ولعلك لاحظت أن الولايات المتحدة في الفترة الماضية كانت هادئة، فلا تعليق على الدستور، ولا تعليق على كثير من القضايا التي تحدث في مصر، حافظنا على هذا الهدوء؛ لأنها قضايا مصرية بالأساس، تحل ويتعامل معها من الداخل.

وقد علقت على ذلك بما يلي: الشيء الطبيعي أن الشعب المصري في حالة تحرر، وعلاقاته الدولية أيضا في حالة تحرر، وأعتقد أنها تتجه نحو التطور الطبيعي والسليم، ولا بد أن تعلم الإدارة الأمريكية أن هناك حالة ريبة  في نفوس كثير من المصريين تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، وبالتالي من المهم بناء حالة من الثقة بشكل طبيعي، من المؤكد أنكم تذكرون إلى أي مدى كانت ردود الأفعال سلبية فيما يتصل بتمويل ما يسمى المنظمات الحقوقية أو غيرها، وكيف نظر الشعب المصري إليها، ولا بد من أن تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن هناك تحررا حاصلا، وأن من مصلحة الجميع أن تكون هذه العلاقات على النمط الإنساني العام المتكافئ، ولابد أن تكون العلاقة علاقة شراكة، وليست علاقة توجيه أو تسلط أو استغلال الحاجة الاقتصادية للدولة في إملاء شيء معين.

وبطبيعة الإنسان الشرقي عموما والمصري بشكل خاص فهو يرفض تماما فكرة أن يوجهه أحد، بل يرفض أن تكون التوجيهات للحريات والحقوق من الخارج، وهو في نفس الوقت يسعى إلى اقتناص حقوق كثيرة جدا، وأول باب تم الانتهاء منه في الدستور الجديد وكثر الكلام فيه هو باب الحقوق والحريات، وهو يفتح أبواب الحرية إلى أوسع مدى ممكن بما يناسب هوية الشعب المصري، دون وضع قيود على هذه الحريات. ولأول مرة ينص الدستور في أول باب الحريات على الكرامة الإنسانية  كحق إنساني، وهذا شيء جديد على الدساتير بشكل عام. ولذلك فإن صانع القرار الأمريكي لابد أن يأخذ هذا التطور في الاعتبار .

فعقب السيد بيتر بالقول: ربما تكون فهمت من كلامي أننا نتجاهل موضوع الحقوق والحريات، لكن ما قصدته أننا كشركاء كنا حذرين في الفترة الماضية من إطلاق أي تصريحات؛ لأننا نحترم العملية القائمة لوضع الدستور، لأن مثل هذه التصريحات لن تساعد وليس من الذكاء الإدلاء بها، وإننا نرى حقوق الإنسان العالمية  هي ضرورة أخلاقية.

ولكن ما هو أصعب الأمور أو القضايا في الدستور التي ينبغي مواجهتها وحلها؟ 

أنا أعرف كثيرا من المصريين عندما ثارت مسألة قانون ضد الحجاب في فرنسا أو ضد المآذن في سويسرا تحدثوا عن تلك القضايا، وعن رفضهم لها، فجائز تماما للجميع مسلمين أو مسيحيين  في أي مكان أن يتحدثوا عن القضايا العالمية من منطلق أخلاقي.

فأجبت عليه بما يلي:  أنا تماما مع الواجب الأخلاقي الإنساني، فهذا أمر طبيعي، ولذلك نحن الشعب المصري أيدنا بشكل عام موقف الرئيس مرسى من سوريا، الذي هو موقف أخلاقي في المقام الأول، وهذا ما كنا نفتقده، ولا زلنا نرجو أن يكون العالم أخلاقيا مع نفسه، وبالتالي لا تكون هناك معايير مزدوجة، فيكون أخلاقيا في وقت وغير أخلاقي في وقت آخر، يغض الطرف عن ممارسات استبدادية في بلاد معينة، بينما يقيم الدنيا على حق بسيط في بلاد أخرى، نريد أن يكون هناك معيار أخلاقي واحد للإنسانية، ونتمنى من الشركاء محبي الحرية والإنسانية في العالم كله أن يكون هذا الجانب الأخلاقي له دور في الممارسة السياسية العالمية.

بالتأكيد المصالح هي التي تحكم العلاقات بين الدول لكن في نفس الوقت لا ينبغي أن تكون غير أخلاقية، وبخاصة فيما يتعلق بالجانب الإنساني.

 نحن حرصنا في الدستور الجديد على الكرامة الإنسانية بشكل عام لكل البشر، وأن نعطى الحق لمن يلتجئ إلينا ممن يعانون في بلادهم من الممارسات السالبة للحقوق والحريات التي منحها دستورنا، لأن هذا أمر إنساني في المقام الأول، ونؤمن أن هذا الجانب الأخلاقي في السياسة الدولية يساعد على استقرار الأوضاع العالمية بشكل كبير جدا، وهذا شيء أعتقد أن كل محبي البشرية يسعون فيه، فأنا لا أختلف معك  في هذا الجانب.

لكنني  فقط أردت أن أعلق وأقول: إنه في بعض الممارسات الأمريكية السابقة حتى ولو كان القصد نبيلا إلا أن هذه الممارسة الطويلة التراكمية تركت أثرا سلبيا عند استقبال الشعوب لكلام الأمريكيين عن الحريات، وبالتالي يحتاج الأمر إلى حديث محدد وواضح.

لكن لا يتصور أن أمريكا الدولة الأولى في العالم تتخلى أخلاقيا عن الحديث عن الحقوق والحريات فهو شيء غير مقبول.

وفيما يتعلق بالدستور والجمعية التأسيسية هناك حالة توافق عام من كل التيارات الموجودة في الجمعية على ضرورة التوصل إلى توافق، وألا يكون هناك إقرار للمواد بالتصويت قدر الإمكان، وعندما تكون صياغة توافقية فإنها ستحقق أمال المصريين المشتركة، ولن يكون في الدستور أي محاولة لتغليب توجه فكرى معين على بقية التوجهات أو حزب معين على باقي الأحزاب، وبعض المسائل قد تأخذ وقتا طويلا في المناقشة لكي يتوصل الجميع إلى توافق عام في الصياغة.

وربما كانت أكبر المسائل التي أخذت بعض الوقت هي وضع الهيئات القضائية، فأنت تعلم أن مصر بها عدة هيئات قضائية و ليست هيئة قضائية واحدة، وحرص الجميع على أن يكون القضاء قويا ومستقلا وغير قابل بأي شكل من الأشكال للتأثير عليه يدفع الجميع إلى حوارات ومناقشات لضمان هذا بشكل حقيقي وليس بصورة شكلية.

والأمر الثاني أيضا كان بعض المسائل المتعلقة بالقضاء العسكري، وهذا أخذ وقتا لأن هناك حرصا على أن تكون هناك شفافية في كل ما يتصل بالقضاء، سواء كان مدنيا أو عسكريا، لضمان حقوق المتقاضين، ولضمان الاستقلالية والشفافية والنزاهة في كل ما يتصل،  والغرض لدى الجميع هو ضمان استقلال وحيدة وقوة الجهاز القضائي المصري .

وهذه أول مرة في التاريخ يعمل واضعو الدستور دون الإحساس بأن هناك ضغطا عليهم من أية جهة، وكذلك أول مرة يحس الشعب بأنه يشارك في كتابة الدستور من خلال أكثر من 70 لقاء جماهيري في محافظات وجامعات مصر، ومع كل الهيئات والأحزاب ومن خلال الاستماع إلى كل النخب المصرية، لتقدم آراءها، بحيث يكون هذا كله أمام اللجنة التي تضع الدستور، فنقدم صياغة دستورية تحقق المأمول لدى الشعب في النهاية.

فيما مضى كانت اللجان التي تضع الدساتير مكلفة من رئيس الجمهورية، وكان من الممكن أن يغير رئيس الجمهورية ما تضعه من نصوص جيدة قبل عرضها للاستفتاء العام، ولكن في هذه المرة الأمر مختلف تماما، فلا يوجد أي ضغط على الجمعية بأي شكل من الأشكال.

طبعا هناك ضغوط شعبية، بمعنى أن كل  فئة تحرص على أن تضمن حقوقها من خلال مواد الدستور، وهذا أمر طبيعي لا يدخل في دائرة الضغوط.

وغدا أكمل لحضراتكم باقي ما جاء في هذا الحوار حول الفتنة الطائفية ومرجعية الأزهر والمادة الثانية من الدستور ومطالب المصريين في الخارج من الجمعية التأسيسية وطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة وقضايا أخرى.

 (2)

قلت للسيد بيتر: نحن في الجمعية التأسيسية للدستور ندرك تماما أن هناك أجهزة رقابية وقضائية يجب ان تكون فى منتهى القوة والإستقلالية، وهذا جعل كتابة الدستور هذه المرة مختلفة عن كتابة الدستور فى أى وقت  مضى، وبالتالى أتوقع انه سيكون دستورا أفضل تعبيرا وأكثر دقة وحرية، وهناك حرص شديد جدا ألا يخصم من الحقوق، بل يزاد عليها بشكل كبير.

ثم تعرض السيد بيتر لزيارة وفد الجمعية التأسيسية المكون من الدكتور أيمن نور ومعه عشرة للولايات المتحدة لعرض مسودة الدستور على الجالية المصرية وقال: لست متاكدا هل سيلتقى بأعضاء فى الكونجرس أم لا.

فقلت للسيد بيتر: هذا سيتم مع كل الجاليات المصرية فى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية وقطر والإمارات، وستذهب هذه الوفود لشرح مسودة الدستور لأبناء الجاليات المصرية ومناقشة جميع المقترحات بشأنه، وهذا هو الغرض من هذه الرحلات فلدينا أكثر من 11 مليون مصرى فى الخارج لا بد من ان يكون لهم دور فى الدستورالجديد.

وهنا قال السيد بيتر: اسمح لي أن أطرح أسئلة من التى سوف يطرحونها،  فلدى زملاء وأصدقاء فى الولايات المتحدة، والذين يعيشون هناك يتساءلون عن الحريات الشخصية وحقوق الأقليات، وطبعا المادة الثانية وتفسير الأزهر للشريعة، والمقترح بجعل الأزهر مرجعية وهل ستعدل فى الصياغة أم لا؟ والمادة المقترحة بالكفر وما تم فيها، وكما تعلم فإن الجالية المصرية بالولايات المتحدة نصفها مسلم والنصف الآخر مسيحى على عكس دول الخليج فمعظمها مسلمين

وأجبت بما يلي: ازدياد عدد المصريين المسلمين في دول الخليج مقارنة بعددهم في أوربا وأمريكا أمر طبيعى، وربما تكون انتخابات الرئاسة قد أعطت مؤشرا على اتجاهات النتصويت في الخارج، ففى الخليج كانت هناك نسبة عالية جدا في التصويت لصالح للدكتور مرسى، بينما فى الولايات المتحدة قلت هذه النسبة، وربما تختلف النسبة من مكان إلى آخر، ولكن هذا لا يمثل أي إشكالية في الحوار حول الدستور، ولا يوجد فرصة لأحد أيا كان فى أن يملى رأيه على الآخر، فقد انتقلنا من حالة الاستبداد إلى حالة الديموقراطية، وبالتالى كان الحوار المباشر داخل  الجمعية التأسيسية فى كثير من المواد سببا مباشرا في التخلص من الريبة والشك من نفوس بعض الأفراد أو الفئات أو الأطياف السياسية.

فيما يتصل بالأزهر والمادة المقترحة بالكفر، فأنا لا أعرف مادة بهذا المعنى، وإذا كنت تقصد المادة المقترحة بحظر الإساءة إلى الأنبياءوالخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين، فإن وجهة نظر الأزهر الذي كان أول من اقترحها أنها مهمة لمواجهة الفتن التي تثار من حين لآخر، فتستثير الأمة نتيجة لذلك، كمن يخرج فيسيء إلى المسيح عليه السلام وإلى محمد عليه السلام، فمثل  هذه المسألة تطعن فى جوانب عقدية للأمة، وتحدث قلاقل فى مجتمعتنا الإسلامية والشرقية وربما الإساءة الى المسيح عليه السلام تثير المسلمين أكثر مما يحصل مع شعوب أخرى أحيانا،  لان من ديننا أن المسيح يجب أن يُحترم، ولا يتعرض لأي إهانة.

فالمقصود من هذه المادة أمران: الأول: حماية عقائد الناس من البلبلة، وحماية المجتمع من الاستثارة من حين لآخر ، والثانى أن بعض الشيعة كثيرا ما يسيء إلى الصحابة وأمهات المؤمنين الذين هم محل احترام كبير من أهل السنة، مما يؤدي إلى إثارة الفتنة، وآخرهم كان عندما تحدث أحد الشيعة  فى بريطانيا عن السيدة عائشة،  وحصلت مظاهرات عارمة فى البلاد العربية ومنها مصر، فنحن لا نريد ان نفتح الباب لأن يكون هناك تحركات شعبية فى هذا الجانب لانها تكون سلبية  وربما لا يمكن التحكم فى عواقبه.

مع العلم بأننا في الجمعية التأسيسية لم تنته من الصياغات المتعلقة بهذه المادة حتى الآن.

وعلق السيد بيتر بالقول:  كأصدقاء وشركاء هناك بعض الأمور التى قد نتفق عليها، وكذلك بعض الأمورالتي نختلف حولها.

وقد أجبت على ذلك بالقول: ونحن أيضا في مناقشاتنا حول مواد  الدستور نختلف و نتفق بشكل طبيعى، ولا يلزم بالضرورة أن يكون هناك اتفاق عام على كل شيء، وحالة التوافق القائمة في الجمعية هى توافق على قيم تحكمنا، تعطى لكل منا الحق فى أن يقول رأيه دون حرج، وفى النهاية هذه هى الديموقراطية.

ثم أشار السيد بيتر إلى بعض الوقائع التي فيها إهانة للرموز الدينية: لا أحد فى الولايات المتحدة من المسلمين ولا من غير المسلمين قَبل أو يقبل ما فعله القس تيرى جونز الذى أحرق المصحف، والكل يعتبر هذا أمرأ مرفوضا، لكن في النهاية لا توجد عقوبة قانونية لمنعه من اعتناق أفكاره المرفوضة.

وعلقت على ذلك بالقول: هناك فرق بين النص الدستورى والنص القانوني، فما نقوم به هو صياغة نصوص الدستور الذي يضع القواعد العامة للحياة المصرية، ولا يوجد في نصوص الدستور نص على عقوبات محددة، فذلك شأن القانون الذي يحدد ما إذا كان ذلك يمثل جريمة أولا ويحدد ما إذا كانت تستحق العقوبة أم يكتفى بالفض الشعبي العام.

وهناك فرق مهم يجب ان يكون واضحا بين حالة المجتمع المصرى الذي خرج  من حالة الاستبداد، وحالة المجتمع الأمريكى الذي استقرت الحريات فيه منذ مدة طويلة، فالمجتمع المصرى  يستفز بقوة وبسرعة شديدة جدا لدى تعرض احد هذه الرموز المقدسة أو الدينية للإهانة، فمثلا ما حدث فى الدنمارك جعل المصريين يتظاهرون، وماحدث من تيرى جونز جعل المصريون يتظاهرون، وما حدث من الشيعى الذى أساء إلى السيدة عائشة جعل المصريون يتظاهرون، فكل الانفعالات الشعبيه قد لا يمكن التحكم فيها، ولذلك من المهم أن يكون هناك موقف قانوني يخفف من ردة الفعل عند الناس ويحتوي هذه الردود، حتى لا تحدث فتن نتيجتها

وعلى كل حال فهذه القضية لم تطرح بعد على اللجنة العامة للتصويت عليها وحين تطرح ستكون محل حوار وما سيتم التوافق عليه سيتم صياغته فى الدستور .

ثم انتقل السيد بيتر للسؤال عن المادة الثانية وهل ستبقى كما فى نسخة دستور 71  أن مبادئ الشريعة هى مصدر رئيسى للتشريع وهذا شىء يتفق عليه معظم  المسيحيين والمسلمين، أم سيضاف إليها مرجعية الأزهر بالنسبة لتفسير الشريعة.

وأجبته بما يلي: المسألة ليست من يفسر الشريعة، لأن الشريعه يفسرها علماء الشريعة بلا خلاف، ولكن المشكلة هى من يحدد ويفسر ما هي مبادئ الشريعة، لانه سبق أن خاض في ذلك أكثر من جهة، فهناك من نادى بالمبادئ العامة كالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية ...الخ وهذه المبادئ لا يمكن وصفها على أنها المقصودة بمبادئ الشريعة، إنما هي مبادئ إنسانية عامة تشترك فيها الشريعة مع غيرها، وكذلك فقد سبق للمحكمة الدستورية أن فسرت المبادئ بأنها النصوص الشرعية قطعية الثبوت قطعية الدلالة وهذا خطأ واضح لا يتوافق إلا مع بعض آيات قرآنية، أما باقى الآيات القرآنية وباقى السنة فتخرج من هذا الإطار، وهذا غير مقبول مطلقا،  والحقيقة أن المقصود بالمبادئ أساسا حسب مراد الذين كتبوا هذا النص هو القواعد القانونية المستفادة من الشريعة، يعنى مثلا القاعدة الشرعية التى تقول (لا ضرر ولا ضرار) تعني أنه لا يجوز للإنسان أن يضر نفسه أو يضر غيره، وبالتالى لا بد ان تتضمن القوانين ما يمنع الإنسان من الإضرار بنفسه أوالإضرار بالآخرين. وهناك قاعدة شرعية تقول (ما لا يتم الواجب به فهو واجب) بمعنى إذا كنا نحتاج إلى أمر معين من أجل تحقيق مصلحة أساسية للمجتمع  فهذا يجب الأخذ به.

مثل هذه القواعد هى قواعد لفهم الشريعة الإسلامية لتبنى عليها نصوص قانونية، هذا هو معنى المبادئ، لكن ،اختلاف الجهات المختلفة فى تفسير المبادئ هو الذى جعل قسما كبيرا يطالب بأن يكون الأزهر هو المرجعية فى تفسير المبادئ ليقول ما هى المبادئ

فقال السيد بيتر: حضرتك ذكرت فى النهاية أن هذا يعكس ما يطالب  به كثير من الناس فى أن يكون الأزهر هو الفيصل فى تفسير مبادئ الشريعة، وأريد أن أسأل: هل لو اتخذ البرلمان قانون يكون من الأفضل أن يعرض على المحكمة الدستورية أم يتفق القضاء مع الأزهر للوصول للحكم الصحيح.

فأجبته بما يلي: هذا أمر واضح جدا، فالدستور يقول: المحكمة الدستورية هي وحدها المختصة بذلك، لكن حين تطلب المحكمة تفسير أمر ما فإنها تعرضه على خبراء في المجال ، فإذا كان السؤال: هل هذا مبدأ من مبادئ الشريعه أم لا؟ فهنا يكون الرجوع إلى الأزهر، وليس المقصود مطلقا أن الأزهر تعاد إليه أي قوانين لمراجعتها لأو إقرارها إطلاقا، ولا مجال لتعدد الجهات فى هذا الأمر مطلقا، والمقصود بالأزهر هنا هيئة كبار العلماء وليس شخص فضيلة شيخ الأزهر، والمفتى هو أحد أعضاء هذه الهيئة.

ثم ختم السيد بيتر بقوله: أعتقد أني سألتك كثيرا، فهل هنا سؤال تريد أن تسأله لي على أشياء تفعلها الحكومة الأمريكية فى مصر تريد أن تفعلها أو لا تفعلها؟ هذا جزء، والجزء الثانى فيما يتعلق بالقضايا الطائفية، فالقلق موجود حول التوتر الطائفى فى المنيا وددهشور، لو هناك أى مساعدة نقدر أن نقدمها لمصر في هذا المجال.

فأجبته بما يلي: فيما يتصل بدهشور أنا شخصيا زرت دهشور عقب الأحداث، وأستطيع القول: أحيانا الحالة الإعلامية تصنع صورة غير الواقع، تسهم فى تكرير الأمور، المسألة في دهشور كانت مشادة بين اتنين تصادف أن أحدهما مسلم والآخر مسيحي، فتم استدعاء الحالة الدينية فى المشكلة بشكل غير منطقى وغير مقبول، وبعد مقتل أحد المسلمين حصلت حالة خروج للعائلات المسيحية أيضا بشكل غير مفهوم دون ضغط. 

وأنا أعتقد أن هذا الاحتقان الطائفي سيقل بشكل كبير جدا، واعتقد على المستوى العام أن النخب الفكرية أيا كانت اتجاهاتها هى ضد فكرة الفتنة بشكل كامل،  وفى  كل هذه الأحداث التى حدثت لا نجد تورطا لعناصر فكرية من الوزن الثقيل في التيار الإسلامي أو حتى في التيار المسيحي، وأعتقد أن العلاقة فى المستقبل ستكون أكثر دفئا مع الاطمئنان وسقوط الطرف الذى كان يؤجج هذه الفتن، من رجال النظام السابق.

وفيما يتصل بالولايات المتحدة فقد قلت لك: إن المصريين لديهم ريبة وشك تجاه ممارسات الولايات المتحدة، ولازالة هذا الشك يجب أن تقوم الحكومة الأمريكية بأشياء عملية، فالمواقف التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية حيال قضايا المنطقة يجب أن تكون مفهومة ومبررة لدى العقل والراي العام المصرى، لأنها قد تكون مبررة لدى الأمريكىين، حيث إن الرأي العام الأمريكي لديه مؤثرات معينة، إلا أنه فى ذات الوقت لا يكون مبررا لدى الرأي العام المصري.

فمثلا: لا تزال المواقف الأمريكية من إسرائيل محل انتقاد المصريين بشكل كبير، كالموقف من الحفريات فى القدس الذي هو موقف ضعيف لا يكاد يذكر، والموقف من الاستيطان فى كثير من الأحيان هو عبارة عن موقف شكلى بروتكولي لا يقدم ولا يؤخر، فالقضايا المتعلقة بإسرائيل بالذات تحتاج الإدارة الأمريكية أن تقدم صورة واضحة كوسيط له دور قوى فى ضبط الأمور.

ولا بد أن يكون معلوما أن أي نزاعات فى المنطقة هي بالضرورة سوف تعود بالتأثير السلبي على كل الأطراف، وأعتقد أنها سيكون لها تأثير سلبي على الولايات المتحدة، كما لها تأثير سلبي على الأطراف الأخرى.

وبالنسبة لموضوع حقوق الإنسان فى العالم فأعتقد أن للولايات المتحدة دورا كبيرا فى هذا الأمر، وأعتقد أيضا فى المرحلة القادمة أن الشعب المصرى سوف تظهر فيه مطالبات لفتح اتفاقية كامب ديفيد مرة أخرى، لمعالجة الخلل، لأننا كشعب كنا لا نعرف ما هي حقيقة الاتفاقيات وملاحقها، ولم يؤخذ رأينا فيها، ومع أجواء الحرية ومع دولة الشفافية فإن الشعب سيكون أكثر مشاركة فى القرار، وبالتالى سيكون من المهم على من يتخذ قرارا له علاقة بمصر والمنطقة أن ينظر إلى الشعب وتطلعاته أكثر من أن ينظر إلى الحاكم وإمكانية الضغط عليه، فمن المهم للغاية أن يكون هناك اعتبار للشعب، لأن الأمور في المرحلة القادمة حسب اعتقادي ستكون أكثر شفافية ووضوحا وأكثر مشاركة من الجمهور ومن المجتمع فى القضايا العامة، وسيكون لهذا تاثير كبير، سواء فى الانتخابات البرلمانية أو المحلية أو الرئاسية، أو فى التظاهرات الشعبية، أو فى الوضع بشكل عام .

قال السيد بيتر: تلك هي مصر الجديدة التى صوت الشعب فيها، لا بد أنه هو الأكبر وصاحب الكلمة.

فختمت اللقاء بالقول: أعتقد أنه في المستقبل لن يكون هناك أي قدرة لأي نظام على العودة أو التراجع عن هذا الخط الصاعد للحريات بإذن الله.