مع الفنّان السّوري كَمَال سلمان

أكّد أنّ فهم التّاريخ شرطٌ أساسي لفهم الحاضر

الفنّان السّوري كَمَال سلمان:

ثقتي بموهبتي لا تنطفئ

وأتمنّى فسح المجال لفن الكاريكاتير

زينب.ع.م.البحراني

[email protected]

"ولدتُ في قرية بسيطة هادئة، طبيعتها جَميلة، إطلالتها ساحرة، تطلّ على البحر والجبال وتقع قرب المدينة، وهذا المشهد البانورامي لا شك ترك أثره على مخيلتي و روحي. مع أني درست المرحلة الثانوية والجامعية في المدينة، إلا أن المُدُن لم تغويني لا بعلاقاتها المحسوبة، ولا بكتلها الإسمنتية، ولا بتعقيداتها. أحببت حياة الرّيف : الهواء العليل, السّكينة, رائحة الأرض."

 بكُلّ الإحساس المُحتشد في هذه الكلمات استهلّ رسّام الكاريكاتير السّوري "كمال سلمان" حديثه عن البُقعة التي ألهمت موهبته، لينطلق بعدها تاريخٌ من عشق الفنّ، وتنفّسه، والغوص في بحر ألوانه، ورؤية العالم بعينه الثّالثة. ولتتمخّض تلك الموهبة عن لوحاتٍ تحترف إثارة دهشة المُتلقّي وتساؤلاته، مثلما تستفزّ ابتسامته أو دمعة قلبه من الأعماق... من هُنا بدأنا إطلالتنا من نافذة الذّكريات الجميلة، وانطلقنا في رحلة السؤال والجواب نحو حوارٍ شيّق شهي..

§ لكل عشقٍ فنّي لحظة اجتذابٍ أولى.. متى بدأ عشقك لهذا الفن الخلاّب؟

§ أعتقد أن عشق الفن قد ولد مع الموهبة , فأنا لم أتخذ قراراً أن أصبح رسام كاريكاتور, لقد بدأ هذا منذ أن أمسكت قلم الرسم وهذا ما اكتشفته معلمة المدرسة في الصف الأول الإبتدائي.

§ كلّما طالعت رسومك ينتابني سؤالٌ فضولي؛ كيف كانت ردود أفعال أساتذة الرسم في المدرسة من رسومك يوم كُنت تلميذا؟ وهل هناك أستاذ محدد تتذكّر تعليقاته على أعمالك؟

§ لقد أعجب أساتذة الرسم جداً بموهبتي الواضحة, وشجعوني في المدرسة بإهدائي علب الألوان و النصائح المفيدة والمشجعة, بل وكانت محبتهم تصل إلى مرتبة الصداقة رغم صغر سني.

§ هل كُنت تقرأ مجلات الأطفال المصوّرة في طفولتك؟

§ قصص ومجلات الأطفال شغلت ناظري وشدت انتباهي فتابعتها بانتظام, وكان لها كبير الأثر على مخيلتي وإغناء ذاكرتي البصريّة وثقافتي الفنية.

§ وهل كُنت مُعجبًا برسّامي كاريكاتير مُحددين خلال مرحلة الطفولة، والمرحلة الممتدة بين الطفولة والشباب؟

§ في سبعينيات القرن العشرين وفي ريفنا الجميل البسيط لم تكن التكنولوجيا قد وصلت بعد. جل ما كنت أعرفه قصص الأطفال التي كان الأهل يشترونها لي من مكتبات المدينة, لم يكن أحد ليهتم بالصحف ولم تكن الكهرباء والتلفزيون قد وصل إلينا, فلم أطلع على أعمال رسامي الكاريكاتير إلا بعد أن بدأت العمل في هذا المجال بشكل فعلي، خصوصاُ أنني لم أدرس الكاريكاتير دراسة أكاديمية, وإنّما درست الهندسة الإلكترونية، وشتان مابين المجالين.

§ شخصيّاتك الكاريكاتيريّة مُفعمة بحيويّة تكاد معها تقفز من الرّسم لتتنفّس بيننا.. ما سر تلك الحيويّة الدفّاقة؟

§ يعكس الفنان جزءاً من شخصيته في أعماله الفنية, في لباسه , في طريقة حياته, في علاقاته الاجتماعية أيضاً, وفي أية شخصية يرسمها, الحيوية نعمة وطاقة تساعدنا على الاستمرار ولولاها لما استطعنا مواجهة الصعاب وخيبات الأمل الكثيرة فهي قوة كامنة ومُحرّضة بداخلنا .

§ من ينظر إلى رسومك يكتشف عُمقًا شهيًا لا تُنجبه إلا القراءة، ومخيّلة خصبة لا تُغذيها إلا المُطالعة، منذ متى بدأ اهتمامك بالقراءة؟ وفي أي المجالات تقرأ؟ وكيف كان تأثير مُطالعاتك – من وجهة نظرك- على أعمالك الفنيّة؟

§ بدأت قراءة كل ما تقع عيني عليه من كتب المدرسة وقصص الأطفال إلى الحكايات الشعبية، وفي مرحلة لاحقة قصص ألف ليلة وليلة, والقصص البوليسية, وأهم ما قرأت كان كتب التاريخ التي لا زلت أحفظها بصورها إلى الآن من حضارات ماقبل التاريخ إلى عصرنا الحالي. أعتقد أن فهم التاريخ هو مدخل مهم جداً وشرط أساسي لفهم الحاضر ومايجري فيه على مسرح السياسة وفي الكواليس، وهو سر النجاح لأي رسّام كاريكاتوري .

§ ماذا أضاف فنّ الكاريكاتير إلى شخصيّتك كإنسان؟

§ الكاريكاتير أضاف إلى شخصيّتي منطق تحليل الأحداث على اختلافها، وجعلني أهتم بالسياسة أكثر وفهم مايجري حولي، كما جعلني هذا الفن المباشر والاقتحامي مُباشراً وصريحاً لا أعرف المناورة أو المجاملة، ولا السّكوت على الخطأ، وقول الحقيقة في وجه أياً كان، وهذا ما سبب لي الكثير من المتاعب في العمل الوظيفي وفي الحياة؛ ولكنه يُشعرني بالرّضا عن نفسي و عن دوري في المجتمع .

§ حدّثنا عن شعورك بعد إتمام كلّ عمل فني، سواء كان رسمًا كاريكاتيريًا أو قصّة أطفال؟

§ يشغلني العمل وأعيش فيه وأراه أحياناً في منامي سواء أكان رسماً كاريكاتورياً أو قصة أطفال وعندما أنجزه أعود إليه مراراً للتعديل, وعندما أجده مطبوعاً أقول في نفسي لو كان بالإمكان أن أعدل هذا الخط أوذاك. دوماً أعتبر العمل ناقصا على الرّغم من إعجاب المشاهد به.

§ الموهبة مذاقٌ خاص يُدركه المتلقي فور اقترابه من العمل الإبداعي، ومن ينظر إلى أعمالك يكتشف على الفور أنّك تتمتّع بروح فنيّة فريدة من نوعها وموهبة استثنائيّة، لكن رغم هذا لا نراك حققت الانتشار الذي تستحقّه كفنّان.. ما هي الأسباب من وُجهة نظرك؟

§ الموهبة وهبنا إياها رب العالمين وتعبنا على إغناءها وصقلها, أما الانتشار فلا بد له من وسائل إعلامية, وخاصةً الكاريكاتير باعتباره فن مرتبط عضوياً بالصحافة وبدونها لا يستطيع الرسام الوصول إلى جمهور واسع, و النشر الالكتروني في مواقع الإنترنت الشخصية لا يطُّلع عليه إلا المهتمين بهذا الفن. وفي عالمنا العربي لكي يصبح الفنان مشهوراً يحتاج إلى وسائل غير الموهبة كالعلاقات الشخصية و المحسوبيّات. أظن أنه عندما يتعافى الجميع من أمراض الطائفية والعشائرية والمناطقية؛ وتوجد صحافة حرة ونزيهة غير مرتبطة بالخارج تعتمد الكفاءة والمهنية؛ يمكن أن يأخذ الرّسام حقه.

§ طريق الإبداع مليء بالعثرات والصّعوبات، ما هي أشدّ الصعوبات التي واجهتك وواجهتها بشجاعة في هذا المجال؟

§ لقد عملت في عدة صحف ومجلات عربية بعد جهد جهيد وأهم الصعوبات التي يواجهها الرّسام هي هامش الحرية الضيق وسياسات الوسائل الإعلامية التابعة للجهة الممولة لها سواء كانت محلية أو خارجية وليس سراً أن معظم هذه الوسائل تمولها دول لها مصالحها, ويتم الاستغناء عن أي شخص لا يتفق مع خطهم ببساطة, ليبدأ البحث من جديد عن فرصة للعمل.

§ هل حدث يومًا أن شعرت باليأس أو الإحباط لأنّك لم تنل ما تستحق، أو ربّما لأنّ غيرك نالوا حظًا أقل مما نلته رغم قزامة مواهبهم أمام موهبتك، أو أمام أي عقبةٍ من العقبات التي واجهتك في هذا المضمار المعقّد؟

§ لا أشعر باليأس والإحباط من شيء ليس لي به ذنب, فثقتي بنفسي وبموهبتي كبيرة, ولا أغار من زملاء الفن؛ بعضهم أخذ فرصته عن جدارة, وبعضهم باع نفسه لجهات تؤمّن له الشهرة والمال مقابل العمل لمصالحهم ومحاربة بلده, وهناك مواهب مغمورة لم يتح لها سبيل للنشر. لا شك أن الشخص يأخذ أهميته من الموقع الذي يشغله فعندما يعمل رسّام في جريدة عريقة ومنتشرة فهذا يعطيه فرصة للشهرة أكثر من غيره بغض النظر عن موهبته.

§ في كثيرٍ من الأحيان يتعرّض المُبدع إلى الاستغلال الإنساني والإبداعي من قِبل أفراد وجِهات أنانيّة أو انتهازيّة. كيف تكون ردّة فعلك أمام مثل هذا الموقف؟

§ الانتهازيون والمستغلون كثر وفي كل المجالات. إنهم أشرار بنظري، ولقد واجهت عدداً كبيراً منهم. وعندما تنكشف أمورهم يصبحون عدوانيين إلى درجة مؤذية, أنا لا أصبر على أحد منهم؛ أواجهه حتى ولو كانت النتيجة خسارة العمل، لأنه لا جدوى من الاستمرار في ظل هكذا علاقات.

§ ما رأيك ببعض الفئات ذات التوجّهات المُتزمّتة، والتي ترى أنّ الفن الكرتوني والفن التشكيلي حرام، وفسق مصيره إلى جهنّم؟

§ لا شك أن المسافة شاسعة جداً بين الفنانين والمتزمتين. أنا شخصياً لاأحب التزمت في شيْء، لكن لا أصطدم مع من أخالفهم أو يخالفونني الرأي. يجب على الجميع أن يحترم أراء ومعتقدات الآخرين، أما من هو الفاسق ومن مصيره النار أعتقد أن علم ذلك عند الله سبحانه. أظن أن موضوع رسم الأشخاص في عمل كاريكاتوري يؤدي إلى إيصال فكرة مهمة للناس، وهذه هي الغاية منه.

§ قُل لي.. كيف يمكنك التوفيق بين مهنتك العمليّة، والتي هي مصدر رزقك، وبين عشقك الخرافي للرسم الكاريكاتيري رغم أنّ كلّ منهما يتطلّب إخلاصًا وتركيزًا ووقتًا طويلاً؟

§ الحياة صعبة ومتطلباتها تزداد وهذا يدفع الإنسان إلى مزيد من الجهد والعمل, أنا كمُهندِس أعمل في تدريس مادة المعلوماتية, وبعد الدوام أمارس مهنة أخرى نبيلة جداً جداً؛ وهي أنني أعمل كمزارع محترف في بستاني الجميل، أعرق وأكدح , وفي المساء أهتم بالقراءة والرسم . 

§ الارتباط الحميم والاحترافي بفنٍ نهواه لابد وأن يجعلنا نرتطم بمواقف طريفة، مٌبهجة، حزينة، أو غريبة لا تُصدّق.. ما هو أكثر مواقفك التي لا تنسى مع الكاريكاتير أو بسببه؟

§ من المضحك المبكي: قررت يوماً أن أقيم معرضاً في أحد المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة، فأعطيت مجموعة من المجلات التي نشرت رسومي إلى مدير المركز، ووافق على المعرض، وعند الافتتاح حضر هذا المدير و نظر إلى الرّسوم وقال " هذه الرّسوم مسْروقة" , فصدمت وقلت له: "من أين؟"، فما كان منه إلا أن ذهب وأتى بالمجلات التي أعطيته إياها قبل يومين!!!

§ مهما حقق الفنان من نجاحات، ومهما اقتربت الأهداف من التحقق، تبقى هناك أهداف وأمنيات بانتظار الفرصة وتوفيق الله .. ترى ما هي أمنياتك في مجال فنّ الكاريكاتير؟

§ أتمنى أن يُعطى كُلّ ذي موهبة حقه، وأن يُفسح المجال لفن الكاريكاتير كي يؤدّي دوره. هل يعقل أن نجد في بلاد العرب صحف ومجلات تستعدي هذا الفن وتحرم جمهورها منه وهو لغة الصورة المبسطة التي يفهمها الإنسان الأمي؟ كما أتمنى أن أرى إعلاما شفافاً نزيهاُ يتبنى قضايا شعبه ويعتمد على مواهب أبناءه.

§ كثيرًا ما تنطوي نفس الفنّان على كلامٍ كثيرٍ يودّ قوله، لكنّ الفُرص تضنّ بنفسها على رغبته في الإفصاح.. هل ثمّة ما تودّ قوله لشخصٍ أو جهات محددة قبل ختام هذا الحوار؟

§ قلنا الكثير لأشخاص في موقع المسؤوليّة, وفي مُناسبات عديدة ولكن كما قال الشاعر:

لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّاً         ولكن لا حياة لمن تنادي