حوار مع الكاتب عباس سليمان
إنّ وظيفة التّأثير في القارئ هي من أوكد مهامّ الكاتب
حاورته : هيام الفرشيشي – تونس
رغم ظهوره في المشهد الأدبي التونسي في العشرية الأخيرة فإن القاص والروائي عباس سليمان تميز بغزارة مدونته الأدبية ، ولا قت كتاباته الاهتمام النقدي كما درست بعض نصوصه في بعض الجامعات الجزائرية ، وتوجت روايته " سفر التيه " بجائزة المدينة بالحمامات . تصور نصوص عباس سليمان واقع الحياة اليومية و انقلاب القيم من أجل مسايرة ضغوط الحياة ، و لكنه لا يعكس المرجع الواقعي فحسب ، بل يجنح نحو الفنتازيا ، ويكتب النص المختلف الذي يحمل بصمته الأدبية الخاصة .
حول كتاباته الأدبية وأسلوبه الفني ورؤيته كان للملحق الثقافي معه هذا اللقاء :
السّؤال الأوّل: عرف الكاتب عبّاس سليمان بكتابة النصّ الواقعي في أغلب كتاباته ، ولكنّه يجنح أحيانا نحو الفنتازيا ، ألا ترى أنّ الكاتب يجب أن لا يكتفي بالمرجع الواقعي بل عليه التأمّل في الذّات والتّراث الأدبي ؟
* صحيح أنّ كتاباتي القصصيّة الأولى ما جاء منها خصوصا في "موتك يقتلني" وفي "أيّام العطش" كانت واقعيّة إلى حدّ كبير ولكنّ الأمر تغيّر تماما مع "لا موت بعد اليوم" و"رأسي الجديد" حيث أصبحت الأقاصيص خيالا وخيالا علميّا وفانتازيا وواقعا آخر بوسعه أن يرضي طموح الكاتب ويوسّع مدار حرّيته وبوسعه أن يستجيب لانتظارات القارئ الذي ملّ الواقع فأصبح يبحث عن مجالات إبداعيّة قادرة على أن تنقله منه إلى دنيا لا تشاكله ولا تشابهه ولا يصيبه منها الملل والفتور.
لذلك أنا معك في أنّه على الكاتب أن لا يكتفي بالمرجع الواقعي وإلاّ أصبحت كتابته مشابهة لما يكتب في صفحات الحوادث وفي مرافعات المحامين. عليه أن يبني واقعا آخر يكون ملاذا لقرّائه يستجيرون به جميعا من المجترّ والممجوج والمتداول وهو ما لا يتأتّى ما لم يغص الكاتب في أعماق الذّات الحيّة وحتّى في أعماق الذّوات الجامدة يشخّصها ويؤنسنها ويبثّ فيها الرّوح والأحاسيس وينطقها ويبني معها الحوارات وما لم ينكبّ على الثّراث الأدبيّ يستخرج من مواقفه مواقف أخرى ومن أدبيّاته أدبيّات جديدة ومن شخوصه شخوصا يلبسها ثوبا جديدا ومن جماله جمالا يضاهيه.
السّؤال الثاني : لم يرجّح الكاتب عبّاس سليمان كفّة القصّة عن كفّة الرّواية ، بل يداوم على كتابة الصّنفين الأدبيّين ، فما هي الحدود الفاصلة بين القصّة والرّواية ؟
* عندما بدأت قاصّا لم أكن أفكّر في كتابة الرّواية وعندما كتبت الرّواية فكّرت أن لا أعود إلى القصّة!!!
ولكن يبدو أنّ جنس الكتابة هو من يفرض نفسه على الكاتب وليس العكس ذلك أنّه ثمّة حدود فاصلة كما ذكرت هي التي توجّه النصّ نحو أن يكون أقصوصة أو رواية. لعلّ الموضوع نفسه- موضوع الحكي- محدّد في التّوجيه وضابط للحدود الفاصلة إذ ثمّة فرق بين أن تستقرّ في ذهن الكاتب حادثة انتحار شابّ فجاة إثر واقعة فشل مّا وبين أن تستقرّ في ذهنه فكرة تصوير حكاية فتيات أربعة يشتغلن في حانة ولهنّ خارجها علاقات عائليّة وصداقات ومواعيد عمل أخرى ووراء كلّ منهنّ تاريخ طويل وأمام كلّ منهنّ مشاريع وطموحات لا حدّ لها. لا شكّ أنّ الفكرة الأولى ستخرج على القرّاء أقصوصة في أربع صفحات في حين أنّ الثّانية ستنكتب رواية كما كان الأمر في روايتي الأخيرة " جحيم في الجنّة".
السّؤال الثالث : يقدّم الكاتب عبّاس سليمان نصوصا أدبية صادمة ، تتميّز بسقوط القيم وتعفّن الحياة الاجتماعية وانفصام العلاقات ، ألهذا الحدّ صار الأدب يعنى بالمرذول والمتروك ؟
* ينبغي أن لا تكون أمام الأدب علامات وقف وخطوط حمراء. لا ينبغي أن يقتصر الأدب على تصوير الجمال والرّفاه والمشاعر الأخّاذة والحيوات السّعيدة.
أعتقد جازما أنّ الأدب ليس أدبا إن لم يكتب المختلف وإن لم يجس داخل رؤوس البسطاء والمنكوبين و سيّئي الحظّ و سيّئي الأدب. تقولين إنّ نصوصي صادمة، ما هو الأدب إن لم يكن صادما؟ إن لم يخلق في متلقّيه صراعا فكريّا وأدبيّا وثقافيّا يحسّ معه المتلقّي أنّه انتقل من الهدوء والسّكينة إلى الارتباك والقلق؟
سأعطيك مثالا: في روايتي " أيّام إضافيّة أخرى" انطلقت من حدث افتراضيّ مفاده فراغ البنوك فجأة ذات صباح من كلّ أموالها لأنطلق بعد ذلك في الجواب وعلى طول الرّواية على سؤال يقضّ مضجعي هو : ماذا يمكن أن يحدث عندما تغيب القيم؟
ليست غايتي إذن تصوير مجتمع بلا قيم يسوده العفن بقدر ما هي الإلفات إلى أهميّة القيم في حياة المجتمعات فالأمور تفهّم أحيانا بأضدادها .
السّؤال الرابع : رغم تصوير الكاتب عبّاس سليمان لشخصيّات تعدّ من ضحايا المجتمع ، وخاصة في رواية " جحيم في الجنة " ، فإن القارئ لا يتعاطف مع هذه الشخصيات سيما وأن الكاتب أفقد كتابته الشحنة الدرامية التي تثير عاطفة القارئ ؟ هل ذلك موقف منك ككاتب ؟
* أشير أوّلا إلى أنّ إثارة عاطفة القارئ مسألة نسبيّة فالقرّاء مختلفون ومرجعيّاتهم مختلفة. أنت تعرفين أنّ فهم أيّ نصّ وتحليله مرتبط بمحدّدات ثلاث هي النصّ أوّلا والسّياق ثانيا والقارئ ثالثا بما يعني أنّ اختلاف السّياق سبب في اختلاف فهم النصّ وبما يعني أنّ كلّ قارئ يفهم النصّ بطريقته ويتأثّر به وينفعل بدرجة لا تلزم غيره. لذلك فالذين تعاطفوا مع فتيات روايتي " جحيم في الجنّة" لديهم أسبابهم ودوافعهم والذين اعتبروا أنّ الكاتب تعمّد أن يفرغ النصّ من شحنته الدّراميّة لهم فهمهم المخصوص. شخصيّا اعتقد أنّ وظيفة التّأثير في القارئ هي من أوكد مهامّ الكاتب على أنّني لا احدّد هذا التّأثير ولا أقصد به جانبا وحيدا أوحد يرغب فيه الكاتب دون سواه بمعنى وجوابا على سؤالك العميق هذا أنّ السّارد أثّر في فئة من القرّاء فتعاطفوا مع فتيات حانة " سي عبدالله الأحمر" وأثّر أيضا في طائفة أخرى منهم فجعلهم لا يتعاطفون مع الشّخصيّات نفسها!!!
السّؤال الخامس : كتب القاصّ والرّوائي عبّاس سليمان بعض القراءات النقدية لكتب سردية ، فهل أن الكتابة عن النص تقتضي التفاعل مع ذلك النص الأدبي ؟ وهل هناك مقاييس في اختيار هذه النصوص ؟ أم أن كل النصوص قابلة للنقد في رأيك ؟
* ما يحدّد اختياري لنصّ معيّن للكتابة عنه دون غيره هو ما في النصّ من اختلاف. قد يعجبني نصّ عاديّ ولكنّي أقف عند حدود الإعجاب لا أتعدّاه إلى الكتابة لأنّني لم أقف على ميزة في المبنى أو في المعنى أو في كليهما لذلك النصّ.
السّؤال السّادس: ما الذي يمكن أن ننتظره منك قريبا؟
* لديّ رواية ترفض أن تكتمل ولديّ مجموعة قصصيّة بصدد الرّقن وأنتظر التّرجمة الفرنسيّة لروايتي "الجحيم في الجنّة" التي ستتمّ خلال سنة 2011.