حوار مع الأديبة لبنى ياسين

حوار مع الأديبة لبنى ياسين

عبد القادر كعبان

[email protected]

لبنى.. كيف تقدمين نفسك إلى القراء عادة؟

عادة تقدمني نصوصي، ولا أقدم نفسي، ولكن إن شئت فأنا إنسانة قبل كل شيء، وامرأة عربية وسورية، في قلبها ينبت الوطن وجعاً لا يتوقف، تحمل قلمها -هبة الله لها- سلاحاً ضد القبح، وسنداً للجمال، وتحاول أن تترك أثراً  جميلاً على الأرض من خلال قلمها وريشتها، ربما يجهل الكثير من القراء أنني أمارس الرسم أيضاً، وأن لي مساهمات متواضعة في مجال الفن التشكيلي، فقد درست الرسم والنحت  في مركز "أدهم اسماعيل" في دمشق. حيث تعلمت أساسيات هذه الفنون البصرية، وبعد انقطاع طويل عاودت الرجوع إلى الريشة، ومنذ فترة وانا أدرس تقنية اللون والتكنيك في الرسم، وطورت من قدراتي بالبحث والتجريب في هذا المجال، حتى سنحت لي الفرصة باتباع دورة احترافية في  تقنية اللون والتكنيك، ساعدتني كثيراً للعودة بقوة إلى الرسم، وقد بدأت فعلاً بمشاركتي الاولى بعد عودتي للرسم في مهرجان عالمي للفن التشكيلي في كوريا الجنوبية.

كيف كانت البداية؟ ومن وقف بجانبك مشجعا؟ وما تأثير ذلك على حياتك الأدبية؟

البداية كانت مبكرة جداً، فقد كتبت قصص الأطفال وأنا في التاسعة من عمري، ونشرت تلك القصص في مجلة حائط المدرسة، وفي مجلة أطفال، كل مدرسات اللغة العربية اللواتي مررت بهن أثناء دراستي شجعنني بأكثر من طريقة، وبشرنني بمستقبل كتابي باهر، أبي كان من أول وأشد الناس تشجيعاً لي، أراني نفسي أديبة قبل أن أصبح فعلاً، وبالتأكيد ثقته بموهبتي الكتابية،  فخره واعتزازه بي وبقلمي، تقديمه لي وأنا في سن صغير على أنني أديبة واعدة سأقدم الكثير، ومن ثم النشر المبكر في مجلات ثقافية محترمة، والآراء من حولي، كلها مهدت لي الطريق بطريقة أو بأخرى.

وبالطبع كوني أنحدر من عائلة تهتم بالفن والأدب والسياسة، ساهم في دفعي بهذا الاتجاه، فقد كانت أمي من أوائل النساء الذين خرجن في مظاهرات في سوريا، وهي ترسم، أبي شاعر وصحفي وسياسي، أختي فنانة تشكيلية، في أجواء مثل هذه، يصبح المسار الإبداعي حتمياً.

ماذا تعني لك القصة؟ و ما أقربها إليك القصة أم الرواية؟

لا أستطيع أن أخبرك ما الذي تعنيه لي، هي نافذتي، وضوئي، ذلك أنني كتبت الشعر والقصة طبعاً قبل أن أكتب الرواية، وفي سن مبكر جداً، أول قصة قصيرة مكتملة العناصر نشرتها وأنا في الخامسة عشر من عمري في مجلة "ثقافة"، وهي مجلة متخصصة بالأدب، لذلك بإمكانك أن تقول أن ولادة قلمي كانت قصصية أكثر من أي شيء آخر، لكن الرواية حالة أخرى، الرواية حالة خروج عن الواقع، وتقمص لحالات إنسانية غريبة ومختلفة، في الرواية يتورط الكاتب في علاقة غريبة مع بطله، يستيقظ صباحاً ليفكر به، يترك الناس ليجالسه، يصبح شخصاً مرئياً وغير مرئي، ينام في سريره، يستخدم أدواته، يقاطع أحاديثه، يشاكسه، أحببت حالة الرواية جداً، وأنا نفسي لم أعد أستطيع أن أميز أيهما أقرب إلي، كما لو كانا ولدين لي.

ما هي مقومات القصة الناجحة برأيك؟

بعيداً عن الأمور الأكاديمية المعروفة، "المقدمة والحبكة و...."،  أظن أن أهم مقومات القصة،  تمكنها من الإحتفاظ برفقة القارئ حتى سطرها الأخير، كقارئة، حدث وأمسكت كتباً نالني الضجر وأنا ما أزال في الصفحات الأولى، ولم أستطع أن أكملها، ربما هناك اختلاف بالأذواق بين قارئ وآخر، ولكن يبقى أنه على الأديب أن يمتلك القدرة على الإحتفاظ بالصحبة حتى آخر سطوره.

هل تتفقين مع الرأي الذي يقول: ان الرواية هي الفن الاكثر ملاءمة للقرن الحالي خاصة وانت تمارسين كتابة القصة القصيرة؟

إذا كنا سنقول أن هناك ما هو أكثر ملائمة، فقد أقترح من وجهة نظري القصة القصيرة، ذلك أنها تناسب الايقاع السريع للعصر الحديث، وللقارئ الذي يمتهن الجري حتى آخر لحظة، لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، في القراءة ليس ثمة قاعدة عامة، قد تكون الرواية  أكثر رواجاً بسبب إمكانية تحويلها إلى عمل سينمائي أو تلفزيوني، ونحن في عصر الفضائيات، والأعمال البصرية، لكن عندما يتعلق الأمر بمزاج القارئ، ليس ثمة قانون، هناك قارئ يحب القصص القصيرة، وهناك آخر لا يندمج بالقراءة إلى حد المتعة ما لم تكن بين يديه رواية، هي أذواق , لا قاعدة لها.

يؤكد البعض أن تحرر المرأة في الشرق ومساواتها بالرجل مسألة شمولية أي أن لها علاقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية في هذه المجتمعات .. لبنى ياسينكأديبة إلى أي مدى حركت واقع المرأة بكتاباتها؟

كتبت الكثير عن المرأة كما كتبت عن الرجل، المسألة انسانية بحتة، عندما يكون هناك ظلم، أو جور، يلتقطه قلمي ويبدأ بالحديث حوله، للمرأة خصوصيتها في بلداننا، لذلك ربما نالت قسطاً لا بأس به من اهتمامي، ذلك أنه متعارف عليه في مجتمعاتنا أن اللوم يقع عليها حتى عندما تكون  ضحية، فالمجتمع القائم على  حكم ديكتاتوري، يولد ديكاتوريات أصغر وأصغر، ويصبح كل واحد فيه ديكتاتور على من يستطيع امتلاك زمام أمورهم، لذلك فالظلم الواقع على المرأة بشكل ما، يشبه الظلم الواقع على المواطن، وفي الحالتين، سببه حكم ديكتاتوري لإنسان لا يفهم حدوده، فيتجاوزها بحكم القوة، لا بحكم الأحقية.

كونك كاتبة تخوض الفعل الثقافي والمعرفي ما هي علاقتك بالسلطة..؟ وكيف هي علاقة المثقف اليوم بالسلطة؟

علاقتي بالسلطة ليست على ما يرام، فأنا ضد النظام الأسبق منذ أن جعل الانتخابات مهزلة مضحكة مبكية،  وضد النظام  الحالي منذ أن صار الدستور لعبة لأجل أن يُستحل كرسي الحكم لصالح عائلة واحدة، ليصبح نظامنا جمهورياً ملكياً في سابقة فريدة من نوعها على مستوى العالم، أريد لهذا لنظام أن يرحل بأي طريقة، منهياً حقبة سوداء في تاريخ سوريا، أغلب المثقفين الآن يقفون ضد أنظمتهم بعد أن تمكنوا من إبداء آرائهم أخيراً، وعلاقة المثقف بالسلطة، بإمكانك الحكم عليها بمجرد أن تعلم أن أغلبهم إما كانوا في السجون، أو جرى التحقيق معهم، أو تم تهديدهم بشكل مباشر أو غير مباشر عبر استدعاء ذويهم ومعارفهم.

تتميز كتاباتك القصصية بخصوصية شاعرية مميزة تذكرنا بكتابات الروائية أحلام مستغانمي ، هل يسمح لنا أن نقول أنك امتداد لهذه الأديبة الجزائرية بأسلوب آخر؟

أحب الروائية أحلام مستغانمي جداً، وأستمتع بالقراءة لها، هي التي خلال ثلاثيتها، أعادت ترتيب الأحداث ذاتها دون أن يتسرب الملل إلى قلوبنا ولو لوهلة، وربما كوننا أنا وهي نستخدم لغة شعرية في نصوصنا، جعل التساؤل مشروعاً، لكن كما قلت في سؤالك، لها أسلوبها ولي أسلوبي، لست امتداداً لها مع كل ما أكنه لها ولتجربتها المميزة من محبة واحترام، لكنني معجبة جداً بقلمها، ونجاحها، ورواياتها.

وبشكل عام أنا لا أؤمن بالامتدادات والاشتقاقات، الكتاب لهم بصماتهم المختلفة، وربما المتشابهة أحياناً، لكن حتى في حال التشابه، ستجد اختلافاً فيما لو أمعنت النظر جيداً.

ما مدى إقترابك من عالم القصيدة؟

بدأت الكتابة شعراً وقصة كما أسلفت، لكن القصة طغت على قلمي، رغم أن أسلوبي في كتابة القصص بقي شعرياً، وبعد وفاة والدي رحمه الله، عاد قلمي تلقائياً إلى كتابة الشعر، ربما هناك زخم من المشاعر تحتاج إلى الشعر لكي تخرج، أنهيت مجموعتين شعريتين، سأطبعهما قريباً، إن شاء الله.

ما هو الأسلوب الذي تتبعه لبنى ياسين في كتابة الشعر ولمن تقرأ من الشعراء؟

ليس من أسلوب معين، أحب الشعر الحر، ولكنني أكتب الموزون أيضاً، وأقرأ للكثيرين، لا مجال للحصر هنا، لكن ما يشدني فعلا ولا أقاومه من الأقلام العربية هو قلم نازك الملائكة، ولميعة عباس، ومحمود درويش، وأحمد مطر.

ما هي الأسماء التي أضاءت مخيلة لبنى ياسين وتأثرت بها، وما زلت تقرأ لها إلى اليوم؟

كل رواية أو قصيدة أقرؤها تضيء شيئاً في مخيلتي، لا مساحة لأعدد الأسماء، وربما لا أهمية للأسماء بقدر ما هي النصوص هامة، هناك نصوص تنحفر في القلب، وهناك أخرى تجد لها غرفاً قصية في الذاكرة، وقد يعجبك نص واحد لكاتب، ولا يروق لك غيره.

ما رأيك بحقيقة الجوائز الأدبية في العالم العربي كأديبة؟

لا أثق بها كثيراً بعد أن تتالت أخبار تشير إلى خلل في مصداقية التحكيم، وفي مرات أخرى تم تعيين من لا يستحق بسبب ضحالة تجربته الكتابية، وخلوه من موهبة حقيقية تسمح باعطائه لقب أديب أو كاتب،  ليحكم على انتاج أدبي بمستوى اسم الجائزة المطروحة، لكنني لا أستطيع أن أعمم، فكل جائزة لها ظروفها، ولجنة تحكيمها، وسياستها.

ما هي الشروط التي يجب ان تتوفر في عمل أدبي كي يستحق بجدارة ترجمته الى لغة أخرى؟

يجب أن يكون متميزاً بلغته وطرحه، مختلفاً بأسلوبه، يشد القارئ، فالكتاب المترجم سفير لأدبنا العربي المعاصر، ويجب أن يكون لائقاً لمنصب كهذا.

هل ترجمت كتاباتك إلى لغات أخرى؟

نعم ترجمت إلى الانكليزية، والفرنسية، والكردية، والأوردو، والإيطالية، والإسبانية.

وسأعمل على ترجمة روايتي التي صدرت منذ أيام "رجل المرايا المهشمة" إلى الانكليزية إن شاء الله.

يقال أن المهنة قد تحول بين المبدع وبين مواصلة عملية الإبداع فما رأيك؟

الكاتب العربي لا يستطيع أن يبقى دون مهنة وإلا تعطل أكثر، فالكتابة لا تطعم خيزاً، ولا تدفع فواتيراً، لذلك هو يعيش حالة تشبه الدوران في حلقة مفرغة، المهنة تسرق منه الوقت والجهد، لكي يحظى براتب يقضي به مستلزماته ومستلزمات عائلته، لكنه إن لم يملكها لمات جوعاً ونسي أمر الكتابة فيما هو مشغول بطريقة يجد فيها قوت يومه.

هل تفكر لبنى ياسين بالقارئ أثناء عملية الكتابة؟ وأي نوع من القراء يشغل تفكيرها؟

الفكرة ليست ديمقراطية أبداً ، وعندما تتقد في رأس الكاتب لا تترك له مساحة للتفكير بالقارئ، ربما في المراجعة بعد الكتابة يحدث ذلك، فأثناء المراجعة، أترك مقعد الكاتب، لأجلس في مقعد القارئ، هنا يمكنني أن أقول أنني أفكر في القارئ، هل أوفيت حق الفكرة لتصله في شكلها الأمثل؟ أما نوع القراء فلا أفكر فيه عادة، القارئ قارئ، يريد أن يستمتع بالقراءة، وأن تشغله فكرة ما داخل النص، يريد أن يشعر بالبطل بشكل يستطيع معه أن يتقمص مشاعره، ويريد نهاية تفاجئه.

هل هناك قارئ بالمعنى الحقيقي لما يكتب وينشر اليوم في رأيك؟

النسبة متردية جداً، فالشعب العربي ليس شعباً قارئاً، منذ أن تم اشغاله بلقمة عيشه، وبالمناوشات اليومية للبقاء، وصنعت منه الديكتاتوريات العربية رجلاً آلياً يحكمه الخوف والقلق، ولا وقت لديه ليقرأ، بل أكاد أزعم أن القراءة أصبحت رفاهية ليست في متناول يده، أكثر المواطنين في مختلف أنحاء الوطن العربي يعمل منذ الصباح الباكر حتى بداية الليل، لكي يغطي نفقات عائلته، هل يتمكن مثله من اقتطاع وقت لقراءة قصة أو قصيدة؟؟

كيف ترى لبنى ياسين عملية النقد الأدبي؟

لا يوجد مشروع متكامل إسمه النقد، ما نراه قائم على جهود شخصية،  فإما أن يكون الكاتب صديقاً يمتدح، أو عدواً  تتم مهاجمته لأغراض شخصية تحت مظلة النقد، النقد الموضوعي شبه مغيب، لأسباب لها علاقة بانشغال النقاد الأكاديميين إما بالتدريس أو بأعمال أخرى من أجل لقمة العيش.

ما جديد المبدعة لبنى ياسين حاليا؟

رواية تحت عنوان:"رجل المرايا المهشمة"، تمت طباعتها عند دار "الغاوون" في لبنان، وتحت الطباعة: مجموعة شعرية تحت عنوان:"تراتيل الناي والشغف"، ومجموعة شعرية أخرى بعنوان "نساء الأصفر".