عبد المجيد زيدان والأرض الطيبة نباتها طيب

إبراهيم خليل إبراهيم

بطل من بلادي:

إبراهيم خليل إبراهيم

[email protected]

البطل عبد المجيد السيد عبد المجيد زيدان من مواليد الحادي عشر من شهر فبراير عام 1950  م .

 نشأ في بيت بسيط بمنشأة عباس التابعة لقرية إصلاح شالما بمركز سيدي سالم أحد المراكز الإدارية لمحافظة كفر الشيخ بجمهورية مصر العربية .

رغم بساطة الأسرة إلا أنها كانت غنيّة بالاعتماد على الله تعالى والرضا في السراء والضراء .

والده كان الإمام  والخطيب وقارىء القرآن الكريم وأمه كانت أميّة لا تقرأ إلا القرآن عن ظهر قلب ولا تكتبُ إلا إقرارًا بقضاء الله .

عُرف البطل عبد المجيد السيد عبد المجيد زيدان بين إخوته بالذكاء والنباهة والنشاط وخفة الظلّ والروح  وتميّز عليهم في فنّ الخطابة حتى اعتلى المنابرَ وهو في خوض الثانية عشرة .

 شرب عن والده الكثير من العلم والتفقّه في أمر الدين والدنيا حتى نال قسطًا وفيرًا من الكياسة والرجاحة والعلم والفطنة إلى الاجتماعيات .

ولم يخلد إلى التواكل على أبيه بل كان يعمل في سنّ الإعدادية من العام ست وستين وتسعمائة وألف للميلاد معاونًا زراعية من قبل أن يلتحق بالمدرسة الثانوية الزراعة .

فى الخامس من شهر يونيو عام 1967 قامت إسرائيل بالهجوم المفاجىء على مصر وضرب مطاراتها واحتلال سيناء ومن ثم حصلت إسرائيل على نصر لا تستحقه ونالت مصر هزيمة لا تستحقها .

ولأن مصر قد تمرض ولكنها لا تموت فقد رفضت الهزيمة وقررت الصمود لتحرير الأرض المحتلة وبالفعل بدأ الكفاح, ففي الثلاثين من شهر يونيو عام 1967 وصلت المعلومات من المخابرات الحربية المصرية والتي تفيد أن قوة إسرائيلية مدرعة قوامها (15) دبابة ومدرعة سوف تتحرك فى منتصف الليل من القنطرة شرق لاحتلال بور فؤاد في الساعة الرابعة فجرا .

صدرت الأوامر لمجموعة من أبطال الصاعقة بالتحرك إلى بور فؤاد والدفاع عنها ومواجهة القوة الإسرائيلية   وفي الموعد المحدد جاءت القوة الإسرائيلية فى خيلاء وغرور لدرجة أن كشافات الإضاءة للمدرعات والدبابات كانت مضاءة مما ساعد أبطال مصر في تنفيذ مهمتهم فبمجرد دخول الدبابات والمدرعات الإسرائيلية كمائن أبطال الصاعقة والتي تعرف بأرض القتل انقض أسود الصاعقة على القوة الإسرائيلية التي أصيبت بالهلع والفزع وتمكن أبطال الصاعقة من تدمير القوة الإسرائيلية بالكامل وقتل 81 إسرائيليا .

هذه المعركة رفعت الروح المعنوية للعسكرية المصرية والجبهة الداخلية والأمة العربية  ولم تفكر إسرائيل مرة أخرى في الإغارة على بور فؤاد .

سميت هذه المعركة بمعركة رأس العش نظراً لوجود محطة للسكة الحديد غرب قناة السويس وتبعد عن أرض المعركة بحوالي 200 مترا والمعركة جرت شرق قناة السويس ولذا سجلت في التاريخ بمعركة رأس العش .

 كان البطل عبد المجيد السيد عبد المجيد زيدان يستعجل الأيام للالتحاق بالخدمة العسكرية والمشاركة في معارك الاستنزاف ولكن في الثامن من شهر أغسطس عام 1970 م تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لوق إطلاق النار نظرا لتفوق مصر وأذاعت وكالات الأنباء تصريحا لابا إيبان جاء فيه : ( لولا وقف إطلاق النار لواجهت إسرائيل تصاعدا فى الحرب مع مصر وبالتالي زيادة القتلى والجرحى وتآكل التفوق الجوى الإسرائيلي إن رفض وقف إطلاق النار يضع إسرائيل في موقف أخطر وأشد صعوبة من الآن ) .

قال الضابط الهندي ب . ك . ناريان : ( لقد أثبتت حرب الاستنزاف للمصريين أن المثابرة والعزيمة هما الضمان الرئيسي للنجاح كما اكتسبت القوات المصرية خبرة في مواجهة الغارات الجوية الإسرائيلية والتكتيكات البرية بعد أن استوعبت الأسلحة الحديثة وبدلا من الحرب الخاطفة ذات النتائج السريعة البراقة التي اعتادها جيش إسرائيل اضطرت إسرائيل إلى أن تقوم بحرب دفاعية وتكتيكات دفاعية ضد الإغارات المصرية ولقد حزن الإسرائيليون لهذا الانقلاب في الموقف العسكري والسياسي والذي فرض على إسرائيل إتباع الحذر وأن تصرف النظر عن غارات العمق ) .

بعد حصول البطل عبد المجيد السيد عبد المجيد زيدان على شهادة الدراسة الثانوية التحق بالخدمة العسكرية في السابع عشر من شهر سبتمبر عام 1970  .

واصل البطل العريف مجند بقوات بدر الحربية عبد المجيد السيد عبد المجيد زيدان التدريبات والاستعدادات لتحرير سيناء المحتلة وعودتها إلى حضن الأم مصر وعندما حان وقت الحسم أعطاه قائده المقدّم أركان حرب رفعت السعيد العجمي الراية في اليوم السادس من أكتوبر 1973 م العاشر من رمضان 1393 هـ  وأردف :

 يا عبد المجيد مصر بين إيديك .. جيش بحاله هيعدي وراك  لو نجحت هينجح ولو فشلت هتنهزم مصر كلها..

 كان يعلم  البطل عبد المجيد أنه يرقد خلف خطّ بارليف أربعة من الأعداء الصهاينة يتلقون أول عابر للقناة كوظيفة لهم ولكنه كان يعلم أكثر أنّه سيعبر حيّا كان أم ميتا .

عبر البطل من الفتحة الشاطئية رقم 11 , 141  وفقا لترقيم قناة السويس لتنفيذ تكليفه برفع العلم المصريّ وحمايته فوق خط بارليف في قطاع الوحدة القناة إلى سيناء في الأسبقية الأولى  .

تمكن البطل من تنفيذ مهمته بنجاح ولذا يعد أول من قام برفع العلم المصري على الضفة الشرقية لقناة السويس في قطاع عبور اللواء 12 مشاة .

واصل البطل عبد المجيد السيد عبد المجيد زيدان القتال حيث اشترك في أكثر من دورية مع المقدم رفعت السعيد العجمي والملازم أول محمد حسين عطية وكانت إحداهما في يوم الثلاثاء التاسع من شهر أكتوبر 1973 م الثالث عشر من شهر رمضان 1393 هـ  وتمّ في هذه الدورية أسر دبابة إسرائيلية من طراز سونتوريون 7 كما قام بإمداد مركز ملاحظة اللواء من تقنيات ومياه تحت تأثير قصف مدفعية وطيران العدو وكذا طوال مدّة الحصار حتى الأول من شهر فبراير عام 1974 بعد فصل القوات المصرية عن الإسرائيلية وأنه سلّم جميع عهدة التعيينات بصورة مشرفة .

في الأول من شهر يناير عام 1975 خرج البطل عبد المجيد السيد عبد المجيد زيدان إلى الحياة المدنية بدرجة رقيب مؤهلات .

في الأول من شهر يوليو عام 1976 تزوّج البطل إثر عودته للحياة بثياب النصر الأبيض من زميلته المعلّمة الفاضلة نادية عمارة السيد عقبة التي تمحورت عليها حياته بعد ذلك إلى مطاف النهاية فكانا يعملان معا كمعلمين في مدرسة مسير الابتدائية  بعد أن منحت الدولة كل من تقدم للدفاع عن الوطن في تلك الفترة حقّ التعيين فجاء عمله كمعلم للمرحلة الابتدائية .

لم يكتفِ بذلك  ولم يرتوِ بكثير فاجتهد وواصل دراسته إلى أن أتمّ بنجاح الحصول على دبلوم المعلمين والمعلمات تخصص الرياضيات والعلوم والأعمال الزراعية للبنين والاقتصاد المنزلي للبنات في عام  1982 .

تنقّل البطل عبد المجيد بين مدارسَ عدّة منها مدرسة مسير الابتدائية  ومدرسة سخا الابتدائية ثمّ مدرسة أسماء بنت أبي بكر الابتدائية بكفر الشيخ وظلّ يزرع الفضل هنا وهناك ويربّي جيلا بعد جيل ويقيم الأنشطة المسرحية والخطابية والصحفية والمجلات الحائطية ومعارض الصناعات الغذائية والدورات الرياضية ومسابقات الشعر من تأليف وإلقاء والقرآن الكريم والحفلات الغنائية والجماعات الإذاعية .

كانت أول من افتتحت المسرح المدرسي بكفر الشيخ بحضور حرم رئيس الجمهورية ابنته الكبرى نوران وكانت لم تتعدّ ربيعها الرابع يومئذ وقد أُلّفت لها أغانٍ على وجه الخصوص في حبّ كفر الشيخ وغيرها .

في عام 1986 سافر البطل المعلم عبد المجيد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وعمل إمامًا وخطيبًا كأول مجيئه ثمّ مربّيا للأجيال بالمنطقتين الشرقية والغربية للبلاد على الترتيب ولم ينؤ في حمل لواء جهاد الحياة السلمية كما الحربية  بل تفانى في عمله أكثر ما يكون التفاني  وما وطئ أرض عملٍ إلا جلب له المراتب الأولى والجوائز الطائلة والمراحل المتقدمة والدرجات الامتيازية  فكان خطّاطًا يتقن سبعة أنواع من الخط العربي تعلمها ذاتيا ويجيد كتابتها على اللوحات الورقية والخشبية والبلاستيكية والمعدنية والقماشية .

أيضا كان نحَويا وحافظا لكتاب الله حاملا لشريعته .. متعمقا في سنة رسوله .. محبوبا .. كريمًا خلقا ودينا ومعاملة .. عطِر السيرة .. عذب القول .. متقن العمل ..عاشقا للزراعة ولصنع طرق ريّها يدويا بفنّ وذكاء ولتربية النحل وأصناف الطيور مبتكرًا مخترعًا وله أكثر من عمل يشهد له ,صانعًا للنماذج المبهرة التي حظيت مراكز أولى على مستوى الدولة ورسّامًا فنانا شاملا عامًا وشاعرًا فذّا يكتب الزجل والفصحى العمودية والحرّ منها .. ترك قصائد خلّدها لا هى التي خلّدته منها ما كتبه تحت حرّ القصف وحرّ الصوم وبأس الحال :

قام البطل بكل حرارة ..

 أصدر قراره ...

ولّع شراره

هبّ الرجال ...

عبروا المرارة ...

زحفوا بغزارة ...

وفعزّ نهار الضهريّة ..

عدينا من فوق الميه

وقتلناهم مية المية ..

وقف رفعت العجمي ...

 وعطاني راية بلدي

وقالي : أهم إخوانك عدّوا ....

ع الشطّ التاني بيحاربوا 

عدّيلهم عدّي

ارفع علمك

حقق أملك

امحي ألمك ...

 اغسل همّك ...

حرّر أرضك ...

 رجّع فرحك

ازرع ازرع راية بلدك ....

للشطّ التاني وعدّي

الله أكبر .. عديت ..

الله أكبر وديت

كلّ ولاد النصر معايا ...

عبرت ومصر ورايا

قلت لمصر يا مّايا ..

علمك شايله معايا

ردّت مصر بصوت النصر ..

 يلا ازرعه يا ضنايا

ارفعه فوق وعلّيه ..

 ادفع له دمك وافديه

وخد بالك ..

واحميه علّيه ..

افديه .. احميه ..

يا ولاد الطهر

 عبرنا الضهر

خطينا القهر في يوم النصر

وعلمنا فوق زرعنا 

لا إله إلا الله

ودفعنا المَهر

 فليلة بدر فساعة

بعد ما صاح الشاب الأسمر ..

ندهة مدفع لهبه الأحمر

عدّى لسينا لجل يحرّر

أرض الطهر الرمل الأصفر

عدّى وشايل حقد معكّر

عدى وفات من فتحة معبر

بص وشاف الشمع منوّر

فجر النصر ....

الله أكبر

شالني ومشّى وشايل علمي

ندهتْ ساعتها لخالي وعمّي

يا لّا نغني أعزّ حكاية

بينا نردّد أغلى رواية

يوم ما رفعت لمصر الراية

يوم ما وهبت لمصر صبايا

كان قدّ منّ الله عليه بصدقة جارية أنماها في حياته ورعاها حقّ رعايتها  وسقاها سقية علمٍ ودينٍ وورع وإصلاح مدخرًا حصادها ليوم أن يواريَه التراب  فرزقه الله بابنته الكبرى ( نوران ) التي حملت عنه حلمَه والتحقت بكلية الزراعة التي طالما تمنّاها وحيل بينه وبينها علاوة على ارتكابها الفنون منذ اخضرارها .

من إثرها  ( نجوان ) التي تلقفت الأجيال من بعده تربيها وتعلمها  وأخذت عنه مهنة التعليم حبًّا وواجبًا ورسالة  بعد أن أكملت دراستها الجامعية في كلية التربية قسم الرياضيات وسنتين بالدراسات العليا .

ثمّ فتاته الوسطى ( جيلان ) ولم تألُ جهدًا في امتصاص فنّه وخطّه ورسمه وأكملت عنه طريق الشعر كما بدأه وتمنّى.. نالت ميدالية برونزية من كوريا الجنوبية في الرسم وخطوط الأطفال في عام 1993 أنهت بكالوريوس الهندسة قسم الالكترونيات والاتصالات الكهربية بتفوق وكانت من أوائل دفعتها , وحملت لقب الطالبة المثالية على مستوى جامعتها , ثم شرعت بالماجستير .

ثم رزقه الله  بفلذة كبده ( إسراء ) التي تحيّر في اسمها فأهداه القرآن له كلما فتحه وجد سورة الإسراء قِباله فأسماها كما هُدي إليه .. درست كلية الآداب قسم الجغرافيا تخصص المساحة ونهلت من مشربه الكثير في الشعر والقرآن وغيره .فحظيت مركزا أوّلا قمّيا على مستوى الجمهورية في مرحلتها الإعدادية لمرتين متتابعتين, كما أختها ( جيلان ) في مرحلتها الثانوية. وأيضا كانت مرآة  صنعه الخيّر, فحملت هي الأخرى لقب الطالبة المثالية على مستوى المحافظة في سنّ مبكرة.

ثمّ كان دعوته في الكعبة المشرفة  ( محمدًا ) ولدُه الأوحد والأصغر يدرس منهاج الثاني الثانوي الآن طبع عنه الشعر والقرآن أيضا وتفوق في علم التقنيات الحديثة والالكترونيات بعيدًا عن دراستها حتى نبغ فيها .

سكب البطل والمربي الفاضل عبد المجيد السيد عبد المجيد زيدان في عياله خصاله وروحه وعلمه وتقواه حتى استقوا بها وتزوّدوا بما عنهم يفيض وورّثهم نفسهم حتى تشعّبوا بها يبنون إرث الحياة من بعده ولم يدرِ بأن القدر قد اختزل له الشهادة في غير حرب .. في منزله وعلى فراشه بعد أن أتمّ صلاة الفجر وجهر مرتّلًا آيات الله القرآنية .. تمدّد أفقيّا متعامدةً عليه روحُه الطاهرة .

.. ومات البطل عبد المجيد السيد عبد المجيد زيدان في صباح يوم التاسع من شهر مارس 2011 م الموافق للرابع من شهر ربيع الآخرة  لعام 1432 هـ وقتَ كان الصباح وكان الربيع .. وكانتِ الآخرة .

رحمه الله وأخلده في الجنة .