حوار مع القاص محمود توفيق حسين

صهيب محمد خير يوسف

حوار مع القاص

محمود توفيق حسين

محمود توفيق حسين

أجرى الحوار: صهيب محمد خير يوسف

اشتغل بوضوح وهدوء على التجديد المتواصل في كتاباته القصصية، وفي زمن إبداعي قصير، أثبت تفرُّده، وتحددت ملامح اتجاهه لديه ولدى المهتمين بتجربته أو مرحلته....

حرصت في هذا الحوار المطول على تتبع أهم الآراء الإبداعية والجوانب التجديدية في المشروع القصصي للأستاذ محمود توفيق حسين:

* مدخل:

- أتابع إنتاجكم الأدبي منذ سنوات، وأتساءل أحياناً: أين كان قبل ذلك؟ ولماذا تأخر ظهوره؟

لقد وُلدت وفي أعماقي ناقد متوحش، يلتهم البدايات البريئة البسيطة، كما يلتقط طير كاسر صغارَ السلاحف البحرية التي خرجت من البيض وهي في زحفها من الشاطئ للمحيط، وبعد ذلك، وفي وقت متأخر نوعاً ما، بدأتُ أغافله وأبتكر طرقاً لطمر البيض والتمويه على الصغار، وبدأت صغاري تزحف تباعاً نحو مياه الحياة. ومع ذلك فأنا مدين له بالكثير، لقد منحني (الانزعاج) الضروري لتطوير إبداعي.

- في وقتٍ ما تشكل لديك هذا الهم القصصي.. كيف كان ذلك؟

هو لم يتشكل لديَّ، أنا لا أعرف تحديداً متى بدأت أتمنى أن أكون كاتباً للقصة؟ تقريباً، تفتح الوعي عندي على الدنيا وأنا أرغب في أن أقصَّ.. وبنزوحي من الطفولة شيئاً فشيئاً، لم يكن الهم يتشكَّل كما هو منطقي، بل بنزوحي من الطفولة بدأت أنشغل عن هذا الهم، لأن خيالي بدأ يتمدَّن ويتعقَّل، وصارت الكتابة أمنيةً جارحة لضميري تهبُّ كل فترة، وحاولت أن أهرب منها، ونجحت، لفترة طويلة. وفي فترة صعبة من حياتي، كنت فيها وحدي، وجدتني في العتمة أستمع لطفل قديم اسمه محمود يلح عليَّ يريد أن يكتب القصص، وغلبني على أمري، وسحبني من يدي، حتى لا أتعثَّر في سيري بالمصاعب والتحديات والمنطق والتشاؤم الغريزي، ربما يمكنني أن أقول إنني أكتب انتصاراً لهذا الطفل الذي ظلمته وتجاهلته، من زاوية ما، أكتب القصة تحت وطأة الشعور بتأنيب الضمير.

- أدبيًّا ثم قصصيًّا، هل تدين لأحد بالفضل؟

كلما سُئلت هذا السؤال تمنَّيت الفرار، كمن يُطلب منه فجأة الصعود لخشبة مسرح لأول مرة ليلقي خطبة لم يستعد لها. رغم مرور كل هذه السنين من عمري، أبدو كما لو لم أستعد بعد لإلقاء هذه الخطبة القصيرة عمن أدين لهم بالفضل.. هل أقول معظم من قرأت لهم؟ هذا صادق لكنه غير مؤثر، هل أتصرف بسرعة وأشير لقلة من العظماء الجالسين في الصالة وأنادي بأسمائهم ليصعدوا؟ هذا مؤثر حقًّا ومسرحي، إلَّا أنه غير صادق. أنا في هذا أمتلك ذاكرة الشحاذ وكيسه، مساهمات صغيرة لمحسنين كثيرين جدًّا، إلاَّ أن الشحاذ في حالة من التفوق الأخلاقي؛ إذ لا ينسى على الأقل أن يمارس الدعاء للمحسنين الذين مالوا على كيسه. ومن ناحية أخرى، فقد أسرَّ إلي الناقد الذي يعيش بداخلي - وقد وطَّنته على أن يسكت قليلاً حتى أفرغ مما في يديَّ - أسرَّ إلي بأنني قد قطعت ثلث المسيرة لا أكثر، وربما قال ذلك على سبيل التشجيع، لذا فأنا أشعر بالخجل من هذا السؤال الذي يوجَّه عادة للمميزين، فأشعر تجاهه بالارتباك كالذي يحدث للإنسان عندما يحتار فيما إذا كان الكلام موجهًا أو لشخص آخر بجانبه، فآخر ما أقوله لك ردًّا على هذا السؤال: أنا؟

- تتعدد مدارس القصة الحديثة.. فهل تصنف نفسك ضمن واحدة منها، عربية أو غربية؟

أنا لست تربية مدارس في كتابة القصة، حاولت دوماً الهروب من التنميط، والعودة للطفل الخيالي الذي كدت أفقده للأبد، المدرسة تهبك النمط، تهبك (الاستيعاب)، فتصير مشابهاً مع شيء من الفقر لـ (تشارلز ديكنز) أو (نجيب محفوظ) أو (ماركيز) أو (ألبير كامي)، وتفقدك نفسُك، لذا أنا لا أفضل (التلمذة) في الأدب القصصي، التلميذ القصصي النجيب لا يتخرَّج أبداً. ومن الخطأ أن نظن مثلاً أن ماركيز، قرر ذات يوم أن يكتب الواقعية السحرية، وعليه قرأ لـ (كافكا)، المسألة لا تتم بهذا الشكل، إنه ميل وتوافق، وفي الأخير كانت بصمته الواضحة هناك.

- في ظل الانشغالات اليومية وصعوبة النشر الورقي، هل أصبح السبيل الوحيد أمام المبدع هو النشر الإلكتروني؟

أعطى النشر الشبكي الفرصة للاهثين في الحياة أمثالي، وجعل شاطئ المحيط قريباً جدًّا للصغار الزاحفة نحو المحيط، ومع ذلك، لا يمكن القول إنه الوحيد، بل هو الأرحم والأسهل، تجربة النشر الورقي والتعامل مع دار النشر بالنسبة إلى الأديب الشاب هي تجربة جافة ومنهكة نفسيًّا، ليس فيها شيء رائع إلاَّ لحظة صدور الكتاب، لكن القط يحب خنَّاقه كما يقول المثل المصري، ولا زلنا نحلم بالنشر الورقي الأقل إنهاكاً.

* أساليب إبداعية وفنيات خاصة:

- عن تجربتك الروائية.. ما المختلف الذي رغبت إضافته إليها؟

عندي أفكار لأعمال روائية، ولكن ليس لدي الآن إلاَّ عمل واحد قد اكتمل، رواية (حجر الكحل)، تصدر قريباً عبر دار كليم للنشر للشاعر المبدع أحمد بخيت، وعندي مسوَّدة لرواية تحتاج إلى الكثير من العمل. أنا أحترم الرواية كفن، ولن أحبس أنفاسي وأتوتر وأعيش لحظات الإبداع بما فيها من توجس وتفتيش ومطاردة إلاَّ من أجل عمل (ضروري)، ثمة روايات جميلة وغير ضرورية، وأنا لا أملك الجرأة على تأليف رواية غير ضرورية، حتى لو كانت جميلة.

- أتوقف أمام كل قصة أقرؤها لك، فألمس انقلاباً أسلوبيًّا على سابقتها.. هل تتعمد ذلك لتتماهى كليًّا في التجربة الجديدة؟

أنا لا أتعمد الانقلاب الأدبي، لكن كل ما في الأمر أنني لست أسيراً لأي عمل كتبته، أحياناً ما حاولت أن أسجن نفسي في عمل لي وأقلده، ولكن ثبت لي أنني غير قادر على تقليد (محمود توفيق)، وأظن أن هذا ينفي عني أي تهمة جحود إذ لم أحدد أستاذاً بعينه. أنا مشدود الروح للعمل الذي بين يدي، ومنشغل به تماماً، وأخاف عليه من الموت بين عقلي وقلمي، ولا أكاد أستسيغ وقتها قراءة عمل من أعمالي السابقة، أزيحها، وأتفرغ له، وأتحيَّز له.

- وتعود إلى ما كتبته كناقد؟

نعم أعود، بصرامة وتدقيق تامَّين، ولا أذكر أنني قرأت لنفسي عملاً بعد أن أنجزته ورضيت عنه الرضا التام، وغالباً ما تنصب ملاحظاتي في الصياغة، وهذا جعل صياغتي تتطور للأحسن، ويبدو فيها نفس كاتب لا يرتجل.

- "لملم لحمَهُ المقصوف في كيس واحتضنه، وهرول الناس المتجمعون أسفلَ تلَّةِ الأنقاض، وصعدوا إليه وهو يزأر كالأسد الجريح: وا بُنيَّة.. وا بنيَّة.. واجبُ السبت ثقيل"... ما الوصفة السحرية لقصتك "واجب السبت" التي انتشرت في عشرات المواقع الإلكترونية ولدى آلاف القراء في حينها (2009)؟!

سأقول شيئًا بسيطاً: عندما تلمع الفكرة الأولى في ذهني، يكون الأمر كما لو ظهرت بكرة خيط صوف أمام قطٍّ، وبعد ذلك فأنا أفعل ما يمكن توقعه من قط متوتر متلهف يريد الاستيلاء والمشاكسة، وبعد ذلك يأتي الرجل المتحفظ ليضبط وينسج ويقص الزوائد، إلى آخر ما يمكن أن نسميه بالأعمال الرشيدة في التعامل مع الخيط. في قصة واجب السبت غاب المتحفظ، الأمر كان في يد القط المتوتر وحده. بعد أن انتهيت منها، قلت لنفسي، ارجع يارجل، لقد قتلت كل من في القصة، هذا ليس رشيداً، هذا تهور فني.. لكن الجمهور الذي كان يبكي جراء قصف غزة لم يكن بحاجة للمزيد من المتحفظين. كانت بكائية صادقة لا تتطلَّب النظم، وفضاءً مرتجلاً ليس بحاجة للإحداثيات.

- أستاذ محمود، كأني بالسرد التراثي وإسقاطاته يستخفيان بذكاء في قصصك؟

لا أخفيك سرًّا، أنا لم أحقق ما أصبو إليه من استخدام تقنيات السرد التراثي بشكل ينسجم مع معطيات القص الحديث، المسألة ليست لعبة، وأنا رجل متحفظ، إنما كانت هناك ومضات هنا وهناك جرت على سن قلمي، والمسألة هاجس بالنسبة إلي، وأشعر دائماً أنني سأعود إلى عربة اللغة التي تحملني للماضي وسحره في فكرةٍ ما مناسبة، غير أنها لم تظللني بعد.

- عربيًّا، يبدو أنك الوحيد الذي يمكن أن نسميه "أديب مكافحة التدخين"! فكيف تكونت هذه الفكرة؟ وما طموحاتها واحتياجاتها؟

البداية كانت غريبة، ربما لا أستطيع أن أبوح بكل ملابساتها، ولكن عموماً أنا اطَّلعت على بعض البحوث التسويقية والاستبانات الخاصة بالتبغ، والتي تستهدف المواطن العربي، فانفعلت وتأثرت كثيراً، وبدأت أقرأ في تاريخ التبغ وصناعته وتسويقه ومؤامرات الصناعة، وتخيلت مؤتمراً سريًّا لكبار مصنعي ومسوقي التبغ في مدينة عربية، حيث جاءت قصة (الجنرال تبغ)، وكنت أفكر في سلسلتها، ولكن التعاطي مع الفكرة كان أقل من المأمول، وأظن أن احتشادي لهذا الأمر قد ضعف نوعاً ما. وعموماً فإن الأفكار الاجتماعية كهذه الفكرة قد تأتي خصماً من رصيد الأديب إذا أكثر من تناولها. وعموماً، أنا سأكتب عن التدخين إن ألحَّت عليَّ قصة فنية عنه، مثل (مسيخ البخور)، لكن لا طموح لدي بخصوص هذا الشأن أو ذاك اللقب.

- يحدث في قصصكم نزوع إلى تضييق وحصر النطاق المكاني وتحليله والإحاطة به.. فهل يجعلك ذلك أكثر قدرة على صناعة النكهة المكانية؟

القصة القصيرة الجيدة هي غالباً كائن متوقد الذهن، لكنه لا يحب التجوال إلَّا لضرورة، لا يحب الخروج من مكان للدخول في آخر، كالزوج التقليدي في يوم العطلة. وبالطبع عليَّ أن أغير من اتجاه دفة الحديث الآن، فزوجتي بالقرب. يا سيدي، فعلاً يحدث في بعض قصصي تضييق للنطاق المكاني، وقمة هذا الضيق كان في قصة (مسيخ البخور)، حيث تدور الأحداث في رحم امرأة مدخنة حامل، هنا أنا لم أفكر في (صناعة) نكهة مكانية، بل المكان هو القصة نفسها، هو السارد الصامت، وعندما تمَّت القصة كان ذاك المكان قد فرض حالة على القارئ وعليَّ أنا كاتب القصة (إحساس بضيق النفس).. ففكرة الجدوى والصناعة لا تعبِّر عن (تاريخ تأليف قصة ناضجة). لقد نجحت في استثمار الضيق في قصة مسيخ البخور، لكني لم أفكِّر في ذلك في أثناء الكتابة، فقد كنت في الضيق ذاته؛ ونجحت في شيءٍ آخر فيما يتعلق بتعاملي مع المكان، توصَّلت لشيءٍ خاص جدًّا، وسيحزنني أن أكتشف أن غيري توصَّل إليه من قبل، وهو (مكر المكان)، أو عجز الراوي عن استيعاب قدرة المكان (العجوز) عن اللعب به، المكان هنا هو الشائب الداهية. في قصة ليلة القدر، لاحظ الراوي الثقب في منظرٍ جميلٍ على لوح خشب في المنطقة الراقية، ولف ودار وذهب في مسار ملتوٍ، باحثاً عن بيت الرجل الذي سيتبرع له بالكلية، ووصل إليه أخيراً ودخل بيته المتواضع في الحي المتهالك، ليجد ثقباً، وبالأخير يفطن لكونه في أول القصة كان يقف وراء بيت الرجل، حيث الثقب هو ذاته، والمنطقة الكئيبة خلف المنطقة الراقية تماماً. وفي قصة كير اليساري، أخذ الشاب الراوي أيضاً يصعد البيت في معاناة تراجيكوميدية، راغباً في الصعود إلى غرفة صاحبه القديم الذي يسكن فوق السطح، ليعرف في النهاية، أن البيت قد علا طابقاً إضافيًّا، ولم يعد ثمة وجود لعالم ذكرياته في هذا البيت. وفي الأخير، أحب أن أقول إن القاص هو مسَّاح من نوع مختلف، لا يعرف القصبة ولا الذراع، ففي منطقة (عشش الترجمان) بمصر، كنت تجد عالماً مثيراً، يمكن لأديب أن يخرج منه بملحمة إنسانية ثرية وخصبة ومعقدة، ولكن تمت إزالة منطقة عشش الترجمان من على وجه الأرض بما فيها من أحلام وإجرام وإحباطات ومكر وبساطة وتعقيد، لتقام محطة ركاب حضارية، ليكن، الأدباء والفنانون هم وحدهم الذي سيقفون هناك ويتعجبون من كون ذاك العالم الضخم القديم كان على هذه المساحة فقط من الأرض، بينما بقية البشر لن يصيبهم الذهول بما فيهم سكان عشش الترجمان الذين نزحوا، نحن مسَّاحون نقيس الأماكن بمدى ثرائها فتكبر أو تصغر عن مقياس المسَّاحين المعروفين، إذاً نحن نتفاعل مع المكان، ونرى فيه ما لا يراه غيرنا، وبالتالي نحن نتذوق نكهة المكان، ونعاند في سبيل أن نذيقها للآخرين، سواء كان هذا المكان موجوداً على أرض الواقع أو وليد المخيِّلة.

- هل لنا أن نعرف العوامل الفنية التي تتحكم في طول القصة وقصرها عند محمود توفيق حسين؟

لنبدأ بالإجابة البسيطة جدًّا حد السذاجة، لعلنا نصل لشيءٍ ما، حسناً، عدد كلمات القصة، لكن ما الذي يتحكم في عدد الكلمات، و ما الأفضل؟ يظن البعض أن الأفضل أن تكون (القصة القصيرة) قصيرة، أو قصيرة قدر الإمكان، أي قليلة الكلمات، إذاً يمكننا هنا أن نسجل نقطة أولى، وهي أن من ضمن العوامل التي تتحكم في طول القصة وقصرها سيطرة فكرة ضرورة التكثيف على ذهن القاص، حتى يتناسب هذا وطبيعة القصة القصيرة وطبيعة العصر، ولكن سيدفعنا هذا إلى السؤال المشروع: حسناً، إذا كان التكثيف.. عظيم جدا هكذا، لماذا لا نتوقف عن ارتكاب القصة القصيرة ونكتب القصة القصيرة جدًّا؟ الإجابة هي أن الفن لا يمكن أن يكون فكرة خالصة تمرُّ كومضة، الفن جمال، والجمال في التشكيل، والتشكيل يحتاج لشيءٍ من البسط والنحت والغوص، حتى يحدث التذوق، وهذا سيدفعنا لسؤالٍ آخر مشروع: بالفعل يبدو التشكيل مصدر الجمال الذي نريد أن نشعر به ونحن نكتب ونريد من الآخرين مشاركتنا الشعور به، وهو يحتاج للبسط والنحت والغوص والتحليل.. إلى آخره، فلماذا لا نهجر القصة القصيرة إلى الرواية؟ هنا يمكننا أن نقول: يمكن أن تكتب القصة القصيرة جدًّا أو القصة القصيرة أو الرواية، ولكن يتعين مراعاة شروط كل فن من هذه الفنون. وبالنسبة للقصة القصيرة، وبناءً على ما تقدم، فإن من أهم الأشياء التي يجب مراعاتها في كتابة قصة قصيرة: الموازنة بين التكثيف والتشكيل، وكذلك فإن قدرة الكاتب على الموازنة بين التكثيف والتشكيل حسب حاجة النص هي التي تعطي للقصة طولها المناسب. أما عدد الشخصيات وعدد المواقف وتعقدها ووصف الأماكن.. إلى آخره، فهي ليست شيئًا آخر، إنما تخضع لشرط التكثيف، فلو افترضنا مثلاً أن الرواي يجلس على المقهى يحتسي القهوة بمرارة ويتذكر من خدعوه من الأصدقاء، حتى روى قصة عشرة أصدقاء ممن خدعوه في عشرة مواقف في عشرة أماكن مختلفة، ثم مات في مكانه بهدوء، هنا نحن أمام رجل غير مؤمن، لأنه خدع أكثر من مرتين، وطالما أننا نحكم على الشخص بأنه غير مؤمن إذا لدغ من جحرٍ مرتين، فلا داعي لذكر اللدغات الثماني، وهكذا القصة وهكذا التكثيف، الاكتفاء بذكر لدغة واحدة أو لدغتين.

- بين يديَّ مجموعتكم "غسيل المنتقبات"، وقد اخترت منها قصة "الخبء" فوجدت الاشتغال اللساني مسيطراً عليها من خلال اللغة والبناء من الكلمة والانزياحات والتجانسات المعجمية، فهل تحدثنا عن تجربتك مع صناعة اللغة السردية وتطويرها؟

في الأمر الكثير من الإثارة، ليست الإثارة أن تشتغل على غريب اللغة أو المفردة الجميلة المهجورة، هذا ليس شأني، فأنا قاص ولست لغويًّا، الإثارة منبعها شيء محرج إلى حدٍّ ما، هو الشعور بعدم الإلمام، وبأن معجمك غير كافٍ، وهو فقير إذا ما قورن بما يعتمل في صدرك ويريد أن ينتفض على السطور، فأن تثيرك قصة ما في ذهنك تريد أن تؤلفها، وتدفعك لأن تبحث عن تلك المفردات أو التعبيرات التي يختبئ فيها روح ما تريد، بروح من يشعر بالافتقاد والفقر، هذا يجعل لك لغةً مدهشة، أو مثيرة للتعاطف على أقل تقدير، على عكس التعامل (الصيدلاني)، حيث يتم استدعاء اللفظة أو التعبير بسرعة ودقة كما يفعل الصيدلاني عندما تطلب منه دواءً ما، وهذا ربما الذي يمكِّن البعض من إبداع لغة مدهشة لا يصل إليها اللغويون. إذاً الفرق الأساس بين الأديب واللغوي الذي يعطي للأديب ميزة نسبية هو تلك (الحيرة المنتجة)؛ الأمر يتطلب الدخول في مغامرة بصرية مع اللغة، أن تشعر بأنك في كهف مظلم وممتد، تتحسس وتدقِّق البصر قدر الإمكان، وأنت تشعر بفرحة غامرة بما وضعت يدك عليه، لأنك ظفرت بشيء، وأجمل من ذلك أنك لا تعرف إن كان هذا الذي التقطته هو معنًى أم لغة؟ لحظة فريدة أن يختلط عليك أمر ما بين يديك والذي يتفلَّت من بينهما مثل أرنب، يختلط عليك فلا تعرف إن كنت أمسكت بالمعنى أو باللفظة. لذا فبالنسبة إلي ليس الأمر أكثر من محاولة للمشي في كهف مثير تلعب اللغة والمعاني بالزوار فيه لعباً؛ لكن هذا لا يحدث في كل نص، بل فكرة النص وروحه ومدى شاعريته هي التي قد تدفعك لاقتحام هذا الكهف أو لا، وفي قصة الخبء كان هناك الذكريات والحزن القديم والندم والنهاية غير المتوقعة، وهي أشياء تحث على البحث عن معنًى/لفظة في وسط العتمة.

- ولكنك تتعمد أحياناً صدم القارئ بالتعامل العنيف مع الكلمات.. "وتلك رائحةٌ معتَّقةٌ للماضي فيها شيءٌ من الصندل وحنوط الموت"؟!

تلك كانت جملة فيها روح المغامرة، فهي تمهد للموت الصادم بعد ذلك في أواخر القصة، ولا يميل كاتب القصة للتلميح للحظة الذروة، إذاً هي مغامرة في تقنية السرد، وأنا أميل لاعتبارها جملة (قابضة) أكثر منها عنيفة، وإن كان العنف ملمحاً من ملامح أسلوبي في بعض الأحيان، وأنا صاحب شاعرية غير رقيقة، ومع ذلك فـ (شيء من) ليست حشواً، إنما كانت لتخفيف الحدة، بحيث يتناسب الجو مع روح الاستدعاء والتذكر والحزن النبيل فيما يلي.

- تشكيل الشخصيات وتحديد سماتها قد يستغرق لديك قصة كاملة، مما يتقاطع مع مسرحَة القصة.. فلماذا هذا الاهتمام بالتحليل النفسي والتشكيل الجسدي لشخوص قصصك؟

التحليل النفسي له أهمية عندي تتفاوت حسب ظروف القصة وإلحاح روحها، وقد تخطف الصورة الغريبة الضوء من (الشخص) كما في قصة عرائس الموت، التي لم أعتنِ فيها بتحليل تركيبة هذا الرجل الذي خاب على كبر، وقرر الاستثمار في محطة فضائية خليعة، بما يتعارض مع تاريخه العملي، أنا لم أوضح كيف تم هذا، أهملت ذلك رغم جاذبيته، لأني كنت واقعاً تحت تأثير جاذبية صور (العروس الراقصة) المتدلية من مرآة سيارته، و مثلها من قبل في شرفة المدرس في زمن طفولته. في الجملة، أنا مشغول بفهم شخوصي، وبشكل يوحي بالدراية والخبرة أكثر مما يوحي بالعلم (التحليل النفسي)، ولكن لا يتقاطع هذا عندي مع مسرحة القصة، أي لا يأتي على حساب المرئي (الحدث) والمسموع (الحوار)، فبطل قصة (كير اليساري) وقد كان الراوي، لم يتكلم عن صفاته كثيراً، بل جعلت الأحداث تكشف لنا عن طبيعته الاستلابية التي تجعله نهب الملابسات التي يقع فيها ونهب الأشخاص الذين يتعرَّفهم. هذا عن التحليل النفسي.

وأحيانًا ما يرى الناقد داخلي - وذلك بعد الفراغ من النص ونشره - يرى أني فشلت في التحليل النفسي للشخص البطل وانتصرت للأحداث، مثلما وقع للمخرج في قصة (خط العنقز) على جمالها، لكن حتى هذا الفشل يمكن الدفاع عنه بالإشارة للجو المسرحي للقصة حيث يجتمع سكان البلدات الموتى لتمثيل دور الأحياء، هنا إلهام المجاميع يغنينا عما يدور بذهن المخرج.

يمكن النظر لبعض القصص باعتبارها مؤكداً على نزعتي لتحليل الشخصية، وهذا يغلب على قصصي الأخيرة، ومنها قصة (جميل بثينة) الزوج الوسيم الأناني غير الناضج المحافظ على شبابه المتوقف عند مرحلة عمرية ما، هذا يمثل تقاطعاً مع المسرحة، لكن حتى هذا المثل لا يمثل سيولة في الاستدعاء وتيار الوعي وغياباً للحدث.

- وماذا عن مصر.. هل هي الضمير المستتر في أدبكم؟

ما أروع أن تقول ذلك، هذه هي الحقيقة، أنا من نوعية إن أحبَّت احتشمت في حبها، فأنا لا أعرف مثلاً كيف أتكلم عن ابني مثلما يفعل كثيرون، لا آتي على ذكره على الإطلاق، ومصر كذلك لا أحب أن أكتب عنها حبًّا صريحاً، هي دائماً (هي)، الأمر هنا لا يتعلق بالأسلوب، بل هو (نزعة).

- ربما لذلك يندر وجود كلمات شعبية مصرية في قصصكم (كعبارة "لا أريد العلاَم" في قصة "لست نحساً")؟

هذا كان اختياراً أسلوبيًّا لي عن وعي، تقديراً لضميرٍ مستترٍ آخر، حب كبير، هو (اللغة العربية الفصحى). ولكن في قصصي الأخيرة، بدأت أسمح لأبطالي، ليكون الكلام أوقع وأظرف، وفي حدودٍ محسوبة، بدأت أسمح لهم بقوسين ينطقون بينهما على السجية.

* حول حداثة القصة القصيرة:

- قلة هم الذين يمكن أن نلقبهم بشعراء القصة القصيرة.. فهل أنت مع تعميق التخييل والشعرية في القصة؟

ثمة اشتباك بين غصون الأجناس الأدبية، وفي بعض الأشكال الإبداعية لا يَعرف من على الغصن على أي شجرة هو؟ ولا يهمه هذا كثيراً؛ وفي القصة الحديثة عناية بالخصائص الشكلية للنصوص والبنى اللغوية، بحيث تولِّد اللغةُ المعنى ولا يولد المعنى اللغة، مما يدفع بتعزيز الشعرية في كل من القصة القصيرة والرواية. وأنا مع شعرية القصة، إذا تحقق الشرط الجمالي، لكن أنا من ناحية أخرى ضد الاستبداد النقدي الذي يفرض على الناس اتجاهاً ما جديداً، ويستخف بالخبرة الإنسانية الأدبية.

الشعرية أنا معها، ولكنها ليست وصفة سحرية، إذ إن الشعرية قد لا تتناسب ومعالجة قضية سياسية واجتماعية معايشة، قد رأى الكاتب فيها أن يكتب عن الناس من خارجهم، هنا قد يضطر لاستخدام لغة الحكي الواقعية وليس اللغة الشعرية الوجدانية، أو يستخدمها بقصد وبقدر مناسب، لا تتوقف المسألة عند اللغة المستخدمة فقط، بل الصورة والسرد والشخوص والمكان والزمان والإيقاع السردي، كلها ستتأثر بواقعية الحكي.

- أما تزال العناصر التقليدية للقصة على ذلك القدر من الأهمية في النصوص الحديثة؟ وبرأيك هل ينقص مستوى القصة إذا خلت من بعض هذه العناصر؟

النصوص الحديثة بها روح المغامرة والخروج على النمط، والحكم عليها بأدوات مختلفة عمَّا قبل، لكن لا أحد يعطي الكاتب جائزة على مغامرة مزيفة لا تنتج الجمال. التوازن بين عناصر القصة لم يعد معياراً أساساً للحكم على القصة، ممكن أن تجد نصًّا تسيطر عليه صورة جاذبة موحية شديدة التأثير، ولا تجد أو لا تكاد تجد موقفاً، أو تجد نصًّا به حالة وجدانية خاصة معبراً عنها بلغة شاعرية راقية وإيقاعٍ جميل، لكننا لا نجد حركة للأشخاص، القارئ قد يغفل أو يتغافل عن شيءٍ ما غير موجود، في سبيل شيء ما استثنائي جاذب ملحٍّ يجده، إن هذا التجديد يشبه الحياة على نحوٍ ما، فالأمور لا تمضي على شكلٍ مرتب متواطئ، بحيث تبدو عناصر مختلفة كفريق متعاون لصنع قصة وصنع لحظة ذروة في قصة، النصوص الحديثة تحاول أن تشبه الحياة، الحياة خارج الإنسان، وكذلك الحياة الداخلية له، استحلاب الشاعرية والمغزى من الحياة الرتيبة، وهذا أفضل أن أسميه اتجاهاً في القصة لا تطوراً، وبشكل عام فإن أساليب الكتابة القصصية الجديدة تحتاج إلى قاص لا يخضع للجمهور المبتز الذي يحب الحكاية، الحكاية التي لها حدث جاذب و نهاية لافتة ومثيرة. وهنا عليَّ أن أعترف بأنني رجل لديه قابلية للابتزاز الأدبي، يمكنني أن أكتب بمغامرة ولكن مغامرة محدودة ومحسوبة، ليست المسألة عندي في أن أحترم عناصر القصة التقليدية كما سلمنا إياها الآباء، أو أغامر كي أختلف، المهم عندي الجمال والأصالة وقوة التأثير.

- وماذا تستشرفون في أفق الـ ق.ق.ج كنص قصصي مطوَّر، حديث، وله مكانته النقدية؟

يمكن لكاتب قصة قصيرة جدًّا أن يفوز بجائزة نوبل للأدب، لم لا؟! لكن عن أعماله الروائية، همنغواي صاحب رواية (العجوز والبحر) كان يكتب القصة القصيرة جدًّا، له قصة قصيرة جدًّا كان يعتز بها كثيراً، هذا نصها: (للبيع، حذاء طفل صغير لم يُستعمل قط)، المشكلة أنك يمكن أن تمعن النظر في النص لأن همنغواي كان يعتز به كثيراً، وعليه فستحاول أن تكتشف الشيء العبقري الذي به حتى لا يتهمك أحد بفقر الذائقة، ولكن إن وجدته على لوحة من الورق المقوى لن تنظر له إلاَّ على أنه إعلان بسيط جدًّا. ولو سألك أحدهم عن همنغواي فستنصحه – مهما كنت مدافعاً عن الـ ق.ق.ج – بقراءة رواية (العجوز والبحر) أو أي عمل روائي آخر، ولن تقدم له القصة القصيرة جدًّا المذكورة أعلاه، ومما لاشك فيه أن النصح بـ (كذا) هو شكل لا مجال للطعن فيه من أشكال النقد الإيجابي.. توجد نصوص ق.ق.ج جميلة جدًّا، غير أني أشك في أنها قد تصنع قامة أدبية كبيرة، مهما حاولنا التجديد، يظل التشكيل روح الأدب.. القصة القصيرة جدًّا لا تفصح عن إمكانيات الكاتب، وقد تتخفَّى تحت نقابها وجوهٌ أدبية فقيرة الملامح.

- بعض كتاباتك الذاتية - خارج القصة - تحمل عدة أوجه في تفسيرها، فما المانع من وجود ذلك في قصصك؟ أم أنك تخالف هذه الفكرة ما بعد الحداثية (النص المفتوح)؟

أما عن المخالفة فلا، وأنا لست من النوعية التي تخيفها اللافتات والتوجس غير المبني على اقتراب وفهم، فالنص المفتوح حديث من جهة أن الأصل في القصة غير ذلك، إذاً نحن أمام (حداثة) غير ملغومة، وأمام انفتاح للنص لا علاقة له بالابتذال. طالما سألت نفسي هذا السؤال عن تهرُّبي من النص المفتوح، أنا أعزو الأمر أحياناً لتركيبتي المتحفظة، وأحياناً أعزوه لاحتجاج أبطالي، إذ كثيراً ما يتذمرون رافضين العمل في بيئة ضبابية، ما أود قوله هو أني أشعر بأن النص المفتوح يضاد ميلي لـ (تحقيق) شخصيات أبطالي.

- بالمقابل نرى في بعض قصصكم نوعاً من التعقيد الإبداعي الذي يستدعي إعادة القراءة، فما حدود هذا التعقيد لديكم؟

لا مانع في أن يكون النص مجهداً، لكن لا أفضل أن يكون النص مغلقاً، التعقيد ليس فضيلة في حد ذاته ولا التبسيط كذلك، لكن الأديب ليس تربويًّا حتى يشعر بمسؤولية شخصية عن تبسيط ما لديه قدر الإمكان، والقراء ليسوا تلامذة، إذن التعقيد في جانب من جوانبه يمكن النظر إليه باعتباره وسيلة لإقامة علاقة صحية مع الكتاب، في مجتمعات قامت على التلقين والحفظ والتلمذة السلبية. وأنا أعتبر نفسي من ضمن الواقعين تحت ابتزاز الجمهور الذي لا يفضل التعقيد، لذا فأنا أذهب لحد قريب في العمل المعقد.

- أتساءل لماذا يكون البطل في السرد القصصي "شخصاً"؟ وهل من الممكن أن تكون القصة بلا بطل؟

قرأت قصصاً بطلها من غير بني آدم، كالقلم أو الكتاب.. إلخ، ومن المفترض أن تكتب رواية عربية على لسان (الكرسي) الذي قامت من فوقه زعامات والبقية تأتي. أما أن تكون القصة بلا بطل فهذا شيء جدير بالتأمل، لكن بما أننا تكلمنا عن الزعامات الهاوية فيمكن أن يكون الشعب هو البديل الشرعي للبطل.

- حديثاً، قد تستدعي الأوضاع الاجتماعية والفكرية التي تحيط بالقاص أن يستغرق في المشهدية الوصفية ويجنح إلى العاديَّة غير العميقة، وربما أخذ ذلك قسماً كبيراً من إنتاجه، فما الضابط الذي تقترحه في ذلك؟

المسألة تشبه ببساطة ألعاب الطفولة التي ينكب عليها الطفل باهتمام بالغ، سيظل ينظر إليها بذات القدر من الإعزاز طالما أنه في مرحلة الطفولة، ولا مجال هنا للضوابط والإرشادات، كذلك الحال بالنسبة للكاتب، يقف على أسلوب بسيط ساذج، لن يتركه ولن يكتشف أنه غير مناسب إلاَّ إن ودع مرحلة الطفولة الإبداعية، بالقراءة الذكية والاختيارات والتراكم والمحاولات، لن يحدث الأمر مرة واحدة، إنما هو تحول جميل وساحر بطيء نوعا ما، وبعض القصاصين مهددون بالبقاء رهن هذه الطفولة الإبداعية ورهن ألعابها. علامة ذلك أنه لا يوجد في حياة القاص نص قديم يتعجَّب منه ويقول (كيف كتبت هذا؟!) لسبب بسيط.. أنه لا زال يكتب كهذا.

* عن القصة الإسلامية:

- حرص بعض المبدعين منذ مطلع هذه الألفية على مزج الهوية الإسلامية للأدب بغيرها من الهويات، في قالب فني حضاري بعيد عن المباشرية والخطابية.. فماذا عن إبداعك في هذا الصدد؟

أترك الحكم على تجربتي للقرَّاء، وأتمنى لو أجَّلوا الحكم قليلاً، حيث إني أشعر بأنه لا تزال عندي قدرة على تطوير إبداعي وتحدي ذاتي.. ونحن مدينون لمن وقعوا قبلنا في فخ المباشرة والخطابية، إذ إن التجارب العملية السلبية للآخرين هي خير ما يجسِّد (الفداحة).. وهذا لا يعني أن هؤلاء المبدعين الذين تقصدهم كناجين من المباشرة - وأتمنى أن أكون واحداً منهم - كان كل ما فعلوه هو (تجنب شيءٍ ما)، تجنب شيءٍ ما لا يصنع وحده أديباً ناضجاً، لا بد من (مطاردة شيءٍ ما)، ونحن طاردنا أشياء غير التي طاردها كتَّاب المباشرية، كانوا يطاردون الخطاب الدعوي، فألجأهم هذا للتعامل مع القصة كمجرد (قالب)، وسيطرة هذه الفكرة على أي أديب كفيلة بفشله. الموضوع بسيط جدًّا، التجار المسلمون استطاعوا بأخلاقهم الحميدة إقناع شعوب بالدخول إلى الإسلام، لكنهم كانوا تجاراً بالفعل، ذهبوا للشراء والبيع، وليست المسألة مجرد إرساليات دعوية اتخذ أعضاؤها الصفة التجارية لمخاطبة الشعوب، تجار الشعوب الأخرى قد يشفقون على تجار لا يجيدون التجارة ويتصفون بالصدق والأمانة، ولكن لن يتبعوا دينهم، سيتبعون دين تجار محترفين رابحين، أخلاقهم الصدق والأمانة، فإذا أردت أن تدعو لدين الله من خلال التجارة، فسيستلزم ذلك أن تكون تاجراً حقيقيًّا أولاً.. والأمر كذلك بالنسبة إلى القصة.

- ما الجديد الذي يضيفه الأستاذ محمود إلى مدارس كنجيب الكيلاني وإبراهيم عاصي وغيرهما من الكبار الذين خدموا هذا الأدب بإخلاص وإبداع؟ وما الذي يفتقده في القصة الإسلامية الحديثة؟

كقارئ من قراء العربية، أقدر وأحترم هؤلاء الرواد العظام المتحمسين الذين مدَّ كل واحد منهم مطماراً في الوحشة، وشرع فوق الصخور و تحت الشمس في تأسيس أدب يعبر عن انتمائه وهويته، وهو تقريباً يشعر بأنه يعمل وحده، ذلك الشعور السري الجذاب، بحيث بدت هذه الجهود الفردية في الأعين المتابعة كجهد جماعي لبناء شيء يليق بهذه الأمة في العالم الشاسع للأدب الذي لا يحفل كثيرٌ من أهله إلاَّ بالحواضر العظيمة التي على الطرق السريعة، قدم كل منهم ما قدَّم في كثير من العرق، وفي ظروف غاية في الصعوبة، لا يحطمه عدم ملاحظة الآخرين المسرعين لما يقوم به، سواء من تشغلهم الحواضر العظيمة عن رؤية ما سواها من محبي الأدب، أو مخلصو الأمة الذين ينظرون للأدب باعتباره من الرفاهيات.

هذا كقارئ، أما ككاتب فأنا أترك الأمر للقارئ والناقد وللأيام للحكم على ما قدمته، فالكاتب - أي كاتب – لا يشعر أنه يراكم مع أحد أو يكمل مشروع أحد، الكتابة زخم فردي وإلحاح مستبد يضعف الإحساس بالجماعية، وهوية أي أدب لا تنبع من تواطؤ مجموعة من الأدباء على ذلك، أدب أي أمة أو أي اتجاه لا يولد من اجتماع مجموعة من الأدباء في غرفة مغلقة تحت ضوء مصباح، لا توجد جماعة سرية ممتدة يتعاون أفرادها ويراكمون جيلاً بعد جيل، وإن وجد فإنها حتماً تفشل، إنما هو شيء بديع يلاحظه القراء والنقاد، اسمه الملامح المشتركة، ذاك الانسجام غير المتفق عليه، تلك اللوحة المتسقة والمتنامية والحية التي لا يشعر كل جزء نابض ومتَّقد فيها – كبر أو صغُر - بأنه يشارك في شيء ما يمتد خارج منه. لذا فأنا ككاتب لا أنشغل بالملامح المشتركة بيني وبين غيري، ولا بمساحة الاختلاف، ولا أملك أن أكون صاحب ملاحظات ذكية بهذا الشأن، كل ما أعرفه هو أنني فوق الصخر وتحت الشمس، أمدُّ مطماراً.

- كيف يستوعب الأديب الملتزم جمهوره في مرحلة يتوجه الكثير من كتاب وقراء القصة والرواية فيها إلى الأنواع الأدبية المستحدثة لا التقليدية؟

يهيأ لي أنه من الأهمية بمكان أن يدرك الأديب بعد فترة ما مَن هم جمهوره؟ الإدراك هنا أقصد به هذا الفهم الذي يتسرب إليك مع الوقت والخبرة وبغير تسلسلة منطقية ومعطيات واستنتاج وما شابه، لو أدرك الأديب جمهوره، سيبتزه هذا الجمهور عاطفيًّا ويدفعه للكلام في قضاياه، وأن يستخدم لغة مناسبة له، وأن يستخدم أساليب سرد أكثر محاكاةً للواقع وبغير إسفاف، أنا لا أقصد ابتزازاً فادحاً بحيث يكتب الأديب ما لا يؤمن به أو يسطِّح قلمه، هذا غير وارد، إنما أتكلم تحديداً عن (مراعاة)، كتلك التي نبديها لكل من نحرص على استمرارهم بالقرب منا، لكن هناك من الكتاب من يكتب ولا يهمه اتساع حجم الجمهور، فقط هو يكتب بإلحاح داخلي، وسؤاله الداخلي (ماذا أريد أن أكتب؟) وليس (لمن أكتب؟) وكتابته ستجتذب جمهوراً مناسباً في النهاية. والحقيقة هي أن السؤال الأولي الأصيل في حياة المبدع هو (ماذا أريد أن أكتب؟)، يتعين على الكاتب أن ينشغل بذلك أولاً وكثيراً، حتى يؤرَّق في نومه، ولكن المشكلة أن السؤال الغالب لدى جمهور القراء هو (لمن أريد أن أقرأ؟)، يختار الناس الأسماء الكبيرة، ولكن الأسماء الكبرى غالباً ما يصنعها تزاوج بين موهبة فائقة ومشروع كتابة، الأسماء الكبرى عرفت ماذا تكتب. إذاً كلما كتب الأديب بشكل أفضل، تحسنت الفرصة لأن يعرفه الناس، وصار ممن يريد جمهور القراء أن يقرأ له، إذاً أنت لن تحيط بالجمهور، ولكن إذا جمعت بين تقدمك الفني وراعيت بعض الأمور الهامة التي تسهل اتصالك بذائقة الناس كاللغة ومعالجة قضايا قريبة منهم، أحاط الناس بك واستوعبوك. هذه وصفة ممن لم يجرِّب!

- الحب والمشاهد الخاصة والتعبير عنها عناصر حرجة في القصة الإسلامية، فهل ترونها ضرورية في الرواية والقصة؟ وكيف يعالج الكاتب ذلك؟

في البيئات البسيطة، ريفية كانت أو بدوية أو شعبية، يفحش الناس في تباسطهم في التعبير عن الأشياء الخاصة الحميمية، ولكن عندما يريدون الاحتشام، يستخدمون صوراً مدهشة للتعبير عن مسائل الشرف، فيقال عن التي فقدت شرفها (طبق مكسور)، ويقال عن امرأة تزني (تدخل الثور بيتها)، وعن البغي إن ظهرت بين الأهالي الشرفاء (زرع الخبيزة) باعتبار أن الخبيزة تنمو وحدها بغير فلاَّح، وهناك صور كثيرة لا أذكرها، وأظنهم لو كتبوا لاحتشموا واختاروا الصور. الفحش يناسب الارتجال والمشافهة أكثر مما يناسب الكتابة، إذاً الأمر ليس حرجاً، بل هو ملهم لصنع صورة جميلة، إذاً التوصيف الذي يلجأ إليه الأدباء لإثارة المشاعر، وبغير أي ضرورة فنية، ما هو إلاَّ فحش وسطحية واقتراب من نمط المشافهة، الذائقة الشعبية البسيطة نفسها تختار الصورة إن اختارت أن ترتقي بالصياغة الشفهية، فكيف يترك الأديب الصورة للتصوير المباشر الفج؟ لكن البيئة البسيطة وكذلك التراث يؤكدان على أن الكلام عن أن فلان أحب فلانة، هذا في حد ذاته ليس فحشاً، إذا كان الأمر خبراً، مثلما أن امرأة العزيز قد شغفها يوسف – عليه السلام – حبًّا. القاص الملتزم لن يكتب قصة حب فتًى وفتاة في الجامعة، وينهيها بزواجهما، هذا جهد متروك لكتبة الأفلام، ولكن إذا كان القاص الملتزم يعمل على قصة كبيرة وخطيرة عن الجاسوسية، وفي إحدى ثناياها مثلاً أن ساقية حانة أحبت سكيراً ما من الزبائن، ونتج عن هذا هروبها معه، واتضح أن هذا السكير يعمل كجاسوس لإسرائيل، وأخذت السلطات تطاردهما، وهي عرفت طبيعة عمله القذر، واختارت أن تبلغ عنه السلطات، هنا نقول إن القلق بشأن هذا الحب - الذي عبَّر عنه الكاتب مسرعاً - فيه شيءٌ من التزيد، خصوصاً في جو الخمارات والجاسوسية الذي لن يضره الحب شيئًا، ومطالبة الكاتب الملتزم أن يجرِّم أي علاقة عاطفية عابرة كتب عنها حتى يغسل يده فلا يتهم بالموافقة تعتبر مطالبة فيها تزيد أيضاً، إذ علينا أن ننظر للسياق العام طالما أن سطوره غير متلكِّئة كثيراً عند النقطة الحساسة و لا تثير ولا تشجع، لن يمكنه أن يكون فنيًّا وهو يغوص في الجمل الاعتراضية ليعبر عن رأيه السلبي في الجاسوسية وشرب الخمر والحب. وعلى أرض الواقع من يرغب من الكاتب ألاَّ يمر على أي علاقة عاطفية، وإن مرَّ فليكن مرور الكرام وأن يؤكد على براءته من العلاقة وعلى أسفه من طرفيها، والأمر غير ذلك مع الجاسوسية نفسها على عظم خطرها.

* آراء ونقد:

- في الشبكة العالمية تنتشر التجارب القصصية التي تفتقر إلى الإبداع على أنها أدب مقروء مقيَّم له جمهوره.. ألا يسيء ذلك إلى المشهد الأدبي العام ويضعفه؟

أنا مع نشر هذه التجارب، لأن الكتابة لم تعد نخبوية، ونحن في عصر الإنترنت والفيسبوك وتويتر، وهذه ليست حالة انهيار، فكل شيء يعيد ترتيب نفسه مع الوقت ويبرز حكمته، والفرز موجود على الإنترنت، وهناك نوعيات مختلفة من القراء، ولا أحد من القراء يشعر أنه تعرض للغش، لأن كل جمهور معين يتقاطر باتجاه منفذه المناسب. بالطبع أنا أريد أن تكون كتابة القصة هي اللعبة الشعبية الثانية بعد كرة القدم، لأن هذا يعني اتساع نطاق جمهور القراء، وزخماً في البحث عن الجيد، ومثلما أن المشهد الكروي العام لا يضيره لعب الكرة في الحارات، فإن المشهد الأدبي العام لن يضره التغلغل وتوسع القاعدة.

- اشتغل بعض كتاب القصة الحديثة على محاورة القص التراثي والشعبي والتاريخي وصياغته بأسلوب جديد، هل تفكر في ذلك؟

أتمنى ذلك، ولكنها مغامرة، إذ إن الجمهور المعني بهذا القص التراثي قد يرى في المحاولة نوعاً من التعدي والتشويه، وغالباً ما سيكون الحكم لصالح القديم.

- وهل تؤيد كتابة الشعر أو الاستشهاد به في القصة القصيرة؟!

في القصة غنًى عن التعبير بالشعر داخل نص قصصي، ولكن السياق قد يسمح باستشهاد بأبيات، كأن يكون البطل مدرساً للغة العربية مثلاً.

- هناك قصص غير مقنعة، إما لطغيان عنصر المبالغة فيها، أو لكونها مستحيلة الوقوع، فهل تجدها مستساغة؟

من المهم جدًّا أن يُصدق القارئ الكاتب، وهناك كاتب تصدقه رغم المبالغة واستحالة الحدوث، وهناك كاتب لا تصدقه برغم أن أحداثه عادية ومعقولة.. إذا لم أقتنع فمعنى هذا أن الكاتب لم يخدرني.

- تقنيًّا، كيف أحكم بالجودة على قصةٍ ما؟

عزيزي؛ سأقدِّم ما عندي، ولكن في وقوفي على ذات الأرض التي يقف عليها المريض المخضرم الذي استوعب الداء والأعراض والدواء حينما يقف معلِّماً للأطباء في المستشفيات التعليمية، وهو بالتأكيد لم يشفَ إلى حينه.

جودة القصة لا تأتي غالباً من الأبهة والتقنيات العالية، أعظم تقنية هي الإقناع، الإقناع لا يأتي فقط من كون القارئ يشاطر الكاتب الأفكار، الإقناع يأتي من انسجام مكونات القصة مع بعضها البعض، ويأتي من عدم وجود ما يبدو منحشراً وسط عناصر القصة، الانحشار بسبب اختلاف بصمة اللغة في جزءٍ عن غيره أو بصمة الأسلوب أو بصمة الشعور، وبالتالي لا يشعر القارئ بالتعمد ولا بتدخل الكاتب، الإقناع يأتي من إخفاء الكاتب للأسلاك داخل عمله، وأن يجعل الأجزاء مرتاحة ولا يبدو أن واحداً منها قد دُفع بطريقة عصبية بين البقية، هذا يشبه حكمنا على عمل أي تقني، إذا خرجت الأسلاك من الشيء الذي كان يعمل عليه وأنهاه فأنت لا تعتبره متقناً، كذلك القصة، يجب أن يخفي الكاتب آثار عمله وصنعته، كأن القصة شيء واحد وليست مكونات وروابط، إذاً القصة الجيدة هي التي يقبلها القارئ عامة كفكرة وروح، هذا أولاً. ثم ثانياً لا يشعر أنه ود لو فكها ليعيد تجميعها بشكل أفضل، هو هذا الإصرار العجيب للنص كي يكون كما هو، كما لو كان كائناً حيًّا، النص يجب أن يهل على القارئ كشيخ أو فتاة أو طفل: في منتهى الوسامة، أو قبيحاً بدرجة ملفتة، لا يهم، المهم أن يهل عليه ككائن حي.

- وكقاص، كيف أمتلك موهبة التأثير النفسي في روح من يقرؤني؟

لا أحد يستطيع منح الآخرين سر الموهبة، لكن التأثير لا يعتمد على الموهبة فقط، القدرة على التأثير خبرة وذكاء، وكذلك فإن القدرة على التأثير تنبع أحياناً من البساطة والصدق والطفولة، وأحياناً من عمق الفكرة، وأحياناً ما يكون التأثير مجانيًّا، يمنحه القراء للكاتب نتيجة تعلق وتفخيم مسبقين، بحيث إن الكلمات البسيطة أو الأبيات المتوسطة للكاتب يتم تقبلها قبولاً حسناً، ولو صدرت نفسها من كاتب مبتدئ لما لفت الانتباه... ما هو التأثير؟ إنها كلمة واسعة تشمل أنواعاً كثيرة من التأثيرات، فالأثر الذي تتركه القصص الغربية المسلية المحبوكة التي توزع بالملايين في نفوس القراء، يختلف عن أثر القصص الابتدائية الوعظية التي تنشر على الشابكة وتثير إعجاب الكثيرين ويطلبون منك أن تسهم في نشرها بلغة تهديدية إلى حد ما، بعد تنبيهك لشخص خاسر استلمها في الأسبوع الماضي ولم يقم بإعادة إرسالها للآخرين ففقد وظيفته، كل هذا يختلف عن الأثر الذي تتركه القصص العميقة للكتاب العمالقة في نفوس قراء آخرين. كل هذه النوعيات مؤثرة حقًّا وتنم عن موهبة ما، حتى القصص إيَّاها التي نسخر منها، بدليل أن كثيرين لا زالوا يسألون بلهفة عن الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الذي سخر قطاعاً عريضاً من الأُمة لنسخ أحلامه منذ نصف قرن تقريباً، يبدو أني نسيت أن أذكر في البدء أن التأثير قد يأتي من القدرة على إثارة مخاوف الآخرين وأطماعهم، ويبدو أني نسيت أن أقول إن التأثير ليس حسن السمعة في جميع الأحوال، لذا أفضِّل أن يكون بحث الكاتب عن التأثير في إطار بحثه عما يريد أن يكتب.

* قراءات في الأفق:

- مشروعك تجديدي وإبداعي في آنٍ، وأصبح معروفاً أن النقد يتأخر عن مواكبة كتابات وطموحات الشباب الذين يحملون همَّ التجديد والتطوير، فلماذا لا يقوم المبدعون أنفسهم بعملية التنظير والنقد؟

الطبيعة تكره الفراغ، ولكن الأمر ليس به ما يمكن أن نسميه (فرض الكفاية النقدي). هذا النقد التطبيقي هو إبداع، والمبدعون بطبيعتهم – بما فيهم النقاد التطبيقيون - يتحركون تحت دافع الشعور بمتعة الإبداع أكثر مما يحركهم الشعور بالمسؤولية، المؤسسات هي التي يمكن أن تفكر فيما ينبغي فعله، بينما هذا النمط من التفكير يؤدي لآثار سلبية على المبدع. ومن ناحية أخرى فالمبدع الشاب الذي لم تكتمل ملامح مشروعه الأدبي عندما يكتب النقد ربما يشعر بشيء من الرهبة، فربما يُفسَّر نقده الأدبي بطريقة غير صحيحة، كأن يفهم البعض أنه اعتراف ضمني بالفشل، جرياً على مقولة (الناقد أديب فاشل)، ومن ناحية أخرى فإنه لا يخلو بيت كثير من الأدباء الشبان من بعض أو كثير من الزجاج، مما قد يمنعهم من قذف الطوب النقدي، وهذا يعني أن الأديب الشاب ربما ينجر إلى (النقد التشجيعي) الذي قد يستنزفه ويصيبه بالملل والجمود، والحل المنطقي هو ظهور كيانات مؤسساتية تعنى بالنقد الأدبي، وبإمكانها حتى تقديم العون لدور النشر الصغيرة التي تأخذ النص من يد الكاتب إلى المطبعة بدون مراجعة أو قراءة نقدية.

- من خلال تجربتك الطويلة في المذهب الأدبي الإسلامي، هل تبلور لديك تصور جديد يمكن أن تطرحه لتطوير مضامين القصة؟

كل ما فكرت فيه بهذا الشأن يرتبط بالقضايا التي يمكن أن يعالجها الكاتب المسلم الملتزم، فكرت فيما يمكن أن يجعل النص الأدبي الإسلامي ضميراً للعالم، يهتم بالكوارث الصناعية التي تقتل البشر، بالمذابح على مناجم الماس في أفريقيا، بطغيان الروح المادية وتجبر الشركات العملاقة، بتشغيل الأطفال، بالممارسات الخبيثة لصناع التبغ، بالعنصرية، بتجارة الأعضاء البشرية، بالاستغلال الجنسي للأطفال، عندما تنظر لقضايا كهذه ستكتشف أننا لم نقدم بأقلامنا الكثير من أجل أن يكون هذا العالم مكاناً أفضل.

(حرر هذا الحوار بتاريخ 10/3/1433هـ، يوافق 2/2/2012).

* سيرة مختصرة:

الأستاذ محمود توفيق حسين:

أديبٌ إسلامي وقاصّ، من مصر.

ولد في مدينة قفط، سنة 1968.

يقيم حاليًّا في مدينة الرياض.

المؤهل العلمي: بكالوريوس تجارة.

كتبه المطبوعة:

1- غسيل المنتقبات (قصص).