حوار السيدة "عزة الجرف" أول نائبة برلمانية
حوار السيدة "عزة الجرف" أول نائبة برلمانية
عزة الجرف
في تاريخ الإخوان المسلمين في مصر:
· المجاهدة زينب الغزالي رحمها الله هي قدوتي وأتمنى أن أكون مثلها
· المرأة المسلمة صاحبة الرسالة تستطيع أن تغير أمورا كثيرة في واقعها
· التزوير الفج في برلمان 2010 كان السبب المباشر في اندلاع الثورة
· هذه أسباب فوز الإسلاميين بغالبية الأصوات والمقاعد البرلمانية في مصر
القاهرة: خاص
يقولون عنها إنها "زينب الغزالي القرن الواحد والعشرين"، ليس لأنها دخلت السجن وتعرضت للتعذيب مثلها، ولكن لأنها تملك من الإمكانيات الدعوية والتربوية والسياسية والخطابة الجماهيرية، ما يذكر الناس بشخصية "زينب الغزالي" رحمها الله، التي يعتبرها الكثيرون صحابية القرن العشرين، وصانعة النهضة الحديثة في مجال المرأة المسلمة.
إنها النائبة السيدة "عزة محمد الجرف" إحدى تلميذات الداعية المجاهدة "زينب الغزالي"، وأول سيدة في تاريخ الإخوان المسلمين في مصر تدخل البرلمان، ورابع أربعة فزن على قوائم حزب الحرية والعدالة، الذي أسسه الإخوان المسلمون في مصر، حيث فازت في المرحلة الثانية من الانتخابات، ضمن قائمة الحزب الثانية بمحافظة الجيزة.
التقينا بها، وأجرينا معها هذا الحوار:
· في البداية حدثينا عن بداياتك الفكرية والتربوية؟
ـ حباني الله من فضله بأسرة مصرية متدينة التدين الفطري، وفي بداية سني تعرفت على مجموعة من الفتيات في المرحلة الإعدادية ثم الثانوية، وكنا نقرأ معا مجلة "الدعوة" التى كانت تصدر عن الإخوان المسلمين، وتعتبر هي البداية لتكويني الفكري الأساسي، لما بها من مقالات وتحقيقات وحوارات صحفية، تعبر عن فكر الإخوان المسلمين الصافي ومعينهم الجميل.
ومن هنا تربينا عليها في البداية، وكنا معجبين بالطريقة التى تسير عليها المجلة، وبعد ذلك فكرنا لماذا لا نحاول الاتصال بأحد هؤلاء الكتاب، وبالفعل بدأنا الحاجة زينب الغزالي (رحمها الله تعالى)، ورحبت بنا ودعتنا إلى بيتها، واكتشفنا أنها تنظم لقاءً منتظما كل ثلاثاء بعنوان "حديث الثلاثاء"، وعندما ذهبنا لحضوره كنا صغيرات بالنسبة للنساء الموجودات بالملتقى، وكانوا من علية القوم كما يقال، ومن أعمار مختلفة.
كانت هذه هي البداية الحقيقية لي حيث رأينا نموذجا جديدا هو الحاجة زينب الغزالي، من حيث مشاركتها في العمل العام والعمل الاجتماعي، قوية الحجة وقائدة ورائدة في مجالها, فكان حبي لهذا الفكر التربوي وهذه المدرسة الإيمانية، وكنت قرأت كتابها الشهير "أيام من حياتي" قبل أن ألتقي بها، فزادني شوقا للقائها.
كانت الداعية الكبيرة والمجاهدة الصابرة زينب الغزالي تذكرني بالصحابيات الجليلات، في قوة الحجة وصدق الإيمان وحب الجهاد والشوق للجنة، ووجدت الفكرة الإسلامية لديها واضحة وناصعة، وأشعرتنى أن هذا هو الطريق الصحيح، الذي يجب أن أكمل فيه حياتي، ثم شاء الله أن أرتبط بها في رحلة طويلة من العمل الدعوي والصحبة، حتى توفاها الله في عام 2005 وأنا بجوارها أتعلم منها، وأستفيد من خبرتها الدعوية وحنكتها الاجتماعية، حتى أنها وجهتنى إلى دراسة علم الاجتماع في الجامعة.
أنا وزينب الغزالي
· هل رأيت في الداعية زينب الغزالي إرضاء لطموحاتك وتفجيرا لطاقاتك الدعوية؟
ـ لا .. أنا ارتضيت الفكرة أولا، وتجاوبت معها جدا، وتطابقت الفكرة مع شخصية الحاجة زينب ثانيا، وشعرت أن هذه الفكرة تستحق أن يعيش الإنسان لأجلها، والفكرة تبلورت عندي أكثر بعد أن قرأت "أيام من حياتي"، ثم تعرفت إلى الحاجة زينب الغزالي، وبدأت أقول لنفسي إن هذا هو الطريق والمنهج الذي أريد، فنحن دائما نقرأ عن الصحابيات الجليلات، ونقول ياليتنا عشنا معهن، وأنا وجدت امرأة استطاعت أن تسطر ملحمة من الإيمان الشامخ، وتقف أمام جبروت حاكم ظالم، وأن تؤسس، وهي في سن صغيرة، جمعية لها 119 فرعا على مستوى محافظات مصر.
واصلت حضور اللقاءات التربوية مع الداعية الكبيرة، حتى اختارتني زوجة لشخص كانت تعتبره ابنا لها، وهو زوجى الأستاذ الصحفي بدر محمد بدر، الذي كلفه الأستاذ الكبير عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين بأن يكون مستشارا إعلاميا لها، وتزوجنا في بداية دراستي الجامعية، ومن يومها انطلقت للعمل في المجتمع بمستوى أوسع.
· من هي قدوتك في مجال عمل المرأة ودورها في المجتمع؟
ـ قدوتي هي المرأة المسلمة في صدر الدولة الإسلامية وعهد النبوة، فعندما كانت الدولة الإسلامية مزدهرة وقوية كان دور المرأة فيها قويا ولها حركة دائبة، وعندما كنت أدرس صفحات من التاريخ الإسلامي، أعجبتني أدوار وأعمال النساء المسلمات الأوائل، وزاد من ارتباطي بهذا الدور ملاصقتى للحاجة زينب، حيث شعرت معها أن المرأة المسلمة صاحبة الرسالة تستطيع أن تغير أمورا كثيرة في مجتمعنا، وكانت رحمها الله تتمتع بروح الشباب وحنكة الشيوخ، وكان لديها اقتناع شديد بالفكرة ورؤية واضحة لدور ومسئولية المرأة المسلمة، ولهذا كانت صورة المرأة في عصور ازدهار الدولة الإسلامية جميلة، وأتمنى أن نستطيع إعادتها مع النهوض بمصر بإذن الله تعالى.
· كيف تم اختيارك مرشحة للإخوان المسلمين على مقعد كوتة المرأة فى انتخابات 2010؟
ـ عملت في قسم الأخوات في الجماعة من فترة طويلة، وكانت قناعاتي أن هذا هو المنهج الذي سأعيش حياتي من أجله وأنا مطمئنة، وانطلقت للعمل العام في المجتمع، ولأن زوجي على نفس الفهم، كان بيننا توافق وتفاهم، وأتاح لي ذلك فرصة كبيرة لأكمل مشروعي الذي حلمت به قبل زواجي، فاشتغلت في المجتمع وداخل الجماعة، وتطور العمل الاجتماعي والدعوي داخل صف الإخوان منذ عدة أعوام، وبدأت الجماعة تنظم دورات ثقافية وسياسية يقوم بها مجموعة من رواد العمل الاجتماعى في الإخوان، وكنت ضمن الناجحات في تلك الدورات، ثم بدأت بإلقاء دروس في العمل السياسي للأخوات بعد ذلك، وأصبحت مسئولة عن هذا المجال في المحافظة التي أعمل بها، حتى جاءت اللحظة المناسبة، ودخلت غمار العمل السياسي من خلال منفذ اسمه "الكوتة" الخاصة بالمرأة، وقررت الجماعة ترشيح 13 سيدة على مستوى الجمهورية، وكنت واحدة منهن في محافظة 6 أكتوبر (وقتها قبل أن يتم إلغاؤها بعد الثورة).
عوائق وصعوبات
· ما هي العوائق والصعوبات التي واجهتك أثناء مسيرتك السياسية، سواء من الزوج أو الأسرة أو المجتمع الشرقي عموما؟
ـ العوائق كانت من المجتمع وليست من الزوج أو الأولاد، لأنني منذ البداية قبلت زوجي لأنه من الإخوان المسلمين، وهو تزوجني لأن من اختارتني له كانت الداعية زينب الغزالي، رائدة العمل داخل الأخوات المسلمات، فأنا وزوجي أصحاب فكرة واحدة، ويهمنا أن تكون فكرتنا مؤثرة في المجتمع، ولها أفراد أقوياء يحملونها.
اتفقنا على ألا يكون هناك تقصير تجاه أعمال المنزل، وسمحت ظروف الأسرة بأن تكون هناك من تساعدني في البيت، وفي عملي خارج البيت آخذ كل الدعم والمساندة منه، وهذا العهد قائم بيننا حتى الآن، لكن العوائق أتت من المجتمع، ووجدت حالة من الدهشة والاستغراب لدى البعض، وخاصة من النساء، كيف يكون هناك من تجلس وتعطي محاضرات ودروسا دينية، ولكن عندما آتت المحاضرات ثمارها بين النساء، كنت أجد تشجيعا ممن حولنا، وطلب الإخوان أن أترشح في انتخابات 2010، وكان زوجي يعلم جيدا أنه سيكون معرضا للاعتقال السياسي في أي وقت، في حال تقدمت بأوراق ترشيحي، لكنه سألني إن كان لدي هل الطاقة والقدرة والجهد للمشاركة، فقلت إنني مستعدة أن أرفع راية دعوتي وفكرتي في أي مكان, وسألته أنا هل يتحمل آلام الاعتقال، خصوصا وهو يعاني بعض المتاعب الصحية, فأجابني أنه مستعد لما يقدره الله.
وفعلا مع انتهاء موعد تقديم الأوراق، ورفض الأمن قبول أوراقي، ولجوئي إلى القضاء للحصول على حقي، جاءت جحافل الأمن في الثالثة فجرا واعتقلوا زوجي، وانتهكوا حرمة البيت وروعوا الأولاد، وأخذوا كل مدخرات الأسرة، وإلى الآن نحاول جاهدين أن نحصل عليها رغم مرور عام وثلاثة أشهر على ذلك.
· كيف تنظرين الآن إلى تجربة ترشيحك لبرلمان 2010؟
ـ كانت تجربة مهمة جدا، وفي رأيي كانت السبب الرئيس والمباشر في اندلاع ثورة 25 يناير، فالشعب كان يعيش كل مرارات الواقع، لكنه كان صامتا على أمل التغيير والإصلاح، ولكن عندما جاء تزوير الانتخابات فجا وبلا حياء، شعر الناس أنهم بلا كرامة، وقرروا إقامة برلمان شعبي آخر كنت عضو فيه، وعندما قالوا للرئيس المخلوع إن هناك برلمانا موازيا قال بتهكم: "خليهم يتسلوا"، بعدها بدأ أمل الشعب في الإصلاح يتبخر، وسرعان ما انطلقت شرارة ثورة 25 يناير.
أسباب فوز الإسلاميين
· أعطى أغلبية الشعب المصري أصواته للإسلاميين، وبخاصة مرشحي الإخوان المسلمين، فما السبب من وجهة نظرك؟
ـ في تقديري هناك مجموعة من العوامل والأسباب؛ أولا: الفهم الوسطي للإسلام الذي يتبناه حزب الحرية والعدالة, الذي هو ابن حركة الإخوان المسلمين، وهذا الفهم يرتاح إليه قطاع عريض من الشعب المصري.
ثانيا: حزب الحرية والعدالة قدم برنامجا انتخابيا مميزا، والقائمون عليه خبراء من قلب المجتمع المصري في جميع النواحي؛ سواء اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها، فالمواطن المثقف هذه المرة كان يختار على أساس البرامج الموضوعية.
ثالثا: معروف عن الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة لاحقا طهارة اليد، والمرحلة القادمة تحتاج إلى مواطنين شرفاء، واعتقد أن البرلمان الحالي يتمتع بهذه الصفة.
رابعا: نجح حزب الحرية والعدالة في اختيار وتقديم رموز، هي بالفعل تشتغل في الشأن العام ومعروفة للمواطنين، فالنموذج الذي قدمه الإسلاميون، كان له أثر كبير في تجاوب الشارع المصري.
بالإضافة إلى تاريخ ونضال الإخوان المسلمين منذ نشأتهم قبل أكثر من 80 عاما في العمل المجتمعي لوجه الله، وليس لهم أي مأرب آخر أو مصالح شخصية، وهذا ما أدى إلى تجاوب الشارع.
· يتخوف البعض من سيطرة الإسلاميين داخل البرلمان، فهل ترين ذلك؟
ـ مع الأسف لدينا ميراث كبير من التخويف والتفزيع الرسمي من الإسلاميين، صنعه واستغله النظام السابق حتى يفرق بين الشعب المصري وبعضه، فهذا إرث قديم ومزيف، وأقول إن التيار الإسلامي بشتى ألوانه ليس دخيلا على مصر، بل هو جزء أصيل من الشعب المصري، ونحن شعب متدين، سواء كنا مسلمين أو مسيحيين، والدين مكون أساسي من مكونات الشخصية المصرية.
وهذا التخويف زال جزء كبير منه أثناء الثورة، وفي الميدان ظهر المعدن الأصلي للمصريين، وشاهد الناس استبسال الإخوان في الدفاع عن الثورة، خصوصا في موقعة الجمل الشهيرة، وخرجت كل القوى في التي شاركت في ميدان التحرير بعد الثورة، لتؤكد احترامها للإخوان ووسطيتهم وقبولهم للآخر، وليس ما نشره العهد البائد عنهم، ورغم ذلك تعود الآن أجهزة الإعلام إلى النغمة القديمة.
· كيف ترين مهمة ودور برلمان الثورة بصفتك عضو فيه؟
ـ برلمان الثورة هو برلمان نوعي ومتميز، ومصر حاليا تمر بمرحلة صعبة، وتحتاج من أعضاء البرلمان، سواء كانوا من الإسلاميين أو من التيارات الأخرى، أن يتكاتفوا للنهوض بحال البلد، اقتصاديا وأمنيا وتعليميا وصحيا.. إلخ. وأنا مع ضرورة التوافق العام بين الجميع من أجل خدمة الوطن، وأعتقد أن التعاون سيكون قاعدة العمل في برلمان الثورة، لأننا متفقون أن "هم الوطن هو الأهم"، ولذا نعمل على زيادة الأرضية الوطنية المشتركة بين الجميع، حتى ننهض بمصر، وتدور عجلة الإنتاج، ويعود الأمن والأمان إلى ربوعنا في أسرع وقت.
أولويات البرلمان الجديد
· وما هي الأولويات التي ترينها الأهم في أجندة برلمان الثورة؟
ـ أعتقد أن إعداد دستور مصر الحرية والكرامة هو أهم أولويات البرلمان المصري في المرحلة المقبلة، ثم يبدأ في غربلة ومراجعة القوانين التى صدرت في المرحلة السابقة، بما يتماشى مع مصر الحرة الكريمة، ثم يناقش ميزانية الدولة بما يحقق العدالة الاجتماعية للطبقات الفقيرة والمهمشة، فالدولة لم يكن فيها عدالة في توزيع الموارد على المواطنين، وهناك مناطق واسعة جدا في كل أنحاء مصر، محرومة من أبسط المرافق والخدمات.
أيضا مهمة البرلمان أن يقوم بالرقابة على أعمال الحكومة، بهدف المتابعة والمراجعة والتصويب.
· ما هو دور المرأة في برلمان الثورة في المرحلة القادمة؟
ـ هناك عشر سيدات فقط أعضاء في البرلمان، منهن مسلمات ومسيحيات، ومنتخبات ومعينات، وفي تقديري أنهن كفاءات مميزة، وهناك أرضية مشتركة بين الجميع أساسها الود والاحترام والتعاون، ونظرا لقلة عددهن سيكون أداؤهن داخل البرلمان تحت المجهر، فإذا اجتهدن أكثر نجحن في إعطاء المرأة داخل المجتمع مساحات أوسع للعمل، والتجاوب مع النهضة الموجودة, وساعدن في تغيير نظرة المجتمع للمرأة لتصبح أكثر إيجابية.
النائبة عزة الجرف في سطور
الاسم: عزة محمد إبراهيم الجرف.
السن: 47 عاما.
المؤهل: حاصلة على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية من جامعة حلوان بالقاهرة.
الحالة الاجتماعية: متزوجة من الكاتب الصحفي بدر محمد بدر، ولها سبعة من الأبناء (أربعة ذكور وثلاث إناث) وحفيدتان.
العمل: محررة باب "لكل مشكلة حل" بجريدة آفاق عربية، وباب "افتح لي قلبك" بجريدة الأسرة العربية، ولها كتاب بنفس العنوان الأخير.
النشاط الاجتماعي: لديها عمل اجتماعي نشط في مجال مساعدة الفقراء والأيتام والأرامل والمسنين وطلاب المدارس، وتساهم في تقديم المشورة وحل المشكلات الأسرية وإلقاء دروس دينية واجتماعية.
النشاط السياسي: تنتمي إلى الإخوان المسلمين منذ نحو ثلاثين عاما، وعضو مؤسس في حزب الحرية والعدالة بمدينة 6 أكتوبر بالجيزة، وعضو الأمانة العامة للحزب، وعضو في برلمان الثورة (2012).